أحمد عدنان: مستقبل تيار المستقبل/شادي علاء الدين: تيارات تيار المستقبل وأزمة الحكومة الإرهابية/داود البصري: إدارة الصراع ضد ثعابين الإرهاب الإقليمي

280

مستقبل تيار المستقبل
أحمد عدنان/العرب/06 آذارأ16

منذ عودة الشيخ سعد الحريري إلى بيروت وأداؤه أكثر من جيد، خصوصا على صعيد تواصله مع جمهوره ومحازبيه وبعض خصومه أو منافسيه السنّة. لكن المشكلة ليست هنا أو لم تعد في هذا المكان، لقد انتقلت إلى زوايا مغايرة، العلاقة مع الحلفاء، إضافة إلى التكتيك السياسي الذي يعاني أزمة واضحة.
على صعيد العلاقة مع الحلفاء، يقول الشيخ سعد بأن “المستقبل والقوّات واحد”، وفي المقابل يؤكد د. سمير جعجع بأن العلاقة مع المستقبل استراتيجية كما أن التحالف المبدئي فوق الاختلاف في وجهات النظر، لكن من يدخل إلى معراب أو إلى بيت الوسط سيلاحظ امتلاء القلوب، والمشكلة أن أصحاب الشأن ساروا في مبادرات مضادة، لذلك يريد بيت الوسط سحب ترشيح ميشال عون، ومعراب تريد سحب سليمان فرنجية، وهذه دوّامة غرقنا فيها بسهولة ونجد اليوم مشقة فوق مشقة للخروج منها.
السعداء بفتور العلاقة بين معراب وبيت الوسط هم محازبون صغار أو وجوه خفيفة، فالقضيّة أهمّ من هذه الزعامة أو تلك وهذا الحزب أو ذاك، القضية هي لبنان وقوى 14 آذار، والتنازل في هذا الإطار واجب على الجميع، وإنني أتمنى من الرياض تولّي مبادرة تصفية الأجواء وتدوير الزوايا بين الطرفين، لأنها الوحيدة المؤهلة لهذا الدور بحكم علاقتها المتينة بمعراب وببيت الوسط، مع العلم بأن مواضيع التباين واضحة وجوهرية، صناعة القرار الاستراتيجي في قوى 14 آذار والانتخابات النيابية والملفّ الرئاسي، وليس من الحكمة ترك ملفات بهذه السخونة لعامل الوقت الذي سيشعلها أكثر بدلا من معالجتها.
على صعيد الأداء السياسي العام، لا أجد أن تيار المستقبل استطاع مواكبة القرارات السعودية والخليجية والعربية بخصوص حزب الله بطريقة صحيحة أو ناجعة، والسبب الأساسي لذلك هو أن شبح 7 أيار ما زال جاثما على مخيلة أصدقائنا المستقبليين، ومن هرب من هذا الهاجس ابتلعه الخوف من اندلاع حرب أهلية، وفي رأيي أننا أمام تقديرات افتقدت الدقة لننته إلى تضييق مساحة الحركة السياسية أمام أنفسنا.
الحزب الإلهي ليس من مصلحته في هذه اللحظة بالذات القيام بـ7 أيار جديدة أو إشعال حرب أهلية لغير سبب، مع احتساب اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، نجد أن عدد سنّة لبنان قد تضاعف مرتين، وهو ما لم يكن حاضرا في 7 أيار 2008، وهذا العدد الضخم معبأ بأعلى درجات الاحتقان من جرائم الحزب الإلهي وتصرّفاته، ولا ينقصه إلا عود كبريت لتسقط الخطوط الحمر بينه وبين ما يسمّى بحزب الله وجمهوره، وهؤلاء السنّة بالتأكيد ليسوا مسلحين أو مدربين كميليشيات إيران، لكنهم يستطيعون بأبسط الوسائل والإمكانات تشكيل إزعاج حقيقي وموجع للحزب ولبيئته الحاضنة.
على صعيد آخر، إن أعداد قتلى الحزب الإلهي وجرحاه جراء تدخله السوري مزعجة له وزيادتها ولو بفرد واحد داخل لبنان مشروع انتحار، لأن سقوط الأول لا يعني سقوط الأخير، وليس معقولا أن يكون الحزب المنغمس في حرب خارجية مستعد لفتح جبهة داخلية في هذا التوقيت.
