أحمد عدنان: ارهاب الأسد: الإعلام العربي يغمض عينيه/محمد مشموشي: لبنان إذ يصبح دولة مارقة أو حتى إرهابية

222

ارهاب الأسد: الإعلام العربي يغمض عينيه
أحمد عدنان/العرب/10 نيسان/16

في عام 2012 تمّ القبض على الإرهابي ميشال سماحة، تمّ ضبط عبوات ناسفة معه أحضرها من دمشق لاغتيال شخصيات سياسية في لبنان والقيام بعمليات إرهابية هدفها إشعال فتنة طائفية ووأد السلم الأهلي، قبل نحو سبعة أشهر صدر عليه حكم بأربع سنوات ونصف سجنا، وكان حكما غير نهائي، ولأن السنة السجنية في لبنان 9 أشهر، تم في 14 يناير 2016 إطلاق سراحه بكفالة مالية قدرها 100 ألف دولار. وقبل يومين فرح اللبنانيون باستعادة قسط من العدالة الضائعة، أصدرت المحكمة العسكرية في لبنان حكمها المبرم والنهائي بإعدام سماحة مع تخفيفه إلى الأشغال الشاقة المؤقتة بـ13 سنة. ولا بد من التأكيد أن الوصول إلى هذه النتيجة شبه المُرضية تم بفضل أربعة عوامل، التصعيد الخليجي الرافض لسقوط لبنان بين براثن الميليشيا، تصعيد وزير العدل اللبناني أشرف ريفي وهمّة الرئيس سعد الحريري، والرأي العام الغاضب لسير قضية سماحة. التسجيلات المرتبطة بميشال سماحة قاطعة وحاسمة، حاول استئجار ميلاد كفوري لتنفيذ العمليات الإرهابية، ومن حسن الحظ أنه اختار الشخص الخطأ الذي وضع الأجهزة الأمنية في الصورة وتعاون معها للإيقاع بالإرهابي الذي كان مستشارا لبشار الأسد ووزيرا سابقا وسياسيا لبنانيا ذائع الصيت.
حكم من العيار الثقيل
يستطيع القارئ أن يعود إلى يوتيوب ليشاهد ويسمع صوتا وصورة مؤامرة سماحة ثم اعترافاته، وهنا أؤكد أن التسجيلات ليست محصورة على اعترافات سماحة، بل على اجتماعاته مع كفوري وتحضيره وتحريضه وتجهيزه، 70 كيلوغراما من المتفجّرات تسلّمها من رجل الأمن السوري علي مملوك (اللصيق ببشار الأسد)، والمطلوب اغتيال نواب لبنانيين منهم خالد الضاهر، ومفتي عكار، واستهداف تجمعات طائفية باستثناء العلويين، وكلما كان ضحايا الانفجارات من العيار الثقيل كان أفضل، وهناك حديث عن استهداف بطريرك الموارنة بشارة الراعي خلال زيارته لعكار قبل سنوات، إضافة إلى اغتيال معارضين سوريين في لبنان، وتم ذلك بعلم الأسد وتوجيه مملوك وفق لسان سماحة نفسه. والتفسير الحرفي لما سبق، هو أن بشار وإيران أرادا إغراق لبنان في حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. قضية سماحة اكتشفتها السلطات اللبنانية، والسؤال الآن ماذا عن العمليات التي لم تكتشفها؟ كم عدد الأشخاص الذين يشبهون ميشال سماحة في لبنان؟ ولتقريب الإجابة للقارئ، نستحضر موقوفا آخر اعتقلته السلطات اللبنانية ولله الحمد. تنظر المحكمة العسكرية في قضية الموقوف نعيم عباس، وهو عنصر ينتمي إلى تنظيم القاعدة، يتحدث عباس عن طلب المخابرات السورية من تنظيم القاعدة اغتيال زعيم الدروز في لبنان وليد جنبلاط. وهذه القضية تكشف ببساطة: تورّط النظام السوري في اغتيال شخصيات لبنانية، وطبيعة العلاقة بين بشار الأسد والقاعدة. قضية الإرهابي سماحة، لا يتحدث عنها إعلام المقاومة والممانعة لأنّها تمثله وتفضحه في نفس الوقت، بالصوت والصورة تجسّد الدليل الدامغ على من قتل شهداء ثورة الأرز اللبنانية بداية من رفيق الحريري وليس انتهاء بوسام الحسن ومحمد شطح، ولماذا كلهم من معسكر واحد، لأن القاتل في طهران وفي دمشق والمنفّذ زمرة العملاء في بيروت وضواحيها. لقضية سماحة غير فائدة، إنها دليل صارم على أن الإرهاب لا دين له ولا مذهب، كما أنها يفترض أن تسكت أصدقاءنا العرب الذين يدعون -بلا علم- أن بشار الأسد ليس إرهابيا وأن ملالي طهران من الأنبياء والمرسلين، وكأننا يجب أن نطلق لحية للأسد ونقول إنه سنيّ حتى يعترف القاصي والداني بإرهابه في لبنان وفي سوريا. الفائدة الأهم لقضية سماحة، أنها أكدت -من حيث لا تدري- جدوى وشرعية المحكمة الدولية التي تنظر في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه من شهداء ثورة الأرز، فلولا المحكمة الدولية، لتمت إدانة الحريري باغتيال نفسه لتشويه سمعة إيران وحزب الله وبشار الأسد وحكم على الحريري بالإعدام رغم انتقاله إلى جوار ربه.
ونحن هنا نذكر مجددا، أن حزب الله وبشار الأسد متهمان باغتيال شهداء ثورة الأرز في إرهاب لا يقل عن داعش والقاعدة، وهذا الإرهاب البعثي-الإيراني لم يتوقف ولم يوفّر الدولة والقوى الاستقلالية في لبنان وسوريا والعراق واليمن. أزور هذه الأيام أشقاءنا في مصر، والمتابع لبعض الصحف المصرية يشعر بأسف بالغ، فبعض أقلامها للأسف إمّا تتعمّد تزوير الحقائق أو تهرف بما لا تعرف. والنقد لا يرحم السعودية بسبب موقفها المبدئي والسلبي ضد بشار. أصدقاؤنا المصريون لا يعرفون بشارا ولا إيران جيدا، مع أنهم كادوا يتلظّون بإرهاب ما يسمّى بحزب الله لولا أن السلطات المصرية أوقفت الإرهابي سامي شهاب، وأدانه القضاء المصري بإعداد تفجيرات نقّالة في سيناء وغيرها واستهداف شخصيات مصرية عامة، هرب شهاب من السجن خلال ثورة 25 يناير ولم تطالب السلطات المصرية به للأسف، بل استقبلت وفدا من حزب الله على هامش عزاء الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل. أضع بين يدي النخبة المصرية، قضيّتي ميشال سماحة ونعيم عباس، لأقول لهم إن بشار الأسد وخامنئي وحسن نصرالله إرهابيون كأبي بكر البغدادي ومحمد بديع وأنصار بيت المقدس، فلماذا تفرّقون بين إرهاب وإرهاب؟ لماذا ترفضون منطق الميليشيات في مصر وتقبلونه في غيرها؟ علمانية بشار هي علمانية شكل، ومن أبسط أدلة ذلك أن كل تحالفاته تنتمي إلى الإسلام السياسي، فالجمهورية (الإسلامية) الإيرانية لا يمكن أن تكون ما بعد حداثية، وما يسمّى بحزب الله لا يمكن تصنيفه كماركسي، فلماذا تفرّقون بين إسلام سياسي وإسلام سياسي؟ وهنا أودّ التذكير بأن تراث سيد قطب الإخواني هو المرجعيات الفكرية للثورة الإسلامية الإيرانية.
