خيرالله خيرالله: عاصفة الحزم وسقوط الحلم الإيراني/الياس حرفوش: ابنة البغدادي في أوروبا/عماد موسى: من سعيد عقل إلى بيار حشاش

249

عاصفة الحزم».. وسقوط الحلم الإيراني
خيرالله خيرالله/المستقبل/04 نيسان/16

بعد سنة على «عاصفة الحزم«، يتأكّد خطأ الذين اعتقدوا ان في استطاعتهم فرض امر واقع في اليمن. حقّقت العملية العسكرية التي قادتها المملكة العربية السعودية الهدف الاساسي المتمثل في عدم سقوط اليمن في يد ايران. كان هناك حلم ايراني بالوصول الى باب المندب والسيطرة على ميناء عدن وتحويل الحدود الطويلة بين اليمن والسعودية مصدر تهديد مستمرّ للمملكة وللدول الخليجية. اضافة الى ذلك، يشكّل اليمن موقعاً استراتيجياً يمكن لايران الانطلاق منه للقيام بمغامرات جديدة في مختلف بلدان القرن الافريقي، مثل اثيوبيا واريتريا والسودان وجيبوتي… وصولاً الى مصر.
نجد الآن عدن خارج سيطرة الحوثيين (انصار الله)، الذين كانوا يعتقدون بعد وضع اليد على صنعاء في الحادي والعشرين من ايلول/سبتمبر 2014 انهم باتوا «الشرعية الثورية« وانّ ليس في استطاعة اي طرف ايقاف تمدّدهم. بدت شهيتهم للسلطة لا حدود لها، خصوصاً بعدما سهل لهم التحالف الذي اقاموه مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح في الالتفاف على تعز واختراق المحافظات الجنوبية والوصول الى مضيق باب المندب ذي الاهمّية الاستراتيجية الكبيرة. كانت استعادة عدن، عاصمة الجنوب، الصيف الماضي نقطة تحوّل في هزيمة المشروع الايراني الذي كان «حزب الله« في لبنان مكلّفاً به. لو لم يكن الامر كذلك، لما كان كلّ هذا الصراخ الصادر عن الامين العام للحزب السيّد حسن نصرالله. كان ملفتاً تصاعد الحملة التي يشنّها نصرالله على المملكة كلّما تراجع المشروع الايراني في اليمن، وصولا الى الوضع القائم الآن، وهو وضع يتميّز في المنافسة القائمة داخل صنعاء بين «انصار الله« من جهة وحزب الرئيس السابق «المؤتمر الشعبي العام«. انحصر همّ كلّ طرف من الطرفين في الايّام القليلة الماضية في افهام الآخر انّه صاحب الكلمة الاولى والاخيرة في صنعاء وذلك مع اعلان اسماعيل ولد الشيخ ممثل الامين العام للامم المتحدة عن اتفاق على وقف «الاعمال العدائية« الشهر المقبل تمهيداً لبدء جولة جديدة من المفاوضات اليمنية – اليمنية، قد تنعقد في الكويت. كان ملفتاً على هامش مرور سنة على بدء «عاصفة الحزم«، ذلك الخطاب الفارغ من اي مضمون الذي القاه زعيم «انصار الله« عبدالملك الحوثي. تحدّث الحوثي عن «اللغط« الذي يحيط بوجود وفد من «انصار الله« في السعودية والاسباب التي دفعت اعضاء الوفد الى دخول اراضي المملكة. زاد عبدالملك الحوثي اللغط لغطاً. لم يجب عن السؤال الاساسي المتعلّق بالحل السياسي. هل يريد «انصار الله« المشاركة في الوصول الى حل سياسي ام لا، خصوصاً أن البيان الصادر عشية بدء «عاصفة الحزم« اكّد ان هدف العملية العسكرية التوصل الى حل سياسي. يقوم هذا الحلّ على ما نصت عليه المبادرة الخليجية ونتائج ما توصّل اليه مؤتمر الحوار الوطني الذي استمرّ اشهرا عدة. خرج هذا المؤتمر بقرارات في حاجة الى تصحيح وتوضيح، خصوصاً بالنسبة الى جعل اليمن «دولة اتحادية ذات ستة اقاليم«. لماذا لا يحصل هذا التصحيح والتوضيح؟
بدل ان يضيع عبدالملك الحوثي نفسه ويضيع اليمن واليمنيين بكلام من النوع المضحك – المبكي عن تحالف قائم بين السعودية والولايات المتحدة واسرائيل، كان الاجدر به ان يتذكّر انّه قدّم اكبر خدمة لاسرائيل عندما رفع «انصار الله« شعار «الموت لاميركا، الموت لاسرائيل، اللعنة على اليهود«. هل من خدمة اكبر من هذه الخدمة لاسرائيل التي اخرجت قبل ايّام، بفضل تفاهم مع بعض الحوثيين، تسعة عشر يهوديا من يهود اليمن ونقلتهم الى تل ابيب؟ كان هؤلاء بين مجموعة قليلة من اليهود ما زالت في اليمن وكانت معهم نسخة من التوراة، محفوظة في البلد، تعتبر من بين الاقدم في العالم.
