مشاري الذايدي: السعودية وحزب الله.. الحساب/سمير عطا الله: المصالح والفذلكات/رضوان السيد: القرار السعودي وتداعياته بلبنان والمنطقة

228

السعودية وحزب الله.. الحساب
مشاري الذايدي/الشرق الأوسط/26 شباط/16
قبل يومين بثَّ تلفزيون «العربية»، وتلفزيون «الإخبارية» شريطًا يُظهر قياديًا من ميليشيات حزب الله اللبناني عُرف، كعادة الإرهابيين، بكنيته أبو صالح اللبناني، في خيمة يشرح لعناصر حوثية فنون الإرهاب والخراب. يعلّمهم كيف يقصفون المدن السعودية بالقذائف العمياء، وتنفيذ تفجيرات انتحارية بالرياض، سمّاها الإرهابي اللبناني «استشهادية»، ويعتقد أن تاريخها بعد الشهر الثالث لـ«عاصفة الحزم». الشريط غيض من فيض. حول شخصية مدرب حزب الله الإرهابي هذا حدثني الصحافي اليمني فهد طالب الشرفي، وهو من أبناء مدينة صعدة، أنه يتذكر جيدًا مجلسًا حضره لدى محافظ صعدة السابق، وتاجر السلاح الشهير، فارس مناع، وتم تقديم اللبناني بوصفه تاجر سلاح من لبنان، حيث «سوق الطلح» أشهر تجمع لتجارة السلاح في اليمن، وكان مناع يقيم وليمة غداء فاخرة لضيفه اللبناني التاجر. يقول الشرفي عن «أبو صالح»: «كان يتحدث عن صعدة بشكل عاطفي، وإنه جال مدن اليمن، لكنه يشعر أن صعدة لها لديه خصوصية، وأنها فعلاً تعطيك الانطباع بأنها كانت دولة مستقلة، وخصوصية الزيدية الهادوية بها». كان هذا الكلام، كما يتذكر الشرفي، أثناء حرب الحوثيين الرابعة 2006؛ فبعد حرب حزب الله اللبناني في يوليو (تموز) 2006 استهدف الحزب الأصفر الساحة اليمنية، بتكليف طبعًا من الحرس الثوري والولي الفقيه. حسن نصر الله مبدع في النفي، وتعابير البراءة المحترفة في الوجه، وهو ظل ينفي بيقين جارف وساخر أي وجود لحزبه في اليمن. السعودية لديها «قرائن منذ مدة طويلة على قيام مرتزقة حزب الله بتدريب الحوثيين»، كما قال العميد أحمد عسيري. وهناك قتلى لحزب الله في اليمن، كما أكد ذلك الأمر نفسه أشرف ريفي وزير العدل اللبناني المستقيل، والحكومة اليمنية التي رفعت الأمر للأمم المتحدة. من يَقُلْ إن موقف السعودية الأخير من «دولة» لبنان هو بسبب موقف جبران باسيل، يُسطِّح الأمر.حزب الله منغمس في حرب «حقيقية» أهون أشكالها شتائم حسن نصر الله، وهذا الحزب هو المهيمن على الحكومة والبلد في لبنان، فما الحل؟
القصة في بدايتها، والتقدير أن ثمة «ملف قضية» ربما له بعد قانوني دولي ضد هذا الحزب الشرير. من المضحك تفسير حزب الله للموقف السعودي على النحو التالي: عبر وزيره في الحكومة حسين الحاج حسن: «لا أعرف المعادلة المطروحة، إما الاعتذار عن خطأ لم يحصل، وإما العقاب الجماعي للحلفاء في لبنان قبل الخصوم، ما هذه المعادلة العظيمة؟ أتمنى أن يجاوبني أحد». الجواب، هو أن الجواب بدأ الآن. في سطره الأول.