بشار الأسد ليس من محاربي الإرهاب بل من صنّاعه، وعلاقته بالقاعدة قبل أن يتحدث عنها نعيم عباس كشفها نوري المالكي. والإرهاب إرهاب سواء كان إسلامويا أو لم يكن، لا فرق بين أن يكون المنفذ داعش أو ميشال سماحة. ومن يريد إشعال حرب أهلية في لبنان كيف تستأمنه على مصر؟
بشار الأسد وخامنئي ونصرالله هم وجه العملة الأخرى من داعش، كلنا نعرف ما فعله داعش مع الآشوريين والإيزيديين وأدناه، فلماذا نصمت عن جرائم الحزب الإلهي والبعثي والحرس الثوري ضد السنة في الطفيل اللبنانية ومضايا السورية وديالى العراقية؟ على كل حال، الحديث يطول في هذا الباب، لكن محور الاعتدال العربي يعاني من قصور إعلامي ملحوظ، ومن علامات ذلك الصورة الملتبسة في مصر وفي غيرها، وما أتمناه أن تقود السعودية سياسة إعلامية جديدة تشرح الحقائق ولا تخترعها، هدفها الإقناع والتأثير لا الدعاية، إننا نعيش هذه الأيام لحظة مواجهة، وقوة الإعلام تساوي في الأهمية قوة المدافع ودقة الرصاص.

لبنان إذ يصبح «دولة مارقة»… أو حتى إرهابية!
محمد مشموشي/الحياة/10 نيسان/16
لا يفيد الكم الهائل من الفضائح/الكوارث الذي شهده لبنان في الأيام الأخيرة، سوى أنه يضعه على لائحة الدول الفاشلة وفق التعريف المتفق عليه عالمياً، وحتى المارقة ما دام عاجزاً بل غير راغب في معالجتها أو وضع حد لها. ولا يحتاج اللبنانيون، ولا إخوانهم العرب أو أصدقاؤهم في العالم، الى كبير عناء لاكتشاف أن خطف الدولة وتفريغها لسنوات طويلة هما السبب، وأن «قوى الأمر الواقع» في لبنان («حزب الله» وحلفاءه وأتباعه) هي المسؤولة أكثر من غيرها عن ذلك سابقاً وفي هذه المرحلة في شكل خاص. فمن النهب المنظم لتعويضات قوى الأمن الداخلي من قبل أكثر من مئة من ضباطها وجنودها، الى شبكة الانترنت غير الشرعي واستخدامها في مؤسسات رسمية بينها وزارة الدفاع ومجلس النواب، الى فضيحة الاتجار بالفتيات السوريات، الى اغراق البلد بالنفايات والغذاء الفاسد، الى عدم انتخاب رئيس للجمهورية طيلة نحو عامين وما استتبعه من تعطيل للحكومة ومجلس النواب، الى إبقاء وزارة العدل شاغرة لعدم القدرة على قبول استقالة الوزير وتعيين بديل عنه (نتيجة الفراغ في الرئاسة، وابتداع نظرية الاجماع في مجلس الوزراء الذي يقوم بمهماتها)، الى الإساءة المفتعلة من وزير الخارجية للعلاقات مع دول الخليج وردودها عليها، ثم للأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام بان كي مون والمساعدات التي زار لبنان من أجلها، الى القيود الدولية والأميركية على حركة الأموال فيه لسدّ منابع التمويل لـ «حزب الله» والتنظيمات الإرهابية الخ… لا يبدو لبنان في صورة بلد مستقل، أو دولة من دول العالم، من دون أن تلصق به صفة الفشل أو حتى المروق. والأهم أنه اذا أضيف الى ما سبق، اعلان مؤسستين اقليميتين (جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي) «حزب الله» منظمة إرهابية، بما يعنيه ذلك عربياً ولبنانياً، لأمكن توجيه الاتهام للبنان بأنه واحد من اثنين: إما دولة إرهابية أو أقله دولة داعمة للارهاب.
