علي حماده: حزب الله بين النار والدولار/روزانا بومنصف: استنزاف القادة العسكريين للحزب في سوريا انسحاب مستبعد وأكلاف كبيرة متصاعدة

219

“حزب الله” بين النار والدولار
علي حماده/النهار/14 أيار2016

لم تكد تمر أيام معدودة على سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف “حزب الله” في خان طومان في ريف حلب الجنوبي، حتى أعلن عن مقتل المسؤول العسكري الأعلى رتبة، مصطفى بدر الدين المتهم الرئيسي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي خلف نسيبه عماد مغنية الذي كان قتل قبل بضعة أعوام في دمشق! وإذا كان خبر مقتل بدر الدين عظيم الاهمية في هذه المرحلة من المحاكمة الجارية في مدينة لاهاي الهولندية، فإن اختفاء بدر الدين، أكان صحيحا أم مفبركا، لا يعني توقف المحاكمة، ولا امتدادها لتشمل أشخاصا آخرين غير مغنية الذي لم يضم الى لائحة المتهمين باعتبار وفاته حصلت قبل بدء المحاكمات، أو بدر الدين الذي يرجح أن يسحب اسمه من لوائح المحاكمة. فاللائحة طويلة، ولا تقتصر على مغنية أو بدر الدين، بل تتعداهما نزولا، والاهم صعودا. بمعنى أن كلا من مغنية وبدر الدين، وبالرغم من رفعة موقعهما العسكري والامني في تركيبة “حزب الله”، ما كانا صاحبي القرار الأساسي الذي اتخذ لاغتيال رفيق الحريري ورفاقه، وبقية القادة الاستقلاليين اللبنانيين. فثمة من اعطى كلا من مغنية وبدرالدين الاوامر، في الخارج والداخل على حد سواء. فهل تتمكن المحكمة الخاصة من النفاذ الى المراتب العليا في الحزب او في سوريا وايران لتحديد من أعطى الأمر إقليميا، ومحليا.
صحيح أن تحديد المنفذين مهم، لكن الأهم يبقى في الوصول الى المرجعية صاحبة الأمر في تنفيذ عمل كبير بحجم اغتيال الحريري. من هنا لا بد من مزيد من الصبر في انتظار نقلة نوعية في المحاكمات آتية لا محالة. على مستوى آخر، لكنه مواز للضربات التي يتلقاها “حزب الله” في سوريا، لم يتأخر مسؤولو الحزب في إظهار ضيقهم الشديد من الإجراءات المالية الأميركية التي قرر النظام المصرفي اللبناني التزامها تجنبا لعقوبات يمكن أن تصيبه، فتسقط أحد أهم عناصر قوة لبنان، و”مقاومته” المؤسساتية والاقتصادية. وإذا كان نواب الحزب ووزراؤه قد رفعوا بالامس الصوت عاليا، ووصلوا الى إطلاق تهديدات مباشرة في حق حاكم المصرف المركزي، واستخدام مصطلح “الخط الاسود” باعتباره خطا ما بعد الخط الاحمر، يعتبر “حزب الله” ان حاكم المصرف المركزي قد تجاوزه، فإن الواقع يشير الى الإجراءات الاميركية مستمرة ومتصاعدة، ولا سيما لجهة توسيع مروحة الاسماء والمؤسسات الواقعة تحت بند العقوبات المالية الاميركية. وكل تهديدات “حزب الله” لا تغير في الامر شيئا، إنما تزيد هشاشة الوضع الاقتصادي اللبناني. فأي حاكم آخر للمصرف المركزي لن يكون بوسعه سوى الإذعان للاجراءات الاميركية، على قاعدة ان النظام المصرفي اللبناني، وفيه مدخرات اللبنانيين، ورافعة الدولة المالية يعتمد على النظام المالي العالمي المدولر. جل ما يمكن ان يفعله “حزب الله” هو أن يرهب القطاع المصرفي، دون جدوى، فالمشكلة في مكان آخر : تصنيف “حزب الله” ارهابيا في العالم العربي، وفي عدد كبير من دول العالم، على رأسها اميركا صاحبة الحل والربط في السوق المالية العالمية!

