مصطفى علوش: 14 شباط محطة على طريق الغزو الفارسي/خيرالله خيرالله: بين الانقضاض على بيروت والموت البطيء للبنان/عبد الوهاب بدرخان: أي رئيس لمواجهة الوصاية الايرانية

315

14 شباط محطة على طريق الغزو الفارسي
مصطفى علوش/المستقبل/11 شباط/16

«نازلاً من نحلة الجرح القديم إلى تفاصيل البلاد وكانت السنة انفصال البحر عن مدن الرماد وكنت وحدي.. ثم وحدي.. أه يا وحدي» (من أحمد العربي لمحمود درويش)
منذ ايام التقيت شاباً عمره ستة عشر عاماً، يشبه كل اليافعين في عمره على الرغم من هدوئه ووجود ابتسامة يشوبها الحزن على وجهه. كان على والده أن يعرّفني به. إنه حسام، فتذكرت ذاك الطفل الذي حمله جده وسار به فخوراً يملؤه الحبور في وسط بيروت شارحاً له ما تحقق من بناء وإنماء، بعد أن رفع عنها كاهل حرب مجنونة استمرت لعقد ونصف، مردداً في صوت كالصدى «تذكر يا حسام أن الحرب شر مطلق، أنا أكره الحرب». لم يكن رفيق الحريري يعلم يوم أتى إلى عالم الشأن العام في لبنان، أن اله الحرب «مارس» بدأ بترصده وأخذ يتحين الفرص ويخطط ويرسم في وكر من الأوكار ليقتل عدوه الساعي إلى إنهاء دوره المبني على اليأس والحرب والفوضى، من خلال الأمل والسلام والإستقرار. لست أدري لماذا استهتر رفيق الحريري بقدرات عدو، هل كان ذاك الميل إلى الإيمان بالقدرية والتسليم؟
هل كان ذاك التفاؤل الأسطوري؟
هل كانت تلك الثقة بأن الرعاية تحميه؟
هل كان كل ذلك أم أنه كان يظن أن «مارس» سيحن قلبه ويلقي سلاحه رأفة بالبشر؟
أم أنه فعلاً أساء التقدير في عدوه عندما ظن أنه ببضع كلمات أقنعه بأن يكون صديقاً؟
أم أنه كان يعلم بأنه سائر لا محالة إلى حتفه، ولكنه كان كسقراط يوم تجرع السم ليصبح شهيد رسالته؟
ليعذرني من قد تخدشه عبارتي، فرفيق الحريري لم يكن «دقيقاً» عندما قال «ما حدا أكبر من بلدو»، فهو بالذات كان يعلم علم اليقين أن المهام التي كان يحملها على كتفيه المثقلين أكبر بكثير من بلده، ولكنه كان يعلم أن مصير بلده الصغير مرتبط بنجاح مهماته العابرة للحدود والقارات، فتحمل الوزر من أجل بلده.
وهو كان يعلم أن «مارس» يعتبر نفسه، وعن حق وقناعة، بأنه أكبر بكثير من بلده، وأنه جزء من مشروع أممي، لكن رفيق الحريري كان يظن أنه قادر على إقناعه بالتضحية بمشاريع الموت والدمار النابعة من أسطورة، رأفة ورحمة ببلده الصغير المثقل بجراحه…
كان ذلك المسعى يشبه محاولة إقناع النار بالرأفة بجذوع الشجر، أو إقناع السيف بمداعبة الرقاب، أو إقناع الحيوان اللاحم بأن يرعى العشب إلى جانب المواشي بدل افتراسها، أو يقنع تمساح النيل العملاق بأن يترك القطعان المرتعبة على ضفة النهر لتمر بأمان، ولو مرة واحدة! لكن واقع الحال هو أنه لكلٍ طبعه وغرائزه، و«مارس» كان سيموت حتماً لو أنه حمل في يده غصن الزيتون واكتفى بأكل العشب، وحسب رؤية «شوبنهاور» فالغريزة (الرغبة) هي أقوى من العقل، الفلاسفة فقط هم من يقوى عقلهم على غرائزهم. بالمحصلة فقد خسر حسام جده، وورث مسحة الحزن التي ترافقه.
لكن مارس لم يكن يقصد أن يحزن حسام بالذات فهو طفل مثل ملايين الأطفال الذين خسروا أجدادهم وآباءهم وأمهاتهم وإخوتهم والبيت الذي يسكنونه والحي الذي يرتادونه والمدرسة والأصحاب وصيحات الفرح وأماكن اللهو بسبب مشاريع «مارس». لكن رفيق الحريري كان عائقاً لا بد من إزالته من الدرب لإكمال مشروع الدمار الأسطوري الذي لا يجرؤ عليه إلا آلهة الحرب. ولا شيء يزعج آلهة الحرب أكثر من دعاة السلام والأمل والازدهار.
() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»

