داود البصري: مجاهدو الشعب الإيراني وفضيحة حكومة العراق المخزية/علي رباح: سوريا بلا روسيا تُسقط أساطير الممانعة/زهير قصيباتي: درس بوتين وجدار الأسد

269

مجاهدو الشعب الإيراني وفضيحة حكومة العراق المخزية
داود البصري/السياسة/16 آذار/16

في ضربة معلم، سياسية وإعلامية، ومعبرة عن إدارة ناجحة وفاعلة لعملية إدارة الصراع السياسي والإعلامي ضد نظام الملالي في إيران، فاجأت المعارضة الوطنية الإيرانية الحرة (مجاهدين خلق) العالم بمفاجأة إعلامية مدهشة ومحزنة بتأكيدها الموثق على إعدام نظام الإرهاب الإيراني لمئات من الأسرى العراقيين في أكتوبر 1982 وفي عمليات عدوان وحشية للحرس الثوري الإرهابي في العمق العراقي، ووفقا للاعتراف العلني الذي أدلى به النائب الإرهابي في مجلس الشورى اللاإسلامي الإيراني نادر قاضي بور، فان معلومات مجاهدي خلق المؤكدة وضعت وثائقها في ملفات المنظمات الحقوقية المختصة في الأمم المتحدة، كما أضحت معروفة للعالم أجمع، وبات لزاما على الدول والمنظمات والمؤسسات الإنسانية متابعة ذلك الملف الإنساني العاجل والمعبر عن جريمة إبادة ضد البشرية والإنسانية لا يسقطها التقادم الزمني ولا تمحوها أية اعتبارات أو مجاملات أو مصالح سياسية. لقد تم التغاضي بسبب النفاق والمصالح الدولية عن ملفات وجرائم عدة ارتكبتها الأنظمة الفاشية وخصوصا الفاشيين في طهران وتل أبيب وحتى واشنطن وموسكو ولندن وباريس، وتم التركيز على جرائم صغرى وتغييب جرائم كبرى وهو ما حدث ويحدث مع النظام الإيراني الإرهابي المجرم الذي مارس عمليات إبادة شاملة ضد قوى المعارضة الحرة وعلى رأسها مجاهدي الشعب التي خاضت أروع صور البطولة والفداء في مقاومة الفاشية المعممة الظلامية، وقدمت خيرة الشباب الإيراني على مذبح المواجهة الشاملة، وتحملت ما تحملت من حملات الإبادة والتشويه وما زالت مستمرة في كفاحها رغم التآمر والنفاق الدولي المتحول الذي يساند نظام الإرهاب الإيراني في ملفات عدة، المعلومات الوثائقية التي قدمتها «مجاهدين خلق» للجرائم الحرسية الإرهابية ضد أسرى الجيش العراقي هي وثائق مهمة لجريمة دولية تم الصمت عليها وإسدال ستائر النسيان على ملفاتها الرهيبة. بل ان الأحداث العاصفة التي مر بها الشرق الأوسط منذ ثمانينات القرن الماضي قد جعلت ذلك الملف في آخر ذيل الاهتمامات التي تحتاج لمتابعة، فقد مرت مياه ودماء عدة تحت كل الجسور!، وحدثت غزوات وحروب ومصائب أبعدت ذلك الحدث الجلل عن دائرة الاهتمام للأسف؟، اليوم تأبى دماء الشهداء إلا أن تستصرخ الضمير الإنساني وتطالب بالثأر من الجلادين، لكون دماء الشهيد والمغدور أبد الدهر عن الثأر تستفهم. النظام الإيراني الإرهابي المجرم لايملك أخلاق الإسلام ولا فضائل الفرسان.