وسام سعادة: القاع لم تستسلم للهلع وفتحت الطريق للمنظومة الدفاعية/أسعد بشارة: الوقوع في فخّ القاع

204

القاع لم تستسلم للهلع وفتحت الطريق للمنظومة الدفاعية
وسام سعادة/المستقبل/29 حزيران/16

هجمات الاثنين الأسود في القاع، الانتحارية صبحاً ومساء، ثاني مؤشر مقلق، بعد حادثة تفجير المصرف، لتزايد وقائع التعريض بالسلم الأهلي والمجتمعي اللبناني الهش، وامتحانه بشكل عويص أكثر فأكثر، باحتمالات مزيدة. الانصراف للهلع والرهاب ليس حلاً، لكن صيفنا هذا يبدأ حارّاً وفاقداً للأوكسيجين الى حد كبير، وهو فصل سيُحتسب بالمؤشرات الأمنية قبل أي شيء آخر، في مرحلة حساسة من «المناقلات» الإقليمية والدولية، لا يملك البلد إزاءها حدّاً أدنى من شبكة المناعة، في ظل تمادي الشغور الرئاسي، وحالة الدوران الفراغي المتزايد، سواء على مستوى المؤسسات الكسيحة أو المعطّلة، أو على مستوى القوى السياسية الغارقة في دهاليزها، أو التي تصل بها المتاهة، استنزافاً، حتى تخوم حلب. أما البلدة المسيحية البقاعية الحدودية الجريحة، التي تستذكر في هذه الأيام ذكرى شهدائها على يد المخابرات السورية قبل عقود، وتبكي شهداءها الجدد، فهي تعطي معنى واقعياً وملموساً للتصدي للإرهاب.
فالمعطى الذي سطّره أهلها هو سياسي بكل ما للكلمة من معنى ويقطع الطريق أمام «المقاربة الأسدية» النمطية تجاه المسيحيين: فلا وقت ولا مساحة للهلع. ومعادلة الحماية الأساسية ثنائية لا ثلاثية: جيش وشعب. «المقاومة» المذهبية الأصولية التي تريد فرض «حمايتها» على سواها لا مطرح لها هنا.
هذا المعطى الأهلي الإيجابي، يناقض بشكل أساسي منطق «حلف الأقليات» الرائج في منظومة الممانعة، القائم على حماية «الأقليات الأكبر» أو «الأقدر» للأقليات الأصغر، أو الأكثر ضعفاً. القاع واجهت عملياً تحديين في وقت واحد. أولهما مع المهاجمين المتعطشين للنحر والانتحار والعدمية. والثاني مع الراغبين في أن يتحوّل الاستنزاف الخاص بهم، كأنصار للطغيان الأسدي في الحرب السورية الى مصاب عام، يشرك بالغصب واستثمار الهلع من هو مقتنع بالنأي بنفسه عن هذا السبيل، ومقتنع في الوقت نفسه بأنه حان الوقت للحديث الجدي في منظومة دفاعية لم يعد محصوراً البحث بها في الجبهة الجنوبية، بل صارت الجبهة الشرقية والشمالية تفرض نفسها، بإجماع الكافة، أياً كانت حدة الخلاف حول مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية. التفكير صار واجباً في منظومة دفاعية تأخذ بعين الاعتبار كل الجبهات، كل حدود لبنان، تأخذ اذاً بعين الاعتبار ضرورة انتاج حدود للبنان وبنائها، بما تعنيه هذه الحدود من شبكة معابر، وحرس حدود قوي، وقرى منيعة ومجرّبة، في حمى الشرعية اللبنانية وكنفها، وبالاستفادة من معرفة أبناء كل قرية لجغرافية قريتهم أكثر من أي نفر قادم اليها من خارجها. أن تكون لنا حدود، وسياسة حدودية، هذا هو الشرط الأساسي كي تكون لنا منظومة دفاعية. أن لا تكون لنا حدود، وسياسة حدودية، فهذا يعني المزيد من الاستنزاف اللبناني في سوريا، بمعية «حزب الله«، والمزيد من عدم السيطرة اللبنانية على تداعيات اللجوء الديموغرافي السوري الى لبنان، ومزيد من الوهن في مواجهة شبكات ومجموعات التخريب والإرهاب. الحدود هي اذاً مدعاة لتسوية لبنانية أساسية، فالكل بات يحتاجها لو تعقل وتدبّر، وإن كان المحارب في سوريا والقابض عنوة على قرار الحرب والسلم لا يزال يقف حجر عثرة دون التطرق الجدي الى ذلك.. ولو كانت بعض الأفكار المجردة حول الدولة وما اليها والناس وما اليهم غير قادرة لا على تفعيل دور الدولة ولا على فهم دور الناس. القاع بلدة مكافحة لم تستسلم للهلع ولن. وهي باقية في مكانها بأهلها، كجزء ممتد من الجبل اللبناني في شرق البقاع. من الضرورة بمكان بعد القاع، التطرق بشكل ملموس لكل القضايا المطروحة إما بشكل انفعالي وإما بشكل تجريدي، من قضية الوجود الديموغرافي السوري في لبنان، الى قضية إعادة مقاتلي «حزب الله» الى لبنان، الى القضايا المتعلقة بالعلاقات بين الطوائف بحيث لا تشعر أي منها أنها تحت وطأة «حماية» طائفة أخرى، أو معلّقة في الفضاء.