كان كلام عبدالملك الحوثي بعيداً عن الواقع. كشف انّه لا يعرف شيئاً عن العلاقة بين السعودية والادارة الاميركية، كذلك لا يعرف شيئاً عن اسرائيل التي لا مصلحة لها في الوقت الراهن سوى بالتفرّج على ما تسبب به الحوثيون من عزلة لليمن ومن افقار لبلد فقير أصلاً، بل هو افقر بلدان المنطقة.
جميل ان يستفيق احدهم على القضية الفلسطينية هذه الايّام، لكنّ الاجمل من ذلك ان يقتنع بانّ كل ما يفعله بدءا برفع شعار «اللعنة على اليهود«، وهو شعار عنصري، خدمة مجانية لدولة عنصرية تريد ان تظهر في كلّ وقت في مظهر الضحية.
يحتاج اليمن في الوقت الراهن الى بعض الواقعية بدل الكلام عن القضية الفلسطينية و«المؤامرة« الكونية التي يتعرّض لها البلد. يحتاج اليمن الى حلّ سياسي وصيغة جديدة لبلد منهك يعيش معظم سكانه تحت خط الفقر. لم تكن «عاصفة الحزم« عملية عسكرية فقط. كانت عملية ذات طابع سياسي اكّدت ان ليس في الامكان تجاهل المصالح العربية وان الكلام عن سيطرة طهران على اربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، كلام سابق لاوانه. لن تخرج المزايدات اليمن من ازمته العميقة. سبق لكثيرين ان حشدوا في صنعاء، خصوصً في المرحلة التي سبقت محاولة اغتيال علي عبدالله صالح في حزيران/يونيو 2011. تبيّن في نهاية المطاف ان التظاهرات لا تقدّم ولا تؤخر، كذلك الصراع الدائر داخل اسوار صنعاء. ثمّة حاجة الى استيعاب ان «عاصفة الحزم« لن تتوقف في غياب الحل ال-سياسي الذي يضمن عدم تحوّل اليمن الى مستعمرة ايرانية تهدّد السعودية ودول الخليج العربي.
هناك مكان للجميع في اي تركيبة جديدة لليمن. لا احد يستطيع الغاء الحوثيين الذين تعرّضت منطقتهم لظلم تاريخي منذ قيام الجمهورية في العام 1962، لكن هذا شيء وان يحكم «انصار الله« البلد كلّه وان يجروا مناورات عسكرية على الحدود السعودية، شيء آخر.
لا يستطيع احد الغاء احد في اليمن. لكنّ لا احد يستطيع الغاء الواقع القائم على انّ لا مفرّ من حل سياسي يأخذ في الاعتبار كلّ المكونات اليمنية، خصوصا استحالة استمرار الوحدة من جهة والعودة الى حل الدولتين (الشمال والجنوب) من جهة اخرى.
هل هناك من يريد استيعاب الواقع الجديد لليمن، ومخاطر انتشار «القاعدة« وارهابها في مناطق مختلفة، ام هناك من يريد استمرار الصراع الدائر داخل اسوار صنعاء؟ بدأ هذا الصراع في العام 2011 بحجة ان «الربيع العربي« بلغ اليمن وان الاخوان المسلمين باتوا مهيئين لتولي السلطة. لن ينجح «انصار الله« حيث فشل الاخوان. البداية تكون بان يأخذ كل طرف يمني حجمه الحقيقي في حال كان مطلوبا انقاذ ما يمكن انقاذه من البلد…

ابنة البغدادي في أوروبا!