وهو نظام همجي بشع عبر عن هويته الفاشية من خلال سياسة المشانق المتحركة في الميادين العامة في المدن الإيرانية المنكوبة بإرهابه وجلاوزته. وأكبر الأطراف التي تعاني من إرهاب ذلك النظام القوى المعارضة الإيرانية الحرة التي تريد لإيران أن تكون نقطة إشعاع حضاري وليس نقطة إرهاب وتجنيد إرهابيين لتخريب دول الجوار، وتهديم المعبد على رؤوس الجميع. لقد تحرك أحرار الشعب الإيراني وأظهروا ما عندهم من وثائق دامغة ومستمسكات جرمية تدين نظام الملالي الإرهابيين، ولكن ماذا عن حاشية الخنوع وأمراء الذل والعمالة والتبعية حكام المنطقة البغدادية السوداء العملاء من أحزاب الدعوة وآل الحكيم وبقية الجمع الطالح التابع للولي الفقيه؟ ماذا عن من يحكمون العراق اليوم وقد كانوا بالأمس جنودا في الحرس الثوري الإيراني، وبعضهم شارك في قتل الأسرى وتعذيبهم وغسل أدمغتهم وتحويلهم لمرتزقة في الجيش الإيراني كما فعل المقبور عبد العزيز الحكيم والد عمار الحكيم والذي ما ان جلبه المارينز الاميركي للحكم في بغداد بعد الاحتلال حتى تبرع بـ 100 مليار دولار من دماء وأرزاق العراقيين كتعويضات حرب للنظام الإيراني، فالعميل الذي لايملك قد أعطى لإرهابي لايستحق، فهل هذه قيادات يحق لها حكم العراق؟ وماهو موقف الشعب العراقي بعموم طوائفه من صمت حكومته الرهيب حول الموضوع وكأنه غير معني به رغم أن المعاناة تهم مئات الأسر العراقية المنكوبة. المشكلة ان قيادات النظام العراقي الحالي وهم في غالبيتهم عملاء صريحون لإيران لايعتبرون شهداء العراق في الحرب ضد إيران شهداء بل مرتزقة لصدام. هذا هو تفكير السلطة العراقية، متناسين أن هؤلاء لم يكونوا يحاربون من أجل صدام بل من أجل العراق وهم استشهدوا في العمق العراقي ودفاعا عن الأرض والعرض والكرامة والشرف؟ ولكن أما آن للعملاء أن يعرفوا معنى الكرامة والشرف؟، وزير خارجية العراق الجعفري الذائب حبا ودفاعا وحمية عن حزب الشيطان الإرهابي وحشد الجواسيس والعملاء العراقي لن تتحرك شعرة واحدة في جسمه من أجل الدفاع عن هموم الشعب، فما يهم حكام العراق إرضاء النظام الإيراني الإرهابي فتبا وسحقا للقوم البائسين! أوجه التحية للأشقاء الكرام في المعارضة الوطنية الإيرانية (مجاهدين خلق) ولكل فصيل ثوري متحرر حر يساهم في دحر وفضح الفاشية والإرهاب، والخزي والعار للسفاحين وقتلة الشعوب ولفصائل العملاء فاقدي الشرف والكرامة، أما دماء شهداء العراق الذين أبادتهم آلة الحرب الفاشية المعممة، فرب العزة والجلال سيجعل دماءهم شرارة تحرق أنظمة الخزي والعار والجريمة.

 

سوريا بلا روسيا تُسقط.. «أساطير الممانعة»
علي رباح/المستقبل/16 آذار/16
في الأيام الأولى للإنزال الروسي في سوريا كان هناك من يُسوّق أن في الأمر انتكاسة لإسرائيل(!)، وذهب البعض الآخر الى حد اختراع الأساطير عن غرفة عمليات «روسية- ايرانية- سورية – عراقية- بمعاونة حزب الله»، مهمّتها قيادة معركة عسكرية، يستعيد «المحور» من خلالها كامل الأراضي السورية والعراقية. لكن رغم الأقاويل الكثيرة لـ»الممانعة»(على طريقة الحكواتي)، إلّا أن روسيا لم تعطِ في أي مناسبة انطباعاً بأنها دخلت الى سوريا لتحسم المعركة لصالح الأسد، أو حتى لتحمي النظام وحلفاءه من الغارات الاسرائيلية التي زادت وتيرتها خلال الوجود العسكري الروسي في سوريا.
