الدكتورة منى فياض للمستقبل (مقابلة مطولة وشاملة): على «حزب الله» الاختيار بين الجنسية اللبنانية أو الإيرانية

389

 الدكتورة منى فياض لـ «المستقبل»: على «حزب الله» الاختيار بين الجنسية اللبنانية أو الإيرانية
«ليس من مصلحة السلم الأهلي والاعتدال في لبنان والمنطقة حشر سعد الحريري في الزاوية»

حاورها: يقظان التقي/المستقبل/12 حزيران/16

الدكتورة منى فياض، أستاذة جامعية وباحثة جريئة ومستقلة متخصصة في علم الاجتماع الحديث وعلم النفس، ترى في الانتخابات البلدية والاختيارية احتمالات تغيير قالت فيها الناس إنها تعرف الكثير ولا داعي للطبقة السياسية أن تتذاكى عليها. وما أظهرته النتائج من صرخة «لا»، تعكس بداية تمرد من دون الفصل بين السياسة والإنماء، وهي تقرأ في الرسائل التي استطاع الناس إرسالها وبقوة وازنة، وكيف على السياسيين أن يتلقفوا هذه الرسائل ويتعاملوا معها؟

وتحذر فياض من أنه: «ليس من مصلحة السلم الأهلي والاعتدال في لبنان والمنطقة حشر سعد الحريري في الزاوية«، كما تدعو «حزب الله« إلى الاختيار نهائياً بين جنسيته اللبنانية أو الجنسية الإيرانية أو أن يلاقي مكاناً آخر له في إيران منطلقاً لأهدافه ولحربه في سوريا«. وتستهل فياض حديثها الى «المستقبل» بقراءة موسعة لنتائج العملية الانتخابية وتقول:

«أعتقد أن الرأي العام اللبناني توصل إلى نتيجة أنه يستحق أفضل من الطبقة السياسية الحاصل عليها والتي تحكمه… وما جرى شبيه بعملية كرة الثلج التي بدأت باعتراض المجتمع المدني في بيروت، والذي لم يكن مهيأً كفاية للمعركة الانتخابية. وانتقلت الكرة إلى البقاع وفي معقل مهم من معاقل حزب الله وتبين أن الصوت الشيعي هو صوت وازن ضد تورط الحزب في حروبه خارج لبنان وبتعبئته العامة لفكرة ولاية الفقيه.

ما أظهرته الانتخابات في البقاع والجنوب أن للناس وزناً على الرغم من كل ممارسات حزب الله لجهة القمع والقدرة على التعبئة واستخدام المميزات المالية والوظيفية والمصالح المالية مع الحزب. رأينا تململاً في الجنوب في المعقل الأكبر للحزب ربما في البقاع هناك نزعة استقلالية أكثر عند العائلات والعشائر أكثر من الجنوب الهادئ الذي عاش زمن الاحتلال الإسرائيلي والذي يشهد تغلغلاً أكثر من حزب الله فيه تحت الأرض وفوق الأرض.. مع هذا كله لاحظت في الجنوب بداية تمرد أصوات تتجرأ وتقول إنها ليست ضد سياسة حزب الله بمعنى المقاومة وبمعنى السطوة التي يملكها، ولكن هذه الأصوات تمردت عليه وأهم ما قالته «إنه ليس حصرياً أن يتكلم حزب الله باسم المقاومة.. الناس قالت نحن أيضاً مقاومة، وهي تحاول الفصل بين السياسة والإنماء وهذا الفصل أصلاً غير موضوعي ولكن الصوت الشيعي عرف كيف يقول لا، وهو يقول في الوقت نفسه إنه ليس ضد المقاومة».

