الـيـاس الزغـبـي: تشاؤم القصر

145

 تشاؤم القصر
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/09 تموز/16

جميع السياسيّين، معظمهم على الأقلّ، متفائل.
– المرشّحون منهم للرئاسة الأُولى، يوضّبون حقائب الصعود إلى قصر بعبدا، بناءً على همسات وإشارات من أهل البيت وأهل الخارج، أو وسوسات النفس الأمّارة بـ”السوء”.
– طابخو الرئاسة يتسابقون على ألقاب عرّابيّ أو صانعيّ الرؤساء.
– بطانات المرشَّحين تحسب الحصص وترسم خريطة طريق المغانم وتوزيع المناصب.
– أولئك الذين يسيل لعابهم على رائحة النفط والغاز، والذين بدأوا يتفاهمون على تقاسم الريوع بحسب البلوكات والسمسرات والعمولات والفواتير الرئاسيّة.
– الموعودون بجنّة السدود والمواقف والنفايات والشواطئ والاتصالات والاوتوسترادات وعشرات المشاريع المدهنة، ويصفّقون لمتفائلي الصف الأوّل.
جميع هؤلاء يربطون تفاؤلهم المستجدّ باستحقاق واحد: تسمية رئيس جديد للجمهوريّة. والمتشائم الوحيد هو قصر الرئيس، فارغاً كان أو مملوءاً بمن لا يريد! وهذه التسمية (نقيض الانتخاب) ما زالت في ظهر الغيب: فالذي يوضّب حقائبه ويوصي الخيّاطين ببذلات الرئاسة، يواجهه غريمه بتسقّط الأخبار من مصادرها بين بيت الوسط وباريس والرياض، ويضحك في سرّه على التفاؤل الصبياني المجّاني. والإثنان ينتظران الترياق الذي يحمله وزير خارجيّة فرنسا، وكأنّ الوزير يملك مفتاحاً سحريّاً لم يملكه رئيسه حين زار لبنان قبل أسابيع فقط. بينما المفتاح مرصود في طهران التي لا تملك سوى جواب نمطي واحد لمن يسألها عن رئيس لبنان: إذهبوا إلى اللبنانيّين وتحديداً “حزب الله”. و”حزب الله” ينام “ملء جفونه عن شوارد الرئاسة” وحليفيه المتعلّقَين بحبال هوائه، ويسهر فقط على تشييع ضحاياه الذين يسقطون في سوريّا، وتطويق نقمة أهلهم المتزايدة. ولذلك، حاول حليفاه المرشّحان تغيير أسلوبهما، وقرّرا بسط الكفّ الناعمة لخصومهما: أحدهما ذهب إلى استرضاء الرافضين ترئيسه، نبيه برّي وسعد الحريري، بواسطة الإغراء النفطي للأوّل، وعبر بوّابة دار الفتوى واستعطاف السنّة للثاني. أمّا ثانيهما ففتح خطوطه الخفيّة مع السعوديّة وفرنسا، والعلنيّة مع ممثّلي النظام السوري وحزبه، كي يقطع الطريق على تفاؤل “حليفه” اللدود. والنتيجة، كما تظهر حتّى الآن، أنّ أبرع ماشطة لا تستطيع تجميل الوجه القبيح ورفع المسؤوليّات الدمويّة، وأنّ الكفوف الناعمة غير قادرة على إزالة ما تراكم من عدائيّة عميقة وتحريض مذهبي ونبش قبور وقطع تذاكر سفر واستحالة إبراء. وفي ظلّ غموض الموازين في سوريّا والمنطقة، والمصالحات الإقليميّة والدوليّة الجديدة، وخلو المسعى الفرنسي من أيّ وعد إيراني بسبب توجّس طهران من هذه المصالحات وجهلها لما سترسو عليه خريطة نفوذها، يبدو أنّ طاقم المتفائلين بالرئاسة والنفط وما بينهما وخلفهما، لا يملك الصورة الحقيقيّة. لم ينحدر لبنان عبر تاريخ رئاسيّاته، في الحرب والسلم، إلى هذا الدرك من الخفّة وصَيد السراب، ومحاولة البناء على زيارة أو اتصال أو مأدبة أو غمزة، والاستسلام لإطراء البطانة وتملّق الانتهازيّين وتحرّك الرغبات المزمنة والدفينة. ولم تكن الرئاسة، في أيّ يوم، سلعة مفتوحة في بازار الحصص مهما كانت ثمينة، ولو كان النفط والغاز أثمنها. فرئاسة بلون النفط ورائحته يمجّها اللبنانيّون سلفاً. المتفائلون يُعدّون العدّة للعرس بأرهاط من المطبّلين والمزمّرين. لكنّ مكان العرس وزمانه غير جاهزّين بعد لاستقبال أحد “العريسَيْن”. جوقة متفائلين، ومتشائم واحد غارق في ليله الطويل: قصر بعبدا، سواء ظلّ عازباً، أو جاءه عريس غير لائق وغير مرغوب فيه. وقد ينضمّ إلى القصر متشائم آخر، النفط الغارق في سواد اللجج العميقة، سواء ظلّ نائماً أو خرج إلى جيوب المتحاصصين!