في احدى مقابلاته التلفزيونية، قال رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف ان وجود قوات بلاده في سوريا «يهدف الى دحر الارهاب وليس الى حماية الاسد». وفي بيانات صادرة عن الكرملين ومسؤولين عسكريين وسياسيين، أكدت موسكو مراراً أن غاراتها الجوية في سوريا تهدف الى انهاء وجود «الارهابيين»، من دون أن تأتي على ذكر النظام. أمس الاول أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان «القوات الروسية أوجدت ظروفاً ملائمة للسلام في سوريا، وقواتنا ستنسحب اعتباراً من الثلاثاء (أمس)». فماذا حدث حتى قرّر بوتين الانسحاب بهذا الشكل المفاجئ وفي هذا التوقيت؟ وأي أهداف حقّقتها روسيا في سوريا؟
مصادر دبلوماسية في بيروت تحدّثت الى «المستقبل» عن ظروف دخول الروس الى سوريا وخروجهم الجزئي منها. تقول ان قرار موسكو بالتدخل عسكرياً جاء لسببين: الأول يأتي في اطار سعيها الى فرض تسوية سياسية مستقبلية، مستثمرة وجودها على الارض، بعد ان تبيّن لها انها ليست صاحبة الكلمة الاولى في قصر بشار، بل ايران، على الرغم مما بذلته روسيا من دعم دبلوماسي وعسكري واقتصادي للنظام. والثاني، تضعه المصادر في اطار حاجة الروس الى تدخّل عسكري، بعد ان خسر الجيش السوري مطارات عسكرية كانت تغطّي المناطق الشمالية، اضافة الى وصول المعارضة الى سهل الغاب المشرف على الساحل، وحضورها القوي في جبال التركمان شمالاً، ما يهدّد الساحل والقواعد العسكرية الروسية فيه.
ترافقت العمليات العسكرية الروسية مع حراك اقليمي ودولي، أوحى بأن «طبخة» أميركية- روسية تلوح في الأفق. نجح مجلس الأمن، لأوّل مرة منذ اندلاع الثورة، بالتصديق على قرار دولي لحل الأزمة السورية، من دون اي «فيتو»، ما عكس التوافق بين موسكو وواشنطن. يومها وصفت أوساط دبلوماسية غربية القرار 2254 بـ»الضربة للمشروع الايراني» في سوريا. في احد بنوده، دعا الاتفاق الى مفاوضات سورية للتوصل الى تسوية وفقاً لبيان جنيف وبيانَي «فيينا»، وتحديد جدول زمني لوضع دستور جديد في غضون 18 شهراً، ما يعني نسف الدستور السوري الحالي الذي اشرفت طهران على صوغه عام 2012، ونسف الانتخابات التي جرت في ظل وجود «حزب الله« والميليشيات العراقية والافغانية والباكستانية في سوريا. كما دعا الاتفاق الى انتخابات سورية جديدة باشراف الامم المتحدة، ما يضرّ بمصالح ايران التي تفتقد لأي عمق شعبي او مذهبي في الداخل السوري. والانتخابات، قد تضمن حصة العلويين الذين ارتموا بالحضن الروسي، بعد ان شعروا بأن هوية البيئة العلوية باتت مهدّدة بفعل عمل ايران على صهر الطيف العلوي في «ولاية الفقيه«.
توافق الروس والأميركيون على ارساء هدنة ميدانية قد تؤسّس لإطلاق مفاوضات «جنيف3» في ظروف ملائمة. لكن ايران لم تكن مرتاحة، فالمحادثات بين واشنطن وموسكو تجعل من الدور الايراني دوراً ثانوياً وغير مقرّر في تطور الاحداث. كما ان اصرار روسيا على تقسيم المعارضة السورية بين معتدلة ومتطرفة، اضافة الى استثناء «داعش« و«النصرة« فقط من اتفاق وقف النار، لم يلق ارتياحاً لدى طهران ودمشق الطامحتين الى توسيع نطاق المنظمات الارهابية لتشمل اكثر عدد ممكن من الفصائل. ليس هذا وحده ما أجّج التجاذبات الايرانية-الروسية. فالتسريبات حول التزام المتفاوضين في «جنيف3» باجندة روسية-اميركية، وعدم اصرار الروس على التمسك بالاسد في اي تسوية مقبلة، وضع الايرانيين والنظام في معركة صامتة مع موسكو. وهذا ما بدا واضحاً في تصريحات الطرفين. فطهران ابدت شكوكاً حول امكانية تخلي موسكو عن الاسد، وهو ما اشار اليه نائب قائد الحرس الثوري الايراني الجنرال محمد علي جعفري بقوله ان «موسكو قد لا تهتم ببقاء الاسد كما نهتم نحن». يليه تصريح لوزير الخارجية السوري وليد المعلّم، والذي ظهر بمظهر مَن يتحدى موسكو، اذ قال ان «الاسد خط احمر والحكومة السورية لن تفاوض على الرئاسة«. هنا، توضح المصادر الدبلوماسية لـ»المستقبل»، ان «القرار الروسي بالانسحاب من سوريا جاء بعد ان ابدى النظام تعنّتاً بوجه موسكو التي حافظت على وجود هذا النظام حتى اللحظة». وبرأي هذه المصادر، فإن «الانسحاب الجزئي للقوات الروسية من سوريا وضع بشكل واضح طهران ودمشق امام خيارين لا ثالث لهما: إما الدخول في تسوية ضمن النظرة الروسية-الاميركية، وإما إكمال معركتهما بمفردهما«.
