أمير طاهري: نتائج طهران لا تغير مسار السياسة الإيرانية والمتشددون يحافظون على غالبيتهم في البرلمان/انخفاض الإقبال على الانتخابات مقارنة مع الدورة السابقة

210

نتائج طهران لا تغير مسار السياسة الإيرانية والمتشددون يحافظون على غالبيتهم في البرلمان/انخفاض الإقبال على الانتخابات بـ4 % مقارنة مع الدورة السابقة
لندن: أمير طاهري/الشرق الأوسط/01 آذار/16

مع الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات الإيرانية التي جرت الجمعة، أصبح من الممكن الآن تفحص آخر الآراء التي أعلن عنها مسؤولون من داخل المؤسسة الخمينية الحاكمة.

وأعرب بعض المحللين عن رفضهم للانتخابات التي شهدتها إيران باعتبارها مجرد تمثيلية مصطنعة، لأن جميع المرشحين جرت الموافقة عليهم سلفًا من جانب مجلس صيانة الدستور، بينما تولت وزارة الداخلية، بدلاً من لجنة مستقلة تعنى بالانتخابات، مسؤولية الإشراف على العملية الانتخابية برمتها. ومع ذلك، تبقى الانتخابات الإيرانية مثيرة للاهتمام، إذ أنها تقدم لمحة عن توازن القوى داخل النظام الإيراني.

ولعلّ أبرز النقاط المثيرة للاهتمام فيما يتعلق بهذه الانتخابات هو مستوى إقبال الناخبين، الذي يعد مؤشرًا على اهتمام المواطنين بهذه العملية السياسية. إلا أن أعداد الناخبين المشاركين دائمًا ما يصعب تحديدها بدقة لعدم توافر سبيل للتحقق من صحة البيانات الرسمية.

من جانبها، أعلنت وزارة الداخلية قبل شهر من بدء الانتخابات أن 56 مليون مواطن مؤهلون للإدلاء بأصواتهم. إلا أنه قبل انطلاق الانتخابات بأسبوع، تراجع العدد إلى ما دون 55 مليون ناخب محتمل. وبعد يوم من بدء الانتخابات، أعلنت وزارة الداخلية أن ثلاثة ملايين آخرين لم يتمكنوا من التصويت لعدم وجود بطاقات هوية وطنية بحوزتهم. وعليه، فإن عدد المؤهلين للإدلاء بأصواتهم يبلغ نظريا 52 مليون شخص على الأقل.

وبحسب الأرقام الرسمية، فقد أدلى 33 مليون مواطن بأصواتهم، بينهم 32 مليون صوت محتسب، ما يعني أن هناك مليون صوت باطل أو أن صاحب الصوت ترك بطاقة الانتخاب خالية. من جانبه، قدر وزير الداخلية رحماني فضلي نسبة من أدلوا بأصواتهم بما يزيد قليلاً على 60 في المائة، مقارنة بتقديرات أخرى تشير إلى 58 في المائة. إلا أنه حتى إذا قبلنا بالرقم الذي ذكره، فإن هذا يعني انخفاض أعداد المشاركين بنسبة 4 في المائة عن الانتخابات العامة الأخيرة التي أجريت منذ أربع سنوات. ويعني ذلك أن الضجة التي أثارها الاتفاق النووي مع مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى جانب الولايات المتحدة، لم تخلق «طوفان المشاركة» الذي تمناه الرئيس حسن روحاني.

ومن بين الانتخابات التسعة التي أجريت في ظل نظام الجمهورية الإسلامية، شاركت في انتخابات الجمعة ثاني أقل نسبة ناخبين بعد الأولى التي شهدت مشاركة بنسبة 51 في المائة فقط.

ومع ذلك، يبقى هناك استثناء جلي يكمن في طهران التي ارتفعت نسبة المشاركة بها بمعدل هائل بلغ 20 في المائة، ما ساعد القائمة المدعومة من الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني على الفوز بجميع المقاعد الـ30 المخصص للعاصمة (وينتمي روحاني للفئة ذاتها). كما أحرز تيار رفسنجاني انتصارًا كبيرًا بفوزه بغالبية المقاعد الـ16 الخاصة بطهران داخل مجلس الخبراء، وهو المجلس الذي يضم الملالي الذين بمقدورهم اختيار أو رفض «المرشد الأعلى».

أما الجانب اللافت الآخر لهذه الانتخابات، هو أن معسكر رافسنجاني – روحاني نجح في إزاحة اثنين من أبرز آيات الله من المعسكر الراديكالي المتشدد، وهما محمد يزدي، ومحمد تقي مصباح يزدي من مجلس الخبراء. جدير بالذكر أن آية الله محمد يزدي كان رئيسًا للمجلس.