الياس حرفوش/الحياة/04 نيسان/16
أبو بكر البغدادي يسعى إلى استقطاب شباب أوروبا من أبناء الجاليات العربية والمسلمة، لـ «الجهاد» إلى جانبه لرفع راية «دولة الخلافة»، فيما مطلّقته سجى الدليمي تبحث عن مكان آمن في أوروبا تستطيع أن توفر فيه تعليماً جيداً لابنتها هاجر التي أنجبتها من البغدادي قبل سبع سنوات. ليست حالة استثنائية أن يصاب الأب بخيبة أمل في زوجته أو أبنائه. لكن هذه الخيبة في عقر بيت «الخليفة» هي من النوع المدوّي، فهذا الرجل الذي يطمح أن تكون «الدولة الإسلامية» التي يدير شؤونها ملاذاً لكل مسلمي الأرض، حتى تكاد تشعر من قراءة أدبياتها الإعلامية، سواء في مجلة «دابق» الإلكترونية أو في سائر منشورات التنظيم، أنها «المدينة الفاضلة»، هذا الرجل يسمع الآن أن زوجته السابقة ووالدة ابنته، هي أول من يشكو من ظروف العيش في هذه «الدولة»، فوفق الحديث الذي نقلته جريدة «إكسبرسن» السويدية، التي التقت الدليمي في «مكان سري» في لبنان، تقول سجى إنها تتطلع إلى حياة حرة ولا تريد أن تعيش في أي بلد عربي، كما أنها تريد لابنتها أن تتابع دروسها في أوروبا، لأن السيدة سجى لا تثق بمستويات التعليم المتوافرة في أكاديميات «الخلافة» أو في أي مدارس أو جامعات عربية أخرى. نحن إذن أمام سيدة عربية ثائرة على وضعها وعلى ظروفها وعلى أسلوب الحياة التي يحاول زوجها أن يفرضه عليها وعلى ابنتها. وهي تسعى إلى تحسين هذه الظروف على رغم إدراكها ربما، أن فرص السماح بدخولها الحدود الأوروبية تكاد تكون من المستحيلات عندما يطّلع موظف التأشيرات على سجلها «الناصع»: شقيقة مسؤول في «جبهة النصرة»، زوجة سابقة لأحد الضباط في جهاز صدام حسين الأمني، وصولاً إلى درة العقد بالزواج من البغدادي.
لكن سجى الدليمي التي تدرك أن الظروف التي يوفرها العيش في أوروبا ليست متوافرة في «جنة» زوجها السابق، ليست ذكية بما يسمح لها بمعرفة البديهيات البسيطة، مثل هوية زوجها ووظيفته ومكان عمله! ففي إحدى المقابلات التلفزيونية، بعد إطلاق سراحها من سجون لبنان في إطار صفقة تبادل الجنود اللبنانيين مع «جبهة النصرة»، نفت أن يكون البغدادي «المطلوب الأول في العالم»، كما وصفته، هو الشخص الذي تزوجته. ورداً على سؤال الجريدة السويدية عما إذا كانت تعرف اسم الرجل الذي تزوجته، قالت إنه «محاضر جامعي يدعى هشام محمد»، وهو اسم لاعب كرة قدم في نادي «الزوراء» العراقي. ثم وصفت الرجل الذي كانت تعيش معه (البغدادي) بأنه رب أسرة عادي يعشق تربية الأطفال، وكان يحب طفليها من زواجها الأول، يذهب إلى شغله في الصباح ثم يعود إلى بيته، ولا تعرف كيف أصبح «خليفة» لـ «الدولة الإسلامية». وعندما واجهها المحققون بنتائج فحص الحمض النووي التي تثبت أن ابنتها هاجر هي ابنة البغدادي، قالت إنها ترضخ للنتيجة، مع أنها تشكك في كيفية إجراء الفحص! عمل البغدادي مرتين لإطلاق سراح سجى، المرة الأولى من السجون السورية في إطار صفقة التبادل مع راهبات معلولا، والمرة الثانية في إطار صفقة الجنود اللبنانيين، وكان «الخليفة» الرقيق القلب، يعتبر أن أقل مكافأة يتوقعها على هذه المكرمة هي أن لا تأتيه الطعنة في الظهر، أو في القلب، من والدة ابنته. ماذا سيقول البغدادي الآن لأولئك الشباب الذين يستدعيهم من حياة «البؤس» التي يعيشونها في أوروبا ليمارسوا إلى جانبه حضارة الذبح والسحل وحرق الأسرى وهم أحياء وتدمير الآثار والحضارات؟ وكيف سيردّ على الشكوك في ظروف الحياة في بلاد «الخلافة»، فيما مطلّقته هي أول الهاربين من هذا «النعيم»؟