وهناك زاوية أخرى لا بدّ من أخذها في الحسبان، إن القرار السعودي بوقف الهبة للجيش اللبناني هو في حقيقته رسالة تحفيزية لحلفائها اللبنانيين وللدولة اللبنانية كي يحرّروا أنفسهم من نفوذ الحزب، تزامن ذلك مع عقوبات وضوابط أميركية على المصارف اللبنانية لتجفيف الحزب الإلهي ماليا، وفوق ذلك اتخذ مجلس التعاون الخليجي ومجلس وزراء الداخلية العرب قرارا بتصنيف ما يسمّى بحزب الله منظمة إرهابية استنادا إلى أدلة دامغة، أي أن الصورة أمامنا هي حصار عربي ودولي يفرض تدريجيا على الحزب الإلهي، وتورط الحزب في أيّ منزلق داخلي سيدينه ويضعفه ولن يقوّيه، وبهذه الوقائع نقول أيضا: انعقاد مؤتمر تأسيسي في هذا التوقيت سيصبّ حصرا لمصلحة السنّة، فرئاسة الحكومة لم تعرف الفراغ، كما أنهم لم يحملوا سلاحا ولم يتطفلوا على شؤون غيرهم كما فعل الحزب الإلهي وحلفاؤه، ولنا في الحرب الأهلية ومؤتمر الطائف أسوة حسنة، من حمل السّلاح أو غطّى الفراغ تعرّض للإقصاء.
مشاعر تيار المستقبل هي خوف على جمهورهم ولبنان من حرب أهلية أو 7 أيار محمودة، لكن هناك فرق واضح بين الحرص وبين الاستسلام، وهناك فرق ناصع بين الضغط والمواجهة وبين إشعال الفتنة.
منذ عاد الرئيس سعد الحريري وهو يرفع شعار انتخابات الرئاسة، ولن يتمكن من خوض هذه المعركة من دون حليفه الأساس، حزب القوات اللبنانية، وتصريحات الشيخ سعد ليست كافية البتة لمعالجة الفراغ.
يتكئ الحزب الإلهي على مرتكزات أربعة لتغطيته ولحماية الفراغ، الأول هو الحوار الثنائي مع تيار المستقبل، والثاني يتمثل في مبادرات رئاسية رشحت حلفاءه، والثالث يتجسد في حكومة الرئيس تمام سلام، والرابع هو صمت الشارع عن ممارسات الحزب الإلهي ضد الدولة اللبنانية.
إنني أتمنى ذات يوم حضور جلسات الحوار بين تيار المستقبل والحزب الإلهي بسبب العجز عن تخيّل ما يمكن أن يقال فيها، ولقد فكرت مرارا في سبب انعقاد هذه اللقاءات الصورية، ولم أجد سببا مقنعا غير جودة “الشاي” و”القهوة” في دارة الرئيس نبيه بري وشخصيته الجاذبة، وحسب معلوماتي المتواضعة قدّم هذا الحوار معلومات مغلوطة لتيار المستقبل عن مسار قضية الإرهابي ميشال سماحة لتتفاجأ قوى 14 آذار بإطلاق سراحه عكس المتوقع. لذلك، هذا الحوار لا بد من إيقافه خصوصا مع استمرار جلسات الحوار الوطني برئاسة نبيه بري نيابة عن رئيس الجمهورية الغائب أو المغيّب بالفراغ، فتيار المستقبل مع حلفائه أقوى منه منفردا. بعد المستجدّات الخليجية والعربية والدولية تحت عنوان محاصرة حزب الله، يصبح الاستمرار في المبادرتين الرئاسيتين ضربا من العبث، فهذا الحصار سببه اعتداء الحزب على مفاصل الدولة وسيطرة حلفائه على بعض الوزارات، فهل يعقل بعد ذلك أن نسلّمهم قصر بعبدا؟ والأدهى أن مرشّحي الرئاسة لا يحضرون جلسات الانتخاب، وحزب الله لم يبذل أيّ مبادرة تسهّل انتخاب أحد حلفائه، وبالتالي فإن رغبته في استمرار الفراغ ليست محل جدل، وهذا الحزب متورط في ملفات إجرام وفساد وإرهاب عابرة للقارات، وسيطرته على ما تبقى من الدولة سيحوّل لبنان كليا إلى دولة مارقة ككوريا الشمالية.