[ ما هي أبرز العوارض الاجتماعية والسياسية والنفسية التي ظهرت في الانتخابات؟

– «تجرأ المجتمع المدني أن يقول نحن «ما بدنا سياسة بدنا إنماء«… ماذا يعني هذا؟ يعني هذا القول لـ«حزب الله« وللأطراف السياسية الأخرى أنها فشلت فشلاً ذريعاً في الإنماء.. لكن الإنماء مرتبط بالسياسة التي تتعامل واقعياً بأموال المواطن اللبناني، سواء خرجت هذه الأموال من البلدية، أو نتيجة تعاون ما بين المجالس البلدية والوزارات».

[ هل هذا ينسحب في القراءة عند المسيحي وعند الشيعي وعند السنّة وعند الدروز؟

– «نعم ولكن بنسب متفاوتة، عند المسيحي كان الصوت المعارض كبيراً، وكان يمكن لهذا الصوت أن يكون أكبر على الرغم من التحالف الثنائي جعجع ـ عون. لأن هذا الثنائي تصرف بطريقة غير مقبولة ديموقراطياً لا سيما في مناخ لبناني ديموقراطي نسبياً. كأن الممثلين الحصريين للمسيحيين حاولوا أن يلغوا أي صوت مسيحي غير متفق معهم بما فيها أصوات لها حيثياتها السياسية. ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن المواطن المسيحي يريد تعددية سياسية».

وتضيف فياض: «الزعم أن لدى الثنائي نسبة تمثيل 86 في المئة تبين أنه خطأ، وبالكاد نجح الثنائي على الحفة.. وهذا له دلالة كبيرة أكثر تعبيراً من معارضة مختلفة بعض الشيء في مواجهة الحصرية الدرزية. وهذا مختلف عن طريقة شبه انقلابية في طرابلس وفي الشمال.

وأنا لم افهم حقيقة لماذا يريد الثنائي المسيحي إسقاط شخصيات مستقلة سواء بطرس حرب أو دوري شمعون؟ بطرس حرب تعرض لمحاولة اغتيال واستغرب لماذا يحاول جعجع إسقاطه في تنورين وحرب ما زال يتكلم بنفس المنطق السيادي والوطني الذي يتحدث به جعجع».

[ ماذا قالت الناس في الانتخابات إذاً؟

ـ «الاستنتاج أن الطبقة السياسية «بقضها وقضيضها» كما يقال وبتحالفاتها وبمعظم مكوناتها وحتى تلك المتعارضة بآليات عملها السياسية حتى حدود الاحتقان والاغتيال. هذه الطبقة السياسية اتحدت ضد مواطنين ليس عندهم قدرات ولا تجارب انتخابية وغير مهيأة، لخوض معارك انتخابية.

مع هذا استطاعت الناس أن تكون قوة وازنة وتسجل نسب اقتراع معارضة مهمة ولو كان هناك قانون انتخابات عادل لكانت هذه القوائم شكّلت النصف أو أقل بعض الشيء من المجالس البلدية، أي معارضة وازنة أمام سلطة سياسية تتمتع بكل القدرات وبالتأكيد ساعدتها الظروف في أماكن، ولجنة ديموقراطية الانتخابات سجلت الكثير من الخروق التي كان يمكن أن تغير في نتائج الانتخابات من دون الدخول في التفاصيل»..

[ كيف على السياسيين أن يتلقفوا هذه الرسائل ويتعاملوا معها؟

ـ «لا أمل كبيراً… ومن يسمع كلام الرئيس بري عن التغيير يعرف كيف أن الطبقة السياسية تأخذ خطابنا وبتحكي مثلنا عن التغيير الجاري. من يسمع الرئيس بري يحكي عن التغيير يقول إنه شخص محايد، كأنه بان كي مون يقرأ الوضع من بعيد، يقرأ الوضع اللبناني بحيادية إيجابية وينصح الطبقة السياسية، وهو رئيس البرلمان حيث تسن القوانين.

غير مقبول هذا الكلام من الطبقة السياسية، والناس ترفض هذه الازدواجية في الشخصية السياسية. الناس تريد التغيير الفعلي وبشكل سلمي/ديموقراطي عبر الانتخابات وعبر القوانين. وهذا يلقي بثقله على الحركة المدنية وعلى المجتمع المدني وتحضيراتهما المقبلة بانتظار الانتخابات النيابية.