 

 

بين الانقضاض على بيروت .. والموت البطيء للبنان
خيرالله خيرالله/المستقبل/11 شباط/16
بعد أحد عشر عاماً على اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، يبدو أنّه آن أوان قطف ثمار الجريمة. هذا على الأقلّ ما تعكسه الرغبة لدى من يعمل من أجل بقاء موقع رئيس الجمهورية فارغاً والربط بين انتخاب رئيس وتغيير النظام السياسي. يُفترض بداية التنبّه إلى خطورة تلهي المسيحيين في قضايا صغيرة من نوع رئيس دائرة من هنا أو هناك، بدل التركيز على القضية الأكبر، وهي انتخاب رئيس للجمهورية والشراكة الوطنية الحقيقية. هذه ليست المشكلة الوحيدة التي اشار اليها وزير الداخلية نهاد المشنوق أخيراً. كان كلامه الآخر عن رهان قسم من اللبنانيين في مرحلة معيّنة على السلاح الفلسطيني في مرحلة معيّنة في غاية الأهمّية والشفافية. هناك للأسف من يراهن هذه الأيّام على السلاح الإيراني مثلما كان هناك في مرحلة معيّنة من يراهن على السلاح الفلسطيني. هناك من تعلّم وهناك من يرفض أن يتعلّم من تجارب الآخرين! ثمّة عملية نقد للذات ولممارسات الماضي، قلّما تجرّأ أو يتجرّأ عليها فريق لبناني مسلم بات يعرف أن لا خلاص لجميع اللبنانيين إلّا من خلال مشروع الدولة. الدولة التي تحتكر السلاح وليس الدولة التابعة لهذا الحزب المذهبي او ذاك والخاضعة لسلاح غير شرعي. كلّما مرّت سنة على ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يكتشف اللبنانيون أكثر أن الجريمة التي يتعرّض لها لبنان مستمرّة. نشهد في كلّ يوم فصلاً جديداً من هذه الجريمة التي تستهدف اغتيال بلد انطلاقاً من اغتيال رجل. لا يحدث شيء بالصدفة في لبنان. يقوم جزء من اللعبة الدائرة على تيئيس اللبنانيين وإفقار بلدهم وتهجير أكبر عدد من المواطنين من الوطن الصغير. لم تكن موجة الاغتيالات التي تلت تفجير موكب رفيق الحريري سوى جزء من هذه اللعبة وفصل من فصولها.
مع اقتراب موعد ذكرى اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، يكتشف اللبناني أن الصمود الأسطوري في وجه المشروع التوسّعي الإيراني بدأ يتراجع، خصوصاً في ظلّ غياب زعامات مسيحية قادرة على امتلاك رؤية للمستقبل بعيداً عن أيّ نوع من الانفعال والسير في مشروع انغلاقي على الذات جسّده في مرحلة معيّنة القانون الأرثوذكسي الأبعد ما يكون عن كلّ ما هو أرثوذكسي. ثمّة حاجة واضحة الى فهم في العمق للخطر الذي يمثّله «حزب الله» على ثقافة الحياة في لبنان وعلى تركيبة المجتمع اللبناني. ثمّة حاجة إلى فهم الدور الذي لعبته إيران منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي من أجل تغيير طبيعة بيروت كمدينة يعيش فيها لبنانيون من كلّ الطوائف والمناطق بعيداً عن الميليشيات