ايلي الحاج/القواتيون والعونيون يغنّون معاً لكنها لعبة خطرة والتهويل بتسونامي يذكّر بحكومة استقلال وأكثر/محمد شقير:استحقاق النيابي بالرئاسي: أين القوات منه وهل هو لتمديد الفراغ

223

القواتيون” والعونيون يغنّون معاً لكنها لعبة خطرة التهويل بـ “تسونامي” يذكّر بـ”حكومة استقلال وأكثر”
ايلي الحاج/النهار/11 آذار 2016
بعض الناس لا ينفكون يكررون أنفسهم حتى لو تأذوا هم أيضاً. ظاهرة تراها في الحياة الخاصة، كما بين محترفي السياسة.
عندما انتهى عهد أمين الجميّل مع حفظ الألقاب بتعيين ميشال عون رئيساً لحكومة العسكريين الإنتقالية في ربع الساعة الأخير من عهده، ليلة 22 أيلول 1988، انتحى سمير جعجع بعون جانباً وقال له إنه سيقف بجانبه ويدعمه بكل قوته وله مطلب واحد: أمين الجميّل.
ما حصل بعد ذلك صار من التاريخ والجميّل نفسه صرّح مراراً “أنا سامحته وهذه المسألة تجاوزتها منذ زمن”.
العودة إليها ليست لنكء جراح اندملت بل لتوضيح الرؤية إلى ما يجري اليوم. تفيد لهذه الغاية قراءة كتاب مدعّم بشهادات ووثائق وصدر حديثاً للباحث الصديق كلوفيس الشويفاتي، عنوانه “رصاصة الرحمة… ودخلنا النفق” عن تفاصيل ما سمي بـ”حرب الإلغاء” بين الأخوة في “المنطقة الشرقية” سابقاً سنة 1990.
في عرضه لمقدمات تلك الحرب كتب (صفحة 20): “قامت القوات اللبنانية بعملية وضعتها في إطار توحيد القوى والبندقية في المنطقة الشرقية. جرّدت حملة للسيطرة على كل مراكز ومواقع الكتائب التابعة للرئيس أمين الجميّل في المتن، في 3 تشرين الأول 1988… عندها لم يحرّك ساكناً رئيس الحكومة الإنتقالية قائد الجيش العماد ميشال عون لأنه اعتبر أن سمير جعجع يُبعد عن المنطقة منافساً سياسياً ليس لجعجع فقط بل له أيضاً.
رضي الجنرال عون بأن تفرض الميليشيا سلطتها على منطقة تُعتبر تحت سيطرة القوى الشرعية، بينما اعتبر جعجع أن الفرصة مؤاتية للتخلص من الرئيس الجميّل بعدما حمّله المسؤولية عن الفشل في تأليف حكومة انتقالية مدنية وتسليم الجيش السلطة السياسية ووضعه بمواجهته في المنطقة الشرقية. ورغم أن جعجع تلاسن مع الجميّل واتّهمه بأن خياره الحكومة العسكرية هو الأسوأ، أعلن عند خروجه من قصر بعبدا ليلاً أنّها “حكومة استقلال وأكثر”.
“توحيد القوى والبندقية؟”، تعيد العبارة إلى بشير الجميّل و7 تموز 1980. “كلهم يريدون وراثة بشير”، يقول جوزف أبو خليل حارس الذاكرة المتوقد الذي أكمل مراجعته للأحداث والأخطاء متطلعاً إلى المستقبل. هو أيضاً يطرح على محدثيه أسئلة مقلقة عن البلاد التي عشقها جيله:”هل يتخلى المسيحيون عن لبنان إذا لم يكن تحت حكمهم؟”. بعدما كتبت الصحافية في جريدة “العمل” فيفيان صليبا مطلع سنة 1984 تحقيقاً بعنوان “القوات ضائعة تبحث عن بشير” اختارت فيه سمير جعجع شخصية العام.
أعجب التشبيه جعجع رغم إنه صرح مرة أنه سمير الأول وليس بشير الثاني، فعيّن صليبا (داغر لاحقاً) – إثر انتفاضة 12 آذار 1985 على الجميّل وقيادة الكتائب- رئيسة تحرير مجلة “المسيرة” بعدما كانت نشرة عسكرية داخلية.
في “العمل” التي كان رئيس تحريرها أبو خليل ولدت “المسيرة” كما ولدت “القوات” من الكتائب.