هذا المجتمع المدني عندما قرر خوض الانتخابات البلدية والاختيارية عبّر بالنهاية عن موقف سياسي والإنماء عمل سياسي بالنهاية.

[ كأستاذة علم اجتماع كيف يمكن التقاط الظواهر الاجتماعية والنفسية كمتغيرات مستقلة؟

ـ «من الصعب الآن تحديد طبيعة كل المتغيرات المستقلة هذا مظهر سياسي/اجتماعي والأمر يتعلق بإحصائيات وبيانات ليست متوافرة لدي الآن.

ولكن ما يمكن قوله، أو تلمسه أن ما جرى هو استكمال لظاهرة «طلعت ريحتكم» و»تظاهرات الحراك المدني» في الصيف الماضي.

اللبناني سلم أمره للأمر الواقع. اعتاد على المواءمة مع الظروف كما هي، اعتاد أن يكون عنده مصدران أو ثلاثة مصادر من المياه أو مولدان أو ثلاثة من الكهرباء اغمض عينيه عمَّ يجري من فساد وتهريب بضائع في المرفأ والمطار.. الأمور مفضوحة والطبقة السياسية تعاني من سلوكيات فضائحية مالية وسياسية كبيرة ومن دون محاسبة.

اعتاد الناس على ذلك إلى ان تُركوا فجأة رهينة أزمة النفايات. إلى حين ترك السياسيون «الزبالة« في وجه اللبناني بداية الصيف الماضي وللآن لم تحل المسألة بشكل منجز وتام. هنا حصل تغيير أساسي في نفسية المواطن اللبناني».

وتضيف فياض: «المسألة تتعلق بحاسة الشم، دخلت الرائحة مثل «OSMOSE« دخلت ذرات كيميائية إلى الجسم على نحو مختلف عن حاسة النظر، حاسة النظر بعيدة بعض الشيء، الرائحة هي مواد تدخل على الجسم وتتسبب بالتلوث والأمراض السرطانية».

وتستطرد: «هنا ارتكبت الطبقة السياسية إهانة لكرامة المواطن عبر تسرب بيوكيمائي في دماغه وفي جهازه العصبي وفي طبيعته النفسية. واكتشف هذا المواطن أن الطبقة السياسية حين تقع الواقعة هي في صف واحد ضد مصالحه في النهاية. وعبرت الناس عن غضبها وسخطها في مواجهة طبقة سياسية ما عادت تملك المناورة في إخفاء نياتها وتحالفاتها الخارجية في تنازلات وتحالفات واتفاقيات تعكس شخصيتها المزدوجة داخلياً وخارجياً».

وتتابع: «خطأ 14 آذار أنها لم تملك هدفاً لتصل اليه، عندها الدولة لتدافع عنها وتنازلت أمام فريق لديه هدف وهذا الفريق يتمثل بالممانعة و«حزب الله« وهؤلاء عندهم هدف السطو على الدولة اللبنانية وجعلها في محورها وموطئ قدم لإيران على البحر المتوسط.

ولكن الممانعة الحقيقية هي فعلاً 14 آذار. وكلها كانت تنحرف في كل مرة عندما تصل إلى تقاسم المصالح أو ما يسمى «الجبنة» أو «الكاتو».

وما فعله «حزب الله« انه عمد ببراغماتيته إلى التنازل إلى 14 آذار على مستوى المصالح الآنية، بعض المصالح الآنية حتى يصل إلى هدفه الرئيس. وفي انتهاج سياسة تخدم مصالحه الاستراتيجية لتحقيق الهدف الإيراني. هكذا كان «حزب الله« يسكت حيناً ويصعّد أحياناً ويستخدم بروباغندا إعلامية قوية ويشتري أقلاماً وأوجهاً تقدم نفسها مستقلة ليتبين لاحقاً أنها تخدم مصالحه الاستراتيجية عبر استخدامها وسائل ملتوية كأن يقدم غسان بن جدو مثالاً نفسه كشخصية حيادية (Neutre).. وهناك أسماء أخرى في كثير من المحطات».

