علي الحسيني: عن حزب الله والمخدرات وتبييض التمويل/نديم قطيش: لبنان المحتل في قلب المواجهة

189

عن «حزب الله» والمخدرات وتبييض.. التمويل
علي الحسيني/المستقبل/05 شباط/16
لا يكاد يمر اسبوع إلا ويتصدر فيه اسم «حزب الله» لوائح الإتهامات الدولية والتي حفلت في الفترة الأخيرة بمجموعة قرارات تدين الحزب وتضعه في مصاف الجماعات الخارجة على القانون الدولي مثل إتهامه بتبييض الأموال وتجارة المخدرات، يُضاف اليهما اتهامه بالمتاجرة بالأعضاء البشرية في سوريا بالتكافل والتضامن مع كل من النظامين السوري والإيراني، وتأتي هذه القرارات او الإتهامات في وقت تُشاع فيه الأخبار حول المأزق المالي الذي يُعاني منه الحزب منذ ثلاثة أشهر وربما أكثر بحيث كثرت التسريبات عن توقف رواتب العناصر بمن فيهم المتواجدون على جبهات القتال في سوريا. بعد أقل من شهر تقريباً على صدور قرار لمجلس الشيوخ الأميركي القاضي بفرض شروط قاسية على فتح أي حساب لأي جهة خارجية تسهل تعاملات «حزب الله» أو تغسل أموالاً عائدة اليه، كشفت دائرة مكافحة المخدرات الأميركية ودول اوروبية خلال الأيام الماضية، تورطا آخر لـ«حزب الله» في تجارة المخدرات وتبييض الأموال من خلال ذراع للحزب ينشط في أوروبا بالتعاون مع عصابات المخدرات في كولومبيا، والقبض على أربعة من المسؤولين الكبار في الحزب في أوروبا، بينهم محمد نور الدين، الذي يدير الشؤون التجارية الخارجية للحزب. كل هذه الامور تحوّلت إلى نقمة غير مُعلنة داخل بعض أوساط بيئته والتي لم تعد ترى في جزء غير قليل من تركيبة الحزب السياسية والأمنية، سوى مجموعات من رجال الأعمال الذين أصبحت لديهم مشاريعهم وتجاراتهم الخاصة البعيدة عن أي عمل «مقاوم» أو حتّى إلى «العقيدة» التي يُقتل الشُبّان لأجلها في سوريا وغيرها.
في زمن الحرب بين اللبنانيين، كان الجميع متهماً إمّا بالإرهاب أو بتسهيل تجارة المخدرات أو بسرقة السيارات وتفخيخها أو القيام بإغتيالات، لكن اليوم وفي زمن السلم نوعاً ما، تحوّل جزء كبير من الإتهامات هذه صوب «حزب الله» نظراً للإرتكابات المتكررة التي يُمارسها بحق أبناء بلده وبحق جيرانه القريبين منه والبعيدين، من ضمنها الإنقلابات والتحريضات التي يسعى لإحداثها، أو من خلال إشتراكه في حروب تزيد من الأعباء والتكاليف المادية والمعنوية بحق جزء كبير من بيئته وجمهوره اللذين بدأا يسألان في المجالس الخاصة، عن طفرة الإرتكابات والتجاوزات في المناطق التي يعيشان فيها من دون أن يتمكنا من رفع الصوت أو الإعتراض على الحالة المُهيمنة والمفروضة عليهما والتي تصل بهم في معظم الأحيان إلى عدم القدرة على الإبلاغ عن تجّار مخدرات أو عصابات سرقة يتواجدون ضمن المنطقة او الشارع الواحد خشية أن يكون «السند» مرجعية ما في قوى الامر الواقع. الصرخة في الضاحية الجنوبية، هي نفسها تُسمع في العديد من مناطق البقاع لا سيما بعلبك الهرمل. زائر هاتين المنطقتين لا بد وأن يشعر بفائض القوّة تتميّز بها فئة عن أخرى بسبب الدعم الحزبي. هنا لا ماء ولا كهرباء كما بقيّة مناطق لبنان وربما اكثر، والاعتراض لدى القيّمين على «المربعات الأمنية»، لا إجابة شافية له سوى «أنكم أبناء بيئة مُقاومة ولا تحتاجون إلى هذه الكماليات». ومن هنا يبدأ طريق البحث عن طرق بديلة غير مشروعة للتمثل بفائض قوّة جهات حزبية نافذة تبدو وكأنها اختزلت كل احتياط الدولة من «الفيول» لإنارة منازلها ومصالحها والشوارع المحسوبة عليها.
لا يريد أبناء البقاع وتحديداً بعلبك، العودة إلى زراعة المخدرات بأي شكل من الأشكال، لكن في المقابل هم يطالبون الدولة بأن يسري مفعول قراراتها على الجميع من دون أي تمييز وليس على فئة محددة، في إشارة منهم إلى التعمية التي تمارسها الدولة عن الزراعة المستمرة لنبتة الحشيشة من قبل مسؤولين كبار في «حزب الله» من دون أن يجرؤ أي عنصر أو ضابط على مُساءلتهم، وأكثر من ذلك يؤكد الأهالي أن هناك معملين على الأقل في منطقتي بعلبك والهرمل مخصّصين لتصنيع بعض أصناف المخدرات، ومعروفي المكان، ويجري العمل فيهما بشكل منتظم وكأنهما يحوزان «رخصة» من «الدويلة» تُجيز لهما ذلك.
لقد أفقرنا «حزب الله» وأعادنا مئة سنة إلى الوراء». جملة لا تزال تُسمع عن لسان كل بقاعي لدى اجابته عن الحالة الاجتماعية التي يمر بها أبناء منطقته. يؤمنون جميعاً بقدرات «حزب الله» الأمنية والتجسسية وبأنه لو أراد أن يبيّض كل الشوائب ويمنع جميع الإرتكابات والمخالفات التي تُسيء إلى المنطقة وأهلها، لتمكّن من ذلك في خلال 24 ساعة. لكن برأي البعض، فإن من مصلحة الحزب تفريخ أجيال جديدة من المرتكبين في مجالات عدة، لكي تبقى الإتهامات بعيدة عن أزلامه والمحسوبين عليه، وفي رأي هؤلاء أن الأزمة السورية وانزلاق الحزب فيها، ضاعف من حجم هذه الارتكابات وعلى رأسها تجارة المخدرات لا سيما حبوب «الكابتاغون» في ظل العجز المادي الذي يُعاني منه نتيجة تقليص المساعدات الإيرانية في الفترة الأخيرة بسبب الضائقة المالية التي تعاني منها الاخيرة من جرّاء الحصار الإقتصادي المفروض عليها.
من خلال الجبهات المتنقلة والإرتكابات المتعددة التي دأب السير عليها، لم يعد «حزب الله» يجرّ طائفة فقط بالسير معه نحو المجهول، بل هو أيضاً يأخذ بلداً بأكمله إلى مشروع موعود بالهزيمة والإنكسار ومنغمس في وحول الصفقات وآخرها ما نشره موقع «تقاطع»، أحد أهم المواقع الناطقة بالفارسية، والذي كشف عن دور «الحرس الثوري الإيراني» وقوات التعبئة في «فيلق القدس» في تجارة المخدرات بسبب تنفيذ مختلف الخطط المُكلفة في ايران والمنطقة لاسيما دعم نظام الأسد و«حزب الله» والحوثيين. في المقابل فإن كل هذه التجاوزات بالنسبة إلى الحزب، ما عادت تؤثر بطبيعة عمله وأنشطته التي يمارسها في طول البلاد وعرضها من دون حسيب او رقيب ومن دون ان يُعير أي أهمية للتأثيرات الجانبية التي تنتج عن أفعاله وارتكاباته، والتي تُغرق البلد وتزيد من أزماته وتشويه صورة أبنائه الذين يُلزمهم بتحمل تبعات أفعاله وإنزلاقاته ليعود ويخرج بعدها ببيانات استنكار يمدح فيها نفسه ويضع الإجراءات والقرارات المتخذة بحقه في خانة العداء لخط «المقاومة».