أصدقاؤنا المسيحيون يقولون إن الأغلبية المسيحية رشّحت للرئاسة ميشال عون، وبالتالي لا بد من انتخابه أسوة بما يجري مع رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة، وهذه الصورة تبدو صحيحة للوهلة الأولى، لكن الواقع في مكان آخر، الأغلبية السنية منذ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري عاجزة عن إيصال مرشّحها أو زعيمها إلى السراي الحكومي وبعض ذلك حصل بتواطؤ المرشح “المسيحي” ميشال عون صاحب تصريح “ون واي تيكيت” الشهير، وشاهدنا حكومة يرأسها نجيب ميقاتي بقرار شيعي استند على القمصان السود وتغطية عون، وبعد الحكومة الميقاتية لجأ السنّة إلى التوافق وجاؤوا مكرهين بتمّام سلام، والسؤال هنا إلى عون: لماذا لا يقبل على نفسه ما رضيه لغيره؟ هناك صورة تنتشر بأن السنّة يهضمون الحقوق المسيحية وهذا غير صحيح، فتيار المستقبل لم يضع فيتو على وصول أيّ قطب من الأقطاب المسيحية الأربعة، في حين أن الحزب الإلهي وضع الفيتو على خصومه المسيحيين ويمنع انتخاب حلفائه، ويريد إلغاء الدروز بالقانون النسبي كما فعل بالسنّة مع رئاسة الحكومة، لتكون الجملة الصحيحة: ما يسمى بحزب الله يهضم الدولة وشعبها. سليمان فرنجية في هذه اللحظة أمام مأزق التوقيت، لقد تكشّفت أضرار ترشيحه تماما بعد هذه الأشهر، وأهمها شرخ ملاحظ في قوى 14 آذار وعجز هذا الترشيح عن معالجة الفراغ، فإذا كان ترشيح سياسي من قوى 14 آذار أو من قوى 8 آذار لم يعالج الفراغ، فالأولى إذن أن نعود إلى طرح مرشّح من ثورة الأرز. وما يثير الدهشة أن فرنجية وعون بعد ترشيحهما لم يتغيرا.
ما أقترحه أن يعلن د. سمير جعجع والشيخ سعد الحريري مهلة زمنية لتأييد مرشّحيهما تنتهي بالجلسة المقبلة في 23 آذار. نظريا، إن حزب الله وحلفاءه إضافة الى القوات اللبنانية يستطيعون إيصال عون إلى قصر بعبدا من دون الحاجة إلى تيار المستقبل الذي لم يضع فيتو على وصول عون، وكذلك الأمر، يستطيع تيار المستقبل إيصال فرنجية إلى قصر بعبدا، لذلك لا مبرر لعدم انعقاد الجلسة، و”غنج” حزب الله وأنانية عون يجب أن تكون لهما نهاية. وما لم تنتج جلسة 23 مارس رئيسا يطرح المرشّح الثالث. ولا يضحكني في هذا السياق إلا مطالبة الحزب الالهي بضمانات، معه السلاح ويطالب الآخرين بضمانات تماما كإسرائيل التي تمتلك قنبلة نووية وتطلب من الفلسطينيين العزّل ضمانات! حكومة تمّام سلام تحمل على عاتقها كل كوارث لبنان، من أزمة النفايات إلى تحكم الحزب الإلهي بالدولة، ولا يستفيد أحد من استمرارها إلا حزب الله بتمرير أجنداته، لا بد من تلويح العصا بداية بالاعتكاف ثم بالاستقالة لسحب شرعية وجود حزب الله في الدولة التي يعطّلها. نحن مقبلون هذه الأيام على ذكرى ثورة الأرز في 14 آذار، وقوة هذه الثورة تكمن في شارعها، الشارع رافعة تفاوضية أصيلة وممتازة، وبعودة 14 آذار إلى ساحة الشهداء ستخرج القوى الاستقلالية من شعور الاستضعاف إلى الثقة بالنفس، يجب أن يسمع الحزب الإلهي الشعب اللبناني هاتفا ضد السّلاح غير الشرعي، ويجب أن يعتصم اللبنانيون من أجل إنهاء الفراغ وتحرير الدولة من إيران. مرة أخرى، هناك فرق بين الحرص وبين الاستسلام، وهناك فرق بين الضغط والمواجهة وبين إشعال الفتنة، والركون إلى الاستسلام – في هذه اللحظة الذهبية النادرة – بمثابة مشاركة الحزب الإلهي في القضاء على لبنان والدولة، فليجرّب تيار المستقبل التحرك الجدّي، فأن يقولوا “حاولوا وفشل” خير من أن يتساءلوا “أين تيار المستقبل”، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

تيارات تيار المستقبل وأزمة الحكومة الإرهابية
شادي علاء الدين/العرب/06 آذار/16
المشكلة بنظر الرأي العام العربي والخليجي أن المستقبل لا يريد الخروج من الأسر، ويطلب من الجميع تفهم خصوصيته، واعتبار الكلام الذي يصدر عنه شبيها بما يقوله الأسرى من مديح في حق الآسرين.