 

الوقوع في فخّ القاع
أسعد بشارة/جريدة الجمهورية/الأربعاء 29 حزيران 2016
لم يكن أمام أهالي القاع الشجعان إلّا حمل السلاح، في مواجهة موجة الانتحاريين، لكنّ مخزون هذه الشجاعة يكفي فقط لرفع معنويات أهل البلدة والبقاء في منازلهم، لكنه لا يصلح لأن يكون عنواناً حقيقياً للدفاع عن البلدة، أو عن المنطقة المهدّدة، ولاسيما أنّ هناك بلدات مسيحية أخرى ربما تكون معرّضة للاستهداف كما القاع، ومنها بلدة رأس بعلبك. ما حصل في القاع بعد استهدافها أعطى مؤشرات عدة الى وجود تراخٍ أمني لم يسبق له مثيل خصوصاً بعد العجز عن ردّ الموجة الليلية من الانتحاريين، وهذا العجز يترك تساؤلات كثيرة، ويُحدّد مسؤوليات لم تتحدّد حتى الآن. وإذا كان حمل السلاح في مواجهة الانتحاريين، بات يشكّل الحلّ الموضعي لأزمة بدت أنها أكبر من مجرّد حماية بلدة من هنا أو بلدة من هناك، فإنّ غياب المبادرة لدى القوى التي يُفترض بها أن تبادر، كان وسيبقى الثغرة الأساسية التي لا تجد الى الآن مَن يعمل على ردمها، والمعني بها، الغياب عن حمل مشروع المطالبة بالحلّ الجذري الذي يُفترض أن تحمله قوى لا يرهبها منطق الخوف أو التخويف القائم على إيقاع تخيير اللبنانيين بين التعرّض لخطر الإرهاب، أو الاندفاع الى اتباع نموذج «حزب الله»، الذي عمّم نموذج «سرايا المقاومة» في بيئته، وفي البيئة السنّية، فيما يطمح لتعميمها لدى المسيحيين، الذين انكفأوا أمام خطر تعرّض مدنهم وقراهم لما تتعرّض له البلدات السورية، وها هم يندفعون الى الأمن الذاتي الذي لا يمكن اعتباره أكثر من حبّة مورفين موضعية وظرفية، تؤدي الى التخدير، الذي يسبق عادة الانفجار الكبير. ما حصل في القاع لم يكن ليتمّ حسب ما أجمع عليه مراقبون لو لم يحصل فراغ أمني بشكل أو بآخر، وما سيجري في المنطقة يمكن أن يصل الى حدّ فتح جبهة جديدة، قد تأخذ في طريقها بعض هذه البلدات، ما سيؤدّي الى تهجيرها، باعتبارها ساقطة عسكرياً، إذا لم تتوافر لها الحماية الأمنية الشرعية. وتجاوزاً لشجاعة أهل القاع وصمودهم، كما للعراضات التي قام بها بعض القوى السياسية، وحوّلت القاع مسرحاً كبيراً، يكمن السؤال في عدم طلب أيّ حزب مسيحي ضبطَ الحدود، ويأتي في طليعة هؤلاء رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل الذي كان مشاركاً في مؤتمر التحالف الدولي، واكتفى من القاع بإطلاق مواقف لا تتصل بعمق الأزمة بل تذهب الى تسعيرها، خصوصاً عندما أعطى الشرعية لقتال «حزب الله» في سوريا، وعندما طلب من «بلدياتنا» أن تتخذ إجراءات بحق السوريين الموجودين في نطاقها، في وقت كان الأحرى به أن يطلب ضبط الحدود، والاستعانة بقوات دولية لمساعدة الجيش اللبناني، طبقاً لما ينص عليه القرار 1701». ويبقى السؤال: هل وقع الجميع في فخ القاع، وهل نجح «حزب الله» في الانتقال الى تعميم أزمته في سوريا، على الواقع اللبناني الذي لن يستطيع الصمود في مواجهة استيراد الأزمة السورية الى لبنان، مع كلّ ما تتضمّنه من قدرة على تفجير الاستقرار الهش؟ الأكيد أنّ القوى المسيحية المتحالفة مع «حزب الله» وفي طليعتها «التيار الوطني الحر»، ستندفع الى ملاقاة الحزب وتحقيق أهدافه، باعتبار أنّ هذه الأهداف ستُترجَم حكماً لصالح «التيار» ولصالح تعزيز الحظوظ الرئاسية للعماد ميشال عون، الذي يعتقد أنّ مشروع السلة المتكاملة سيصل به الى قصر بعبدا، معزّزاً بالذعر المسيحي ممّا حصل في القاع، وبفقدان المبادرة لدى القوى المسيحية الأخرى التي باتت تفتقد القدرة على حماية أيّ مبادرة وطنية تحمي الاستقرار