هنري زغيب: متى يُصبحُ دولةً هذا الوطن/الياس الديري: أخيراً اكتشفت روسيا بوتين لبنان/جورج بكاسيني: برّي وعون خطان لا يلتقيان إلا نسبياً

215

متى يُصبحُ دولةً هذا الوطن؟
هنري زغيب/النهار/2 نيسان 2016
في العُرف أَنّ الوطن مكانُ الإِقامة، والأُمةَ جماعةُ الناس. ولا انتظامَ للمكان والجماعة إِلّا بضابطٍ واحد: الدولة، فإِذا تراخَت هذه تَـهَدَّد المكان وتفرَّقت الجماعة. أَما المكان فلبنان، وأَما الجماعة فشعبُ لبنان وفيه طاقاتٌ رائدةٌ مقيمةٌ على أَرضه أَو منتشرةٌ في أَوطان الآخرين. فهل عَرَفَ لبنان عُرْف الدولة منذ انزاح عنه انتظامُ الدولة العثمانية فالدولة الفرنسية؟ هذه المفكَّكةُ عهدًا بعد عهد، هل أَصبَحت دولةً بمعنى “الضابطةِ الكلَّ” تحت ميزان العدل والمساواة والقانون؟ ومتى تُصبِحُ دولةً قويةً تضبط هذا الوطن الرائع فينجو، هو الذي ما زال قويًّـا لأَنّ في شعبه مؤْمنين بعدُ به ويسعَون إِلى إِنقاذه في إِخلاص؟ يُصبِحُ دولةً هذا الوطنُ حين يَبْطُل أَن يكون مجموعَ قبائل وعشائر ومحسوبيات سياسية تابعة لهذا أَو ذاك من زعماء المزرعة. يُصبِحُ دولةً حين يكون عَلمانيًّا يلتزم مواطنوه أَديانهم ومذاهبهم في مقاماتهم الروحية لا في مفاصل الدولة بأَركانها الطائفيين. يُصبِحُ دولةً حين لا يعود في الـحُكم أُوتوقراطيون ولا تيوقراطيون ولا إِقطاعيون ولا توريـثـيـون.
يُصبِحُ دولةً حين تتشكَّل فيه أَحزابٌ علمانية غيرُ طائفية ولا إِقطاعية ولا شخصانية، وتنتمي مبادئُها إِلى فكر وطني ديمقراطي لا إِلى قائدها أَو زعيمها وأَبنائه وأَفراد أُسرته الوارثة الموروثة. يُصبِحُ دولةً حين ترتفع فيه الـمُواطَـنـة إِلى مستوى المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، خارجَ اصطفافات زبائنية طائفية مذهبية تَـجُــرُّ مَـحاسـيـبَـها أَغنامًا في قطيع القائد. يُصبِحُ دولةً حين يبطُل جُلُّ شعبه أَن يكون حبّة في مسبحة الزعيم ولا حطبة في موقده، وحين ينشأُ على المواطَنة المتساوية لا على الخنوع لأَسياده السياسيين مستغلِّيه من جيل إِلى جيل. يُصبِحُ دولةً حين يلتزم رجالُ الدين حدودَهم الروحانية السامية في صقل الإِنسان لا في قمْعه فَردًا تابعًا ورقمًا حاصِلًا. يُصبِحُ دولةً حين يكون فيه كتابُ تاريخ موحَّد لا يَعتبر خائنًا مَن يعتبره آخرون بطلًا، ولا عميلًا مَن يعتبره آخرون مُنقذًا. يُصبِحُ دولةً حين تحكُمه المواهب لا المذاهب، برجال دولةٍ نزيهين ذوي رؤْيةٍ لا برجال سياسةٍ حرباويين وُصُوليين. يُصبِحُ دولةً حين تفرض هذه حُضورَها وهيبَتَها وسيطرتَها على كامل ترابها، فيصبح المواطنُ اللبناني المقيمُ يحترم دولتَه ويَهابُها مثلما المواطنُ اللبناني المنتشر في العالم يحترم الدولةَ التي يعيش فيها ويهابُها. يُصبِحُ دولةً حين المسؤُول فيه يَخدم مصلحة الدولة لا حين يَجعل الدولة في خدمة مصالحه الشعبية والانتخابية والتوريـثـيـة.
يُصبِحُ دولةً حين يتكـرَّس فيه الانتماءُ إِلى الوطن/الدولة. وهذا لن يكون إِلّا متى شعر المواطن أَنه في دولةٍ تَستحِـقُّ فعلًا هذا الوطن.