قوة 14 آذار في شارعها
مثّل تيار المستقبل حالة نمت وترعرعت في انطلاقتها الأولى في أجواء نهاية الحرب، وقيام ورشة إعادة الإعمار التي ترافقت مع صعود نجم الرئيس الشهيد رفيق الحريري. بعد اغتيال الرئيس الحريري، عرف تيار المستقبل انطلاقة ثانية، تمثلت في تشكيله عصب قوى الرابع عشر من آذار التي نجحت، وللمرة الأولى في تاريخ لبنان في تحقيق تغيير سياسي ضخم، من قبيل طرد الوصاية السورية الأمنية والعسكرية من لبنان تحت وطأة زخم شعبي عارم غير مسبوق. بعد ذلك شهد التيار حالة من التراجع والانكفاء إثر تراكم سلسلة من الظروف والأخطاء على المستوى الداخلي، وعلى مستوى العلاقة مع دول الخليج التي وصلت إلى تأزم غير مسبوق، ينذر بقطع الصلات المالية السياسية والتحالفية. الأسباب التي أدت إلى وصول التيار السياسي الأبرز في لبنان إلى هذه الحالة كثيرة ومتعدّدة، لعل أبرزها يتعلق بفقدان الصلة مع الزخم الشعبي، وعدم تطوير إرث رفيق الحريري، والإصرار على التعايش المستحيل مع حزب الله، والحرص على تجنّب المواجهة معه بأيّ ثمن، والصراع المكشوف على رئاسة الحكومة بين عدة شخصيات مستقبلية، أو تنطوي تحت جناح تيار المستقبل. يضاف إلى ذلك قصور الرؤية، وسوء معالجة الأزمات مع دول الخليج عامة والسعودية خاصة، بسبب سيطرة نزوع عام عند التيار الأزرق يصر على الفصل بين الداخل والخارج، ويقرأ الواقع السعودي والخليجي الذاهب إلى مواجهة مفتوحة وجدية مع إيران وحزب الله على غير ما هو عليه، ويفترض أن لبنان سيبقى بمنأى عن تداعيات هذا الصراع داخليا، وأن المواجهة مع حزب الله تقتصر على الساحات الساخنة حربيا في حين يبقى التبريد سمة الموقف في الداخل اللبناني.
رؤساء حكومات تيار المستقبل
تتصارع في تيار المستقبل حاليا ثلاث حالات هي الحالة المشنوقية، والحالة الريفية، والحالة التي يمثّلها سعد الحريري. وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يطرب لوصفه بأنه من أبرز صقور المستقبل، يسعى للاستفادة من ظروف محلية وإقليمية لركوب موجة الترشح لرئاسة الحكومة كبديل مقبول من سعد الحريري.
يلعب من أجل تحقيق هذا الحلم لعبة مسايرة حزب الله، ورفع لواء التعبير الشرس عن الصّوت السني في آن واحد، وذلك من أجل محاوله تحقيق حد ما من الإجماع الداخلي والخارجي عليه. هذه التسوية المستحيلة أنتجت شخصية لا تحظى بقبول سنّي كبير في الداخل، ومضطرة تحت وطأة الضرورة لمسايرة حزب الله في المواقف التي تطلق في المحافل العربية. النتيجة النهائية لمثل هذه التركيبة كانت شخصية أطلق عليها الرأي العام السني تسمية نهاد صفا، نسبة إلى مسؤول الارتباط في حزب الله وفيق صفا الذي بلغت مسايرة المشنوق له حد مشاركته في الاجتماعات الأمنية في وزارة الداخلية.
صاحب التيار الثاني هو أشرف ريفي وزير العدل المستقيل احتجاجا على ممارسات حزب الله، وهو يصف نفسه بأنه حالة مستقلة عن تيار المستقبل، ولكنها متحالفة معه. تياره يقوم على فكرة ضرورة تشكيل زعامة سنّية تواجه حزب الله، وتستجيب لمعطيات ومفاعيل الحزم العربي، وتحاول توظيفه واستثماره في بناء ردة فعل على سلوكيات حزب الله، تقطع مع كل أساليب المهادنة والمسالمة السابقة والتي أسّست، كما يرى ريفي، لحالة من الخضوع لأوامر الحزب، وتحويل الحكومة إلى مطيّة له. كذلك فإن هذا التيار يقول إنّ حزب الله ليس على هذا القدر من المنعة والقوة، وإنّ منعته ناتجة عن ضعف ردود الأفعال عليه، وليس انطلاقا من حجم قوّته الذاتية وحسب، ويرى أن لبنان عامّة والسنّة خاصة ما لم يتخذوا مواقف سريعة وحاسمة من حزب الله، فإنهم سيفقدون حاضنتهم العربية والإسلامية، وسيدرجون في الخانة نفسها التي يدرج فيها حزب الله. هكذا يمكن توصيف طموح ريفي بأنه يميل لكي يكون أكثر من رئيس حكومة بل يريد أن يكون زعامة سنية، بل الزعامة السنية، وساعتها ربما يصبح الكرسي السنّي الأول في لبنان حقا شرعيا له دون منازع.