وتضيف: «عند «حزب الله« الإعلام هو رصاص وعند الحزب ما هو رصاص حقيقي وما هو رصاص إعلامي ومعنوي في الجرائد والتلفزيونات والإذاعات وصحافيون يعملون له في أماكن مختلفة وظهر ذلك أخيراً.

14 آذار ليس عندها الكثير، قدمت الكثير من التنازلات ووصلت إلى حائط مسدود أمام جمهورها وتخلت عنه. والأمر لا يتوقف هنا، الدولة اللبنانية انهارت ووصلنا إلى مأزق ننتظر فيه «حزب الله« ليقرر انتخاب رئيس الجمهورية وليقول للنواب متى ينزلون لينتخبوا الرئيس الذي يقرره. وأنا أسأل لما لا يتجرأ النواب المقاطعون لجلسات مجلس النواب على النزول إلى المجلس النيابي وانتخاب رئيس للجمهورية وهذا واجبهم الدستوري؟ ما الذي سيفعله «حزب الله« هل سيعمد إلى اغتيالهم؟ لن يتجرأ على ذلك»..

وتتابع: «البكاء لا يفيد، الأمور صارت مرئية، لم يعد هناك مجال للمناورة من قبل الطبقة السياسية منذ لحظة التمديد للمجلس النيابي، نحن أمام أكثرية نيابية وهمية بمجملها، وخرجت في مواجهتها أكثرية شعبية شرعية.

كان المطلوب منهم أن يتنازلوا عن بعض مقاعدهم لإنقاذ البلد. الآن عليهم عدم التباكي إذا أرادوا فعلاً مصلحة لبنان. غداً بإمكانهم تسوية الأمر بالنزول إلى البرلمان وإنجاز الاستحقاق الرئاسي والدعوة إلى انتخابات نيابية إلا إذا كان البعض يتحسس رقابه خوفاً من «حزب الله« أو يخاف على مصالحه. اللبنانيون يريدون أن يعرف السياسيون أنهم يعرفون كل شيء. وهذا ما قالته الانتخابات؟!

ما عاد يجدي التذاكي على اللبنانيين على غرار ما يفعله جنبلاط على رأس أقلية درزية نتعاطف معها وهو يسعى إلى توريث نجله على رأس الحزب التقدمي الاشتراكي، والدروز بالنهاية لن يأتوا بوئام وهاب ليحكمهم. أهمية جنبلاط أنه يمثل زعامة تقدمية ويعبر بجرأة عن آرائه السياسية ومع ذلك ماذا يقول جنبلاط:

«ساعة الو دخل بالسياسة، ساعة ما دخلوا، ساعة خيفان، ساعة مش خيفان، ساعة بيرمي رسائل وبالونات اختبار، ينتقد حالو، ويتذاكى على اللبنانيين، هو وغيره وكأن اللبنانيين مجموعة «مغفلين» حتى لا أستخدم تعبيراً آخر جرى استخدامه..

الناس قالوا «حاجي تذاكي«، يجري التعامل معهم على أنهم بدون ذكاء. السياسي المثقف هو الذي لا يكتفي بالقراءة، هو الذي يتغير من الداخل هو المتغير المستقل والمتغير في سلوكه العام».

هناك جيل جديد عنده تفكير نوعي، لديه وسائل الاتصال وعلينا تلمس التغيرات السوسيولوجية والنفسية عند جيل له مصالحه المختلفة عن الجيل السابق. بالتأكيد التغيير لا يطال الجميع يطال شرائح من المجتمع. اعتقد تخفيض سن الاقتراع إلى 18 سنة سيؤدي في الانتخابات النيابية إلى نتائج مختلفة. الشباب ليس عنده التعصب المذهبي، الأكثرية الشبابية منفتحة على الشباب من كل العالم في أميركا، انكلترا، أوروبا، وعلى كل الشباب من العالم وحتى الشباب في الكيان المحتل الإسرائيلي هو شباب مختلف اليوم. يريد الشباب انتخابات ديموقراطية وبقوانين مختلفة عن السابق».

