طارق الحميد: أميركا والسعودية ورعاة حزب الله/عبد الرحمن الراشد: ألم يكن الحزب إرهابيًا قبل اليوم/محمد الرميحي: نصر الله والهوية المفترسة

203

أميركا والسعودية و«رعاة حزب الله»!
طارق الحميد/الشرق الأوسط/12 آذار/16

يقول المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي، في مؤتمر صحافي، إن واشنطن عبرت للرياض عن قلقها حيال القرار السعودي بتعليق المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، قائلا: «لقد نقلنا مخاوفنا بشأن التقارير عن قطع المساعدات مع السلطات السعودية». ويقول كيربي إن «المساعدة (السعودية) للقوات المسلحة اللبنانية، وغيرها من المؤسسات الشرعية الحكومية، أساسية للمساعدة في تحجيم (حزب الله) ورعاته الأجانب»، ومؤكدًا أن المساعدات الأميركية للجيش اللبناني ستستمر لأن أميركا لا تريد «ترك الساحة خالية لـ(حزب الله)، أو رعاته». وبالتأكيد أن الخارجية الأميركية جادة، ولا تقصد المزاح، لكن من هم «رعاة حزب الله» في لبنان؟ أوليست إيران؟ من الذي أطلق سراح إيران دوليًا، ومنحها أموالاً تقدر بما لا يقل عن خمسين مليار دولار، بل وأكثر، ورغم التحذير الدولي، والعربي، وتحديدًا السعودي، الذي قال: إن الأموال الإيرانية هذه لن تذهب لتحسين الأوضاع الاقتصادية الإيرانية بقدر ما أنها ستذهب لدعم الجماعات الإرهابية المحسوبة على طهران، وأولها «حزب الله»، أولم تكن أميركا هي من فعل كل ذلك؟ إذا كانت الإدارة الأميركية مقتنعة برجاحة خطوة الانفتاح على إيران، وإطلاق يد طهران لتعبث بالمشهد الإقليمي، وبالتالي الدولي، ومنحتها كل هذه المليارات المجمدة خارجيًا، في أميركا، وغيرها، فكيف تعبر أميركا اليوم عن قلقها من تعليق المعونات السعودية للجيش اللبناني، وبذريعة أن دعم الجيش من شأنه التصدي لـ«حزب الله» و«رعاته»؟ أوليس رعاة «حزب الله» هم الإيرانيون الذين تهادنهم أميركا الآن، وتفرج لهم عن الأموال المجمدة؟ أمر محير فعلاً! أفهم لو أن الأميركيين تمنوا على السعودية تخصيص جزء من تلك المعونات إلى باقي الشرائح اللبنانية، وتحديدًا الحلفاء، والعقلاء، فحينها يجب القول إن هذه نصيحة مهمة، وفي مكانها، لكن أن تعبر الإدارة الأميركية للسعودية عن مخاوفها من إيقاف الدعم للجيش اللبناني لأن من شأن ذلك أن يقوي «حزب الله»، ورعاته، أي الإيرانيين، وفي نفس الوقت الذي تمد فيه الإدارة الأميركية اليد لإيران، ونظامها الداعم لـ«حزب الله» الإرهابي، في لبنان، وسوريا، والعراق، وحتى اليمن، فهذا أمر غير مفهوم ألبتة، ويشي بخلل ما، وكبير، في طريقة تعامل الإدارة الأميركية مع منطقتنا. الحقيقة هي أنه لو كانت الإدارة الأميركية جادة بقلقها من الموقف السعودي حيال وقف الدعم عن الجيش اللبناني، وبحسب الذريعة التي قدمها المتحدث باسم الخارجية، وهي أن الدعم السعودي للجيش يضمن عدم ترك الساحة خالية لـ«حزب الله»، ورعاته، ولو كانت واشنطن جادة بحماية المشهد اللبناني، وغيره، فإنه كان من باب أولى أن تكون الإدارة الأميركية أكثر حذرًا، وفطنة، عندما تعاونت مع إيران، وأطلقت لها سراح الأموال المجمدة التي لا تدعم «حزب الله» وحسب، بل وبشار الأسد، وكل الميليشيات الشيعية الإيرانية المتطرفة في العراق، وغيره. ولذا فهذا موقف أميركي لا يمكن أن يوصف إلا بالغريب، والمحير، ويلخص رؤية واشنطن المتخبطة بمنطقتنا، وتحديدًا منذ سبعة أعوام.