المصالح والفذلكات
سمير عطا الله /الشرق الأوسط/26 شباط/16
كان فؤاد بطرس وزير خارجية لبنان معظم مرحلة الحرب الأهلية. كان في لبنان مائة دولة، ومائة جيش، وألوف القتلى، وحكومتان، وقيادتا جيش، لكن فؤاد بطرس، العاقل، النزيه، ذا الكرامة الشخصية الفائقة، المترفّع، الجدّي، المستقل، جنَّب لبنان أي ورطة أو مأزق خارجي. يروي زميل كان يغطي أخبار وزارة الخارجية كل يوم، أن فؤاد بطرس ألغى مرة، على نحو مفاجئ، مؤتمره الصحافي معتذرًا بأن الحكومة دُعيت إلى اجتماع طارئ في القصر الجمهوري. وسُئل ما الداعي إلى اجتماع طارئ؟ فقال إن الليرة خسرت أمام الدولار أربعة قروش. وضحك أحد الصحافيين من الرقم، فقال له بطرس: يا ابني، هذه أربعة قروش من جيب كل لبناني! قال جبران باسيل مبررًا موقفه ضد السعودية في القمة العربية والمؤتمر الإسلامي، إن الوحدة الوطنية أهم من الإجماع العربي. لا حدود للعبقريات عندما تشغل محركاتها. يعني الإجماع العربي والإسلامي عدو ماكر للوحدة الوطنية في لبنان. السيد الوزير، لماذا تبرير ما لا يُبرر؟ ولماذا تضيّع وقتك ووقت الناس بالمؤتمرات الصحافية؟ من عادتك ألا تلتفت إلى نقد أو ملاحظة أو مطلب. أكمل. فالذين كانوا على خطأ ليسوا الذين انتقدوا السياسة المدمرة لمصالح لبنان وأرزاق 500 ألف لبناني، وإنما الذين توقعوا من سيادتك سلوكًا آخر. هؤلاء يجب تذكيرهم مجددًا بأفضالك على لبنان وإنقاذاتك له. هناك عادة سيئة وعفوية عند اللبنانيين أنهم في كل ورطة كارثية يتذكرون كبارهم: فؤاد بطرس، وفيليب تقلا، ورشيد كرامي، وحسين العويني وجان عبيد. هؤلاء أبحروا بلبنان في المؤتمرات المعقّدة والمسالك الوعرة كحراس للإجماع العربي والوحدة الوطنية. كانوا في حزب لبنان وحزب عروبته. هؤلاء لم يصنعوا للبنان سوى الصداقات وتمتين الصلات وحماية مصالح وشؤون المغتربين الذين يملأون الأرض. رفض فؤاد شهاب قطع العلاقات مع كوبا من أجل 300 مغترب. لدى لبنان 300 ألف مقيم في السعودية وحدها، تحمي تحويلاتهم الاقتصاد والمجتمع من السقوط. الكوارث لا ترد بالألفاظ، ومصلحة لبنان واللبنانيين لا تحميها الفذلكات السقيمة.