[ أي قانون انتخاب؟

– «المأزق في قانون الانتخاب هو أن النسبية أصبحت تخيف الجميع وتخيف حزب الله ضمناً، و«حزب الله« يستخدم شعار النسبية كسلاح ضد الآخر، ولكنه يخشى هذا السلاح لنفسه، مثل قضية الزواج المدني، الكهنة المسيحيون اختبأوا خلف الشيوخ المسلمين، وليس صحيحاً أنهم ليسوا مع الزواج المدني.

«حزب الله« يشعر بالخوف، والطبقة السياسية ككل تخشى قانون انتخابات يفقدها السلطة ومن الصعوبة بمكان أن يتنازلوا للشباب اللبنانيين.

وأنا اقترح لجان محكمة دولية/قانونية، لجنة دولية من قانونيين من الأمم المتحدة تشرف على إعداد قانون انتخاب برلماني عادل «Equitable» يعبر بشكل موضوعي عن المكونات اللبنانية ضمن تطبيق اتفاق الطائف وننتخب برلماناً غير طائفي ومجلس شيوخ يمثل الطوائف والعائلات اللبنانية. أكثر من ذلك علينا أن نطلب إلى الانتخابات المقبلة مراقبين دوليين لمعالجة مسألة الخوف من سلاح «حزب الله« وفي الجنوب بشكل خاص ونطلب من قوات اليونيفيل العاملة في الجنوب، الإشراف على صناديق الاقتراع.

غير ذلك، لا حل في لبنان، إلا بانتظار أن تقرر لنا إيران من هو الرئيس المقبل أو تقر لنا قانون انتخاب جديداً، وتنصيب مرشد يقبل بترشيحات ويرفض ترشيحات على مثال ولاية الفقيه في إيران التي قمعت الشعب الإيراني واسكتته ونحن في لبنان نرفض ذلك «ما بدنا إيران في لبنان ما بدنا ولاية الفقيه في لبنان».

[ لديك تفاؤل ما بقدرة الطبقة السياسية على التقاط رسائل الناس جدياً؟

ـ ليس عندي تفاؤل كبير. لو كان هؤلاء أذكياء كفاية لحاولوا التغيير بعض الشيء ولو جاء على حسابهم حتى لا تتراكم الأمور وحتى لا يتراكم عدم الرضا وسخط الناس ما سيؤدي إلى تغيير جذري وبحجم أكبر.

ممكن لطرف سياسي ما أن يلجأ إلى العنف ليحافظ على استاتيكو. أنا أرى إلى ذلك، ونحن في وضع أمني مستقر نسبياً، ولكن أحياناً تشتغل الأجهزة الأمنية بصمت وبغرض إسكات الشارع إذا كانوا أذكياء ليتقاسموا السلطة مع المجتمع المدني وليعطوا الناس حقوقها.

على الطبقة السياسية أن تعطي بعضاً من لحمها وأن تتخلى عن جزء من كعكة الجبنة. غير ذلك البلد «مكربج». حصل ذلك حولنا في العالم العربي. ولكن ثمة فرق بين المواطن اللبناني والمواطن في العالم العربي. لم يكن الجيش في تونس قوياً كفاية، في مصر هناك خطوط حمر منذ البداية من النوع الذي لا يهاجم فيه الجيش المصري المواطنين المصريين. عند الجيش المصري مصالحه الاقتصادية وعنده هذه الميزة.

في سوريا نجح بشار الأسد بدعم من إيران ومن «حزب الله« في استخدام العنف ليفرقع الثورة السلمية السورية وتحويلها إلى ثورة عنفية.