برّي وعون خطان لا يلتقيان إلا «نسبياً»
جورج بكاسيني/المستقبل/02 نيسان/16

مرّة جديدة تهتزّ «الكيمياء السياسية» غير المتوافرة أصلاً بين رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون. اشتباك غير مفاجئ بين الرجلين حول عنوان غير مفاجئ أيضاً هو «تشريع الضرورة». أمّا السبب فمعروف هو الآخر انطلاقاً من تمسّك الأوّل بعقد جلسة تشريعية «لتسيير شؤون البلاد والعباد»، ورفض الثاني لهذا التشريع. وإذا كان «الأستاذ» يتحصّن هذه المرّة بموقف رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم الذي زار بيروت قبل أيام برفقة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ودعا مجلس النواب إلى إقرار بعض القروض الميسّرة من جانب البنك الدولي من أجل توفير الدعم اللازم في مواجهة ملف النازحين السوريين، فإنّ «الجنرال» يلجأ، كما في مناسبات سابقة، إلى ذريعة «غياب الميثاقية» عن هذا التشريع بفعل اعتراض الأحزاب المسيحية الكبرى عليه، أي التيّار «الوطني الحرّ» و»القوّات اللبنانية» وحزب «الكتائب». وواقع الحال أن رئيس المجلس ورئيس «التغيير» خطّان متوازيان «لا يلتقيان إلاّ حول عنوان وحيد هو اعتماد النسبية في قانون الانتخاب»، كما يقول برّي أمام سائليه، ليضيف أن أي عنوان آخر لم يحظَ بتوافق بينه وبين الجنرال منذ فترة طويلة، لا في الشأن الرئاسي ولا في الشأن النيابي ولا في الحكومي أو الاجتماعي أو أي شأن آخر. أمّا السبب فيعود حسب اعتقاد رئيس المجلس إلى وجود «بعض المشاركين في حلقة عون الضيّقة الذين لا يتقنون سوى سياسة المزايدة والتحريض الطائفي بما يدفع البلد إلى دفع أثمان كبرى وبصورة متكرّرة، في وقت تحتاج البلاد والعباد إلى أعلى قدر من الهدوء والاستقرار والاعتدال والابتعاد عن لغة التشنّج أو التهييج الطائفي».
ويسأل رئيس المجلس حسب زوّاره: «أيجوز إضافة فراغ تشريعي إلى الفراغ الرئاسي؟ هذا أمر غير مقبول، ثمّة قضايا تعني المواطنين ولا يمكن المماطلة في إقرارها لهذا السبب أو ذاك. وما علاقة الميثاقية بقضايا الناس؟ هذا كلام تحريضي ولا صلة له بالدستور. أنا أوّل مَن تمسّك بمبدأ الميثاقية، هذه عدّة شغلي أنا، لكن حول قضايا لها علاقة فعلاً بالميثاقية وليس بمسائل تعني شؤون الناس». ويسهب برّي في معرض الردّ على سائليه في شرح أو تعريف «الميثاقية» التي تُعنى أساساً بمسائل جوهرية في النظام، أو عناوين يمكن أن تغيّر وجه البلد أو صيغته (المناصفة والمشاركة..). أمّا التذرّع بالميثاقية في كل شاردة وواردة بما في ذلك شؤون المواطنين اليومية ففيه تجنٍّ على مصالح الناس: «التشريع ليس مفصّلاً على قياس طوائف أو مذاهب وإنّما يعود بنتائج مفيدة على كل المواطنين من دون استثناء أو تمييز». وإذا ذكّره أحد الزوّار بحجم القوى الحزبية المسيحية المعترضة على التشريع، سارع الرئيس برّي إلى تذكيره في المقابل: «ومَن قال إنّ الميثاقية يمكن حصرها بجهتين أو ثلاث جهات حزبية وحسب، ألا يملك النائب سليمان فرنجية حيثية تمثيلية، والنائب بطرس حرب، أو مسيحيو كتلة «المستقبل»؟ لهذه الأسباب مجتمعة يؤكّد رئيس المجلس عزمه على الدعوة إلى جلسة تشريعية في أقرب وقت «مهما كان الثمن»: كنت في صدد توجيه الدعوة خلال الأيام الماضية، لكن وفاة والدة رئيس الحكومة تمام سلام من جهة، وسفر رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة من جهة ثانية، دفعاني إلى تأجيل الدعوة بضعة أيام، لكن ليس أكثر، لأنّ ملف التشريع لم يعد يحتمل التأجيل. فهل تحتمل مصالح الناس وقضاياهم التأجيل؟

