حـازم الأميـن: هزيمة 14 آذار/نقولا ناصيف: هل يخسر عون آخر امل على الحياة وتخسر القوات اللبنانية الدنيا والآخرة

273

“هزيمة” 14 آذار
حـازم الأميـن/لبنان الآن/04 شباط/16
يشهد لبنان انهياراً كاملاً لأيّ مقاومة تُعيق تقدّم حزب الله إلى كل المواقع فيه. سعد الحريري في الخارج وهو لن يعود إلا بموافقة من الحزب. قوى “14 آذار” تقدّمت بمرشّحين لرئاسة الجمهورية كلاهما قريب من الحزب وبعيد كل البعد عن القوى التي تولّت ترشيحه. لا بل هي تقدّمت بترشيحهما لقناعتها بأن لا رئيس للجمهورية من خارج الدائرة التي تُرضي الحزب. الأمن العام اللبناني يتولّى التوسّط في صفقة تبادل بين الحكومة التشيكية التي تُوقِف وسيطاً للحزب بطلب من الولايات المتحدة الأميركية، وبين خاطفي التشيكيين الخمسة، فيكشف (الأمن العام) عن وظيفةٍ له تتمثّل في إدارة ملفات الحزب الخارجية، وما يتعلّق منها بالمهام التي تحتاج علاقات ومفاوضات لا يمكن للحزب تولّيها نظراً لأنه حزب أولاً، ولأنه مُدرَج على لوائح عقوبات دولية ثانياً، ولأن الصفقة تقضي بأن لا يؤتى على ذكر دور للحزب في عملية اختطاف الرعايا التشيك. ذاك أن من خطفهم كان مجرد عصابة!
وفي هذا السياق يمكن مثلاً إدراج تصريح وزير الداخلية الأخير عن أن “عرسال بلدة محتلّة، لكن أهلها هم من يحررها”، وأن يتبنّى الوزير معادلة “عرسال محتلة”، فهو يلتزم بما دأب حزب الله على تكراره منذ أكثر من ثلاث سنوات. ويمكن طبعاً إدراج فضيحة خطف هنيبعل معمر القذافي في هذا السياق، ذاك أن السيارة التي عبرت فيه النقاط الحدودية الرسمية كانت سيارة “مقاومة” لا تخضع للتفتيش على النقاط الحدودية. أما واقعة الإفراج عن ميشال سماحة فيجب أن تُزيل أي شك عن حقيقة الهزيمة وعن وضوحها، وما الضجيج الذي أُثير حولها سوى صورة من حال النكران، لا بل اقتراب النكران من مستويات هذيانية سريرية غالباً ما يُصاب بها من يعجزون عن الإقرار بهزيمتهم. الأمر لا يحتاج للكثير من الفطنة حتى يختبر اللبنانيون هذه الحقيقة، وعدم إعلان “14 آذار” استسلامها يُضاعف من حجم التراجيديا، ذاك أن لامتناع الجماعة عن الإقرار بالهزيمة وظيفة نفسية أكثر منها سياسية. إنّها نوع من النكران الذي نمارسه كل يوم حين نُذهل بواقعة تكشف حجم نفوذ حزب الله. هناك مرشحان قريبان من الحزب، لكن الأخير لا يريدهما لأنه أصلاً لا يريد رئيساً. يا لهول ما اكتشفنا. للذهول هنا وظيفة “نكرانية”، إذ إنّ ممارسيه يدفعون عبره عن أنفسهم مهمة الاعتراف بانتصار الحزب. ما جرى للرعايا التشيك أيضاً أذهلنا واستدرج أصواتاً مستهولة. الذهول يعني أننا نقول لأنفسنا إن ما جرى هو الاستثناء وإن القاعدة هو أن لبنان لا يشهد مثل هذه الأفعال عادةً، وأننا ما زلنا جزءاً من منظومة العلاقات الطبيعية بين الدول. لا، لم نعد كذلك. علينا أولاً أن نعترف أمام أنفسنا بهذه الحقيقة، ولكي نعترف بذلك علينا أن نعلن هزيمتنا. يجب أن نكفّ عن الذهول، وأن تتحوّل الوقائع المذهلة إلى وقائع عادية. لا بل علينا أن نُذهل من تردد حزب الله من التقدّم أكثر، وأن نسأل أنفسنا عن أسباب إبقائه على بعض المقاهي التي تشهد تذمراً. والحال أنّ لنكران الهزيمة وظيفة أخرى، سياسية هذه المرة، فعدم إعلان الإستسلام يؤمّن للقوى المهزومة مواقعاً ما زالت نُخَبها بحاجة إليها. فوزير “14 آذار” لن يبقى وزيراً إذا ما اعترفت هذه الجماعة بهزيمتها، وكذلك الرئيس والنائب والناشط. ثم إنّ حزب الله بدوره لا يريد من مناوئيه إعلان هزيمتهم، ذاك أنه ما زال يحتاج خصوماً يُسهّلون عليه تقدّمه إلى مزيد من الوقائع. فهم النصاب الوهمي لتوازن يدّعيه، ناهيك عن أنّ النصر يكفّ عن كونه فعلاً مستمراً إذا ما أعلن خصوم الحزب هزيمتهم. فهل تتخيلون حزب الله من دون انتصارات؟ “14 آذار” تقدّمت بمرشّحين لرئاسة الجمهورية كلاهما قريب من حزب الله