استنزاف القادة العسكريين للحزب في سوريا انسحاب مستبعد وأكلاف كبيرة متصاعدة
روزانا بومنصف/النهار/14 أيار 2016
يعد اغتيال قيادي آخر لدى “حزب الله” من وزن مصطفى بدر الدين ضربة قاسية وقوية توجه الى الحزب بعد سقوط عدد من قيادييه في سوريا ما يكبر حجم خسائره لكن ايضا حجم انخراطه في الحرب السورية.
ويشكل استنزاف “حزب الله” قياداته العسكرية الاساسية في سوريا بمقتل بدر الدين بعد عماد مغنيه وسمير القنطار وصولا الى جهاد مغنيه، وجهين متقابلين ليس في المدى القريب انما الابعد قليلا بالنسبة الى مراقبين يرون ان ثمة ما يفرض التوقف عنده في سياق هذه التطورات. الوجه الاول هو سقوط هذه القيادات في المواجهات على الارض السورية وليس في الحرب انطلاقا من لبنان ضد اسرائيل مع ما يعنيه ذلك من خسارة الحزب قيادات صنعت له تاريخا ضد اسرائيل وعلى نحو قد يكون بات في حاجة الى صناعة قيادات جديدة تكتسب مشروعية ” اسطوريتها” من مواجهة العدو لان هذه الاسطورية مشكوك في موقعها انطلاقا من مواجهة خصوم بشار الاسد في الميدان السوري حتى لو انطبقت على هؤلاء الخصوم صفة التكفيريين. تبدو بالنسبة الى البعض احتمالا قويا لبداية نهاية مرحلة. وليس سهلا بالنسبة الى الحزب الذي تأنى في اطلاق الاتهامات فورا في اتجاه اسرائيل في مقتل بدر الدين ان تصح فرضية نجاح اسرائيل في استهداف قيادي آخر لديه بما يعنيه ذلك من تعرضه لاختراق بات متاحا وسهلا في اي وقت امام العدو ما يؤشر الى وجود خاصرة امنية مكشوفة لديه بعيدا من الحرب المباشرة مع اسرائيل علما ان في ذلك ما يوفر له مبررات كثيرة من استمرار قياداته هدفا للاسرائيليين على رغم انخراطهم في الحرب السورية ومن مبررات استمرار حتمية مقاومته ولو ان جبهة الجنوب هادئة. كما ليس سهلا بالمقدار نفسه ان يكون هذا القيادي الذي له في سجله قائمة طويلة من الانجازات في ادارة العمليات الاستخبارية ان يكون فريسة سهلة لمعارضين سوريين علما ان هذا الامر الاخير قد يكون اسهل مع المواجهة الشرسة التي وقع ضحيتها ايضا مسؤولون ايرانيون كبار في خان طومان وقبلها في مناطق سورية اخرى. لكن وعلى رغم الثمن المرتفع لما يعنيه ذلك بالنسبة الى الحزب، فان السؤال الذي يطرحه البعض يتصل بما اذا كان ذلك يمكن ان يشكل سببا مباشرا لاعادة النظر في العودة عسكريا من سوريا على رغم استبعاد ذلك من اكثر من جهة لاعتبارات متعددة تتصل باستبعاد انسحابه بعد اثمان كبيرة دفعها من ارواح مقاتليه علما انه ثمة معطيات عن استنزاف الحزب احتياطه من المحاربين السابقين في المواجهات مع اسرائيل ووجود عدد كبير من الجرحى لديه واستعانته بعناصر جديدة. كما ان الانسحاب بات صعبا من دون اثمان سياسية ما يسعى الى الحصول عليها ومن بينها ضمان مصير الحكم في سوريا واذا امكن ضمان بقاء بشار الاسد. ومراقبون سياسيون كثر لا يرون ان الحزب وعلى رغم خسارته يمكن ان يهتز لاقتناعه وادراكه ان خسائر كبيرة تقع في الحروب والامين العام للحزب السيد حسن نصرالله سبق ان تحدث عن استعداد لدفع ما يتطلبه الامر في سوريا لا بل ان الحزب قد يحظى بتعاطف اكبر معه من جانب مناصريه وطائفته وفق ما قد تعبر عنه الانتخابات البلدية في وقت لاحق.
والوجه الاخر في المقابل الذي لا يفوت البعض ملاحظته ايضا هو مقتل قيادات ادرجت اسماؤها في خانة الاتهام الغربي للحزب ب”الارهاب” في ظل ادراج دولي لهؤلاء على لائحة اتهامات طويلة كان اخرها ما يطاول بدر الدين امام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من اتهام بالتورط في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وفي ظل تساؤلات اذا كانت هذه المحكمة ستفقد مبررها بعد بعض الوقت خصوصا انه بالنسبة الى الفريق المعني بالمحكمة في لبنان فان مسؤولين كثرا اعتبروا على صلة في شكل او في اخر بملف اغتيال الحريري تم وضع حد لحياتهم بسيناريو او بآخر. فاول ما يثير الاهتمام في سياق الاعلان عن مقتل بدر الدين الذي رفض الحزب ان يمثل مع المتهمين الآخرين امام المحكمة ما قد يشكك كثر في ان ظروف الحرب السورية مناسبة لابعاده عن الواجهة نهائيا من خلال ما تدأب مخابرات الدول وحتى التنظيمات الكبيرة على القيام به اي رسم شكوك حول موت بعض الاشخاص من اجل حمايتهم من ملاحقة ما وضمان استمرارهم في حياتهم بعيدا من اعين عارفيهم وحتى اقرب اقربائهم لان المحكمة حتى لو انكر الحزب التعاطي معها فهي قائمة ويمكن ان تصل الى احكام في نهاية الامر. وهذا ناتج عن ثقة مفقودة من جانب الافرقاء السياسيين في البلد تدفع بهم الى اثارة شكوك مماثلة.
هذه الملاحظات يتعذر عدم تسجيلها في سياق خلفية انخراط الحزب في حرب قال انها ضد الارهاب في سوريا علما ان مسؤولين لديه كانوا لا يزالون ملاحقين بهذه التهمة، لكنه لم يحظ بالصدقية اللازمة في موضوع حربه ضد الارهاب في سوريا خصوصا مع ادراجه من الدول الخليجية وموافقة دول عربية على لائحة التنظيمات الارهابية لانخراطه في الحرب الى جانب الرئيس السوري بشار الاسد ضد معارضيه وفي زمن فرض قانون مالي جديد من جانب الكونغرس الاميركي يطاول مؤيديه ومناصريه ان لم يكن عناصره مباشرة ويضيق عليهم هامش تحركهم المالي مع المصارف في لبنان ومع الخارج. لكنها عناصر يمكن رصد امكان توظيفها في المستقبل.