كان جعجع ثائراً تلك الأيام يشعر بظلم تعرض له من حزبه (السابق) بعد “حرب الجبل” وقبلها “حادثة إهدن”، لتحميله هو المسؤولية في شكل أو آخر في محاولة من الحزب لتبرئة الذات.
“توحيد القوى والبندقية” جذب ميشال عون أيضاً. كانت “القوات” تصرّ خلال حرب 1990 المدمّرة وبعدها على تسمية “حرب الإلغاء”، بينما سمّاها أنصار الجنرال “عملية توحيد البندقية”. لكن بشيراً أنهاها في يوم واحد، أما عون فجرجرت معه 8 أشهر خرج بعدها مهزوماً على يد الجيش السوري إلى السفارة الفرنسية وكان أقسم على البقاء في القصر حتى الرمق الأخير.
لماذا فتح دفاتر تلك الأيام السوداء في زمن ما بعد “مصالحة معراب 18 كانون الثاني 2016″؟ لأن الممثلين (من تمثيل الشعبية) أنفسهم يكررون الأدوار نفسها بعد ربع قرن وسنة، يقول متابعون لمسار التحالف المستجدّ على الساحة السياسية. صحيح أن ثمة إيجابية في غناء “القواتيين” والعونيين معاً “أوعا خيَك”، كلمات ملحم الرياشي وتلحين جهاد الحدشيتي وغناء زين العمر وتمويل نقولا الصحناوي، لكن المقارنة لا تزال جائزة بما جرى قبل الصدام الكبير في 1990 بسبب غياب التفاهم السياسي الحقيقي.
لا يزال ميشال عون كما كان قبل “ورقة النوايا” ومصالحة معراب شديد الإرتباط بـ”حزب الله”، ولا يزال سمير جعجع شديد الإرتباط أو أقله على علاقة أكثر من حسنة جداً بالدول العربية الخليجية التي تخوض حرباً شعواء وإن بلا سلاح على “حزب الله” ومن يقف خلفه وتتهمه بالإرهاب.
يؤيد جعجع مرشح هذا الحزب لرئاسة الجمهورية ويهاجم من يقف خلفه. والإثنان، المرشح ومن رشّحه في معراب، يهوّلان بتسونامي انتخابي بلدي ونيابي، مستندين إلى إحصاء لشركة قال عنها سليمان فرنجية في جلسة حوار الأربعاء الماضي إنها أكدت سابقاً الشعبية الكاسحة لإميل لحود.
في 1990 أعطى عون جعجع مساحة جغرافية (المتن ) يسيطر عليها لقاء أخذه دعماً سياسياً له، رئيساً لحكومة العسكريين.
في 2016 أعطى جعجع عون دعماً سياسياً لقاء رهان ذاتي على ربح شعبية أكبر بين المسيحيين في السنين الآتية، ورهان مضاعف فوقه على أن عون لن يصير رئيساً. لا هو ولا سليمان فرنجية. لكنها لعبة خطرة جداً. على الحافة. ولا أحد يعرف مَن هو ميشال عون أكثر من سمير جعجع.

 

 

 

استبدال عون الاستحقاق النيابي بالرئاسي: أين «القوات» منه وهل هو لتمديد الفراغ؟
بيروت – محمد شقير /الحياة/11 آذار/16
لن تكون الذكرى الـ11 لانطلاقة «ثورة الأرز» الإثنين المقبل في 14 آذار (مارس) كمثيلاتها السابقة، وستغيب عنها «الاحتفالية»، لأن ليس في جعبة قياداتها ما تقوله لجمهورها ومحازبيها، في ظل استمرار الاختلاف على الاستحقاق الرئاسي بين قواها الرئيسة التي تتوزع حالياً على ثلاث جبهات. الأولى يتزعمها «تيار المستقبل» الذي يدعم ترشيح زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية لملء الشغور في رئاسة الجمهورية، والثانية يقودها حزب «القوات اللبنانية» الذي يؤيد رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون لهذا المنصب، فيما يتزعم حزب «الكتائب» الجبهة الثالثة التي تنادي باستبعاد هذين المرشحين من السباق الرئاسي لمصلحة التوافق على مرشح ثالث. ومع أن قوى «14 آذار» مجتمعة بدأت تتصرف وكأنها عاجزة عن إحياء الذكرى لأنها غير قادرة على مخاطبة جمهورها، لا سيما المستقلين الذين يشكلون العصب الأساسي في حراكها في المناسبات السابقة، فإن بعض قادتها ممن لا يروق له التأزم بين «المستقبل» و«القوات» على خلفية الاختلاف حول إنجاز الاستحقاق الرئاسي، ينصح بعدم تكرار المشهدية السياسية التي أظهرها احتفال الذكرى الـ11 لاغتيال الرئيس رفيق الحريري. كما ينصح هؤلاء بعدم تحويل هذه المناسبة إلى ظاهرة فولكلورية غير قابلة للصرف في المعادلة السياسية، خصوصاً أن الاجتماعات الدورية التنسيقية بين قيادات «14 آذار» تكاد تكون معدومة منذ اللحظة التي قرر فيها زعيم «المستقبل» الرئيس سعد الحريري دعم ترشح