قبل ساعات قليلة من إعلان بوتين الانسحاب من سوريا، قال مصدر دبلوماسي في دمشق لـ»فرانس برس»: «ظنّت موسكو لوقت طويل ان النظام قادر على تدبير اموره بمفرده، ولكن طهران هي من دقت جرس الانذار»، مشيراً الى ان «مسؤولين ايرانيين ذهبوا الى موسكو لابلاغ الروس انهم في حال لم يتدخلوا بسرعة، فإن النظام سينهار»! هذا في احسن الحالات يعني ان القرار الروسي بالانسحاب قد يشكل ورقة ضاغطة على دمشق وطهران للموافقة على الحل الاميركي- الروسي لانهاء الحرب، لأن لا قدرة للطرفين على اكمال الحرب بمفردهما.
بدأ الانسحاب الروسي. اساطير الممانعة بقيت اساطير. حافظ الروس على الساحل وعززوا قواعدهم فيه. ابعدوا المعارضة بضعة كيلومترات داخل سهل الغاب، واستولوا على بعض القرى في جبل التركمان، وحصّنوا الساحل. بقيت ادلب بيد الاسلاميين وفصائل المعارضة، وبقيت درعا بيد الجيش الحر، وبقيت الغوطة بيد جيش الاسلام، وبقيت حلب بيد فصائلها مع تقدم للقوات الايرانية في بعض القرى، وبقيت دير الزور والرقة بيد داعش(!). وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف رحب بالخطوة الروسية وأكد ضرورة وقف اطلاق النار والتوصل الى حل سياسي. على العالم ان ينتظر موقف الحرس الثوري وليس الاصلاحيين! وعلى المشاهدين ان يستمتعوا بتحليلات (أو تخيلات) الخبراء «الممانعين» من «عمداء متقاعدين» و»محللين استراتيجيين» أمضوا سنوات عملهم خلف المكاتب وبعد التقاعد صاروا خبراء في الحروب والجبهات يدلون بدلوهم في اطلالات على «المنار» و «الميادين« !

 

درس بوتين وجدار الأسد
زهير قصيباتي/الحياة/16 آذار/16
مع بدء إقلاع مقاتلات روسية تنسحب من سورية، لوّحت الأمم المتحدة بإعداد ملفات قانونية ضد «مجرمي الحرب»، وتجرّأت «جبهة النصرة» على إعلانها خطة لشن هجوم خلال 48 ساعة. ثلاث خطوات تلت صدمة القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس فلاديمير بوتين بسحب الجزء الأكبر من القوة الروسية المرابطة في سورية، والتي قلبت ميزان القوى لمصلحة نظام الرئيس بشار الأسد، وأنهكت الفصائل المقاتلة المعارضة، من دون أن تسحق «داعش» أو «النصرة». قرار قيصر الكرملين جاء في الذكرى الخامسة لانطلاقة الثورة السورية التي أرغمها النظام على «العسكرة». وإذا كان الإعلام الروسي هلّل للخطوة- الصدمة، باعتبارها نصراً لبوتين الذي استوعب الدرس الأفغاني، ونجح في عدم الانزلاق إلى مستنقع سوري، فالمسألة الحاسمة ليست في تشديد الضغط المعنوي على نظام الأسد فحسب، لكي يسهّل مفاوضات جنيف، فيما الكرملين يُدرك تماماً أن جوهر الحلقة المفرغة التي ما زالت المفاوضات أسيرة لها منذ الجولة الأولى، هو مصير رأس النظام السوري. وأن يعلن المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين ما لم يجهر به الكرملين، حول الدافع الرئيسي للصدمة، أي «تشجيع حل سياسي للصراع»، فذاك إدانة للنظام لأنه لا يقدّم ما يكفي لتشجيع التسوية.
لعل أبسط مثل على أن الأسد ما زال يراهن على عامل الوقت لسحق المعارضة المسلّحة، هو تجديد رئيس الوفد السوري إلى جنيف، معزوفة شكل الوفد، ومَنْ يمثّل مَنْ، ومَنْ هو «الإرهابي» الذي يجب استبعاده… أما «الخط الأحمر» للتفاوض، والذي جدّده وزير الخارجية وليد المعلم، عشية الجولة الجديدة في جنيف، ليجعل منصب الرئاسة فوق عملية السلام وكل مرحلة «انتقالية»، فلا يؤدي عملياً إلا إلى استبعاد خريطة الطريق بالكامل، لأن المعارضة لن تفاوض لمجرد المشاركة في «حكومة وحدة وطنية»، يرعاها المتهم بالدور الأول في تدمير سورية وسقوط حوالى 380 ألف قتيل من شعبها.
