ريمون عبود: منعاً للتأويلات، أفرج يا دولة الرئيس عن محاضر الطائف/سعد الدين البواب: إنّ الدولة المدنية هي الحل

222

 منعاً للتأويلات، أفرج يا دولة الرئيس عن محاضر الطائف
ريمون عبود/النهار/11 نيسان 2016

“إنّ أخطاء عمّك تسبّبت بالطائف، وما أدّى إليه في شأن صلاحيات رئيس الجمهورية، لو حصلت تسوية يومها لما كان أصاب المسيحيين إجحاف في حقوقهم”. بهذه الكلمات خاطب المرشّح سليمان فرنجية الممتنع عن النزول إلى المجلس نزولاً عند رغبة سيّد الكلّ (أين هيبة الرئاسة، إذا هيك مبلّش؟) صهر الجنرال عون المدلّل جبران باسيل الذي بدّد بسرعة فائقة، ما أرساه أسلافه من علاقات خارجية وطيدة، وأتبعها بمقاطعة “بان كي – مون”، إسترضاءً لـ”حزب الله” الذي يُحكم قبضته على البلد. المسألة ليست بهذه البساطة، هناك كمّ من التراكمات والأحقاد: من شعارات شعبوية ناصرية وبعثية، ومزايدات في القضايا القوميّة، فحمّل البلد أكثر ممّا يحتمل، مع يسار متهوّر، لم يرَ أمامه سوى الصراع الطبقي المستعصي، مستخفّاً بالبعد الطائفي المتجذّر، ويمين متحجّر، متمثّل برئيس حزب الكتائب بيار الجميل الذي كان يردّد يومياً “الدستور لا يمسّ، صلاحيّات رئيس الجمهورية لا تُمسّ”. وديماغوجيّة سنيّة تطالب بالمشاركة وحرّية العمل الفدائي، فكان عبدالله اليافي يهتف في شوارع بيروت “كلّنا فدائيون”. تلاقت المصالح لضرب الصيغة اللبنانية التي شكّلت تحدّياً للصهيونية العنصرية والديكتاتوريات العربية، هالهم النمّو الاقتصادي، وتداول السلطة، والحرّيات الاعلامية، ومتانة الليرة اللبنانية. النظام ليس مثالياً، ينقصه التطوير والانماء المتوازن والشراكة، وليس بالسوء الذي وصلنا إليه في هذا الزمن. “فالمارونية السياسية” التي يترحّم كثيرون عليها، لم تورثهم الفساد والفضائح والديون والتسلّط. كان بيار إده يشتري اونصات الذهب من فائض الموازنة، كذلك الرئيس الياس سركيس، لتأمين تغطية ثابتة للعملة. ماذا سترث الأجيال المقبلة من السنّية المالية والشيعيّة العسكرية، التي رسّخت سلطتها زمن الوصاية، بعد حرب عبثية وتدميرية، أوصلت إلى فرض اتفاق الطائف المثقل بالهفوات والثغر، وأشعر المسيحيين بالقهر ونيات مبيّتة بالاستبعاد والتهميش؟ وضع الاتفاق بين الولايات المتحدة وسوريا والسعودية، على أن يحكم لبنان بأرجحية سنّية مع وصاية سورية وتغطية سعودية. كثرت التفسيرات لبنوده، سألنا بعض النواب: هل الاستشارات ملزمة بإجرائها أو بنتائجها؟ لم نحصل على جواب واضح، لاحقاً بدأت الأمور تتوضّح: عصام نعمان يقول ملزمة بإجرائها. وفي مقابلة على إذاعة “صوت لبنان” مع ميشال معلولي، قال: “محاضر الطائف التي أخفاها الرئيس حسين الحسيني هي خلاصة مناقشات النواب، الاستشارات التي يجريها رئيس الجمهورية لاختيار رئيس حكومة، ملزمة بإجرائها، وليس بنتائجها، فرئيس الجمهورية ليس صندوق بريد، بل له رأيه في الاسم المقترح، وهو المؤتمن على الدستور، والوحيد الذي يحلف اليمين، بالتالي لا يمكنه الموافقة على شخص يرى أنّه غير ملائم، وربّما مجيئه يسبّب إشكاليات”. وأضاف: “لم نتطرّق في قانون الانتخاب الى النسبية، بل اقتصر الأمر على النسبية بين المذاهب والمناطق… وأن لا يتجاوز عدد نواب الدائرة الثلاثة”.
عن الترهيب الذي اعتمد خلال الاجتماعات صرّح بيار دكاش أنّ سعود الفيصل قال له : “أنتم المسيحيين أخذتم رئاسة الجمهورية والمناصفة. تشكّلون 30% من اللبنانيين وغير راضين، فلماذا تعارض؟”. حسن الرفاعي اعتبر الطائف بدعة دستورية، لم يشارك كون المناقشة ممنوعة. فيا دولة الرئيس الحسيني الذي نسجّل لك وقوفك المشرّف عام 1976 إلى جانب العميد ريمون إده في رفض قرار الاذعان السوري بفرض الياس سركيس رئيساً: نأمل منك الافراج عن محاضر الطائف، وأن تكون في تصرّف الجميع للاطّلاع على ما جرى من مناقشات، ولا سيما بعد سماعنا نجاح واكيم يصرّح عند انتهاء المؤتمر: ” حرقنا دين الموارنة”، وذلك منعاً للاجتهادات والتأويلات والتفسيرات. للخروج من المأزق الذي يتخبّط فيه البلد، لا بدّ من العودة إلى ما قاله كمال جنبلاط عام 1956 في محاضرة في “الندوة اللبنانية”: “لا يستطيع لبنان أن يكون دولة تابعة لأحد، وما نريده، هو القبول بالآخر، بانفتاح ومحبّة، والقبول بعقيدته وتصرّفه…، والذي نرتجيه أن يكون لبنان بلد التسامح الديني الحقيقي، لا بلد التعايش الديني، أي بلد التعصّب والحقد الديني الدفين المكبوت”. كم كان الرئيس اميل اده على حق عندما طلب تأجيل الحصول على الاستقلال. إرتضى اللبنانيّون الذلّ العثماني والجزمة السورية، وانتفضوا على الفرنسي الذي كان يبني المؤسسات. هذا الشعب الخنوع والمدجّن، الذي يقبل ثقافة الانتفاع والاستزلام والعاجز عن إدارة أموره، يحتاج الى وصاية دائمة: نطوف العالم لتشكيل حكومة وانتخاب رئيس ونحتفل بذكرى الاستقلال، فلتلغَ حفاظاً على ما تبقّى من كرامة!.

