مارون الخوري: جذور الحضور الماروني في فرنسا/نبيل بومنصف: ١٩٧٥ – ٢٠١٦

208

جذور الحضور الماروني في فرنسا
مارون الخوري/النهار/11 نيسان 2016

صدر أخيرا كتاب جديد للمطران مارون ناصر الجميل، راعي ابرشية سيدة لبنان في باريس والزائر الرسولي على موارنة أوروبا الشمالية والجنوبية. يندرج هذا الكتاب ضمن سلسلة وثائق منسية (9) تتناول الحضور الماروني في باريس من خلال مراسلات البطريرك الحويك يوم كان مطراناً (1890) والآباء البترونيين بولس بصبوص وطوبيا يونس وعمنوئيل فارس (الفرخ) الذين تعاقبوا على النيابة البطريركية في سيدة لبنان في باريس. تتوزّع هذه الوثائق على محورين جوهريّين: أولهما، إعادة إحياء المدرسة المارونية الرومانية القديمة (1584)، وثانيهما، تأسيس الوكالة البطريركية المارونية في باريس (1914)، على غرار الوكالات الآخرى التي تأسّست في عواصم القرار يومذاك، أي في القدس وروما والقاهرة. وتكمن أهمية هذا التأسيس في أنه تحقّق قبيل زمن انتهاء حكم “الرجل المريض”، وقبل انشاء دولة لبنان الكبير. ليست هذه الوثائق سوى جزء يسير من مراسلات المطران الياس الحويك والآباء البترونيين الذين شكّلوا فريق عمله “الاوروبي”، وهم: بولس بصبوص من جربتا (مقّر القديسة رفقا)، وطوبيا يونس من تنورين، وعمنوئيل فارس (الفرخ) من صورات. وتحتفظ المكتبة البطريركية في بكركي بقسم كبير منها، في حين يرتع البعض الآخرفي مكتبات روما وفرنسا، أو في مكتبات الأديار أو المطرانيات التي كانت على علاقة بهم. فالمطران الياس الحويك (البطريرك في ما بعد) غزير الكتابة وقد لا يمكن حصر كلّ ما دبّجته يمينه لكثرته وتنوّعه وتبعثره. يستشفّ القارئ من خلال ذلك الكمّ الهائل من المراسلات أن أصحابها نسجوا شبكة علاقات وتواصل مع كبار القوم في مراكز القرار ووسائل التأثير الديني والسياسي والاجتماعي والتربوي. أما اليوم، وبعد مرور قرن كامل على تسلّم البطريركية المارونية كنيسة سيدة لبنان في باريس، فيمكننا القول إنها شكّلت مركزاً دينياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً ووطنياً واكب، على مرّ السنين، الحياة الكنسية والوطنية اللبنانية والمشرقية على مدى الحربين العالميتين وبخاصة الحرب الأخيرة على أرض لبنان منذ 1975، والتهجير والتشتّت والهجرة الكثيفة الناتجة منها. كما شكّلت بنوع خاص مركزاً لاستقبال الطلاب في جامعات باريس والجوار. كما أصبحت محوراً باريسياً للقاء والتفاعل بين العابرين والمقيمين من اللبنانيين والمشرقيين مع الفرنسيين، ولا غرو في ذلك، فهي المرجعية الدينية والوطنية الناشطة قبل اعلان دولة لبنان الكبير وبعده. وقد شهدت تحركات الوفود اللبنانية الى فرساي لبلورة معاهدة الصلح بعد سقوط الامبراطورية العثمانية في العام 1918.

 

١٩٧٥ – ٢٠١٦ ؟
نبيل بومنصف/النهار/11 نيسان 2016
مع اشتعال الحرب السورية قبل خمس سنوات بدأت ذكرى 13 نيسان 1975 اللبنانية تتخذ توهجا مختلفا محفوفا بخشية كبيرة من التحاق لبنان بالزلزال الاقليمي المتفجر . ولا نبالغ إن اعترفنا كلبنانيين اننا حتى الساعة لا نصدق اننا تجاوزنا أسوأ كوابيسنا الناشئة عن انعدام ثقتنا بأنفسنا في منع تمدد اللهيب مجددا الى لبنان. حصل ذلك على رغم كل شيء الى حدود يغالي معها كثيرون في الحديث عن ” أعجوبة ” في البلد الذي كانت صورته النمطية انه الأكثر قابلية للاشتعال فاذا به يفاجئ العالم انه اسقط هذه الوصمة عنه. نبرز ذلك عشية الذكرى الـ 41 لاندلاع الحرب في لبنان لا تباهيا سخيفا فيما نحن في عز مآزق وأزمات وقطوعات اين منها حرب مقنعة، ولا تعويضا عن لبنان حضاري يبدو كأنه انتهى وأنهار وحل مكانه تراكم مرعب من البشاعات، وانما فقط من باب يحق لنا كلبنانيين ان نطل منه لننتزع حقاً تاريخيا. هو الحق في الاثبات ان الطبيعة الطائفية للبنان ليست ولم تكن في أساس منع قيام دولة طبيعية تحمي نسيج لبنان بدليل تجربتين. تجربة جمهورية 1943 وتجربة التعايش الشاق والشديد الخطورة مع الحرب السورية الراهنة. مهما تفنن الكثيرون في شيطنة جمهورية 1943 وحتى في المحق من محاكمات لحقت بها وبما اصطلح على تسميته المارونية السياسية ، فان ثابتا لا يرقى اليه شك هو ان العامل الفلسطيني آنذاك كان قاطرة اساسية لجر لبنان الى الأتون المشتعل في مزيج بدأ ب” حروب الآخرين على أرض لبنان ” لينتهي بالحرب الأهلية. ومهما تفنن آخرون الآن في اسقاط أهلية اللبنانيين عن اعادة ترميم النظام الدستوري فحسبنا ان نتمسك ببارقة في آخر النفق من خلال عامل واقعي هو ان لبنان نجا من اشتعال قبلي ومذهبي وطائفي محقق. لبنان يضم مخزونا من مليون ونصف مليون لاجئ سوري ونصف مليون لاجئ فلسطيني الى كل فائض الازمات ولا تنشب حرب فيه فان الامر يشكل مدعاة لاعادة النظر في الصورة النمطية الموروثة من 13 نيسان. نقول ذلك بصراحة لنطمئن أنفسنا كلبنانيين أولا ولنستعيد بعضا من ثقة منهارة تماما امام أهوال اليوميات التي تحاصرنا. مع ذلك لن نتجرأ على مزيد من التباهي الفارغ ، فالسيف لا يزال مسلطا، واندثار الجمهورية هو خطر اكبر من ان يرده صمود امام أخطار الانفجار الأمني. واذا كانت تجربة الصمود امام محاولات إشعال لبنان نجحت حتى الآن بفعل قرار دولي ونضج داخلي فان ذلك لن يدرأ الخطر نهائيا ما لم تقم جمهورية برأس على بلد بات ثلث المقيمين فيه من اللاجئين ومعظم ابنائه الصامدين يشارفون كل أنواع الانهيارات .