علي الأمين: الأيديولوجيا المتهاوية من كوبا إلى إيران ومأزق حزب الله/منير الربيع: حزب الله لا يكترث للحرب العالمية عليه/ د. ماجد السامرائ: روسيا وإيران حصانان خاسران في العراق والمنطقة

232

الأيديولوجيا المتهاوية من كوبا إلى إيران ومأزق حزب الله
علي الأمين/العرب/29 آذار/16
رافقت الأيديولوجيات، التي اتسمت بالشمولية كما النموذج الإيراني أو الكوبي، ظواهر تدعو إلى الكثير من التأمل حول ما آلت إليه من نتائج على المستوى الإنساني، وعلى مستوى الجاذبية الحضارية لها. في كوبا ومع زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الفاتح لها من دون قتال، كشفت الأيديولوجيا الشيوعية في جعل الشعب الكوبي من الشعوب الأكثر فقرا في محيطه، فيما نشأت طبقة من الحكام ومن حماة النظام استمرت بقوة الأيديولوجيا والعداء للنموذج الرأسمالي، إلى أن بدا أن الحلم الأميركي يستلب خيال الشعب الكوبي وأحلامه. ولكأن النموذج الأيديولوجي المتحكم باسم الاشتراكية، هو الطريق المثالي لسيطرة النموذج الأميركي. إيران لا تختلف عن كوبا. فالشعب الإيراني هو الذي أجبر أصحاب الأيديولوجيا الدينية الحاكمة للنظام الإيراني، على طيّ شعار “الموت لأميركا”، وهو الذي ابتهج بإعادة فتح قنوات العلاقة مع الغرب الرأسمالي وعلى رأسه الشركات الأميركية. فيما إيران تحاول الخروج من دوامة الشمولية يكشف عنه صراع معقد بين الإصلاحيين والمحافظين، يبقى حزب الله كامتداد للأيديولوجيا التي طلعت من إيران غارقا في لعبة فن كسب الأعداء. وهذا ما تظهره الوقائع على الأرض. الأعداء من حوله ومن كل الجهات. واحد يعلن العداء وآخر يسمي نفسه حليفا ويتربص لينقضّ في اللحظة المناسبة على من اضطر أن يكون حليفه. لا تكفي مقولة “إنهم يكرهوننا”، لتبرر حجم المعادين لحزب الله وكثرتهم، ولا سيما أنّ إيران، نفسها، وجدت طريقة ما لتفتح بابا من أبواب السلام مع الشيطان الأكبر، وهي نفسها لا تجد غضاضة في وقف التصريحات الداعية إلى إزالة إسرائيل من الوجود. وهي التي يتفادى مسؤولوها، في الحرس الثوري أو في رأس الهرم، شتم العائلات الحاكمة في دول الخليج وغيرها من دول العالم.
حزب الله قادر أن يأتي بمن يشاء رئيسا للجمهورية اللبنانية، لكنه مربك. طأطأ له الجميع وقالوا له “تفضل”. لأنه لم يضع في باله يوما أن يكون حزبا في دولة كما بقية الدول، ولا أن يضع في حسابه يوما أن يتحمل مسؤولية تطبيق خطة تنموية واقتصادية ومالية تظهر فيها كفاءاته في بناء الدول. ولم يعدّ العدة ليوم يكون فيه شريكا ومنافسا ديمقراطيا لأحزاب وقوى، ولا أن يتحمل مسؤولية الحكم. فقط اعتاد على أن يكون له الغنم وعلى سواه الغرم. ليس صحيحا أن حزب الله يتعفف عن المواقع الرسمية والرئاسات، بل الصحيح أن لديه شهية إلى السلطة أكثر من غيره. لكن السلطة التي تتيح له أخذ مكاسبها دون أن يتحمل أعباءها. حزب الله مربك لأنه وصل إلى مرحلة حيث لم يعد من الممكن الفصل بين السلطة والمسؤولية. هذا ما يفرضه عليه اليوم خيار سليمان فرنجية أو ميشال عون. ربما يبقى لبنان بلا رئيس للجمهورية لسنة وسنتين وأكثر، وربما ستستمر الأزمة السورية. ويمكن لحزب الله، الذي يظن أنه يزداد تمددا في أصقاع العالم العربي دفاعا عن قضايا الشعوب، أن يستمر في الترويج لمقولة تحرير العالم من التكفيريين… سيظل عاجزاً عن أن يحرر لبنان من التعطيل، أو أن يقدم نموذجا لما يمكن أن تكون عليه الدول الطبيعية. وهو يشيع أنه هزم إسرائيل وبات يهدد وجودها ونجح في حماية نظام الأسد وغير ذلك من “إنجازات إلهية”، سيبقى عاجزا عن أن يكون حزبا سياسيا في دولة لبنان.