في لبنان عندنا شيء مختلف، لدينا عامل ثقل نوعي اسمه «حزب الله« ولفترة قريبة كانت الناس تنظر إليه أنه حزب مقاومة ويجب الحفاظ على دوره في مواجهة إسرائيل.

هذا الحزب أنجز تجارب أخافت اللبنانيين في العام 2006 وفي 7 أيار 2008 وفي العام 2011 اكتفى بإنزال القمصان السود والانقلاب على حكومة سعد الحريري والإتيان بحكومة نجيب ميقاتي. عمد «حزب الله« إلى تخجيل المواطن اللبناني وإلى سياسة التخويف، ووصلنا إلى مرحلة هناك «حزب الله« من جهة وهناك داعش من جهة أخرى. ولأن اللبناني مر بحرب طويلة، هو يرفض العنف، ويرفض العودة إلى الحرب. وكان يأمل أن تلاقي فيه الطبقة السياسية توازناً ما، طريقاً وسطى للحفاظ على الدولة وتقنع «حزب الله« بالتنازل ضمن حدود المحافظة على الدولة. حصل العكس، تنازلت الطبقة السياسية إلى حد كبير بحجة الحفاظ على السلم الأهلي. وأنا برأيي السلم الأهلي قد تهدد لأن السنّة في لبنان يخضعون للضغوط على المستوى السياسي والأمني وتجربة طرابلس مثال على ذلك، والهدف دفعهم إلى التشدد أكثر وجعلهم متطرفين. يبدو أن «حزب الله« اكتشف أخيراً خطورة الأمر، وخطورة الاستمرار في حصار الحريري الذي يمارس سياسة الاعتدال واللاعنف، واكتشف «حزب الله« أن حشر الحريري في الزاوية وهو الذي أخذ مواقف اعتدال على حساب رصيده وجمهوره. اكتشف «حزب الله« أن ليس من مصلحته (آمل ذلك على أي حال) ولا من مصلحة السلم والاعتدال في لبنان والمنطقة حشر الحريري. هذا يتعلق أيضاً بخطط الحريري نفسه المستقبلية ومشروعه التغييري داخلياً ومواكبة لما لاحظه في الخارج في ما أفرزته الانتخابات الأخيرة. وهذا يرتبط بمدى مقاربة سياسية واقعية مناسبة توازن بين عدم التنازل المفتوح أمام «حزب الله« ولا المصادمة مع الحزب وعدم إهمال تجربة الانتخابات في طرابلس والاعتراف بأن جمهوره غير راضٍ عن السياسات التي كانت متبعة سابقاً«.

[ ماذا عن مسؤولية «حزب الله« بوصول البلد إلى الاهتراء السياسي؟

– «أنا متهمة بأني ضد «حزب الله« وهذا ليس صحيحاً. أنا لست ضد الحزب هكذا، أنا أعرف مواطنين كثيرين طيبين في صفوف الحزب، ألتقي معهم على مستوى الخيارات اللبنانية. أنا أفهم أن الحشود تدخل عادة في «تابو» بسبب تحزب غير مفهوم وبسبب التمويل وغيره.. عادة الناس تلتحق بقائد وتريح نفسها وتسلّم أمرها أمام الخالق والمخلوق وإذا أخطأ القائد تقع المسؤولية عليه. أنا أنتقد هؤلاء الناس. أنا أنتمي إلى الجماعة سوسيولوجياً، ولكن أنا شخصية تملك مكونات عالمية وترفض التمييز الأعمى ولا التحزب إلا ضمن خط يضعني على تماس مع العدالة الاجتماعية والحق وكرامة المواطن».

وتضيف: «حزب الله ينفخ الشيعة ليحافظوا على كرامتهم ولكن لا يمكن الحفاظ على كرامة الشيعي اللبناني من دون الحفاظ على كرامة السني والشيعي العربي. كرامتي كشيعية ليست على حساب كرامة الآخر في بلده ولا حريته بالتصرف في بلده كما يرغب وكما يريد.