القرار السعودي وتداعياته بلبنان والمنطقة
رضوان السيد/الشرق الأوسط/26 شباط/16
ما جاء القرار السعودي بإيقاف المساعدات للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، مفاجئًا. لكنْ على الرغم من ذلك فقد كان صادمًا، وأربك حسابات داخلية لبنانية كثيرة. فقد انفرد وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بالنأي بالنفس عن قرار الجامعة العربية بالإجماع على الاستنكار وإدانة إحراق السفارة السعودية بطهران، وقنصليتها بمشهد. ورغم ما أثاره هذا الموقف الشاذ من سخطٍ في الأوساط السياسية اللبنانية والإعلام السعودي والعربي؛ فإنّ جبران باسيل طلب من السفير اللبناني لدى السعودية اتخاذ الموقف نفسه في اجتماع مجلس منظمة التعاون الإسلامي! بران باسيل بدا «ملكيًا أكثر من الملك» كما يقول المَثَل السائر، لأنه ما حسب حسابًا إلا لمصلحة تياره السياسي مع حزب الله وإيران، إذ أراد منهم تأكيد الاستمرار في دعم ترشيح الجنرال عون لرئاسة الجمهورية. وقد تلقّى من نصر الله مكافأة مباشرة؛ إذ خرج الأمين العام للحزب على الإعلام ليقول إنّ عونًا هو مرشحه الأوحد، ولن يسمح بالذهاب إلى مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية إلا إذا صار متأكدًا أنّ الأكثرية هي في جانب عون! أما الآخرون، كل الآخرين في لبنان تقريبًا؛ فإنهم خشوا كثيرًا وما يزالون من تداعيات القرار بالداخل ومن الناحيتين الأمنية والاقتصادية. من الناحية الأمنية والعسكرية لأنّ الجيش هو بالفعل بحاجة إلى السلاح والذخيرة، والتي كانت الهبة السعودية تؤمّنُها بمقتضى اتفاقٍ مع فرنسا. أما من الناحية الاقتصادية؛ فلأنّ الوضع الاقتصادي شديد التردي، والعملة اللبنانية خسرت 25 في المائة من قيمتها في العام 2015. وهكذا فإنّ الخزينة اللبنانية لا تستطيع تأمين الاحتياجات العاجلة والمتوسطة للجيش، ثم لأنّ اللبنانيين العاملين في السعودية ودول الخليج (وهم بمئات الآلاف) يرسلون إلى لبنان سنويًا بين 6 و7 مليارات دولار، وقد تكون وظائفهم وتجاراتهم مهدَّدة إن استمرت السياسات المعادية للمملكة والتي يقودها حزب الله وحلفاؤه من سنواتٍ لصالح إيران والمحور الإيراني. وقد بلغ من سيطرة الحزب ومعسكره على الدوائر الاقتصادية والإدارية والسياسية بالداخل، أنّ الولايات المتحدة الأميركية اتخذت وتوشك أن تتخذ قراراتٍ ضد القطاع البنكي المخترق جزئيًا من الحزب وأعوانه بغسل الأموال، وبتجارة المخدرات الدولية.
لا يستطيع أحدٌ أن يهبك أو يُنعم عليك بدور. بل إنّ الدور يقتضي التصدي للمسؤولية والزعامة. والمملكة العربية السعودية تتصدى منذ مجيء الملك سلمان بن عبد العزيز إلى السلطة للدفاع والحماية لشعبها وللشعوب العربية والبلدان الأُخرى في مواجهة «داعش» التطرف، وولاية الفقيه الإيرانية العابرة للحدود. ولا شكّ أنّ موقف باسيل يزيد من استتباع لبنان للمحور الإيراني المعادي للسعودية والعرب في تقدمهم لصون أمنهم وحدودهم واستقرارهم. إذ ما بقي عاملاً ولا فاعلاً في المشرق العربي بالمعنى القومي غير دائرة القرار المتمثلة بمجلس التعاون الخليجي.
إنّ هذا هو معنى القول إنّ القرار السعودي السيادي لم يكن مفاجئًا. إذ سيطر المسمَّى بحزب الله – بحسب التعبير السعودي – على المؤسسات والقرار بالبلاد، والسياسة الخارجية للدولة.