فرنجية لرئاسة الجمهورية في مقابل تأييد رئيس حزب «القوات» سمير جعجع لترشح العماد عون. لذلك، تعتقد هذه القيادات، التي ما زالت على تواصل مع «المستقبل» و «القوات» و «الكتائب»، أن لا فائدة من إحياء هذه المناســبة طالـــما أنها تفتقد أي مضــمون ســياسي، وإلا فإن مجرد تحويلها «احتفالية» في غياب الحد الأدنى من التفاهم السياسي سينعكس سلباً على جمهور «14 آذار» الذي يشعر حالياً بأنه مستهدف من نيران صديقة من أهل البيت الواحد، الذي لم يصمد في وجه الضغوط للحفاظ على تماسك هذه القوى وانسجامها في ظل الوصاية الجــديدة المفروضة على البلد من «حزب الله» وحليفته إيران.
بيان لا احتفال
وترى أن هناك ضرورة لحماية هذا الجمهور من الاختلاف الحاصل بين «المستقبل» و «القوات»، وبالتالي لا بد من أن تختصر هذه المناسبة ببيان تؤكد فيه «14 آذار» استمرارها للحفاظ على استقلال لبنان وسيادته وصون العيش المشترك بين أبنائه، وإنما على أساس تنظيم الاختلاف حول ملف الرئاسة ومنع ارتداداته السلبية، من تهديد ما تبقى منها على قيد الحياة، لا سيما أن انتخاب رئيس جمهورية جديد لن يتم في المدى المنظور. وتلفت هذه القيادات الى أن هناك صعوبة في تحييد «14 آذار» عن الاختلاف بين «المستقبل» و «القوات» حول الرئاسة الأولى، وتسأل ما إذا كان إنجاز الاستحقاق البلدي سيكون بمثابة نسخة طبق الأصل عن الملف الرئاسي، بمعنى أنه قد يشكل محطة من شأنها أن تضغط في اتجاه تعميق هذا الاختلاف، مع أن «تكتل التغيير» بادر في اجتماعه الأخير إلى ربط إجراء الانتخابات البلدية بالنيابية، بذريعة أن لا مبرر لعدم إتمام الأخيرة. وفي هذا السياق، لم تستغرب مصادر سياسية عودة «تكتل التغيير» الى استبدال استحقاق آخر بالاستحقاق الرئاسي، أي بإجراء الانتخابات النيابية أولاً، مع أنها تعتقد أنه يحاول الهروب الى الأمام، لأن رئيسه العماد عون بدأ يفقد حظوظه في الوصول إلى سدة الرئاسة. وتعتبر أن إصرار «تكتل التغيير» على استحضار إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية يبقى في إطار إشغال الوسط السياسي بحرتقة من نوع آخر، إلا إذا اقترن بتأييد حزب «القوات» الذي لم يحدد موقفه من هذا الطرح. وتسأل المصادر كيف يمكن عون تمرير اقتراحه القديم- الجديد المتعلق بإجراء الانتخابات النيابية؟ وهل بات على بينة من أمره بأن البرلمان الممدد له ليس في وارد انتخابه رئيساً للجمهورية، وأن البرلمان الجديد المنتخب سيتيح له تعديل ميزان القوى لجهة الإبقاء على حظه في الرئاسة قائماً؟
الانتخابات النيابية والتشريع
وتؤكد المصادر نفسها أن عون، من خلال طرحه هذا، أراد أن يشغل البلد بمناورة سياسية جديدة، وإلا على أي أساس ستجرى الانتخابات النيابية في ظل غياب قانون انتخاب جديد وتعذر تشكيل هيئة الإشراف على هذه الانتخابات؟ فهل سيوافق على أن تجرى على أساس إعادة تعويم قانون الستين؟ وماذا سيكون موقف «القوات» منه، مع أن اعتماده في حاجة إلى تشريع من المجلس النيابي، لأن تعويمه لإجراء الانتخابات في عام 2009 جاء لمرة واحدة، وبالتالي لا بد من تعديل آخر من شأنه أن ينقض ما ورد في القانون. كما أن إجراء الانتخابات النيابية في حاجة إلى تشريع من البرلمان يقضي بتقصير فترة التمديد للمجلس النيابي التي تنتهي في ربيع 2017، إضافة الى أن هناك صعوبة في أن يكون البديل إنتاج قانون انتخاب جديد بعدما عجزت لجنة التواصل النيابية برئاسة مقررها النائب جورج عدوان عن التوصل إلى تفاهم على العناوين الكبرى للقانون ولم يعد أمامها سوى أن ترفع تقريرها الى رئيس المجلس نبيه بري ليبني على الشيء مقتضاه بالتشاور مع النواب أعضاء هيئة مكتب المجلس. ناهيك بأن الصعوبة التي تكمن في التوصل إلى قانون انتخاب الجديد مع بدء الدورة العادية للبرلمان في أول ثلثاء بعد 15 آذار، تواجه أيضاً مشكلة من شأنها تبديد أي رهان على إمكان إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية.