ليس من حق «حزب الله« ألا يحترم كرامة وحرية الشعب السوري. ليس من حقه أن يدعم نظاماً آخر، ليس من حقه أن يتصرف على أساس أنه ليس حزباً لبنانياً بل حزب عالمي عابر للحدود مثل الشيوعية. وعلى الحزب أن يختار نهائياً إما هو لبناني ويحافظ على مصالح اللبنانيين أو هو حزب عابر للحدود. حينئذٍ ليلاقي له مكاناً آخر، يتمركز فيه، ليتمركز في إيران إذاً كما تمركزت الشيوعية في موسكو في الاتحاد السوفياتي القديم ويكف «حزب الله« عن ممارسة خطف الدولة اللبنانية. لبنان ليس في حال حرب مع سوريا، لبنان الشعب ليس في حرب مع سوريا والدليل استقبال اللبنانيين لمليوني لاجئ سوري، وإن برزت سلوكيات عنصرية طفيفة من مكونات سياسية ليست بالتأكيد من الشعب اللبناني ونتيجة عنف اجتماعي متبادل يمكن معالجته ولكن له علاقة بآليات استيعاب مشاكل اللجوء وليس لأن هناك لجوءاً سورياً في لبنان. «حزب الله« باسم من يقاتل ويحارب في سوريا؟ الجنسية اللبنانية تفرض الخضوع للدولة اللبنانية وليقبل «حزب الله« باستفتاء مستقل تشرف عليه لجنة إحصاء محكمة ومتخصصة حول مشاركته في الحرب في سوريا. استفتاء يأخذ برأي اللبنانيين عن مسألة مشاركة الحزب بالحرب في سوريا ضمن شروط دولية غير شروط إحصائية داخلية مغلوطة ومجتزأة وإذا انتهى الاستطلاع إلى نسبة 51% تصوت أنها مع حربه في سوريا، صحتين على قلبه. هذا إذا أراد الحزب أن يكون عادلاً، وإذا أرادوا أن يكونوا فعلاً عادلين وعليين وحسينيين.. وإذا النتيجة «لأ» من الرأي العام اللبناني ليأخذ «حزب الله« الجنسية الإيرانية وينطلق من إيران الموجودة. وهل أخرجنا إسرائيل من لبنان لتدخل إيران إليه، وما هي مصلحة اللبنانيين بذلك؟ حتى الرئيس روحاني المعتدل يقول «المنطقة خربانة ونحن نحظى بالأمن»، ما هي حقيقة هذا الفهم الإسلامي الإيراني التخريبي الذي يشعل المنطقة ويرسل إليها مستشاريه والأحزاب الموالية له ويفتخر بالأمن والاستقرار، وهل يرضى الإمام علي باللاعدل، وهل يشهد الإمام الحسين على قتل البشر في سوريا بهذه الطريقة؟».

وتستطرد: «نحن كلبنانيين نريد لبنان آمناً ومزدهراً، نريد لبنان وطناً يحافظ على حقوق اللبنانيين متساوية، نحافظ فيه على حرياتنا وعلى الديموقراطية النسبية فيه ولولا هذه الديموقراطية ما كان «حزب الله« موجوداً أصلاً. نعم الجديد اليوم أن فئة شيعية وازنة تقول لـ«حزب الله« «لا». اللبنانيون معنيون بالرجوع إلى وطن متطور لا الرجوع إلى أوضاع الشعوب العربية قبل الثورات العربية».

