خيرالله خيرالله: أوباما والخليج والرهان على سراب/رضوان السيد: زيارة أوباما: الممكن وغير الممكن

190

أوباما والخليج… والرهان على سراب
خيرالله خيرالله/لعرب/25 نيسان/16

هناك قمم لا تقدّم ولا تؤخّر، كما حال القمة التي عقدها قادة “مجلس التعاون لدول الخليج العربية” مع الرئيس باراك أوباما في الرياض. لم يكن مطلوبا من الرئيس الأميركي الانحياز، كلّيا، إلى مواقف دول الخليج العربي، بمقدار ما كان مطلوبا ترجمة كلامه إلى أفعال. هل في وارد أوباما، الذي سيغادر البيت الأبيض في غضون ثمانية أشهر، الانتقال من الكـلام إلى الأفعـال؟ يبقى الكلام الجميل، في نهاية المطاف، كلاما جميلا في غياب الترجمة على الأرض. ولهذا السبب، وليس لغيره، اتخذّت دول مجلس التعاون، في معظمها، إجراءات تعكس استيعابها الباكر لخطورة الاعتماد على إدارة أميـركية يهمها تقـديم النصائح من بعيد وقول كلام كبير من دون ما يشير إلى رغبة في أن يكون لهذا الكلام معنى حقيقي. بكلام أوضح، لم تقدم إدارة أوباما على أيّ خطوة يمكن أن يُفهم منها أنّها تسعى إلى فهم ما يدور في الشرق الأوسط. ين نجح أوباما، ولو نسبيا، حتّى يمكن القول أن في الإمكان الاعتماد عليه؟ هل نجاحه في التوصّل إلى اتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني نجاح؟ ما هي الدلائل التي تشير إلى أن إيران تغيّرت بعد هذا الاتفاق، في وقت تؤكّد كل الدلائل أن إيران زادت عدوانية، على كلّ صعيد وفي كلّ مجال، متسلّحة بالاتفاق في شأن ملفّها النووي.
قال أوباما في الرياض كلاما كبيرا ومهمّا في آن. من بين هـذا الكلام، ذلـك الذي توجّه به إلى إيران شاكيا من دورها في مجال تشجيع الإرهاب وزعزعة الاستقرار، خصوصا عبر أدواتها الإقليمية، من نوع “حزب الله”. ا تكمن مشكلة أوباما في أنّه لا يعرف الكثير عن الشرق الأوسط فحسب، بل في أنّه يقول أيضا الشيء وعكسه في الوقت ذاته، وذلك من منطلق أنّ الشخص الذي أمامه ساذج! من بين ما قاله الرئيس الأميركي في الرياض تنديده بـ”النشاطات الإيرانية التي تستهدف ضرب الاستقرار”. دعا في الخطاب ذاته إلى التعاطي مع القوى التي تتمتع بنوع مـن “العقلانية” في إيران. فاته أن يحدّد من هي هذه القوى، ومدى نفوذها وتأثيرها. يس في الإمكان تجاهل أن هنـاك قـوى في “الجمهـوريـة الإسلامية” تتمتّـع بحدّ أدنى مـن العقـلانية. حقّـقت هذه القـوى تقدّما في الانتخابات الأخيرة. هذا واقع لا مفرّ من الاعتراف به. كنّ الواقع الآخر الذي لا يمكن تجاوزه هو ذلك الـذي يختزله سؤال في غايـة البسـاطة: أيـن استطاعت هذه القوى التي تتمتع بالعقلانية إحـداث أيّ تغيير على صعيد السيـاسة الخارجية لإيران، وهي سيـاسـة قائمة على مشـروع توسّعي من جهة، واستخـدام ميليشيـات لبنـانية وعـراقية وأفغانية تابعة لـ“الحرس الثوري”، لتعميق الشرخ المذهبي بين المسلمين من جهة أخرى. لا تنقص الأمكنة التي تستطيع فيها إيران إظهار حسن نيتها وبعض التوجه العقلاني. ولكن، أين وجدنا تأثيرا يذكر للقوى الإيرانية التي يدعو أوباما إلى التعاطي معها؟ المؤسف أن ليس ما يثبت، أقلّه إلى الآن، أن لهذه القوى أي تأثير من أيّ نوع. لا يشبه تأثير هذه القوى سوى تأثير أوباما في سوريا. هناك شعب يذبح يوميا، فيما الرئيس الأميركي يتفرّج. هذا الشعب الذي اسمه الشعب السوري يتعرّض لهجمة وحشية لا مثيل لها في التاريخ الحديث. هناك مشاركة روسية في المجزرة السورية. هناك مشاركة إيرانية مباشرة وغير مباشرة في حرب الإبادة التي تستهدف السوريين. أين استطاعت القوى المعتدلة التي يتحدث عنها أوباما ممارسة دور ما من أجل وضع حدّ للمأساة السورية؟