ويقصد بذلك أن البرلمان كان أوصى في جلسة سابقة بأولوية انتخاب الرئيس على وضع قانون انتخاب جديد، لأن الأصول تقضي بأن يكون لرئيس الجمهورية العتيد رأي في هذا القانون ويعود إليه رده الى البرلمان أو طلب إدخال تعديلات عليه. وهنا تسأل المصادر: كيف يوفق عون بين مطالبته بتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية وبين القفز فوق صلاحيته بأن يكون له رأي في قانون الانتخاب الجديد، وبالتالي هل يمكن البرلمان إقرار هذا القانون مع تعليق نفاذه إلى حين انتخاب الرئيس؟ وعليه، تعتقد المصادر أن عودة عون إلى التلويح بإعطاء الأولوية للانتخابات النيابية هي محاولة لتبرير مقاطعته جلسة انتخاب الرئيس التي تلقى كل تأييد من حليفه «حزب الله». وتؤكد أن «حزب الله» ليس في وارد تعديل موقفه من دعمه ترشح عون، وقد يرى في طرحه النيابي «مشروعية» لتفادي إحراجه بسبب مقاطعته جلسات انتخاب الرئيس. هذا بالنسبة الى «حزب الله»، أما في خصوص موقف حزب «القوات»، فإنه يتخذ لنفسه حتى إشعار آخر، وضعية المراقب لردود الفعل، ولا يحبذ الانجرار إلى سجال قبل أن تتكشف المواقف على حقيقتها، مع أن المصادر تؤكد أن اتفاقه مع «التيار الوطني الحر» يشمل حالياً دعم ترشح عون، أما النقاط الأخرى، من بلدية ونيابية، فما زالت قيد الدرس والتشاور، وإن كان لا يعترض على إعادة الاعتبار لقانون الستين لأن تحالفه مع «الجنرال» سيساهم في تعديل ميزان القوى لمصلحة هذا التحالف، وبالتالي يمكن أن يقود إلى تصحيح التمثيل المسيحي في البرلمان. وترى المصادر أن من السابق لأوانه الدخول في الحساب الانتخابي- النيابي، انطلاقاً من أن تحالف عون- «القوات» سيؤدي حكماً إلى تفعيل حضورهما الانتخابي في الشارع المسيحي. وتعزو السبب إلى أن «القوات» ما زال شريكاً مع «المستقبل» و «اللقاء النيابي الديموقراطي» في مشروع يتعلق بقانون الانتخاب الجديد على أساس القانون المختلط الذي يجمع بين النظامين النسبي والأكثري. لذلك، يتعامل معظم القوى السياسية مع إصرار عون على أولوية الانتخابات النيابية على الرئاسية، وكأنه يستعيد مناورته للحرتقة على الاستحقاق الرئاسي، ويبقى هذا الاعتقاد سائداً إلا في حال دخول «القوات» على الخط لمساندة حليفه الجديد، وهذا ما يفتح الباب أمام إعادة خلط الأوراق على خلفية إرساء تحالفات جديدة وتثبيتها بصرف النظر عن العوائق التي تعيق مهمة «الجنرال» في ترحيل الانتخابات الرئاسية، وبالتالي تمديد الفراغ من خلال طرحه هذا الذي يفتقد من يسوّقه محلياً وخارجياً.