الحرب الناعمة الأميركية، كما يسميها حراس الأيديولوجيا في إيران، جنودها هم ملايين من الشعب الإيراني، الذين أدركوا أن الشعارات التي ملأت شوارع المدن تفقد معناها. فالشعب الإيراني لمس أن الخيار الأيديولوجي الذي قام على ادّعاء تقديم نموذج لإدارة الشأن العام يقوم على رفض الرأسمالية والاشتراكية وتقديم نموذج بديل اسمه التجربة الإسلامية في السياسة والاقتصاد، كانت نتيجته أن الإيرانيين ازدادوا تطلعا إلى النموذج الغربي والأميركي تحديدا. هذا بغض النظر عن “الإنجاز النووي” الذي تدعيه إيران، لكن ذلك ليس الهدف الذي قامت من أجله الثورة الإسلامية، التي عجزت أن تحقق لشعبها أهداف الثورة.
الردة الشعبية على النموذج الأيديولوجي المسيطر في إيران هي ما تجعل واشنطن غير آبهة بالشعارات الأيديولوجية، لأنها تدرك أن هذه الشعارات هي ما يدفع الإيرانيين للتعلق بخيار الانفتاح على النموذج الرأسمالي، من دون أن يعني ذلك أن الإيرانيين في موقع ضعيف، بل الضعف هو في الأيديولوجيا وشعاراتها، وهي تتهاوى لصالح سياسة الانفتاح، ولخيار الانخراط في العولمة. سقوط الأيديولوجيا وانهيارها أمام النموذج الرأسمالي يستند إلى وقائع منطقية ومادية. والجاذبية الأميركية والغربية للشعبيْن الإيراني والكوبي هي من إنجازات الأيديولوجيا الإسلامية بنموذجها الإيراني، والأيديولوجيا الاشتراكية بنموذجها الكوبي. بدا أن كلّا من هاتين الأيديولوجيتين وسيلة أوباما لنقل أميركا من رتبة “الشيطان الأكبر” إلى رتبة “الحلم”. ليس النموذج الأميركي كما هو في أذهان الإيرانيين والكوبيين، لكن بؤس التجربتين الإيرانية والكوبية كان كفيلا بأن يكسب أوباما دون استخدام السلاح.
المفارقة في المشهد الإيراني وامتداده حزب الله، أنه فيما العقوبات الدولية تنزع تدريجيا عن إيران، تزداد بالمقابل على حزب الله، العقوبات المالية التي تصدرها الخزينة الأميركية ويؤكد عليها الكونغرس، توقع حزب الله في وضع لا يحسد عليه، ذلك أن حزب الله الذي يدرك أن مسار الانفتاح الإيراني على الشيطان الأكبر مسار يشقه الإيرانيون بقوة، يعلم أن كلّا من طبيعته الأيديولوجية والوظيفة التي تأسس من أجلها آيلة إلى نهاية… هذه النهاية هي التي تجعل حزب الله أمام إشكالية وجودية غير قادر على حسمها، وتساهم العقوبات في تعميقها. حزب الله عاجز عن أن يكون حزبا سياسيا في دولة مدنية، لذا سينحاز دوما، لخيار الحرب والقتال باعتبارهما سبيله الوحيد للبقاء

حزب الله” لا يكترث ل”الحرب العالمية” عليه!