وقيمها المرتبطة بالسلاح غير الشرعي. صحيح أن الميليشيات المسيحية والمسلمة مسؤولة عن فظاعات مرتبطة بالذبح على الهوية والتهجير المتبادل في الأعوام 1975 و1976، لكنّ الصحيح أيضاً أن القسم الأكبر من المسيحيين هجّر من بيروت الغربية، خصوصاً من رأس بيروت والمصيطبه والمزرعه، على يد «حزب الله». كان السادس من شباط 1984، نقطة تحوّل في مجال إنهاء الوجود المسيحي تدريجاً في كلّ بيروت الغربية. ما نشهده اليوم فصل آخر من مشروع قديم بدأ بمحاولة القضاء سريعاً على معالم الحياة في بيروت. بعد فشل مشروع الانقضاض السريع على بيروت، بدأ تنفيذ مشروع آخر يقوم على الموت البطيء للبنان ولمؤسسات الدولة ولثقافة الحياة في بلاد الأرز. من يتذكّر ما تعرّضت له الجامعة الأميركية في بيروت، في ثمانينات القرن الماضي، من خطف لرئيسها ديفيد دودج (نقل من بيروت إلى طهران عبر دمشق)، ثم اغتيال لرئيس آخر هو مالكوم كير، وخطف لاساتذتها وصولاً الى تفجير «كولدج هول»؟
تحتفل الجامعة هذه السنة بمرور مئة وخمسين عاماً على قيامها. يعطي محيط الجامعة فكرة عن مدى تدهور طبيعة المجتمع اللبناني من جهة وحجم العزلة العربية التي يعاني منها لبنان وما كان يسمّيه الظرفاء والمثقّفون فعلاً «جمهورية راس بيروت» من جهة أخرى. ليس سرًّا الدور الذي لعبه رفيق الحريري في إبقاء الجامعة الأميركية ومستشفاها على قيد الحياة. ليس سرًّا ما فعله أيضاً من أجل الجامعة اللبنانية وكلّ مؤسسات التعليم الرسمي. ليس سرًّا عدد اللبنانيين الذين علًمهم على نفقته لإبقاء لبنان رمزاً لثقافة الحياة. كان كلّ ما يفعله من أجل بقاء لبنان مقاوماً لثقافة الموت وذلك انطلاقاً من عودة الحياة إلى بيروت ووسطها في حين كان هناك من يسعى إلى التدمير ونشر البؤس من أجل إيصال البلد إلى ما وصل إليه الآن. إذا لم يكن الوقت مناسباً اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية، متى «تنضج الظروف» كما يقول نائب عوني لا يعرف أن لبنان في خطر ولا يريد أن يعرف شيئاً عن أن المطلوب حالياً انقاذ مؤسسة رئاسة الجمهورية قبل أيّ شيء آخر وذلك للإبقاء على أمل بإنقاذ لبنان. من يزجّ نفسه في لعبة تغيير النظام، إنّما يدخل عن سابق تصوّر وتصميم لعبة تكريس الوصاية الإيرانية على لبنان. اليوم هو الأنسب لانتخاب رئيس للبنان وليس لقطف ثمار اغتيال رفيق الحريري. اليوم قبل الغد. في غياب امتلاك ما يكفي من الشجاعة على الإقدام على هذه الخطوة، يصحّ التساؤل: هل كان رفيق الحريري ومشروعه القائم على ثقافة الحياة يجسّد المحاولة الأخيرة لإنقاذ الجمهورية اللبنانية؟ مرّة أخرى وليست أخيرة، كلّما مرت سنة على ذكرى غياب «أبو بهاء» تتوضّح أكثر فأكثر خفايا الجريمة وأبعادها.