لم يحدث شيء من هذا القبيل. هناك، بكل بساطة، حرب يتعرّض لها الشعب السوري على يد نظام أخذ على عاتقه الانتهاء من سوريا التي عرفناها بمشاركة إيرانية مباشرة. ذا وضعنا سوريا جانبا، ما الدور الذي تمارسه إيران في العراق؟ ما الذي فعلته قوى الاعتدال الإيرانية من أجل وضع حدّ لحرب داخلية استفاد منها “داعش” الذي تدّعي الإدارة الأميركية محاربته؟ تكمن مشكلة أوباما في أنّه وضع نفسه في خدمة المشروع الإيراني في العراق. هذا المشروع لا يخدم بدوره سوى “داعش” ومن على شاكلة “داعش”. هذا المشروع مصيبة كبرى كونه يوفّر حاضنة لكلّ قوى التطرّف أكانت سنّية أم شيعية. ما الذي يمكن أن يدفع دول الخليج العربي إلى التعاطي بطريقة مختلفة مع الإدارة الأميركية، ما دامت هذه الإدارة ارتضت، مجددا، أن تكون مطيّة لإيران في العراق؟
تهبّ الولايات المتحدة هذه الأيّام إلى نجدة حكومة حيدر العبادي، أي إلى نجدة إيران في العراق. يأتي ذلك في وقت لم تظهر حكومة العبادي في أيّ لحظة أن في استطاعتها أن تكون حكومة غير مذهبية، أي أن تكون حكومة لكل العراق والعراقيين، بغض النظر عن المذهب والدين والقوميّة والمنطقة التي ينتمون إليها.
عندما تسود العقلانية في إيران، لا تعود من حاجة إلى قمة خليجية – أميركية. ما هو أكثر من طبيعي أن تسود علاقات تعاون وتنسيق بين إيران وجيرانها العرب من أجل زيادة خيرات المنطقة، وليس من أجل تقاسم النفوذ فيها كما طالب أوباما في حديثه الأخير مع مجلة “آتلانتيك”. آخر ما تحتاج إليه المنطقة هو نصائح الرئيس الأميـركي الذي يبدو أنه يمتلك أجندة خاصة به تقوم على فكرة واحدة هي أنه يحقّ لإيران ما لا يحقّ لغيرها في المنطقة، وأن لا وجود سوى لـ“داعش” السنّي، فيما الدواعش الشيعية التي تقاتل في سوريا والعراق من النوع الحلال الذي لا علاقة له بالإرهاب والتطرّف من قريب أو بعيد. هل من إرهاب حلال، وآخر غير حلال؟ ا حاجة إلى الذهاب بعيدا في تقويم ما إذا كانت القمّة الخليجية – الأميركية أدّت إلى نتائج ملموسة. لا حاجة إلى الذهاب إلى اليمن ومشاكله المعقّدة، وإلى المحاولة التي بذلتها إيران لوضع يدها على البلد عن طريق الحوثيين. لا حاجة إلى التساؤل لماذا هذا الإصرار الإيراني على بقاء بشّار الأسد في دمشق لمجرّد أنّه يرمز إلى النظام الأقلّوي في سوريا، وهو نظام مرفوض من الأكثرية الساحقة في البلد. ناك سؤال أخير يمكن طرحه على باراك أوباما الذي سارع إلى الطلب من حسني مبارك الرحيل، معتقدا بسذاجة ليس بعدها سذاجة، أن الإخوان المسلمين يمكن أن يكـونوا الحكام الجدد للمنطقة، بل مستقبلها. هذا السؤال الأخير هو الآتي: لماذا تمنع إيران لبنان من أن يكون لديه رئيس للجمهورية؟ متى يجيب الرئيس الأميركي عن هذا السؤال، يصبح في الإمكان الرهان على قوى معتدلة تمتلك بعض العقلانية في إيران.
ما عدا ذلـك، تبدو دعـوة العـرب، خصوصا أهل الخليج، إلى التعاطي مع هذه القوى أقرب إلى رهان على سراب من أيّ شيء آخر.