ثلاث حالات تتصارع في تيار المستقبل هي الحالة الريفية والحالة المشنوقية والحالة التي يمثلها سعد الحريري
يصر رئيس التيار الثالث سعد الحريري على اعتبار أن تياره لا يزال هو التيار الأصلي والأساسي. يتجاهل كل التيارات الأخرى التي باتت حركتها غير خافية عن أعين المراقبين، ويتعامل مع مطلقيها بوصفهم مجموعة من الموظفين الذين لا يستطيعون الخروج عن أوامره وتوجّهاته.
هذا التعامل برز بشكل واضح في كيفية تعامل سعد الحريري مع أشرف ريفي، حين خرج محتجا من جلسة حكومية على عدم إدراج بند إحالة ملف المجرم ميشال سماحة إلى المجلس العدلي دون التنسيق معه. ردة فعل الحريري التي شغلت وسائل التواصل الاجتماعي كانت عبر تغريدة غاضبة على موقع تويتر، اعتبر فيها أن أشرف ريفي لا يمثله. هذه التغريدة فتحت مشكلة مستقبلية – مستقبلية إذا صح التعبير، فقد توالت بعدها ردود الأفعال من قلب جمهور تيار المستقبل الذي لم يرق له هذا الموقف، فرد على تغريدة الحريري بتغريدات مستنكرة تقول عكس ما قاله، وتعلن أن أشرف ريفي يمثلها. وكان سبق للأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري أن أطلق مواقف غاضبة تستهدف ريفي، يعلن فيها أن لا صوت يعلو فوق صوت الرئيس سعد الحريري في تيار المستقبل. ربما يكون ما قاله أحمد الحريري صالحا في ما يخص التيار المستقبلي الذي يمثله سعد الحريري، ولكن قد تكون إشاحة النظر عن التيارات المستقبلية التي تنمو على ضفاف التيار الأصلي نوعا من الإنكار الذي لا يفيد، بل يعقّد عملية إعادة اللحمة إلى تيار المستقبل وتوحيده.
تجميد إرث الرئيس الشهيد
لا تقتصر الأزمة التي يعاني منها التيار الأزرق في واقع تكاثر التيارات المستقبلية وحسب، بل في علاقة التيار بإرث الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث يتم التعامل معه بوصفه رصيدا لا ينفد مهما تم الصرف ببذخ منه، وهذا لسوء الحظ غير صحيح. الرئيس سعد الحريري اعتاد في كل مفاصل حراكه السياسي على بث خطاب يقول بأنه يسير على درب الرئيس الشهيد، ولكن الهالة الرمزية التي كان يمثّلها رفيق الحريري لم تنتقل بالوراثة إلى سعد الحريري الذي بات مطالبا في كل لحظة بتحقيق إنجازات تماثل وتضاهي ما كان قد أنجزه الرئيس الشهيد، وهو ما لا يبدو أنه قادر على تحقيقه. كذلك لا تبدو المرحلة والظروف التي تحيا فيها المنطقة صالحة لتشكيل مناخ يسهل مهمة سعد الحريري، بعد أن باتت الشعارات التي نسخها عن والده محتاجة إلى توظيف ذكيّ وفعّال يدرجها في سياق يتناسب مع التغيرات الكبرى التي تلت مرحلة الاغتيال، وهي تغيّرات لا شك في أنّ إثرها طاول المعاني التي تمثل تركة الشهيد، بحيث باتت تحتاج إلى إعادة تفسير، لأن ممارستها الحرفية لم تعد ممكنة. إصرار سعد الحريري على قيادة تيار المستقبل في اتجاه الوفاء الأرثوذوكسي لتعاليم الرئيس الشهيد، صبّ في نهاية الأمر في مصلحة حزب الله، الذي عبّر في أكثر من محطة عن ارتياحه، لاعتدال تيار المستقبل، وحرصه على صيانة السلم الأهلي، وسدّ الفراغ في سدة الرئاسة. معنى الاعتدال تمثّلَ واقعيا في السماح لحزب الله باختراق الساحة السنية، وتأسيس تيار مسلح يدين له بالولاء في قلب البيئة السنية، هو تيار “سرايا المقاومة” الذي يشمله القرار الخليجي القاضي بتصنيف حزب الله ومن يدور في فلكه بالإرهاب. كذلك تمثّلَ معنى الحرص على صيانة السلم الأهلي، بالقبول بأيّ سلوك من حزب الله على كافة المستويات الأمنية، والسياسية، والاقتصادية، ما دام يضمن عدم الانزلاق إلى مواجهة تتسبّب بحرب أهلية، فكانت النتيجة أن أحكم حزب الله سيطرته على كل مرافق البلاد