أخيراً اكتشفت روسيا بوتين… لبنان؟
الياس الديري/النهار/2 نيسان 2016
لطالما كانت الروسيا موجودة بقوَّة ورسوخ في الربوع اللبنانيَّة، سواءً في عصر ازدهار امبراطورياتها العظمى، أم خلال الحقبة السوفياتيّة التي بلغت السبعين عاماً، أم في العهد الانقلابي الأول بقيادة بوريس يلتسين الذي اندهش بحماسة الرئيس رفيق الحريري، فقال ضاحكاً: جعلتني أتمنى أن أكون لبنانيّاً أيضاً…ولطالما افتقد فريق كبير من اللبنانيّين روسيا القيصر بوتين، إبّان المحن والأزمات بكل أنواعها، والتي تختصر اليوم بالفراغ الرئاسي المزمن الذي يلفُّه الغموض، ويدخل الوسواس الخناس إلى النفوس والقلوب والعقول.ولا يزال هذا “الفريق” الروسيُّ الهوى ينتظر التفاتة من موسكو الجديدة، ومن القيصر الجديد، ومن فلاديمير بوتين الذي يحيط بعنايته وسياسته وعاطفته وعسكره وطائراته ثلاثة أرباع المنطقة. ولا يزال هذا الفريق ينتظر هدية روسيّة مطمئنة، أو مفاجأة انقاذيَّة، تنتشل وطن النجوم من معاناته، وفراغه، ومخاوفه، والمخاطر التي تحيط به وتتدفَّق على حدوده. إن اللبنانيّين بصورة عامة كلُّهم ثقة، بالقيصر الذي حمل اليه الرئيس سعد الحريري حقيبة الهموم والأوجاع. والرئيس بوتين أخذ علماً بمعاناة لبنان، وسيبادر حتماً وقريباً. ما يحتاج إليه لبنان اليوم، بل أن البند الأول في لائحة احتياجات لبنان المعجلة جداً يتمثَّل ويُختصر بفصل أزمة الانتخابات الرئاسيَّة عن أزمات المنطقة، المعقَّد منها كما المتشابك مع هذه الدولة أو تلك الدويلة. ولا سيما الأزمة السوريَّة التي يبدو أن إيران تصرُّ على ربط الوضع اللبناني بكل أزماته، وتعطيله، بالوضع السوري. ومنذ عامين. ومن دون أيّ ضوء أو ملمح في اتجاه حلِّ قريب، أو تسوية محتملة تنهي حكاية وأسباب الفراغ المريع الذي وضع “الوطن الرسالة” على حافة الهاوية، وحافة الشهوات، وحافة الارتباطات والتحالفات. والخبر اليقين لدى الرئيس الحريري، مرفقاً بمجمل التفاصيل، وما لن يدع مجالاً للقيصر أن يتردَّد في اتخاذ قرار بـ”إعادة اكتشاف هذا اللبنان”، مع ما يستلزم الاكتشاف من قرارات ومعالجات على صفيح ساخن. فالمعطّلون في الداخل متحالفون مع الخارج. والخارج مبدئيّاً هو إيران. وكما يعلم الجميع، أن لإيران خارجها أيضاً. والمطّلعون يقولون إن الروسيا هي هذا الخارج. ووزير خارجيَّة الروسيا سيرغي لافروف سمع حتماً من سعد الحريري كل ما يحتاج إليه القيصر ليتّخذ قراراً تاريخيّاً ينتشل بموجبه هذا البلد من الهاوية. موسكو تعلن انها شديدة الحرص على استقرار لبنان واستقلاله ونظامه. هذا الكلام يحتاج إلى قرار سريع بانتخاب رئيس جمهورية وفاقي، يجمع حوله كل الفئات. وينطلق بلبنان جديد حقاً. اللبنانيّون يتساءلون بصوتٍ عالٍ: إذاً، أخيراً اكتشفت روسيا بوتين لبنان؟