ألم يكن الحزب إرهابيًا قبل اليوم؟
عبد الرحمن الراشد
الشرق الأوسط/13 آذار/16
آخر تصنيف لـ«حزب الله» اللبناني كإرهابي جاء من الجامعة العربية في القاهرة، وقبلها من مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس، في حين كنّا نظن أنه إرهابي منذ عقد مضى، عندما اغتال صفوة القيادات اللبنانية، ثم انخرط في قتل آلاف المدنيين السوريين. بالفعل كان إرهابيا ولا يزال، لكن لم تكن هناك الجرأة على البوح رسميًا بذلك، حتى أعلنت الحكومات العربية رسميًا الأسبوع الماضي أن «حزب الله» إرهابي. ولم يدافع عن الحزب في اجتماع وزراء الخارجية، سوى لبنان المغلوب على أمره، والعراق شبه المغلوب على أمره، والجزائر التي عودت الجامعة العربية على تأييدها إيران منذ أن قامت بدور العراب في إطلاق سراح الرهائن الأميركيين الذين احتجزوا في سفارتهم في طهران! أما التسع عشرة دولة عربية الأخرى فقد اصطفت صراحة هذه المرة ضد «حزب الله»، في تغيير سياسي وشعبي كبير غاضب يلف العالم العربي ضد الحزب.
وإلى قبل أسابيع قليلة مضت كانت معظم الحكومات العربية تتحاشى انتقاد «حزب الله» علانية، حتى بعد تورطه في القتال في سوريا، وحتى قبِل ذلك، عندما ثبت أنه من ارتكب سلسلة جرائم اغتيال قيادات لبنانية، وعلى رأسها رفيق الحريري. وكذلك عندما استدرج «حزب الله» إسرائيل للهجوم على لبنان وتدميره، باختطافه جنديين إسرائيليين، وفي الأخير اعترف بأنه أخطأ التقدير. ولم تتجرأ حينها سوى حكومتين عربيتين على انتقاد الحزب، والبقية سكتت، رغم ما لحق بلبنان من دمار. الجميع يعلمون أن «حزب الله» تنظيم إرهابي منذ تأسيسه في الثمانينات، وقد قام بخطف لبنان، والاستيلاء على قراراته ومقدراته، وعطل تطوره السياسي والاقتصادي، أكثر مما واجه إسرائيل على مدى ثلاثين عامًا. انتقاد الحزب وطبيعته الإرهابية، ظل مجرد أحاديث هامسة في الغرف الخلفية، ولم تخرج إلى العلن وتجد الشجاعة لإعلان موقفها إلا الآن، لأنه لم يبقَ هناك ما يمكن تحاشيه أو الخجل من الإفصاح عنه. نحو نصف مليون سوري قتلوا، بعضهم على يد مقاتلي «حزب الله»، مع إيران ونظام الأسد، لا يترك مساحة للمناورة والمداراة والإبقاء على خطوط رجعة. كلهم يعرفون أن «حزب الله» إرهابي قبل الخلافات الأخيرة، كونه قتل لبنانيين وسوريين وعربًا وأجانب منذ الثمانينات، لكنهم كانوا يأملون أن يأتي يوم يقرر فيه الحزب التخلي عن دوره كمخلب للأسد وإيران، ويتحول إلى حزب سياسي مدني، خاصة بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان قبل ستة عشر عامًا، لكن الحزب لم يغير جلده، وازدادت وحشيته حيث وسع خدماته، وعبر الحدود إلى العراق وسوريا واليمن والبحرين.

نصر الله والهوية المفترسة!