أي رئيس لمواجهة الوصاية الايرانية؟
عبد الوهاب بدرخان/النهار/11 شباط 2016
الجلسة الخامسة والثلاثون لمجلس النواب اللبناني، للشهر الحادي والعشرين على التوالي، من دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية. المهزلة مستمرة. لا نصاب، لا انتخاب. لم يحضر المرشّح “الأوحد” ميشال عون ولا مؤيدوه، ولا مريده الوحيد “حزب الله” ولا نوابه، ولا المرشّح البديل سليمان فرنجية ولا كتلته الصغيرة.
لا يريد “حزب الله” لعملية التصويت أن تتم، ويعطّل عمل المجلس، الممرّ الضروري الى الرئاسة، مع أن المرشّحَين مرشّحاه، لكنه متشبّثٌ بعون وينتظره ليدرك على مهله أن حظوظه تضاءلت، ولعل الله يهديه فينسحب. وإذا لم يفعل فإن “الحزب” لا يسحب فرنجية، كما يُفترض، بل يتوقّع من مؤيدي فرنجية أن يسحبوا تأييدهم له لمصلحة عون. لاحظوا أن “الوفاء” يمنع “الحزب” من الضغط على مرشّحَيه. لاحظوا أيضاً أنه لا يضغط على الخصوم (!)، لكنه يعرف نقطة ضعف الخصوم فهم متمسّكون بوجود الجمهورية والدولة، أما هو فلا يعبأ بالدولة ولا مانع لديه من اقتيادها الى الزوال… هذه بعضٌ من وقائع وصاية النظام الايراني، وريثة وصاية النظام السوري. كان العونيون رأس حربة مقاومة الوصاية السورية، ورموز الدفاع عن “السيادة”، لكنهم ارتضوا الآن بأن يكونوا سيف الوصاية الايرانية وألعوبتها المفضّلة. يظنون أنه بوصول “الجنرال”، أو أي مرشح آخر لـ”حزب الله”، الى الرئاسة سيسمح له وكلاء ايران بأن يحكم. سيحكمونه بسلاحهم وصواريخهم وفجورهم السياسي والطائفي. يتجاهل المرشحان اياهما طموحات اللبنانيين، بمن فيهم أنصارهما، ويعتقدون أنهم يشاطرونهما تبعيتهما المطلقة لهذا “الحزب” وخضوعهما للسلاح غير الشرعي في أيدي ميليشياه والميليشيات التي فرّخها لتهميش الجيش، على ما هي الحال في العراق وسوريا النظام وما كانت ستؤول اليه في اليمن وحيثما يكون لايران حضور. لم يقل أيٌ من المرشحين اللبنانيين، في أي ظهور اعلامي، أين يقف ولاؤهما لـ “حزب الله” ليبدأ ولاؤهما للبنان. لدى المرشّحين، عون وفرنجية، هوس بالمنصب لا بـ “الوطن”، ولا رؤية لديهما للبلد، بل يعتمدان على قدرة “حزب الله” على الترهيب والتخريب، وعلى ارتباط هذا “الحزب” بالمشاريع الايرانية – الاسدية وطموحاتها التقسيمية، وعلى ميزان القوى العسكري الذي أقامه هذا “الحزب” بمواجهة المجتمع اللبناني بكل طوائفه… كل ذلك لا يمكن أن يكون أجندة رئيس لبناني. ولا يريد اللبنانيون من أي رئيس أن يأتي بنيات مغامراتية أو بمجازفات استعدائية، لكنهم يتوقعون منه بالتأكيد أن يضع نصب عينيه هدف التخلّص من الوصايات، ولا سيما الايرانية التي برهنت في كل مكان أنها تضمر الشرّ للدولة الوطنية. وأيّاً تكن مآلات الصراع في سوريا فلا مصلحة للبنان أن يعتمد رئيساً – وكيلاً لـ “الوصاية”، ومهما بلغت عربدات “حزب الله” فإنه لن يستطيع الغاء الوجه العربي للبنان بوجه فارسي.