 

إنّ الدولة المدنية هي الحل
سعد الدين البواب/النهار/11 نيسان 2016

تعليقاً على حتمية الجراحة الفكرية العميقة لكي يعود الاسلام، أشارك الاستاذ المحامي عبد الحميد الأحدب قلقه وخوفه من التطورات العنيفة التي نشهدها والتي ترتكب باسم الاسلام وأثرها السلبي على المجتمع وعلى سمعة الإسلام. ومن يرهب هذه الأفكار “الالترا سلفية” نوعان من المفكرين:
الأول – الذي يلوم الإسلام كفكر يحتضن هذه الأفكار بحجة الأمر بالجهاد وأحاديث دار السلم ودار الحرب، ويخرج بنتائج متفاوتة تحضّ على مقاومة الاسلام وظواهره كاملة، وبدرجات تتفاوت من رفض الحجاب الى رفض دخول المسلمين البلاد إن للهجرة أو حتى اللجوء.
الثاني – ذو الخلفية الاسلامية، يدافع عن الدين الاسلامي ويكفّر الفكر السلفي و”الالترا سلفي” باعتباره بدعة لا تتناسب وتعاليم الاسلام. ومقال الاستاذ الاحدب يبرز بالنصوص تعاليم الاسلام التي تدعو الى المحبة واحترام الآخر وحقه في الاختيار.
والإشكال الأساس ليس في الفكر “الالترا سلفي” أو السلفي أو الوهابي، بل في تطبيق هذا الفكر على المجتمع وفرضه بقوة السلاح والعنف الذي لا يقبله الناس أكانوا مسلمين أو غير مسلمين، ومن هنا يبدأ البحث في المعالجة. فالمعالجة لا تكون معالجة للفكر، وإنما تكمن في منع الفكر من فرض نفسه على الآخرين.
واعتبر احترام الفكر وحرية العقيدة حق مقدس وطبيعي لكل افراد المجتمع، وكذلك اعتبار فرض الفكر على الآخرين جريمة في حق الانسان وحقه في تحقيق اقتناعاته بطريق المنطق والتفكير أو القناعة بالوراثة، وكما يقول البعض “حدود حرية الفرد تقف عند حدود حرية الآخرين”.
لا يمكننا الدخول في بحث الفكر (الاعتقادي) الديني والدخول في مساجلات تبدأ ولا تنتهي، وذلك لتعدد الاديان في المجتمعات وتعدد المذاهب في الاديان وتعدّد المدارس في المذاهب واختلاف الاجتهادات ضمن المدرسة الواحدة الخ…
لكن يمكننا أن نتحد جميعنا، أي كل من يرفض فرض السلفية مذهباً ومسلكاً بقوة السلاح، يمكننا جميعنا أن نلتقي على محافحة رغبة الفرد في فرض رؤيته ومعتقده وتصوره ما يعتقده خيراً، على بقية الافراد، واستعمال السكين والعصا وحتى أنواع الأسلحة الأخرى من طائرات ودبابات وحاملات طائرات أو استعمال القوة الاقتصادية والتجارية والمالية والسياسية والاعلامية، وأي نوع آخر من القوى لفرض معتقداته على الناس، فهذا يعني الانتقاص من حقنا في اختيار اقتناعاتنا بحرية دون رقيب أو حسيب.
وقد أختلف مع الاستاذ المحامي السيد عبد الحميد في أن الحل قد يكون جذرياً، كما كان في قنبلة هيروشيما، حيث أن ما رأيناه حتى الآن من الربيع العربي ومندرجاته يفوق مفعول القنبلة الفتّاكة.
والإشكال هو في ثقافة الناس، والثقافة تحتاج الى تجربة ووقت وما يجري الآن هو عملية تثقيفية كفيلة بأن يعيد كل فرد منّا حساباته وتصوراته التي تضمن له ولعائلته الحياة الكريمة.
إنّ تعدّد الاتجاهات في تعدّد الطروحات لهذا الإشكال دليل على الوعي بخطورة الموضوع من جهة، ودليل آخر على استحالة التوافق بين هذه الحلول جميعها، وكلنا سنُدرك حتماً بهذا التباين في التصورات للحلول، أن علينا أن نعترف بأن لكل منا رأيه النابع من محيطه وديانته ومعتقده الخ… وهو لن يكون بالضرورة مماثل للرأي الآخر، بل في أكثر الأحوال مختلف في بعض أو كل بنوده عن الرأي الآخر.
لذا سنصل حتماً، كما وصلت أنا، الى قبول الرأي الآخر واحترامه باعتباره حقاً للفرد، أما اذا حاول هذا الفرد أن يفرض رأيه بقوة جسده أو سلاحه أو ماله أو مركزه، فهذا سيقاومه المجتمع بكل ما يستطيع من قوة، وبصرف النظر عن الاختلافات الفكرية، كما يحصل اليوم تماماً في الساحة السورية.
يكفينا أن نحل مشكلات التعايش في ما بيننا ولنترك أمور الآخرة وتحديد من يدخل الجنة ومن يدخل النار ليحلها كل منّا بينه وبين ربه.
إن المعاناة التي نعانيها في يومنا هذا ستتمخّض عن التوصل الى اعتبار أن الدولة المدنية هي الحل، وأنّ الخلافات العقائدية لا يمكن حلها، إن الشيء الوحيد الذي نستطيع أن نفعله حيالها هو تجاهلها واعتبارها ثانوية أمام مشكلات الحياة الآنية والمستقبلية التي نعانيها.