وعلى خطابها السياسي الاقتصادي. بات البلد مع هذا المنطق يعيش عمليا ما هو أسوأ بكثير من حالة الحرب الأهلية، التي لم تصل في أكثر فصولها سوادا إلى القدرة على خلق مشهد تغرق فيه العاصمة بيروت بالنفايات، وتتسابق وسائل الإعلام على عرض قائمة السرطانات والأوبئة التي يبشرنا بها السلم الأهلي المنيع والذي لم يخدش. لبنان يعيش عمليا ما هو أسوأ بكثير من حالة الحرب الأهلية، التي لم تصل في أكثر فصولها سوادا إلى القدرة على خلق مشهد تغرق فيه العاصمة بيروت بالنفايات، وتتسابق وسائل الإعلام على عرض قائمة السرطانات والأوبئة التي يبشرنا بها السلم الأهلي المنيع
قطع الصلة مع الزخم الجماهيري
يعاني فريق 14 آذار عامة، وفريق المستقبل خاصة، من مشكلة كبيرة تتعلق بالصلة المقطوعة مع زخم اللحظة التي انطلق منها هذا التيار كتحالف واسع، برز مع صعود زخم شعبي عارم، وغير مسبوق إثر اغتيال رفيق الحريري. هذا الزخم التّأسيسي كان قد أثبت جدواه، وفعاليّته، وقدرته على إعادة إنتاج المواقف الإقليمية، والدولية، وصبّها في اتجاه دفع الوصاية السورية الأمنية والسياسية للخروج مرغمة في لبنان. الأزمة التي يعاني منها هذا الفريق ككلّ، وتيار المستقبل بشكل خاص لكونه يمثل عصب هذا التحالف وروحه، تكمن في فقدان الصلة بالزّخم الشعبي المستاء من توالي التنازلات تحت عنوان تجنّب المواجهة. هكذا تحوّلت الحالة المستقبلية من حالة نمت وترعرعت في أحضان الحماس الجماهيري إلى حالة مكتبية بيروقراطية، يديرها ويتحكّم فيها مجموعة من الموظفين الإداريين الذين لا يعرفون، ولا يجيدون التعامل مع سلسلة الوقائع المتسارعة. لعلّ أبرز ما يدلّ على فقدان الصلة مع الزخم الشعبي، هو فكرة ترشيح الحريري لواحد من أقطاب فريق الثامن من آذار لرئاسة الجمهورية، تحت عنوان الضرورات التي تبيح المحظورات. اختيار سعد الحريري دعم سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، فجّر الكثير من الجسور بينه وبين الجمهور المستقبلي، وخصوصا لأنّ هذا الجمهور يعتبر فرنجية مشاركا في التغطية على قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كونه كان وزيرا للداخلية حين وقع الاغتيال، وقد أصدر حينها قرارا يقضي بإزالة الحطام من مكان الانفجار، بهدف تضييع الأدلة. يقول سعد الحريري في تبرير هذا الاختيار لجمهوره إن رفيق الحريري لو خيّر بين الفراغ، واختيار أيّ شخصية لملء هذا الفراغ لكان فعل ذلك، وقبل بترشيح شخص من تيّار خصم، لأن الأولوية هي لمنع الشغور نظرا لما يتسبّب به من تفكيك للمؤسسات. هذا المنطق لا يبدو مقنعا للجمهور الذي يرى أن حليف المستقبل المسيحي الرئيسي سمير جعجع رشح ميشال عون فباتت الرئاسة حكرا على شخصية من 8 آذار، في حين أن حزب الله يجد نفسه مرتاحا كما تعبّر أدبياته إلى جرّ الخصوم إلى خياراته.
لا يجد الحزب نفسه متلهّفا لقطف انتصاراته، والمبادرة إلى انتخاب أيّ من هاتين الشخصيتين، ليس لأنّ الفراغ هو هدفه وحسب، ولكن لأنه يعتبر أن ترشيح الحريري لفرنجية، غير المقبول في الوسط الجماهيري المستقبلي، إنّما يأكل من رصيد التيار الشعبي، بينما يبيع الحزب لجمهوره هذين الترشيحين بوصفهما ثمنا لتضحياته في سوريا، التي أتاحت له السيطرة على الموقع الأول في البلاد. تم الترويج لهذا الترشيح بوصفه مدخلا لتسوية شاملة تعيد الحريري إلى رئاسة الحكومة، وعبر فكرة مفادها أن حزب الله يخسر بمجرد انتظام الأمور، ولكن الحزب أظهر قدرة على استيعاب وتوظيف ترشيح الحريري لفرنجية لصالحه، في حين أن الحريري لا زال يدفع تبعات هذا الترشيح من تكريس فقدان الصلة بالزخم الشعبي.