إلا أنه فيما وراء هذه النجاحات الكبرى، لم تكن الصورة مشجعة بالنسبة لمعسكر رافسنجاني – روحاني، ناهيك عن الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي أمل في حدوث تغيير في المسار العام داخل طهران. ذلك حيث ستبقى هناك أغلبية كبيرة للعناصر المتشددة داخل مجلس الخبراء القادم، تبلغ 58 في المائة مقارنة بـ17 في المائة لتيار رفسنجاني، إلى جانب 88 مقعدًا لمستقلين.

وفي البرلمان ذي الغرفة الواحدة، فاز المتشددون الموالون للمرشد الأعلى على خامنئي بأغلبية ضعيفة بعد أن حصلوا على 150 مقعدا من إجمالي 290 مقعد. وحصدت كتلة رفسنجاني الرئيسية المعروفة بالإصلاحيين 67 مقعدا، في حين حصلت القائمة الأصغر المقربة من روحاني نفسه على 13 مقعدا، وحصل المستقلون على 21 مقعدا، وسوف يتحدد مصير باقي المقاعد في جولة التصويت الثانية المقررة بعد شهر تقريبا.

وأحدثت انتخابات الجمعة الماضي تغييرات كبيرة في التشكيلة السياسية؛ أولا زاد عدد النساء الأعضاء في مجلس الشورى أكثر من الضعف بفضل طهران، حيث جرى انتخاب سبع سيدات. كما جرى استبعاد 54 عضوا من ضمن الأعضاء الحاليين، في حين بلغ عدد غير المتأهلين أو المنسحبين 30 مرشحا.

إلى ذلك، ترتبت نتائج الانتخابات عن استمرار هيمنة الحرس الثوري الإيراني، حيث بلغ عدد الأعضاء من المنتسبين القدامى للحرس 30 في المائة من الأعضاء في المجلس الشورى السابق، وبالمقارنة بالمجلس الجديد، سوف يرتفع العدد إلى 38 في المائة. وعلى النقيض، سوف يتراجع عدد الملالي الذين احتلوا 18 في المائة من مقاعد المجلس السابق إلى 12 في المائة فقط في المجلس الجديد. وبخصوص وضع الجيش، تعزز وضع العسكريين في النظام التشريعي بحصول ضباط الجيش والاستخبارات السابقين على 12 مقعدا على الأقل في المجلس الجديد.

غير أن الحصة الأكبر التي بلغت 40 في المائة من المقاعد، ذهبت إلى التكنوقراطيين وموظفي الحكومة. إجمالا، ومقارنة بالتسعة مجالس السابقة، يتصف المجلس الجديد بقاعدة اجتماعية أضيق؛ إذ تراجعت نسب تمثيل التجار، ورجال القبائل والعشائر، والمتخصصين مثل الفيزيائيين والمهندسين في المجلس.

وتشكو فصائل رفسنجاني – روحاني في المجلس، الممثلة في ثلاث قوائم بالمجلس، من أن قنوات التلفزيون يسيطر عليها المتشددون، غير أن ما يعوض ذلك هو وجود القناة التلفزيونية التي تبث باللغة الفارسية على محطة «بي بي سي»، وكذلك محطة «صوت أميركا» التي يناسب طرحها «المعتدلين». وسيطر المتشددون، أو ما يعرف بالأصوليين، على أغلب وكالات الأنباء وعلى عدد من الصحف، لكن كان عزاء المعتدلين هو سيطرتهم على وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إيرنا»، وعدد من الصحف التي يمولها رفسنجاني وشركاؤه من رجال الأعمال.

ولم تقدم أي من القوائم المنافسة برنامجا سياسيا، ولذلك حدد الناخبون خياراتهم بناء على ملاحظاتهم وما يعرفونه عن الناخبين. فمثلا، أراد كل من انتخب قائمة رفسنجاني – روحاني إظهار رفضهم للسياسات المتشددة التي روج لها خامنئي. كما شكّلت شخصية المرشحين عاملا مهما، خاصة في الدوائر الانتخابية الصغيرة والمحيطة بالأقليات الدينية والعرقية. ورغم أنها لم تغير ميزان القوى بدرجة كبيرة، فقد دعمت انتخابات الجمعة الماضي من موقف المروجين لـ«الخيار الصيني»، الذي يركز على النمو الاقتصادي الذي يسير بشكل متواز مع تحسن العلاقات مع العالم الخارجي وقمع أي معارضة داخل البلاد. في حين، تراجع المؤيدون للخيار «الكوري الشمالي» في طهران وفي غيرها من المدن الكبرى، وهو النموذج الذي يعتمد النظام الاقتصادي المنغلق، والقمع الداخلي، والخوض في مغامرات خارجية. ويفضل تيار رفسنجاني – روحاني تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في حين شرع للتو التيار الذي يقوده خامنئي تبني استراتيجية «الانفتاح على الشرق» بمراهنتها على بناء محور مع روسيا. وعلى كل حال، من المرجح أن يشتعل الصراع على السلطة في طهران مع تزايد القلق بشأن خلافة خامنئي.

..