[ ماذا عن مشاركة المرأة في الانتخابات الأخيرة ومشاركة الشباب؟

– «ليس بإمكاني الحكم على نسبة تلك المشاركة، إذ ليس عندي إحصاءات بالأرقام، بانتظار الحصول على تلك البيانات حول تلك المشاركة بأوجهها المختلفة ترشحاً وتصويتاً وعما إذا كانت المشكلة ذاتية أو عند القيمين على تنظيم اللوائح سواء المجتمع المدني أو السلطة. أتحدث عن نماذج مثل بنت جبيل التي نجحت فيها سيدة على الرغم من الدعاية المغرضة بحقها التي وصلت إلى حد اتهامها بالتعامل مع إسرائيل. في انتخابات بيروت حققت سيدة نسبة أصوات أكثر من رئيس البلدية.. والناس لا تنتخب عشوائياً والمرأة ليست للزينة والشباب على العموم غير تقليديين ويشعرون بالتساوي بين الجنسين».

وتضيف: «المرأة بشكل عام لا تحظى بدعم كافٍ من الرأي العام، وليس عندها قدرات مالية مساواة بالرجل، وعندها مهماتها الأسرية ولا يساعدها المجتمع كثيراً، ومع ذلك هي تتقدم وتتحرك وبغياب الكوتا النسائية المرأة مثل «الولد الصغير». السلطة مدعوة إلى أخذ إجراءات وتدابير لإقرار «كوتا نسائية» وهذا يحتاج إلى تسهيلات على الأقل كوتا تلفزيونية إعلانية تواكب حملة النساء، إزالة العوائق المالية أمام ترشح المرأة، إلغاء البدل المالي للترشح للانتخابات النيابية المقبلة، تدابير مشجعة ومسهلة لترشح النساء، مساعدة الإعلام للمرأة وإعطاء النساء نقاطاً أولية على منابر الإعلاميين والإعلاميات تحديداً. دعوا النساء يتكلمن، فهذا يحتاج إلى نموذج إرشادي يشجع النساء الأخريات. أما نسبة مشاركة الشباب أيضاً فتنقص معطيات إحصائية لإجراء التطبيق اللازم، أرجح أن الصوت الشبابي كان وازناً هذا بالحدس وبالمقاربة مع 2008 و2012 وكانت عندي إحصائيات ومعطيات عن نسب التصويت في المجمع المدني بلغت 30% وأظهرت إحصائياتي من الكتلة الأساسية مع «حزب الله« لا تجاوز 15% أتحدث عن كتلة عقائدية وحولها ناس تتغير وفقاً لأوضاع اقتصادية واجتماعية ومصالح وتخويف، بالمتوسط العام نسبة التجمع المدني كما أظهرتها الأرقام بلغت 40% والسلطة تعزي نفسها بأنها واجهت عائلات، وكأن هذه السلطة لم تفعل المستحيل لإرضاء تلك العائلات والمجتمع المدني جزء أساسي مكون بكل الشرائح، ليس بالضرورة مشابهاً للمجتمع المدني الغربي، وهناك جمعيات أهلية وعائلية أخذت مواقف مهمة والعائلة نفسها تحولت إلى تكتلات ومجموعة انتماءات مختلفة فصارت اتجاها سياسياً، لذلك الأمر يحتاج إلى قراءة تعيد تعريف معنى العائلة وكيف يصرف هذا المصطلح والذي ترك العائلات ما هي ماهيته؟ وإذا 40% ظاهرياً خارج العائلات ماذا يمكن ان نفعل بهم.. أنا مثلاً أمثل مجتمعاً مدنياً، ما عندي عائلة إذاً من نحن؟

المهم أن هناك احتمالات تغيير عند المواطن اللبناني، وعند كل الطوائف بما فيها عند المسيحي والثنائية المسيحية وبالتأكيد عند الطائفة الشيعية وعند السنة والدروز وغيرهم والتعثر هذا نلمسه، عند الطائفة الشيعية لأن «ثقل» «حزب الله« على البلد ككل، ومع ذلك استطاعت الناس أن تقول للحزب لا.. والناس تحملت مخاطر في بيئتها، ومخاطر قمع حقيقية ورغم المخاطر قالت لا في انتخابات إنماء/مقاومة قال عنها السيد نصر الله إنها انتخابات سياسية وهذا صحيح».