من سعيد عقل إلى بيار حشاش
عمـاد مـوسـى/03 نيسان/16
عندما يُحكى عن الشوفينية اللبنانية في العصر الحديث، فإن أول اسم يخطر في البال صاحب “لبنان إن حكى” سعيد عقل. شاعرٌ تلاعب بالمفردات كواحدٍ من صُنّاع اللغة، ودغدغ المشاعر وخلّف وراءه سويعيديين، بعضهم يرى في وثيقة “التبادعية” خلاصاً للبنان. في فورة الشباب، كنت أقصد عقل، في منزل ألفرد ومي المر في الأشرفية – والبيت منتدى مفتوح – لاستكمال محاور بحث جامعي عن “القومية اللبنانية” أو لمجرّد الإستماع إلى الشاعر يعيد على مسامع مريديه عطاءات “لبنان الخمس” أو يشرح مستقبل “اللغا اللبنانيي”، مدعماً شرحه بنظريات مبسّطة. لطالما ردّد عقل أن لبنان (لبنانه) أعطى العالم “تلتين الحضارا”، وكنت أسكت احتراماً لمقامه وقامته. ذات يوم سجّلت اعتراضاً على شكل سؤال: “إستاذ سعيد إن سلّمنا أن لبنان أعطى العالم ثلثي الحضارة، فماذا تُرِكَ للحضارة الصينية والإغريقية وحضارة المصريين القدماء وحضارة الفرس…؟ أترك لهم الثلث فقط؟”، ومن أبرع من عقل في تضخيم الصوت وتفريغ السؤال من مضامينه!
والشوفينية (chauvinism) في تعريفها الأكاديمي “هي الإعتقاد المغالي في الوطنية، وتعبّر عن غياب رزانة العقل والإستحكام في التحزّب لمجموعة ينتمي إليها الشخص والتفاني في التحيز لها”. وتنسب “الشوفينية” إلى جندي فرنسي أسطوري إسمه نيكولا شوفان، شديد الغيرة على فرنسا ومتفاني في القتال إلى جانب نابوليون. وقد جُرح العسكري شوفان 17 مرة في القرن التاسع عشر أي قبل بروز نجم البطل اللبناني الأسطوري بيار حشاش بعقدين.
ويظهّر اللبنانيون “تعصّبهم” الوطني على غير مستوى:
على سبيل المثال يعتبر اللبناني أنّه يحمل جينات عبقرية تجعله متقدّماً على الهندي والفليبيني والسريلانكي والأفريقي والسوري منذ الولادة. ويعتقد اللبناني أنه مفضّل على البشرية لكون آدم وحواء من سكان بلادنا، ويذهب بعض المؤرّخين إلى أنّ حواء أنجبت صبياً أسمته لبنان، وإن دققت كثيراً ستقرأ إسمه في لوائح الشطب. ويتباهى اللبناني بثرائه الحضاري الفريد، بأرزه، بطبيعته، بثلجه، ببحره، ببرّه، لذلك فمن تمكّن اليوم من جمع بضعة آلاف من الدولارات من عرق جبينه يقفز إلى قبرص أو إلى اليونان أو إلى ليتوانيا لشراء مرقد عنزة. ويفخر اللبناني الشوفيني بأنه يتقن 3 لغات، وهو اليوم من أهم مصدّري الكبتاغون وزرّاع الحشيشة. وينتفض اللبناني، الذي لا يعرف من النشيد الوطني إلا لحنه، إن أُسيء إلى أحد رموز وحدته الوطنية: النشيد. الأرزة. ويأتيك شوفينيون يتحدّثون عن أرض الشهداء، وهم مجرّد وصوليون جبناء ليس في سجلهم موقف في زمن الخطر أو نقطة دم. أما الصبيّة اللبنانية المنفوخة ادّعاءً وسيليكون، فهي شوفينية بقدر ما هي جميلة وسكسية. الشوفينية موجات ومحطات. آخر موجة ضربت لبنان بعد كاريكاتور “الشرق الأوسط” الذي فجّر حالات غضب وردود فعل وأفعال همجية، قادها مَن عُرِف بمرشّح المقدح والذي أوقفته “مخابرات” الجيش ثم أصبح المدافع الأول عن الجيش ضد “الكلاب” الذين ينتقدون المحكمة العسكرية، عنيت به بيار الحشاش( ورفاقه طبعاً).