منير الربيع/المدن/الإثنين 28/03/2016
كان لافتاً تأكيد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله استبعاده بأن تقوم إسرائيل بشن أي عدوان مرتقب على المقاومة في لبنان. مردّ الإستبعاد هذا يكمن في القراءة الإسرائيلية التي تشير إلى أن الحزب يقاتل في سوريا، وهو منهمك هناك، وبالتالي لا ضرورة لأي حرب تكلّف أثماناً باهظة، خصوصاً أن الحرب الدولية والأقليمية ضد الحزب تتوسع أكثر، عبر أساليب جديدة منها ما يتعلّق بالحرب المالية العالمية عليه، والتي ترتبط بالإجراءات العقابية الأميركية وتالياً الخليجية. يعتبر “حزب الله” أن الحرب “العالمية” مستمرة ضده، وكان يتوقع ان ترتفع حدتها مع إحرازه تقدماً في الميدان السوري، وبعد تدخّله في اليمن، خصوصاً أن هذه العقوبات والضغوط مرتبطة بالإتفاق النووي بين إيران والغرب، أي أن واشنطن تريد الحفاظ على علاقاتها الجيدة بإسرائيل وبحلفائها العرب، بالإضافة إلى بناء علاقة جيدة مع طهران، وبالتالي لا بد من إتخاذ إجراءات عقابية ضد حلفاء طهران لاجل الإحتفاظ بتوازن بين الجميع، ومنها الإستعداد لطرح موضوع تصنيف “حزب الله” منظمة إرهابية في مجلس الأمن، بعد القرار الذي اتخذته دول مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية. تقرأ مصادر مطّلعة لـ”المدن” هذه الإشارات من خلال الحكم الصادر عن محكمة أميركية في نيويورك، بتغريم إيران بدفع 10.5 مليار دولار لعلاقتها باعتداءات 11 أيلول 2001، مع تضمّن القرار لإشارات تفيد بتورّط الحزب في تقديم مساعدات وتوجيهات لعدد من منفذي تلك الاعتداءات. وأشارت الوثائق التي استندت إليها المحكمة إلى أن بعض الذين نفذوا الهجمات زاروا إيران خلال الفترة القصيرة التي سبقت الهجمات، ولم تحمل جوازات سفرهم ختم الدخول إلى الأراضي الإيرانية، يتزامن ذلك مع تقارير إستخبارية دولية تلحظ أنشطة للحزب في عدد من الدول، وتشكيل خلايا فيها، كانت قد تلقت تدريباتها في لبنان.
وتعتبر مصادر “المدن” أن الهدف من هذه التقارير وإثارتها تضييق الخناق أكثر على الحزب، تمهيداً لفرض وقائع عليه يرفض حتى الساعة الإلتزام بها، خصوصاً في الميدان السوري واليمني، ولذلك تحرص واشنطن مع دول الخليج على تجفيف منابع “حزب الله” المالية، ومحاصرته على صعيد الأسلحة.