سوء إدارة أزمة العلاقات
بعد موقف وزير الخارجية جبران باسيل الرافض لتجريم التهجّم على السفارة السعودية، يأتي موقف الوزير نهاد المشنوق برفض تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، بعد أن صنّفته دول الخليج كذلك. اللافت أن تيار المستقبل يتحمّل المسؤولية عن هذين الموقفين والتبعات السياسية والاقتصادية الناتجة عنهما. مرّة لأن الحكومة التي يرأسها تمّام سلام محسوبة عليه، وتاليا فإن مواقف أيّ وزير خصوصا في الشأن الخارجي تحسب على الحكومة ككلّ، وبشكل خاص على التيّار الذي ينتمي إليه الرئيس، ويتحمّل كذلك المسؤولية المباشرة عن مواقف المشنوق لأنه ينتمي إلى تيار المستقبل، لا بل يعدّ نفسه واحدا من الصقور فيه. هكذا تكون كل المواقف الرسمية المناهضة للتوجّهات السعودية والخليجية قد صدرت عمليا عن تيار المستقبل، الذي يعلن مرارا وتكرارا ليس عجزه عن المواجهة، ولكن عدم الرغبة فيها. يستمر في الحوار مع حزب الله، ويصرّ على إبقاء الحكومة التي باتت في التصنيف الرسمي السعودي والعربي حكومة إرهابية، بحكم اشتمالها على تنظيم إرهابي. هكذا بات تيار المستقبل أسير تصور يرى فيه شريكا للإرهاب في لحظة لم يعد فيها الصراع مع إيران وحزب الله، يتخذ شكل خلاف سياسي وخطابي، بل بات معركة مفتوحة بكلّ الأساليب وفي كل الميادين. الامتناع عن اتخاذ مواقف عملية ومباشرة صار يصنف في خانة الانحياز للعدو، وهو معطى يرفض المستقبل الاعتراف به. ما كشفته المعلومات ووجهات النظر التي تنشر في أكثر من مكان، يقول إن السعودية لا تطلب من تيار المستقبل المستحيل، بل تفترض أنه يمكن على الأقل تصميم حالة شعبية فاعلة عبر مظاهرات شعبية حاشدة، يمكن من خلالها إقناع الرأي العام السعودي والخليجي الغاضب بأنّ لبنان لا يدور كله في فلك حزب الله. المخاوف الأمنية، وضعف الصّلة مع الزخم الشعبي، جعلت التيار الأزرق غير راغب، وغير قادر على صناعة مثل هذا المشهد الشعبي. تاليا لا يبدو قادرا على الأقلّ في هذه اللحظة على تغيير النظرة العربية والخليجية، التي تعتبره في أقصى درجات التسامح الممكنة أسيرا سعيدا لدى حزب الله. المشكلة بنظر الرأي العام العربي والخليجي أن المستقبل لا يريد الخروج من الأسر، ويطلب من الجميع تفهم خصوصيته، واعتبار الكلام الذي يصدر عنه شبيها بما يقوله الأسرى من مديح في حق الآسرين في التسجيلات التلفزيونية التي تجريها معهم الجهات الآسرة. ربما يكون المستقبل محقّا في هذه النقطة، ولكن ما لا يفهمه أنه لا يحق للأسير التمتع بميزات المقاتلين.