زيارة أوباما: الممكن وغير الممكن
رضوان السيد/الاتحاد/24 نيسان/16

تحدثت في الأيام الماضية إلى عدة خبراء غربيين، بشأن الرئيس أوباما وزيارته الأخيرة للمنطقة خلال رئاسته. وللمفاجأة وجدتُ أن معظمهم متفائل، ليس بتغير السياسات، بل بتقارب الاهتمامات والأولويات. أوباما يعتبر أخيراً أنّ مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسه السعودية، هو الشريك الرئيس للولايات المتحدة في الجانب العربي، بعد أن كان قد حزم أمره على إقامة علاقات توازن بين إسرائيل وإيران وتركيا. أما مصر فلا علاقة لها بالمشرق، بينما تدخل السعودية والخليجيون الآخرون تحت «أمن الخليج»، والولايات المتحدة كفيلةٌ بذلك منذ أواخر الحرب العالمية الثانية. وما سلَّم الخليجيون بذلك، وتابعوا بقلقٍ أحداث العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن.. ومصر وليبيا. ورأوا أن بلداناً عربيةً متعددة تتعرض للتدمير إما بالاستبداد والتدخلات الخارجية، أو بالعنف والإرهاب المختلط بين الداخل والخارج. وظل أوباما سلبياً، ثم تدخل لمصلحة الإسلاميين في بلدان عربية سقطت حكوماتها. وبذلك فقد تعددت أوجُه الخلاف العربي معه: من عدم الجدية في متابعة مسائل السلام في فلسطين، وإلى تشجيع القلاقل في دولٍ عربية بحجة الديمقراطية، وإلى دعم الإسلاميين في سعيهم للاستيلاء على السلطة، وإلى التساهُل مع الانتشار الإيراني بالمنطقة تسهيلاً للتفاوض حول الملف النووي لدولة ولاية الفقيه.
لقد شكا الخليجيون ثم احتجوا بدرجات متفاوتة. وجرى التحسن في بعض التفاصيل، لكن سياسات أميركا ما تغيرت في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان. ثم كادت العلاقات تنفجر مع ظهور «داعش»، لكن خفّفت من ذلك صيغة التعاوُن بين الطرفين في الحملة الدولية بقيادة الولايات المتحدة لمكافحة «داعش» في سوريا والعراق. ثم جاءت مشكلة اليمن، والتي ظلَّ جمال بنعمر يتراجع في مواقفه خلال معالجتها، ليس بعيداً عن مزاج الولايات المتحدة التي أصرت أنه لا علاقة للحوثيين بإيران! وهاجم التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات المتمردين باليمن. وهو موقف قوي ثانٍ لدول الخليج دعمه قرار من مجلس الأمن. وبعد التحالف العربي، جاء التحالف العسكري الإسلامي، وقمة مجلس التعاون الإسلامي، بما يحمله ذلك من مواقف ضد التدخل الإيراني، وإرهاب «حزب الله». وأتى أوباما هذه المرة لا ليتحدث عن أمن الخليج وحسْب، بل وليبحث قضايا السلام في فلسطين واليمن وليبيا وسوريا والعراق. ومن المؤكد أنه سيكون مع أمن البحرين والكويت، وأنه سيعمل مع الدول الخليجية على إنهاء الحرب باليمن. وقد طلب من الخليجيين دعمه بالعراق ضد الإرهاب، وفي الإعمار، وفي العملية السياسية. وينبغي أن يطلب منه الخليجيون بالمقابل مطالبة الحكومة العراقية بسحب الميليشيات التي ساقها الإيرانيون من العراق إلى سوريا. وسيظل هناك خلاف في الموضوع السوري لثلاثة أسباب: أولها الاتفاق الأميركي الروسي على الخطوط الكبرى للحل دونما عودة للعرب ولا للمعارضين. وثانيها: التدخل الإيراني القوي جداً، والذي أبى أوباما دائماً إدانته. والثالث: اختلاف المواقف بين دول الخليج بشأن الحل في سوريا.
ويخشى الخليجيون تطور القوة الصاروخية الإيرانية، وقد قال أوباما إنّ العقوبات الأميركية ستستمر من أجلها. وقال أيضاً إنه يستنكر التدخلات الإيرانية في دول المنطقة العربية، وإن إيران ما تزال تدفع باتجاه العنف والإرهاب. وستكون هناك مناورات عسكرية بين دول الخليج وأميركا عام 2017. وكل ذلك من تأثير الهجمة الخليجية عليه وعلى سياساته، وردّ فعل على ما صدر من تذمرات بالدواخل العربية ضد الانحياز الأميركي لإيران وميليشياتها. إن هذا هو أقصى ما يمكن بلوغه من أوباما. وفي الشهور الأخيرة هناك حملة شرسة في وسائل الإعلام الأميركية على السعودية. ووراء هذه الحملة لوبيات مالية وإيرانية وليبرالية. وبالطبع ليست هذه المرة الأُولى ولن تكون الأخيرة. لكنّ الاستخفاف لا مسوِّغ له. إذ بالإمكان الحديث عن السياسات الواضحة ضد الإرهاب، وعن القتال ضد الإرهاب باليمن وسوريا والعراق، وعن إمكانيات بدأت تظهر للإصلاح الديني.