ليست الحرب على “حزب الله” حكراً على المحور العربي والغريب، ويبدو أن روسيا بعد التحولات الأخيرة في سوريا، دخلت شريكاً على الخط، خصوصاً أنها حتى خلال فترة تدخلها في سوريا، بقيت على تنسيق تام مع اسرائيل. وتؤكد مصادر واسعة الإطلاع لـ”المدن” أن “هناك مطالبات غربية وروسية وجّهت لطهران بوجوب وقف تزويد “حزب الله” بالسلاح، بالإضافة إلى ضغوط ميدانية في سوريا لقطع شريانه الأساسي الذي يعتمده لنقل الأسلحة إلى لبنان”. قبل أيام ناقش الكونغرس الأميركي استمرار العقوبات على الحزب، خصوصاً ان قرار العقوبات الذي وقّعه الرئيس الأميركي باراك أوباما سيدخل حيز التنفيذ في الأيام القليلة المقبلة. وقد أكد مدير برنامج “ستاين” للإستخبارات ومكافحة الإرهاب ماثيو ليفيت، في إفادة أمام اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس النواب الأميركي، أن “طهران دأبت خلال السنوات الماضية على تقديم مبلغ 200 مليون دولار سنوياً للحزب، لتمويل عملياته غير الشرعية، إضافة إلى الأسلحة والتدريب والإستخبارات”. وإستناداً إلى هذا التقرير، تعتبر المصادر ان الوجهة الدولية ستتركز على أن “حزب الله” يشكِّل تهديداً كبيراً للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، ويهدد دول المنطقة، وتهدف هذه العقوبات إلى الضغط على الحزب، لمنعه من زيادة نشاطه خارج لبنان، فيما هو يعتبر نفسه قوة إقليمية تسعى إلى تغيير موازين القوى في عدد من الدول. وتعتبر المصادر ان الضغط يهدف إلى تحويله إلى منظمة إرهابية عالمياً نتيجة ضغوط خليجية على روسيا، وذلك لتسهيل الحلّ السياسي في سوريا، ولتبرير مطالبته بوجوب الإنسحاب من سوريا. وعلى الرغم من هذه الأجواء، لا تقيم مصادر الحزب وفق ما تقول لـ”المدن” أي اهمية لهذه الضغوط، على الرغم من إدراكها ان العقوبات ستزداد وترتفع، لكنها تؤكد أيضاً أن الحزب سيستمر وفقاً لقناعته ولن يتراجع لأن همومه تتخطى لبنان والساحة اللبنانية.

روسيا وإيران حصانان خاسران في العراق والمنطقة
د. ماجد السامرائ/العرب/29 آذار/16
التدخل العسكري الروسي في سوريا لم يكن حدثا عرضيا وليد ردود الفعل العاجلة لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط، رغم أنه كان واحدا من بين الأهداف اللوجستية الروسية المهمة، لكنه نتاج اعتبارات المصالح الاستراتيجية التي نمت بسرعة على طاولة فلاديمير بوتين الذي استفاد من الفراغ الجيوسياسي الذي أحدثته سياسة باراك أوباما في كل من سوريا والعراق لصالح من يتمكن من ملء الفراغ (إيران وروسيا وإسرائيل)، ورغم جميع التعقيدات والتشابكات في مصالح الكبار والصغار في المنطقة، فإن التدخل العسكري الروسي والانسحاب المفاجئ أثارا العديد من التساؤلات خصوصا في تأثير ذلك على النفوذ الإيراني في كل من سوريا والعراق. هناك أولا مشتركات الضحية للشعبين السوري والعراقي، فكلاهما يتعرض للتجريف من الأرض والجغرافيا والتاريخ. كلاهما يواجه برنامج محو ذاكرته التاريخية تحت وقع الدم والتشرد. كلاهما يقع تحت النفوذ الإيراني الذي يتجاوز في مخاطره أساليب الاستعمار التقليدي. إيران تعتقد أنها جعلت العراق تابعا لمحميتها ليس على مستوى قمة الهرم السياسي، وإنما على مستوى جغرافية الأرض بعد محاولات محو تاريخها، وقد زرعت في العراق أدوات تشتغل لديها لقاء المال والجاه لتنفيذ هذا المشروع من دون ضجيج، وأحيانا بضجيج الناس المهجّرين من مساكنهم وأراضيهم التي يمتلكونها منذ آلاف السنين بطريقة أبشع مما قام به الكيان الإسرائيلي في فلسطين وفي مناطق مختارة بدقة في العاصمة بغداد وفق التقسيمات الطائفية السريعة، وصولا إلى رسم خرائط جديدة تشمل العطيفية والمنصور والدورة واليرموك والعامرية، امتدادا إلى أطراف ديالى وتشابكاتها مع الأكراد. وكذلك صلاح الدين وبالذات في مدينة سامراء لاعتبارات وجود مرقدي الإماميْن العسكرييْن رغم أن أهالي سامراء، وجميعهم من العرب السنة، احتضنوا هذين المرقدين، وقد نفذ مخطط شراء العقارات المحيطة بالمرقدين من قبل بعض الشيعة الموالين لإيران، زحفا نحو دائرة أوسع إلا أن العشائر السامرائية تقف بقوة بوجه هذا البرنامج للتغيير الديموغرافي، وهناك مشروع إداري لنقل قضاء سامراء إلى محافظة بغداد. إيران تعلم بأنها لم تقدم شيئا للشيعة العرب في العراق بل هي تحتقرهم، ولهذا رأينا المتظاهرين في محافظات الجنوب يطالبون إيران بالرحيل عن العراق.