إدارة الصراع ضد ثعابين الإرهاب الإقليمي
داود البصري/السياسة/06 آذار/16
لاشك أن منطقة الخليج العربي، والشرق الأوسط، قد دخلت في منعطف تاريخي حاد مع حالة المواجهة الإقليمية الشاملة التي دشنتها «عاصفة الحزم» السعودية ضد قوى الظلام والتآمر والتخريب والفتنة الطائفية الرثة التي يريد النظام الإيراني الإرهابي وحلفاؤه من عتاة الإرهاب الدولي فرضها على المنطقة لتحقيق الأهداف القديمة في خلق مجالات التوسع والهيمنة الحيوية، والسعي المجرم لإسقاط الأنظمة وإدارة الفوضى وتحقيق الأحلام المريضة. فمع الخطوة التاريخية والمتقدمة لـ «مجلس التعاون» الخليجي في تحديد مكامن الخطر والخلل، وتصنيف «حزب الله» اللبناني والمنظمات والجماعات المنبثقة عنه كجماعات إرهابية، تدخل عملية إدارة الصراع في الشرق مرحلة جديدة ومختلفة ،لحمتها وسداها العمل الحثيث لتجفيف منابع ومصادر ذلك الإرهاب الذي تحول لحالة مرضية ساهمت في تعطيل وشلل عدد من الدول العربية وإدخالها ضمن دائرة الدول الفاشلة ، فـ «حزب الله» اللبناني، مثلا، الذي سوق نفسه من خلال شعارات المقاومة والممانعة والصمود والتصدي إتضح لاحقا ان منهجيته وأجندته لاعلاقة لها أبدا بالمصالح الوطنية ، بل أنها ترتبط بقيادة مركزية أممية تخطط لمصالحها الخاصة ولأجنداتها الوطنية أيضا ، وهذه الحالة تشبه إلى حد بعيد أيام الحرب الباردة في خمسينات القرن الماضي وماتلاها حين كانت موسكو قبلة للفكر الشيوعي والماركسي، وكان الإتحاد السوفياتي الراحل القبلة الآيديولوجية لمجاميع الأحزاب الشيوعية التي كانت مندرجة ضمن إطار ماعرف في حينه بـ «الأممية الثالثة» وحيث كانت موسكو المحور الذي تدور حوله مناهج وسياسات، وولاء الأحزاب الشيوعية في العالم الثالث، حتى قيل على سبيل التندر إذا أمطرت في موسكو رفع الشيوعيون العرب مظلاتهم!! وحالة «حزب الله» أو «أحزاب الله» في المنطقة متشابهة بعد أن تمكن الإيرانيون من خلال ذلك الحزب بالتباهي، والقول انهم تمكنوا من الهيمنة على أربع عواصم عربية، ومن أنهم جعلوا الجندي الإيراني يتمشى بحرية بين كابول في وسط آسيا وبيروت على البحر المتوسط مرورا بعاصمتي الخلافة بغداد ودمشق!! »حزب الله» هو جزء من المشروع الإمبراطوري الهمايوني الإيراني بنسخته المنقحة الجديدة. وبهذه الصيغة، وذلك التوصيف عمل جاهدا من أجل تسويق الرؤى الإيرانية والتآمر على دول المنطقة ، وفتح معسكرات التدريب للعناصر الشبابية المؤمنة بذلك المشروع متخذين من فوضى الأوضاع العراقية ميدانا عمليا للحشد والتعبئة ، وجاءت الحرب السورية لتضفي على المشهد أبعاد درامية دموية زاعقة من خلال مشاركة «حزب الله» الفاعلة في قيادة الجموع الطائفية الرثة القادمة من العراق وباكستان وأفغانستان في إدارة حرب دموية رهيبة ضد الشعب السوري قدم فيها الحزب خسائر بشرية عالية جدا ومكلفة من قيادات ميدانية شهيرة، وبما جعله في مواجهة حقيقية مع الشعب السوري الثائر ورسم أخاديد الدم والكراهية في العلاقة بين الشعبين الشقيقين ،وهو يدافع عن نظام إرهابي إجرامي بصليل شعارات طائفية رثة ليست من ضمن حسابات الثورة السورية الشعبية الباحثة عن سورية حرة وديمقراطية وحضارية ودستورية. لقد توضح دور «حزب الله» التخريبي كبندقية إيرانية للإستخدام والإيجار للأسف وتهاوت أسطورة المقاومة أمام إصرار قيادة الحزب على توريط الشباب اللبناني في المحرقة السورية، والمضي بعيدا في ممالأة الأطماع الإيرانية وتصعيد الروح الطائفية، لقد صبرت دول «مجلس التعاون» طويلا على القذى وكان لابد لقوس الصبر من منزع، وكان لابد من تحرك ميداني يضع الأمور في نصابها ضمن إطار الدفاع المشروع عن الأمن الوطني والقومي الذي أصيب في مقتل بعد تمدد النشاط التخريبي للحزب إلى جنوب الجزيرة العربية وإعتراف حسن نصر الله المخزي أمام الملأ أن حربه ضد السعودية هي أقدس من الحرب ضد إسرائيل! لقد بانت الحقائق العارية وتبين الخيط الأبيض من الأسود من الغدر، من دون شك إن معركة تجفيف المنابع الإرهابية ليست سهلة أبدا، لكن ليس من المستحيل كسبها ، لكونها ذات تفرعات وأطر ومجالات متعددة ومتشابكة أخرى ، لقد بدأت الخطوة المركزية الأولى في طريق هزيمة الإرهاب الفاشي الأسود ، وما زال الملف مفتوحاً على إحتمالات وتطورات عديدة مقبلة وشائكة ومتداخلة ، لا للإرهاب بكل صيغه وأشكاله ، نعم للأمن والسلام والبناء.