منير الربيع: عون والتنازلات

198

عون والتنازلات
منير الربيع/المدن/ | السبت 09/07/2016

لم تعد شخصية سياسية من الصف الأول تخفي جدّية الحراك الذي ينطلق فيه النائب ميشال عون. المداولات بدأت قبل فترة ليست قصيرة، الجميع كان يحيطها بالسرّية إلى أن تسرّبت أخبار اللقاءات المكوكية التي شهدتها الساحة اللبنانية. بغض النظر عن مدى نجاح المساعي والوصول إلى النتيجة التي يريدها رئيس تكتل التغيير والإصلاح بالوصول إلى قصر بعبدا، إلّا أنه لا يمكن نفي “حراكه الجدّي” في اتجاه جميع الأفرقاء. فالبنسبة إليه، أن يزور دار الفتوى وعين التينة، ليس أمراً عادياً، ولم يكن ليحصل لولا وجود شيء ما يلوح في الأفق، وفقاً لحسابات الرابية.

زيارة التهنئة بالعيد لمفتي الجمهورية اللبنانية، يدرجها عون في سياق فتح صفحة جديدة مع الطائفة السنية، ومدّ اليد على قاعدة المصالحة. أما الزيارة إلى عين التينة، التي أتت بعد التوافق على الملفّ النفطي، فهي تنطلق من قناعة الجنرال أن لدى الرئيس نبيه برّي جزءاً من مفتاح بعبدا. تتحرّك المفاوضات منذ مدّة على محور الرابية ومعراب وكليمنصو، وحارة حريك توضع بالأجواء، فيما تبقى العقبة الأساسية، وفق ما يتداول المتحاورون في ما بينهم، بإقناع كل من الرئيس سعد الحريري وبري بالسير بتسوية عون، على قاعدة أن البلد أهم من شخص الرئيس.

بالتأكيد، كل ذلك، يوجب على عون دفع أثمان لقاء طرح إسمه أولاً، ولتسويق نفسه ثانياً. وتكشف مصادر متابعة لـ”المدن” أن اللقاءات بين الوزير جبران باسيل ومدير مكتب الرئيس الحريري، نادر الحريري، تفعّلت في الآونة الأخيرة. لكن هذه اللقاءات وحدها لا تنتج رئيساً ولا تسوية. وتقول المصادر إنه في المفاوضات السابقة بين عون والحريري، طالب الأخير بالضمانات التي سيمنحها عون في حال انتخابه، فلم يقدّم أي جواب واضح، وكان يكتفي بالقول: “لا داعي للقلق، إذا ما انتخبت، سنشكّل ركيزة مثلّثة الأضلاع مع حزب الله لحماية البلد، وكل شيء سيكون كما تريدون”. لم ترق هذه الإجابات “تيار المستقبل”، الذي طالب بتعهدات علنية ومكتوبة. ففشلت المفاوضات. أما اليوم، وبهدف نجاح التسوية، على عون تقديم ما يريده “المستقبل”.

في قراءة لهذه المواقف والمشاورات في الكواليس، تعتبر مصادر أن عون في مكان جاهز لتقديم تنازلات عديدة، كان أولها تسهيل التوافق على ملف النفط، إنطلاقاً من وجهة نظر الرئيس برّي. وبالتالي، فإن هذا التنازل قد ينسحب على أمور أخرى، فيما يوجد في “التيار الوطني الحر” مَن يعتبر أن “المستقبل” ليس بحاجة إلى تنازلات ضخمة، لأنه في وضع ضعيف وأكثر ما يريده بقاء الطائف وعودة الحريري إلى السرايا. ما يعني أن لا مزيد من التنازلات.

يتفق نواب التيار وقادته على أن الحركة الجدية التي يقوم بها عون هي رئاسية فقط، ولا تتعلق بأي أمر آخر. هناك رفض شديد لديهم لاعتبار أن مسألة المفاوضات الرئاسية خاضعة لمفاوضات وملفات أخرى. هذا ما يؤكده كل من النائبين زياد أسود وحكمت ديب لـ”المدن”. ويعتبران أن عون لن يقدم أي تنازلات، وما يقوم به هو للحفاظ على الدولة ومؤسساتها، وللتقريب في وجهات النظر بين الأفرقاء. وبالتالي، لا يمكن لعون التنازل عن أي شعار من شعاراته، وخصوصاً طرحه المتعلق بالرئيس القوي لتعزيز صلاحياته وحماية الوجود المسيحي.

في المقابل، ثمة من يتحدّث عن سلسلة تنازلات مطروحة على الطاولة، تنتظر أجوبة عون، و”حزب الله” من خلفه. أولها التسليم والإعتراف بإتفاق الطائف؛ وثانيها، قانون الانتخاب الذي يرضي الجميع، ولاسيما بري وجنبلاط والحريري؛ بالإضافة إلى التسليم بأن رئاسة الحكومة للحريري، ومنحه مساحة واسعة للتحرك في السياق الإقتصادي، والتعهد بعدم التعرض لأي من المحسوبين على “المستقبل” في مواقع معينة في الدولة. وكذلك مسألة سوليدير وأمور أخرى.

أما في شأن التنازلات الخارجية المطلوب من عون تقدمها، فهي منوطة بحراك وزير الخارجية جبران باسيل: أولاً، إعادة الإعتبار للعلاقة الجيدة مع دول الخليج، والتخفيف من حدّة الموقف “الباسيلي” في المحافل الدولية تجاه اللاجئين السوريين، والتجاوب مع التوجيهات الدول والجهات المانحة لتوفير المساعدات لهؤلاء، ووقف الحملة التي يقودها باسيل ضد المجتمع الدولي متهماً إياه بالسعي لتوطينهم.

وسط ذلك، هناك من يسأل أنه في حال عدم وجود مناخ للتسوية، كيف يمكن إنجاز هذا الإتفاق؟ ومن يضمن تطبيقه والإلتزام به؟ ويعتبر أن المحاولات الجارية حركة في الوقت الضائع. ويرى بعض مستبعدي نجاح التسوية، أنه في حال وافق “المستقبل” عليها، فستعكس مزيداً من الهشاشة والخفة لديه. وبالتالي، سيتحمّل مسؤولية الفراغ في الموقع الأول في الدولة لمدة سنتين، إذ سيبدو أنه كان في إمكان الحريري الموافقة على ذلك قبل سنتين. وينطلق هؤلاء المستشرسين في معارضة انتخاب عون، بإشترط “حزب الله”، منذ بدء الفراغ الرئاسي، القبول بعون. ما يعني أن الحزب يريد الإمعان أكثر في حشر “المستقبل” وتجريده من مواقفه، بمعزل عن المرحلة التي ستلي هذا الإعلان، سواء نجحت التسوية أم لم تنجح. وبالتالي، هذه الحسابات تؤخّر التوافق، وربما تقضي عليه، لاسيما في ظلّ انعدام أي أجواء إقليمية توافقية.