وإيران (الفارسية الصفوية) حينما احتلت العراق قبل خمسمئة عام وبطشت بالسنة، أجبرت الشيعة العرب في النجف على تدوين الوثائق الصفوية في مواثيقهم لكنها لم تتمكن من قتل الروح العراقية عندهم. واليوم تمارس إيران شكلا عصريا من الوصاية، وفرمان ولي الفقيه هو النافذ على السياسيين “الشيعة” في بغداد وليس على المواطنين، ورغم قدرة السفارة الأميركية على تعطيله، لكنها تأتمر بسياسة البيت الأبيض والرئيس (الأسود ابن الحاج حسين) وتكتفي بالمراقبة، والسفير الأميركي يكثر من اللقاءات لإعداد التقارير وإرسالها إلى واشنطن.
النفوذ الإيراني في العراق لم يتحقق بهذا الشكل لولا سياسة واشنطن خلال اجتياحها العسكري للعراق عام 2003 حيث تعرضت لخديعة إيران بأنها ستساعدها على احتلاله، وأن واشنطن ستواجه المصاعب إن دخلت بمفردها من دون طهران وقد يتعرض جيشها إلى الكوارث، وكان السفير زلماي خليل زادة من أبرز العاملين في التعاون الإيراني الأميركي إلى جانب العراقي الراحل أحمد الجلبي في احتلال العراق. عمقت النفوذ الإيراني سياسة أوباما المتخاذلة الذي وصل به الحال إلى أن يدعو السعودية من خلال تصريحاته الأخيرة لصحيفة آتلانتيك إلى عقد اتفاقية خضوع للنفوذ الإيراني.
الحصانان الجامحان الروسي والإيراني غير متوافقين في ما بينهما إضافة إلى النفور العام من قبل أهل المنطقة تجاههما؛ فهناك تضارب في المصالح الاستراتيجية الروسية والإيرانية في كل من سوريا والعراق أكثر من الانسجام والتوافق. إيران رحبت بالتدخل العسكري الروسي في سوريا، لكون روسيا طرفا دوليا قويا قادرا على استخدام سلاحه الجوي الفعال، ومن المفارقات أن إيران لم تستخدم، إلى حدّ اليوم، طيرانها لا في العراق ولا في سوريا.