وما اكتفى الحزب وحلفاؤه بذلك، بل إنّ الأمين العام للحزب ذكر مرارًا في خطاباتٍ مثيرة أنه رأس حربة في التصدي للمبادرة السعودية من أجل الأمن العربي والقرار العربي. ولذلك ما كان القرار السعودي والدعم الإماراتي والبحريني مفاجئًا لهذه الناحية. إذ إنّ حزب الله أعلن شنّ الحرب على العرب في كل مكانٍ وانطلاقًا من لبنان. وقد دأب أهل الخليج منذ عقود على غضّ النظر، والاتجاه دائمًا لإنقاذ لبنان وإعادة إعماره بعد كل حربٍ أو خراب. وكانوا يعتبرون ذلك أمرًا طبيعيًا باعتبار أنّ لبنان كان دائمًا ضحية لنزاعاته الداخلية أو لحروب إسرائيل عليه أو للسيطرة السورية وأخيرًا لسيطرة حزب الله. وحتى بعد السيطرة استمرت المملكة ومعها دول الخليج في دعم لبنان. لكنْ عندما يبادر الخليجيون للدفاع عن الدول والشعوب العربية في وجه الإرهابين الداعشي والإيراني، ويقوم حزب الله كما «القاعدة» و«داعش» بإعلان الحرب بالمقابل، ومن على منصّة الدولة اللبنانية، ومركز القرار اللبناني؛ فإنّ السياسات الجديدة للمملكة وسائر دول مجلس التعاون، تقتضيها المصالح العربية الردَّ على الحزب من جهة، وتنبيه اللبنانيين إلى ما يصيب دولتهم ووطنهم نتيجة ضياع القرار السياسي، وتهدد الدخول في محورٍ مُعادٍ للعرب. لقد أعلنت المملكة من قبل حزب الله تنظيمًا إرهابيًا. ثم بادرت بعد ازدياد مظاهر الخروج على مقتضيات الانتماء العربي والإجماع إلى التنبيه لما يحصل، ودعوة اللبنانيين شعبًا وحكومة إلى مكافحة هذا التوجه المستولي والقاتل.
لقد قال مجلس الوزراء السعودي إنه لن يتخلى عن لبنان، لكنه تمسك بقراره إيقاف المساعدات عن الجيش وقوى الأمن. والسعوديون وأعضاء مجلس التعاون الآخرون يعلمون أنّ فريقًا كبيرًا من اللبنانيين يقاومون استيلاء حزب الله وحلفائه منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005. وبسبب هذه المقاومة استمرت الاغتيالات حتى العام 2013. وفي عام 2008 احتل حزب الله بيروت لإخماد المقاومة الوطنية. ولذا فإنّ على اللبنانيين أن يعرفوا بالفعل أنّ المملكة لن تتخلّى عنهم، وستظل مع الشعب اللبناني والدولة الواحدة الحرة والمستقلة، الخالية من الميليشيات، ومن الانقسام الطائفي، والعاملة على إدارة شؤون شعبها بكفاءة، والباقية بقرارها الحر وتضامُنها مع أشقّائها، ومع العالم المتمدن، الذي دخل لبنان إلى أرجائه الشاسعة منذ أكثر من قرنٍ ونصف. إذا كنا نقاتل «القاعدة» و«داعشا» لعدوانهما على ديننا وأوطاننا، فكيف لا نقاوم الاستيلاء على لبنان من جانب ميليشيا طائفية ومذهبية، لا تكتفي بالسيطرة على القرار، بل تضيف إلى ذلك محاولة إلغاء الهوية والانتماء. إنّ هذه الأهداف جميعًا تحتاج لمتابعة النضال السياسي والاجتماعي السلمي والحازم. وكما ما كان لبنان قادرًا بمفرده على مواجهة الحروب الداخلية والاستتباع السوري والتغلغل الإيراني إلا بالعرب ومعهم؛ فإنه محتاجٌ إليهم الآن أكثر من أي وقت مضى. إسرائيل احتلت وانسحبت. والجيش السوري استولى وانسحب. أمّا هؤلاء فالأخطر فيهم ومعهم أنهم فئاتٌ من الشعب اللبناني، تلقت خلال العقود الثلاثة الماضية ثقافة طائفية ومذهبية، سواء في الأوساط الشيعية أو المسيحية. ولذا فإنّ العمل السياسي المدني والسلمي وحده هو الدواء الممكن من هذه الأمراض. ومرة أُخرى فإنّ الإخوة في الخليج، والمجتمع الدولي، يظلُّون الأقدر على التضامن مع الشعب اللبناني والدولة اللبنانية، لأنه لا هدف لهم غير صون أمن لبنان وأمانه، كما كان شأن أسلافهم، وجيل خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذين أحبوا جميعًا لبنان الحر والمسالم والمتقدم، والذي توشك ميليشيات إيران أن تتهدد مستقبله بأفدح الأخطار.