هل يخسر عون آخر امل على الحياة وتخسر القوات اللبنانية الدنيا والآخرة؟
نقولا ناصيف/ الاخبار 4 شباط 2016
تُحمَّل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 8 شباط اكثر من وسعها. يوحي افرقاء بأنها الاخيرة في سلسلة 34 جلسة سبقتها في عمر الشغور، ويجزم آخرون بأنها رقم اضافي ليس الا. بيد ان الضجة التي تحوط بالاستحقاق، كأن الانتخاب وشيك، تستحق الملاحظة. لم يتوخ كشف رئيس مجلس النواب نبيه بري اكثر من بوانتاج يتولاه اكثر من طرف استعداداً لجلسة 8 شباط لانتخاب رئيس الجمهورية، سوى اظهار عجلة هؤلاء الى تغليب خيارهم النائب سليمان فرنجيه، واعتقادهم بأن في وسعهم الاقتراع له، آخذين في الحسبان ــــ تبعاً للعدّ الذي أجروه مرة تلو اخرى ــــ ان نصاب الثلثين المطلوب لالتئام الجلسة متوافر. يذهب فريق تيار المستقبل في حساباته الى التعويل على بوانتاج يتضمن معطيات منها:
ــــ كتلة رئيس المجلس (13 نائباً) لم تتخذ بعد موقفاً معلناً وصريحاً بتأييد ترشيح فرنجيه او الرئيس ميشال عون او معارضة اي منهما. لكنها، باصرار بري، شاركت في مواعيد كل جلسات الانتخاب بلا استثناء، في تمييز واضح عن موقف حزب الله المقاطع اياها. وهي ستحضر مجدّداً.
ــــ كتلة النائب وليد جنبلاط (11 نائباً) رغم تنكّبها مرشحها النائب هنري حلو، الا ان حضورها الحتمي بمرشحها او من دونه، تبعاً لما قد يقرره رئيسها، يساهم في توفير نصاب الثلثين، ويعززه سياسياً اكثر منه حسابياً.
ــــ كتلة القوات اللبنانية (8 نواب)، بمرشحها المناوىء لمرشح هذا الفريق وهو عون، لم تنقطع عن مواعيد الجلسات الـ34 المنصرمة، وتتمسك بلا توقف بحضّ النواب على التوجه فوراً الى البرلمان، ما يحيل مقاطعتها جلسة محتملة لانتخاب فرنجيه محرجاً ومربكاً لها حيال كل ما قالته قبلا، الا اذا ارادت مقاطعة رديفة لمقاطعة عون.
ــــ كتلة حزب الكتائب (5 نواب) التي ترفض على التوالي المرشحين المعلنين لانتمائهما الى ما سماه رئيس الحزب النائب سامي الجميل «مشروع 8 آذار»، من دون ان تجهر في المقابل بترشيح الرئيس امين الجميل، لا تكف عن المناداة بحضور الجلسات.
ــــ كتلة المرشح فرنجيه (4 نواب) اذ انسلخت منذ اندلاع خلاف رئيسها مع عون عن اجتماعات تكتل التغيير والاصلاح واستقلت بنفسها، ما يجعل حضورها الجلسة خلافاً للمرات السابقة كلها حتمياً، آملة في ان تخرج بانتخاب رئيسها رئيسا للجمهورية.
أضف الى الكتل هذه، اكبرها اصحاب البوانتاج، كتلة المستقبل التي تضم 36 نائباً. ناهيك بترجيح هذا الفريق انضمام كتل صغيرة او نواب مستقلين الى هذا الكمّ من الاصوات حضوراً او اقتراعاً، بما يتجاوز ثلثي مجلس النواب وتالياً توفير انتخاب فرنجيه في احدى دورتي الاقتراع الاولى او الثانية. بين هؤلاء مَن في عداد قوى 8 آذار كنائبي الحزب السوري القومي الاجتماعي التحق اخيراً بتأييد فرنجيه، او مستقلين يتفاوت اقترابهم من تيار المستقبل او خلافهم معه كنواب شماليين في طرابلس وعكار (6 نواب)، الى اولئك اللصيقين بقوى 14 آذار (واحد على الاقل).