التدخل العسكري الروسي حافظ إلى حدّ بعيد على بقاء بشار الأسد في الحكم وتلك مصلحة روسية إيرانية مشتركة، ودخول طرف دولي مهم كروسيا يخدم إيران مرحليا. رغم أن الأهداف اللوجستية الروسية سعت إلى تقليص النفوذ الإيراني وتحجيم دور الميليشيات التي كان لها الدور القيادي في العمليات العسكرية في الأراضي السورية. روسيا تدعم المؤسسات الرسمية الحكومية السورية، أما إيران فتعمل بين صفوف المؤسسات الشعبية “الشيعية” وهي تمهد لاستنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق. وقد دعت إلى تأسيس سرايا “الدفاع الوطني” بعد تراجع نظام بشار عن التجنيد النظامي. مثلما شجعت بناء الحشد الشعبي في العراق، كبديل لمؤسسة الجيش العراقي، وتعطيل قيام “الحرس الوطني” المدعوم أميركيا، كما أن الاتحاد السوفييتي الأب الروحي لروسيا بوتين كان قد وقف إلى جانب العراق ضد إيران في حرب الثماني سنوات. ولقد صُعقت إيران من احتمالات التدخل العسكري الروسي في العراق على وقع الحرب على داعش، رغم الصعوبات اللوجستية لروسيا غير القادرة على شن الحرب على جبهتيْ العراق وسوريا في وقت واحد، بل إن من جملة أسباب الانسحاب العسكري من سوريا هي التكاليف الباهظة لتلك الحرب، وقد استبشرت إيران بالخلاف الروسي التركي، وعملت من طرف خفي على تصعيده لأنه يضعف تركيا في العراق التي ترى فيه إيران محمية لها، ولا تفرط فيه حتى لو خسرت سوريا، لأسباب تتعلق بجوهر الأمن القومي الإيراني الذي جعل من الأراضي العراقية السياج الحديدي لحماية المصالح الإيرانية.
إيران خصم اقتصادي متصاعد لروسيا في المستقبل القريب بعد الاتفاق النووي وانفتاحها على الغرب وخشيتها من خسارة مشروعها المنتظر لتصدير الغاز الإيراني عبر الأراضي السورية كبديل للخط الروسي الذي من المحتمل أن تخسره روسيا فيما إذا أزيح بشار الأسد عن الحكم وسقطت سوريا بيد أميركا، واحتمال استحواذ قطر على خط الغاز الاستراتيجي عبر تركيا وسوريا. ولعل من أبرز الأمثلة على انزعاج إيران من روسيا هي سياسة بوتين في الانفتاح على السعودية ودول الخليج والزيارات المتبادلة والإغراءات الكثيرة لموسكو، ليضمن مصالحه، ولهذا ساندت روسيا ودعمت القرار الدولي 2216 بشأن حرب اليمن وإدانة الحوثيين. وهنا لعبت إسرائيل، بمهارة، في شأن التدخل الروسي العسكري بسوريا حيث جرى تنسيق استخباري روسي إسرائيلي قوي قبيل الاجتياح العسكري الروسي لسوريا. وقد نشر مركز أبحاث الأمن الإسرائيلي أخيرا خطة استراتيجية أفادت بضرورة استخدام التدخل الروسي لإزالة خطر إيران وحزب الله على إسرائيل، وهناك مشتركات إسرائيلية روسية إسرائيلية؛ فروسيا لا تريد لإيران أن تثير القلاقل على حدودها الجنوبية، وإسرائيل لا تريد لحزب الله أن يقوى في سوريا ويهدد أمن إسرائيل. بالمقابل هناك حديث خفي عن صفقة إيرانية تسعى من خلالها طهران إلى ضمان أمن إسرائيل مقابل السيطرة على القرار في بلاد الشام والعراق. إن لم يتحقق ذلك بوحدة سوريا فبتقسيمها إلى ما يسمى بـ”سوريا المفيدة”، أي سوريا العلوية مقابل سوريا السنية وسوريا الكردية، أما العراق فتريده إيران كله، والمقصود بالكل النفوذ الكامل في الوسط العربي والجنوب، والنفوذ غير المباشر من خلال الأكراد، ومع ذلك كله لو أرادت واشنطن لأخرجت إيران من العراق ولوجدت غالبية العراقيين معها رغم المظاهر المخادعة على المسرح السياسي، كما أن روسيا ليس لديها أيّ نفوذ في العراق والمنطقة ما عدا نفوذها اليتيم في سوريا بسبب وجود بشار الأسد الذي لن يبقى خالدا. كلا الحصانين الروسي والإيراني خاسران في العراق والمنطقة.