أسعد بشارة: جعجع: أللهم أشهد أنّي قد… رَشّحت

185

جعجع: أللهم أشهد أنّي قد… رَشّحت!
أسعد بشارة/جريدة الجمهورية/السبت 09 تموز 2016

سرَّع رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع من وتيرة ديناميته في تعزيز فرَص وصول رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الى الرئاسة، بسلسلة لقاءات مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري. بغضّ النظر عن نتائج هذه المساعي، فإنّ جعجع الذي يُريد أن يؤدّي قسط ترشيحه للعماد عون الى العلى، ما زال على قناعته بأنّ «حزب الله» يُعطّل انتخاب عون، وأنّ قطبة «حزب الله» المخفية الذي لا يريد انتخاب رئيس، تمنع وصول عون الى بعبدا، لكنّ المفارقة في كل ذلك أنّ عون نفسه الذي تحرَّك منذ تفاهم معراب على وَقع لعبة عضّ الاصابع، لا يزال يمتنع عن رؤية المكمن الحقيقي الذي يمنع انتخابه رئيساً، أي «حزب الله» الذي لا يستعمل الحدّ الأدنى من أوراق اللعبة لانتخاب عون، ومن هذه الاوراق سَحب ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، والتأثير على الرئيس نبيه برّي، فيما يضع الحزب كل اسباب التعطيل عند تيار «المستقبل» والرئيس سعد الحريري.

في خلاصة تحرّك جعجع لتسريع انتخاب عون، يمكن القول إنّ عثرات واضحة تعترض طريق الجنرال. فالرئيس سعد الحريري الذي استمع مطوّلاً الى الدكتور جعجع وهو يشرح ايجابيات وصول عون، ومنها ترؤسه المؤكّد الحكومة الأولى في عهد عون، لم يوافق على هذا الترشيح لأسباب كثيرة، أوّلها الريبة من عون الذي لا يمكن وضع اليد في يده، فالمجازفة بسحب اليد من فرنجية، قبل التأكّد من حصول تسوية مع عون يوافق عليها «حزب الله»، أمر يحمل الكثير من المخاطرة. أمّا الاسباب الأخرى لرفض الحريري، فهي تتراوح بين الخشية من التأثير السلبي على الحريري نفسه أمام قاعدته، وهو تأثير لا يستهان به، وبين الرفض السعودي الدائم لانتخاب عون. هذا الرفض الذي لم يتغيّر، ولم يكن يوماً مرتبطاً بقرار من أمير سعودي أو آخر، بل كان دائماً توجّهاً سعودياً معزّزاً بخبرة التعامل مع عون منذ «اتفاق الطائف» وحتى اليوم.

بالنسبة إلى النائب وليد جنبلاط، فالقضية تأخذ بعداً آخر، فهو لا يمانع انتخاب عون كتسوية تفتح كوة في الجدار المقفل، لكنّه لا يملك مفاتيح المجلس النيابي، وجُلّ ما قام به هو أنّه تحوّل الى ساعي بريد مع «حزب الله»، معلناً دعماً مبدئياً لعون يُشبه الى حدٍّ بعيد دعمه المبدئي للنائب فرنجية، الذي عاد وتراجع عنه، مستمراً في ترشيح النائب هنري حلو، ومُسدياً في الوقت نفسه النصيحة للدكتور جعجع بأن يتوجّه إلى وضع مفتاحه في قفل الرئيس برّي. لم يتردّد جعجع في استكمال ديناميته العونية، فأوفد النائب جورج عدوان إلى الرئيس برّي، وأتَمّ واجباته الرئاسية على أكمل وجه، لكنّ ما رشح عن الرئيس برّي وما قاله شخصياً في حديث صحافي أمس الاول لم يحمل بوادر كسر الجليد مع العماد عون، لا بل بَدا أنّ برّي متمسّك برفض عون، وبَدا ايضاً أنّ ملائكة «حزب الله» لم تظهر في زيارة عون إلى عين التينة، وبقيَ الجنرال متأرجحاً، وتحوّل الى وسيط نفسه رئاسياً، حيث تركه الحزب يقلّع شوكه بيديه، من دون أيّ تدخل أو إشارة الى تغيير في موقفه الرافض انتخاب الرئيس، إلّا وفق شروط كان وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف قد طرحها بالتفصيل في لقائه مع المسؤولين الفرنسيين. مارَس جعجع مع عون منذ تفاهم معراب سياسة واضحة، فقدّم كل ما يجب تقديمه. رغبته في أن يكون صانع الرئيس ميشال عون لا شكّ فيها، لكنّ القدرة على فِعل ذلك تترك مجالاً آخر للبحث، فـ»حزب الله» لن يعطي جعجع هذا الانتصار، وهناك آباء كُثر، يحسبون أنفسهم الأقدر على وَضع التاج على رأس الرئيس، لكنّ جعجع مستمر في مساعيه. فإذا وصل عون الى بعبدا، كان من المشاركين الاساسيين في صنع الرئيس، أما اذا لم يصل، فلن يكون في وسع جعجع إلّا القول: «أللهم أشهد أنّي قد رَشّحت»، عندها تكون الطابة قد أصبحت في ملعب الجنرال، لكي يبدأ العمل على الخطة باء.