يفضي هذا البونتاج ــــ وهو لما يزل على الورق ــــ الى ارتياحهم الى فرض انتخاب فرنجيه، وانهاء الشغور الرئاسي بإعدام فرصة وصول عون الى رئاسة الجمهورية. في الحسابات نفسها:
ــــ يخسر عون اخيراً ونهائياً آخر امل على الحياة في ما قاتل في سبيله منذ عام 1988.
ــــ تخسر القوات اللبنانية الدنيا والآخرة بالرضوخ لانتخاب المرشح الخصم والعدو حتى، وقد خسرت معه تحالفها مع الرئيس سعد الحريري وصداقتها للسعودية.
ــــ يتخلص حزب الله بمقاطعته الجلسة من عبء حمل عون على اكتافه بعد طول انتظار، من دون ان يحرم جلسة الانتخاب ميثاقيتها، في ظل وجود توأم الثنائية الشيعية رئيس مجلس النواب، ودونما الايحاء بأن الرئيس الجديد سمّاه السنّة وفرضوه. ما يتيح انضمام الافرقاء جميعاً ــــ ما خلا الخاسرين المفترضين ــــ الى العهد الجديد.
على نحو استعراضي هوليودي يُمرر ــــ او يُظن في مثل سيناريو كهذا ــــ انتخاب الرئيس بلا تدخّل خارجي، بإرادة محلية واوسع مشاركة وطنية، بمرشح ذي حيثية في طائفته يرضي بكركي، بديموقراطية انتخاب مثالية.
ليس هذا فحسب ما يدور في فلك البوانتاج المتداول. ثمة ما يصير الى تداوله في حلقات فريق الانتخاب ان باب المفاجآت مشرّع على احتمال تقلّص عدد النواب الحاضرين، ومن ثم يهدّد ــــ ربما ــــ الثلثين بفارق صوت او اثنين في احسن الاحوال، خصوصا ان رئيس المجلس قال على الملأ واعاد تكراره ما قاله مساء الثلثاء امام زواره انه يدخل الى القاعة فور إخطاره بحضور ثلثي النواب على الاقل، عانياً بذلك نصاب الالتئام، على ان تجري دورتا الاقتراع الاولى والثانية او التي تليهما في ظل نصاب الثلثين نفسه حضوراً.
اتاحت هذه المخاوف لبعض هذا الفريق الاجتهاد بالقول ان نصاب التئام مجلس النواب هو النواب الاحياء هذه المرة. مغزى التبرير ان الثلثين يتدنيان من 86 نائباً الى 85 نائباً (وهو في الواقع 84،6) بعد وفاة نائب جزين ميشال الحلو، ما يقلل اذ ذاك وقع مفاجآت تبقى في باب الترجيح.
واقع الامر لا يبدو بمثل هذه السهولة. رغم وفاة نائب، لا يزال نصاب الثلثين نفسه عملاً بما ينص عليه قانون الانتخاب الذي يحدد عدد اعضاء مجلس النواب بـ128 نائباً، وتطبيقاً لاحكام القانون رقم 11 الصادر في 8 آب 1990 بتوقيع الرئيسين الياس هراوي وسليم الحص، الذي ينص:
«بصورة استثنائية، وحتى اجراء انتخابات فرعية او عامة وفقاً لقانون الانتخاب، وبالنسبة الى النصاب المقرر في الدستور، يُعتبر عدد اعضاء مجلس النواب الاعضاء الاحياء». رمى هذا القانون الى وضع حد لقاعدة درجت في البرلمان بين عامي 1980 و1990، مع تناقص عدد النواب بالوفاة او الاغتيال، ما جعل النصاب عرضة للتلاعب والتحرك كلما غاب نائب او غُيّب. نوقش اقتراح القانون في جلسة 31 تموز 1990، ونصّ على تحديد عدد اعضاء مجلس النواب بـ70 نائباً، بحيث ينبثق النصاب المنصوص عليه في الدستور من هذا العدد، على ان الرقم 70 هو العدد النهائي لاعضاء مجلس النواب حينذاك. الا ان مناقشات النواب، وأخصهم نصري المعلوف ومحمد يوسف بيضون وبطرس حرب الى وزير العدل ادمون رزق، افضت الى ابدال عدد 70 نائباً بعبارة «النواب الاعضاء الاحياء». على ان القانون حدد سريانه حتى موعد اول انتخابات نيابية فرعية او عامة، يجري بعدذاك الاعتداد بعدد النواب الذين يحددهم قانون الانتخاب الجديد. بعد سنتين حدد اول قانون انتخاب صدر بعد الحرب، حزيران 1992، عدد اعضاء مجلس النواب بـ128. مذذاك يُحتسب كل نصاب ينص عليه الدستور لجلسات البرلمان (سواء المادة 34 للاشتراع او المادة 49 لانتخاب الرئيس او المواد 77 و78 و79 لتعديل الدستور وسواها) عملاً بما اورده قانون الانتخاب وهو 128 نائباً. لا اكثر ولا اقل.