الـيـاس الزغـبـي: سلاح حزب الله

178

 سلاح حزب الله
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/16 نيسان/16

التراشق بـ”السلّة” بين “حزب الله” و”تيّار المستقبل”، على ملعب رئاسة الجمهوريّة، يكشف حقيقة الأزمة وعمق المأزق. الملعب المفتوح والجمهور المصفّق لبنانيّان، أمّا اللاعبون الحقيقيّون والحكّام المقرّرون فمن جنسيّات إقليميّة ودوليّة. والنتيجة، حتّى الآن، صفر للجميع. في الترشيحَين المتصادمَين اللذين حصلا للرئاسة الأُولى، لم يكن هناك سلّة واضحة بمحتوياتها:

– فالترشيح الأوّل، تفادى كلّ ما هو في أساس الأزمة، بحجّة أنّه فوق طاقة لبنان، وذهب إلى ترتيبات موضعيّة وشؤون يوميّة، كأنّه تسوية بيتيّة أو قرويّة عائليّة.

– والترشيح الثاني، داور في الأساس الصعب للمشكلة وقاربه بلباقة وحذر، وأبقى على التزامات صاحبه في السلاح ووظيفته والمحور الذي ينتمي إليه.

وبعد وصولهما إلى الحائط المسدود، بفعل تمنّع مظلّتهما المشتركة، أي “حزب الله”، عن السير بأحدهما، كان من الطبيعي أن يخرج رئيس “تيّار المستقبل” سعد الحريري عن الحلّ المنزلي الذي كان قد سار فيه بترشيحه سليمان فرنجيّه، ويطرح مسألة سلاح “حزب الله” في السلّة الرئاسيّة.

لكنّ المفارقة في هذه النقلة السياسيّة النوعيّة تكمن في استمرار تمسّكه بسليمان فرنجيّه. ولم تصدر أي إشارة علنيّة من هذا الأخير إلى موافقته على طرح السلاح للمناقشة في سلّة ترشيحه. فهل هناك موافقة مكتومة على الأمر، أو مجرّد وعد شخصي؟ أَم أنّ طرح السلاح تمهيد للإحراج فالإخراج؟

في القضايا المفصليّة، مثل انتخاب رئيس للجمهوريّة، لا يمكن الاعتداد بالصمت والكتمان والوعود الشخصيّة الشفويّة وحسن النيّات المعلن.

ولا بدّ من الوصول حتماً إلى تمايز جذري في هذه المسألة، فحديث الحريري عن سلاح “حزب الله” يجب ألاّ يكون مجرّد ردّ فعل على كلام محمّد رعد، ولا على سبيل التمريك السياسي.

كما أنّ موقف فرنجيّه من هذه المسألة المحوريّة لا يمكن أن يبقى ملتبساً. وليس هناك ما يوحي بأنهّ قادر على الخروج من التزامه مقتضيات “الخطّ”. وهو، في موضوع أقلّ أهميّة، مثل النزول إلى جلسات الانتخاب بدون موافقة “حزب الله”، لم يستطع الإقدام.

وفي الجانب الآخر، لم يظهر أنّ ميشال عون استطاع، بعد 3 أشهر على ترشيحه في معراب، أن يتمايز عن وظيفة السلاح ودوره في لبنان وسوريّا وسواهما. وكانت إشادة وريثه بـ”شهداء” الحزب في سوريّا، إضافة إلى تحصينه دبلوماسيّاً، علامة دامغة ومشهودة على عمق الارتباط بهذا السلاح.

وليس خافياً أنّ القضيّة الأساسيّة لسمير جعجع و”القوّات اللبنانيّة”، والتي لا تحجبها أيّ قضيّة أُخرى، هي تحرير لبنان من هيمنة هذا السلاح ووظائفه الخارجيّة والداخليّة المتعدّدة، كشرط لازم وضروري لإعادة بناء الدولة اللبنانيّة وتحقيق آمال اللبنانيّين في الاستقرار والاستقلال والحريّة والحياة الكريمة.

إذاً، لم تعد الإقامة في المفارقات والتناقضات ممكنة. ولا يجوز الإمعان في تجاهل الموانع التي تحول دون نجاح الترشيحَين المتقابلَين. فلا نظريّة التزام قرار بكركي في تصنيف الأقوياء الأربعة نجحت، وقد بردت همّة بكركي نفسها في الموضوع، ولا نظريّة توافق المسيحيّين أعطت مفعولها في انتخاب رئيس.

لذلك، إلى الأصول دُرْ.

والأصول هي الثوابت التي نهض عليها التحالف التاريخي الاستثنائي الخارق للاصطفاف الطائفي والمناطقي والسياسي والعائلي والمصلحي، والذي اتخذ “ثورة الأرز” عنواناً وطنيّاً له، و”14 آذار” عنواناً سياسيّاً.

فالترشيحان سياسيّان، وكل ما هو سياسي متحرّك، بينما التحالف وطني، وكل ما هو وطني ثابت.

وحين تعود قيادات هذا التحالف إلى ثوابتها، مثل قضيّة سلاح “حزب الله”، تستطيع الالتقاء عفواً وحكماً في الاستحقاق الرئاسي. ولم يبلغ هذا الاستحقاق مرحلة الاستعصاء التي يمرّ فيها الآن، إلاّ بعد التراخي في الأسس، والذهاب إلى التسويات على حساب المبادئ.

فبرغم دورانه في حلقة فارغة قبل 6 أشهر، كان الاستحقاق الرئاسي قابلاً للمعالجة من موقع التضامن والوحدة وطول النفس، ولو صمدت “14 آذار” على خياراتها لكان الوضع مختلفاً. أمّا اليوم، فهو في طريق مسدود كليّاً، وينتظر خشبة خلاص أو يد ممدودة من هنا أو هناك، هولاند أو سواه، وهي على الأرجح خشبة في بحر متلاطم، لا يمكن أن تُنقذ غريقاً.

الكلام المتجدّد على سلاح “حزب الله” ومضة أمل، على أمل ألاّ تكون كبرقٍ خُلّب.

من هنا تمتلئ “السلّة” بمحتويات صحيحة.

ومن هنا طريق العودة إلى الوحدة، فالرئاسة… فالحلّ.