عقل العويط: المسيحيون يستحقّون الشفقة

147

المسيحيون يستحقّون الشفقة
عقل العويط/النهار/18 أيار 2016

ليس من تعميمٍ في هذا المقال. أكرّر: ليس من تعميمٍ البتة. لكني أُشفِق فعلاً على الموارنة، بل على المسيحيين مطلقاً. ليس عندي تعبيرٌ أدقّ يصف أحوالهم على وجه الإجمال، فكيف أجد تعبيراً يصف هذه الأحوال تحديداً، في غمرة انتخاباتٍ بلدية جارية فصولاً، يصحّ وصمها بالمذابح (الحروب!) الأهلية؟!

من جبل لبنان “الأشمّ”، ساحلاً وجرداً، مروراً بالسهول والدساكر الوسطى، إلى البقاع في نواحيه كافةً، فإلى القرى والبلدات الشمالية والجنوبية، ناهيك ببيروت المحروسة، وحيث توجد صلبان، يُظهِر المسيحيون (الموارنة خصوصاً)، قادةً وشعباً، كفاءاتٍ قلّ نظيرها في التعبير عن “حاضرهم المضيء”، و”استعادة” حقوقهم المسلوبة في الإدارة والدولة، وترسيخ وجودهم حيث يحاول “الطرف الآخر” سحب البساط من تحت الأقدام. عوفيتم أيها الأشاوس. لقد بيّنتم أنكم أصحّاء العقول والأجسام، وأهل حكمة ودراية وتعقل وبعد نظر، بحيث تضعون “الشحمة على الفطيرة”، لينطبق على استحقاقاتكم “الديموقراطية” الداهمة القول المأثور: “لكلّ مقام مقال”.

فأنتم أهلٌ للحروب “المدنية” هذه، مثلما سبق لكم أن أظهرتم أهليةً نادرة في خوض الحروب غير المدنية. يليق بكم، والحال هذه، تبوؤ السلطات المحلية، الصغرى والكبرى، كيفما دارت الحسابات والنتائج، وأياً يكن الرابح والخاسر. وفق التأويل “الديموقراطي”، يمكن وصف ما جرى في زحلة ودير القمر والحدث وجونيه (مثلاً وخصوصاً) بأنه تعبيرٌ بهيّ عن الرحابة والتنوّع والاختلاف والتعدد. مظبوط. لكنه تأويل فضفاض، والله، قد لا يتلاءم مع أحوال النفوس والأفئدة التي تفيض بالأحقاد والضغائن والغرائز كافة. فلو قيِّض للناس أن يجسّدوا هذه الأحوال بأساليب “حضارية” خارج صناديق الاقتراع، لكانوا جسّدوها بالمتاريس والانقضاض والنهش والذبح والطعن والإرداء. لا بدّ أن ثمة مهابةً أوركسترالية تحول دون ذلك حتى هذه اللحظة، وتحدد التوازنات الخفية في إيقاعات الموسيقى الجنائزية، لئلاّ تصل الحفلة إلى مبتغاها بحزّ الرقاب بالسكاكين. لقد استمعنا بآذان صاغية إلى الأبواق وهي تدقّ النفير الخطير في جبل لبنان المسيحي: الوجود المسيحي في خطر، فانتبهوا جيداً، وانتخبوا جيداً… لئلاّ يُطعَن هذا الوجود الطعنة القاتلة النجلاء، فلا تقوم له، من بعد، قيامة مجيدة.

قد يكون في داخل كلّ انسانٍ بالغ طفلٌ بريء، يحبّ أن يعود ولداً ليلعب ويتسلّى. لكني لم أجد أحداً يتلاعب ويتسلّى بالوجود، بطريقة مثيرة للازدراء، مثل هؤلاء المسيحيين، الذين يعتقد قادتهم أن الشمس تشرق وتغيب بإيماءةٍ منهم. أُشفِق فعلاً على هؤلاء المسيحيين. وخصوصاً على الناس العاديين منهم، لأنهم لا يزالون يقدّمون برهاناً تلو برهان على أنهم “يحسنون حماية هذا الوجود”!