الحال أنه لم يكن لبنان في أحسن حال، كما لا بد من الاعتراف، قبل هيمنة «قوى الأمر الواقع» عليه بالقوة من ناحية، وبتمسك الفرقاء الآخرين باستقراره ولو النسبي من ناحية ثانية، إلا أن اندفاع «حزب الله» وحليفه المسيحي («التيار الوطني الحر») لتجميد حركته بصورة كاملة بإزاء انتخاب العماد ميشال عون رئيساً أو منع الانتخاب، أدى به الى ما هو عليه الآن. ليس ذلك فقط، بل إن إنشاء الحزب في الوقت ذاته «دولة» كاملة، سياسياً وأمنياً ومالياً واقتصادياً/اجتماعياً، في المناطق التي يسيطر عليها بالقوة وبالانتماء الطائفي والمذهبي، جعل منه «دولة» مستقلة في الضاحية وبعض الجنوب وبعض البقاع، و «نصف دولة» معطِّلاً للدولة المفترضة على مستوى المناطق الأخرى… أي «دولة ونصف»، كما يقول المثل الشعبي اللبناني. نتيجة لذلك، لم تتأثر إلا قليلاً الدورة الاقتصادية والمالية في «دولة» الحزب ولدى رعاياها، كما الأمن والسياسة ودرجة الهيمنة فيها، على رغم الضغوط الكبيرة التي تعرضت، وتتعرض لها للآن، «دولة» لبنان الأخرى ورعاياها على هذا الصعيد، ان في الداخل أو على مستوى العلاقات مع الخارج. ولعله من هنا تحديداً، جاء قرار الحزب (فضلاً عن أمر «الولي الفقيه» الايراني) إرسال ميليشياه للقتال في سورية، ومخابراته وخبراءه للقتال في اليمن والتخريب في دول الخليج، من دون أي اعتناء أو حتى اهتمام بكل الأصوات التي ارتفعت في الداخل اللبناني ضد هذه الممارسات. فلبنان، بالنسبة الى «حزب الله»، غير موجود الا عندما يكون مدعواً للدفاع عنه أو إنقاذه من ورطة دخل فيها. حينها، لا يهم الحزب إن فقد لبنان البقية الباقية من كونه دولة معترفاً بها، ولا اتهامه من العالم بالتحول الى «دولة إرهابية» أو مصدّرة للارهاب أو راعية له، مع ما في ذلك من تأثيرات سلبية عليه عربياً وإقليمياً ودولياً.
وهكذا يقف لبنان الرسمي، لجهة اتهام الحزب بأنه منظمة إرهابية، أمام ثلاث معضلات في وقت واحد: فهو لا يستطيع التنكر لقرارات عربية وإسلامية ودولية (الولايات المتحدة وبعض أوروبا)، لكن لا يمكنه في الوقت ذاته احترامها والتزام موجباتها لأن الحزب شريك في حكومته ومجلس نوابه، كما لا يملك كذلك ما يرد به التهمة الأخلاقية والقانونية عن نفسه بأنه مصدر جغرافي للإرهاب، أو راعٍ رسمي له، أو حتى متستر عليه، أو أنه في واقعه دولة إرهابية لهذه الأسباب كلها. أبعد من ذلك، عندما يقف الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ليهدد إسرائيل بما قال انه أشبه بـ «انفجار نووي» نتيجة قصفه بعشرات آلاف الصواريخ خزانات الأمونيا في حيفا، ولو أنه ربطه بالرد على عدوان إسرائيلي محتمل على لبنان، يكون يحمّل الدولة فيه عبء امتلاكها (أو أقله التواجد على أرضها) ما يمكن وصفه بأسلحة دمار شامل. ولا حاجة للقول ان تلك مسؤولية لا يملك لبنان، فضلاً عن أنه لا يريد حكماً، أن يتحملها لسبب بسيط: أولاً، لعدم امتلاكها، وثانياً لأن الدول التي تمتلك مثلها دائماً ما تنكر ذلك أو تخفيه عن أنظار العالم. فهل يفاجئ أحداً من اللبنانيين، ومن العرب أو في العالم، أن يضرب لبنانَ مثلُ هذا الاهتراء في بنية دولته، كما في مكوناته المجتمعية، حتى لا نتحدث عن مؤسساته الرسمية وأجهزته الإدارية والقضائية والأمنية وطبقته السياسية؟ مسؤولية اللبنانيين كبيرة من دون شك، لكن محاسبتهم وحدهم واغفال أدوار غيرهم… منذ «دولة» منظمة التحرير الفلسطينية (ومعها الفصائل السورية والعراقية والليبية) في الستينات والسبعينات، ثم فترة الوصاية السورية حتى 2005، وصولاً الى الفترة الإيرانية المستمرة حتى الآن، يشكلان ظلماً كبيراً له من ناحية، وتبرئة مجانية للآخرين من ناحية ثانية. لكن المحصلة في النهاية أن لبنان كان ولا يزال هو الضحية.