كان واضحاً أن نظام الأسد استقوى بالتدخُّل العسكري الروسي، ليكرّس مقولته أن لا ثورة ولا معارضة ولا حرب أهلية، بل صراع مع «الإرهاب». تسلّح النظام بالغارات الروسية ووثيقة التفاهم التي سبقت التدخُّل العسكري للكرملين في 30 أيلول (سبتمبر). في الجو تحميه «السوخوي»، وعلى الأرض «الحرس الثوري» والميليشيات التي ترعاها إيران. تجاوز بوتين المهلة التي حددها للتدخُّل وعملية سحق كل مَنْ يرفع السّلاح في وجه النّظام. بدلاً من مئة يوم، مئة وخمسة وستون، واللافت الارتباك في موسكو، في صيغة إعلان بدء الانسحاب، والتضارب مع البيان السوري، والارتباك في واشنطن التي فوجئت أيضاً بقرار القيصر.
أولى الملاحظات التي تؤشر إلى الارتباك، إعلان الناطق باسم الكرملين أن بوتين تحدّث هاتفياً إلى الأسد لإبلاغه القرار، ثم أوضحت الرئاسة الروسية أنه اتُّخذ بالتنسيق مع الرئيس السوري. وفي حين حرصت موسكو على تأكيد عدم تناول مصير الأسد، خلال الاتصال، حرص بيان رسمي في دمشق على صيغة «اتفاق» الرئيسين على «خفض القوات الجوية الروسية في سورية». الأكيد، أن لجيش بوتين من الطائرات الحربية الباقية في اللاذقية، ما يكفي لمزيد من الغارات التي لا تفرّق بين فصيل معارض وآخر يحارب مع «داعش». بهذا المعنى، قد يعني قرار الخفض لـ «تشجيع» الأسد على التفاوض، ورقة تلوِّح بها موسكو لإبلاغه أن سقف الدعم ليس بلا حدود. ولكن، بعد كل الذي حصل منذ «جنيف 1»، ألا يُدرك بوتين نيات الأسد وأهدافه؟… وأن قلب ميزان القوى سيشجّع النظام السوري على مزيد من التصلُّب، وأن الورقة الإيرانية جاهزة ليلوّح بها مجدداً بديلاً من «السوخوي»؟ ليس بلا دلالة ما أوردته صحيفة «كومرسانت» الروسية من أن هدف موسكو لم يكن انتزاع كل الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة فذلك «قد يستغرق سنوات، من دون ضمانات» بإنجازه. الأهم أن الدب الروسي خرج من عزلته الدولية، وبات على تنسيق يومي مع «شريكه» اللدود الأميركي الخائب في المنطقة… والمهم بعيون الروس أنهم لن ينزلقوا إلى أفغانستان ثانية.
في الوقائع أن تسعة آلاف غارة روسية لم تنقذ نظام الأسد إلى الحد الذي يمكّنه من سحق كل مَنْ يرفع السلاح في وجهه… لم تنقذه من الفصائل المعارضة ولا من «داعش»، بافتراض إضعاف الروس التنظيم وموارده النفطية.
الانسحاب- الصدمة، خبر سيء للنظام، إلا إذا كانت طهران المرتاحة إلى قرار القيصر بعد غضب صامت من تدخُّله، قادرة على تحصين ما بقي من قوة للجيش السوري، وإرسال أفواج أخرى من الميليشيات، كفيلة بتمديد الحرب سنوات إضافية. وقد تكون نتائج جولة جنيف الحالية مفصلية في تبديل أوراق روسيا التي كسرت جدار العزلة حولها، لكنها لن تحطّم عناد النظام السوري في رفضه التغيير من الرأس إلى القاعدة، ولا إصرار المعارضة على عدم بيع نفسها لـ «حكومة وحدة وطنية»، لا يصعب التكهُّن بما فيها من الوحدة الجدّية، والوطنية التي تستجيب طموحات السوريين.
بين كابول ودمشق مسافات طويلة، بمقدار ما يبدو الطريق إلى السلام في سورية.