محمد الرميحي/الشرق الأوسط/12 آذار/16
يذهب الأستاذ أرجون أبادوراي في كتابه المتميز «الخشية من الأعداد الصغيرة: مقالة في جغرافية الغضب» إلى القول بأن «هناك ما يسمى في عالم القرن الواحد والعشرين (الهويات المفترسة)، وهي تلك (الهويات) أي (الجماعات) التي تشعر بتأزم في مجتمعها، سواء كان حقيقيًا أو متخيلاً، فترد على ذلك المتخيل بطريقة (تفترس) تلك المجتمعات من خلال تخريب السلم الأهلي فيها باستخدام العنف المفرط، بدعوى حماية النفس أو حماية شعار ما يمكن تسويقه إلى العامة، أو ملاحقة الأعداء الحقيقيين أو المحتملين». يقيني أن «حزب الله» اللبناني مؤمن بتلك النظرية ويطبقها، وهي «افتراس المجتمع اللبناني» عن طريق تصفية بعض سياسييه، فكثير منهم مشروع اغتيال، أو اختطاف المجتمع وإرهابه، وإن كان ممكنًا «افتراس مجتمعات أخرى قريبة»، لأن أي عاقل في لبنان أو خارج لبنان لا بد أن دار بخلده التساؤل المركزي والمهم: إلى أين يريد «حزب الله» أن يأخذ لبنان؟ ليس سرًا أنه يريد أن يُلحق لبنان بـ«ولاية الفقيه»، أي بتجاوز الدولة الوطنية والتراب الوطني اللبناني، ويرسل ميليشياته إلى الجوار لإلحاق الجميع بمشروعه. السؤال: هل يمكن أن يضع حزب الله كل لبنان تحت جناح الفقيه؟! أين ستذهب الطوائف الست عشرة الباقية من تركيبة لبنان الاجتماعية – السياسية – المذهبية؟ وإذا كان ذلك شبه مستحيل فإن الخيار هو افتراس الدولة اللبنانية والهيمنة على المجتمع عن طريق العنف، وهو ما يحاول «حزب الله» في لبنان اليوم أن يحققه، ولأن المشروع كله منكشف على الوهم، يخرج نصر الله على الجميع عند الإحساس بالفشل بالقول إنه يفخر أكثر ما يفخر في حياته كلها بموقفه في خطابه الذي ألقاه عشية تدخل التحالف العربي لإنقاذ الشرعية في اليمن! وهو إبحار خارج الشعارات المعلنة وخوض في قضايا هي أكبر من قدرة الحزب وإمكانياته. يُجمع كثير من المحللين على أن ظهور حسن نصر الله المتكرر في الأسابيع الأخيرة على التلفزيون ينبئ عن قلق شديد، وقد تشوش في المخيلة الحزبية، جراء ما اتخذته دول الخليج من قرار، وهو اعتبار «حزب الله» حزبًا إرهابيًا، بالضبط مثل اعتبار «داعش» جماعة إرهابية أو «القاعدة»، وينطبق عليه كما ينطبق على «داعش» وكل الإرهابيين من ملاحقة وتعقب. ظهور نصر الله التلفزيوني والطريقة المتشنجة التي يتناول بها الأمور السياسية في المنطقة تقنع محازبيه فقط، بل والأدق تقنع الملاصقين له، وهم فئتان لا غير؛ فئة لها مصالح مادية معه، وفئة أخرى ما زالت مُغيبة. ليس صحيحًا أن كل الطائفة الشيعية العربية الكريمة في لبنان أو خارجه هي مع منطق أو أعمال أو خطاب نصر الله، معه أقلية، أما الأكثرية فهي تقع في إطار إرهابه. «حزب الله» يتجاوز الدولة الوطنية، وما مشاركته في الوزارات المختلفة في العقد الأخير إلا لذر الرماد في العيون، فتلك المشاركة لم تستطع داخليًا حتى حل «مشكلة الزبالة المتفاقمة في مدن لبنان»، فكيف له أن يشارك في حلول قضايا كبرى اقتصادية وسياسية، وهي أكثر تأثيرًا على المصالح اللبنانية. الأحزاب الأخرى اللبنانية تعرف أن حزب الله «هوية مفترسة»، ومن تجاوز تلك الحقيقة من الأحزاب أو التيارات