عبدالله الهدلق: صراعُ العربِ والفرسِ… صراعُ وجودٍ لا صراعُ حدودٍ

215

صراعُ العربِ والفرسِ… صراعُ وجودٍ لا صراعُ حدودٍ
عبدالله الهدلق/السياسة/17 أيار/16

يبدو أن العرب لم يستوعبوا تاريخهم بشكل جيد، خصوصا في ما يتعلق بعلاقتهم مع إيران التي كانت تسمى تاريخياً “بلاد فارس”، واشتهر أهلها بـ”الفرس المجوس”، والتي أضحت اليوم تشكل تهديدا لوجود العرب والمسلمين جميعاً، وبعد أن كان حلم الإمبراطورية الفارسية وصراعها مع العرب, وبالذات دول الخليج العربي والجزيرة العربية قبل سنوات قليلة والشغل الشاغل لهم هي قضية جزر الإمارات العربية المحتلة (أبو موسى، طنب الكبرى، طنب الصغرى) واستماتة الدولة الفارسية في الحصول على وثائق وأدلة تاريخية تعطي لها الحق في احتلالها وفرض سيادتها على تلك الجزر العربية الثلاث، بات الفرسُ الإيرانيون الآن يطمحون لما هو أكبر؛ وهو ابتلاع اربع دول عربية وضمها إلى إمبراطوريتهم فلم يعد طموح الفرس الإيرانيين الجزر الثلاث، أو تصدير ثورتهم الفارسية المشؤومة إلى الخارج، أو الحصول على مباركة غربية ودعم للمضي في برنامجهم النووي العسكري ، ولكن بات همهم الأكبر هو ضم دول: العراق وسورية ولبنان واليمن إلى إمبراطوريتهم التي تهاوت وبادت على يد العرب المسلمين قبل أكثر من 1400 عام .

ولعل أهم المؤشرات التي تؤكد ذلك قد بدأت من العراق، حيث تخطط بلاد فارس ( إيران ) لتنظيم استفتاء بين العراقيين لضم هذا البلد العربي المجاور لها، وهي فكرة قيد التداول والمناقشة الجدية في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وفي مجلس الخبراء الذي وضع ورقة “إيران رؤية 2025″ ويبدو أنَّ الظهور الفارسي “الإيراني” للثأر من العرب قد بدأ من العراق، بانتشار ميليشياتهم الشيعية وحرس ثورتهم الفارسية المشؤومة في شوارع المدن العراقية في رحلة تدمير شاملة وإبادة للمسلمين السنة والجغرافيا والتاريخ في البلد ذاته الذي كان مركزًا سياسياً واقتصادياً للإمبراطورية الفارسية قبل 14 قرناً، ولعل المشهد في الأنبار خير دليل على ذلك لإحياء دولة الفرس والثأر من العرب الذين أسقطوا عرش كسرى إبان الفتوحات الإسلامية لنشر الدين الإسلامي، فيما عرف في التاريخ بـ “فتح المدائن وفارس”، وقبله انتصار العرب الساحق على الفرس في معركة “ذي قار”.

والأمر الذي يجب أن يعيه العرب هو أن قضيتهم وصراعهم مع الفرس منذ عشرات القرون وإلى اليوم، هو صراع قومي سياسي لا عقائدي وصراع وجود لا صراع حدود كما يروج كثيرون ومنهم بلاد فارس (إيران)، ومن الخطأ الجسيم أن يجاري العرب إيران في جعل هذا الصراع سنياً – شيعياً، أو أن تعطى إيران صفة حاملة لواء الشيعة، ذلك أن حقائق التاريخ تؤكد عدم وجود سبب ديني لهذا الصراع، باستثناء الفتح الإسلامي لإيران الذي حول إيران من المجوسية إلى اعتناق الإسلام، بل إن النظام الإسلامي الجديد استوعب الحضارة الفارسية، كما أن الفرس استبدلوا بأبجديتهم الأبجدية العربية بعد أن استقر الحكم الإسلامي في بلادهم، لكنهم لم يتعربوا عكس أهل العراق والشام ومصر، وفضلوا الاحتفاظ بهويتهم القومية الفارسية الخاصة، وفي وقت لاحق امتزجت الثقافة الفارسية بالثقافة الإسلامية، نتجت عنهما ثقافة جديدة انعكست إيجاباًعلى أغلب أنحاء المشرق.

إن إعطاء الصراع الفارسي (الإيراني) – العربي بُعدا ًدينياً، مجافٍ للحقيقة، فالعرب خليط من السنة والشيعة والمسيحيين واليهود والصابئة والوثنيين واللادينيين، ولم يلحظ أن أحداً من العرب تعاطف مع بلاد فارس (إيران) أو انضم إليها في فترات الصراع الحديث معها, وهي التي كانت تحلم بالسباحة في مياه الخليج العربي، وتقاتل على تسميته “الخليج الفارسي” منذ أيام الشاه وإلى اليوم، وبالسيطرة على مضيق هرمز، وأصبحت اليوم تتمدد في أغلب أرجاء الوطن العربي: في العراق وسورية واليمن ولبنان لتضع أقدامها في تلك الدول مستفيدة من حالة الفوضى فيها، لتعزز وجودها وتنطلق منها لابتلاع ما تبقى من الدول العربية والإسلامية ، ومعها تصبح شرطي المنطقة والحليف الأقوى للغرب في هذا الإقليم المحاط بدول تملك ترسانة من الأسلحة النووية، ولا تبعد عن القطب الجديد المارد الصيني الذي يملك كل المقومات لأن يصبح قطبا ثانياً مع الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي الذي أفل نجمه ولم تعد روسيا نداً للولايات المتحدة الأميركية. بقيت الإشارة إلى أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين دخل في معارك طاحنة مع إيران استمرت سنوات عدة قَلَّم خلالها أظافر هذه الدولة التوسعية التي أرادات أن تصدر ثورتها إلى العالم بدءا ًبالدول المجاورة، وتبعت ذلك أحداث احتلال العراق، في ما عرف بحرب الخليج الثانية، والإطاحة بصدام حسين، ومن ثم القبض عليه وإعدامه ، ليصبح هذا البلد العربي محمية فارسية إيرانية وهدية قدمها الغرب لإيران، وأثبتت هذه الأحداث أن كل ما يجري ليس له أي مظلة طائفية؛ بل له أهداف سياسية بحتة، ولعل مقولة صدام حسين التي أطلقها قبل لحظات من إعدامه تعبر عن الواقع عندما قال: “أعداؤكم القادمون هم الفرس” يمكن القول معها إن على العرب أن يشخصوا أسباب وأهداف صراعهم مع إيران وتحديد المصل لمرضها المعدي الذي يهدد وجودهم لا حدودهم