أو حتى الأفراد السياسيين، إما انتهازية وإما خوفًا، فعليه أن يراجع نفسه، ويعود إلى لب المشكلة اللبنانية، وهي أن بلادًا لا يستطيع مجتمعها أن يعيش بسلام في وجود سلاحين؛ واحد المفترض للدولة، وآخر لميليشيات مؤتمرة بأمر الخارج. في الحقيقة لبنان مسلط على رأسه مسدس يحمله «حزب الله»، وكل ما هو غير ذلك «تكاذب»، وعلى الجميع أن يعودوا عنه! ليس جديدًا القول إن اتكاء «حزب الله» لترويج احتفاظه بالسلاح هو على قضيتين؛ الأولى هي «محاربة إسرائيل»، ويستطيع أي مراقب أن يراهن على أن صمت الحدود اللبنانية الجنوبية هو «صمت أبدي» تدرج في الأبدية منذ حرب عام 2006، حتى صمت نهائيًا مع الاتفاق الغربي – الإيراني في 4 يوليو (تموز) 2015، فلن يسمع اللبنانيون حتى طلقة واحدة في تلك الأنحاء، بل ربما أكثر الأماكن أمنًا في لبنان اليوم هو الجنوب، لأن أفراد حزب الله المسلحين غير مسموح لهم بالاقتراب! أما القضية الثانية فهي «محاربة أميركا»، وهو أمر لا يحتاج المراقب إلى أن يؤكد نهايته، بسبب تلك الاتفاقات التي لم تعد سرية بين الولايات المتحدة وإيران، راعية حزب الله وممولته ومحطة تصدير الأوامر والنواهي له.

خطابات نصر الله الأخيرة أجدر لها أن تُفسر أنها «حفلات لطم» ما زال محازبوه يغرونه كذبًا أنه مؤثر، وحتى الأدوية الشافية علميًا إنْ تكاثر تعاطيها فهي ذات نتائج سلبية لا محالة، فما بالك بالخطب الفاسدة! لقد قام من نصح حسن نصر الله بإعادة تكرار تلك الخطب باستنزاف صورته، بل في المحصلة فإن تلك الخطب التي تعتمد على التدليس وعد الموضوعات على أصابع اليد، هي تعطي زادًا لتماسك مجتمعات الخليج مع حكوماتهم على غرار ما قاله المتنبي.. إذا أتتك مذمتي.. إلى آخر البيت المشهور، الذي أعتقد أن حسن نصر الله يعرفه حق المعرفة. ما يتوجب أن يعرفه حسن نصر الله، ولا شك عندي أنه يعرفه، أنه يأخذ المجتمع اللبناني إلى المجهول، فأي عاقل يعرف معرفة اليقين أن لا أمل في تجليس «صديقه بشار» على كرسي الحكم في سوريا بعد أن قتل أكثر من ثلاثمائة ألف سوري، وحوَّل، بمساعدة «حزب الله»، معظم المدن السورية إلى خرائب، وهجّر ملايين منهم إلى الخارج، ذلك لا يستقيم مع المنطق ولا حسابات التاريخ. كما أن حسن نصر الله لا شك يعرف أن مجرد تحقيق مصالح إيران مع الغرب في وقت ليس بعيدًا، تصبح ورقته قابلة للتفاوض مهما تعدد خروجه بزينته على قومه من خلال الفضائيات، فهو «كارت» لا أكثر ولا أقل. كيف يقنع نصر الله نفسه، وليس الآخرين فقط بأنه يدافع عن «المستضعفين في اليمن» ويساهم في قتل المستضعفين الأكثر من جيرانه في سوريا! وكيف يسكت عن ظلمه لمواطنيه اللبنانيين ويتحدث عن ظلم آخرين في بلدان أخرى. وكيف يدافع عن الدولة في مكان وهو ينتهك أقل ما تمثله الدولة في وطنه بالدخول في حروب لا تستشار فيها الدولة! يقيني أن خطب نصر الله فقدت صلاحيتها، كما فقد الحزب صلاحياته. قوة الحزب اليوم في لبنان ليس بسبب قدراته، لكن بسبب تخاذل الآخرين في الوقوف الصلب أمام افتراسه!
آخر الكلام:
ما يجعل حزب الله متوترًا ومزايدًا هو أن مموليه يعدون أنه فشل في تصدير «النموذج» إلى بلاد عربية أخرى، فأصبح عبئًا وليس عونًا!