لبنان «المحتل» في قلب المواجهة
نديم قطيش/ الشرق الأوسط/05 شباط/16
يُتهم لبنان، الدولة التي تحتلها عمليًا ميليشيا مذهبية مرتبطة بالمشروع التوسعي الإيراني، بالانهزام، في لحظة التصادم المباشر بين إيران والعرب منذ انطلاق عاصفة الحزم في اليمن! ويُتهم بأنه بات في الخندق المعادي للعرب ومصالحهم.. هذان اتهامان وليسا اتهامًا واحدًا. من غرائب لبنان، التي يبدو واضحًا أن العرب ما عادوا يحتملون التعامل معها، أن موقف وزير في «تجمع حكومات لبنان» لا يعبر عن موقف الدولة. وهذه أحجية في علم الدول والسياسة والعلاقات الدولية. لنتفق إذن. لبنان ليس دولة إلا في الحدود الدنيا لمفهوم الدولة، وأحيانًا أقل! وما بقي من انتمائه إلى صنف الدول، محتل ومغلوب على أمره، ومُتنازع، ليس فقط بين أقطاب الصراع الكبير في المنطقة، بل بين هويات وطنية متناقضة ومتعارضة! أي ادعاء آخر، يعقد النقاش حول السياسة العربية، والخليجية تحديدًا، والسعودية على وجه أدق، تجاه لبنان، ويغشي الرؤية والأهداف والأدوات الواجب اعتمادها لأي سياسة! ومن علامات الغشاوة الآن وارتباك السياسة حيال هذا الوطن الصغير، الدعوات إلى مقاطعته ومقاطعة أهله، والافتراض الظالم أن لبنان مقصر في المواجهة مع إيران ومشروعها! الحقيقة أن لبنان، اللبناني والعربي، تصدر منذ عام 2005 المعركة التي يخوضها العرب مباشرة في اليمن وسوريا وجزئيًا في العراق. ومنه بدأ مسلسل الأثمان الفادحة، حين قرر «المشروع الإيراني» إزاحة رفيق الحريري بما هو صمام أمان عروبة البلد، مفتتحًا أعنف وأطول حرب استنزاف على الوطنية اللبنانية منذ عام 1943!
من المفيد تذكر فداحة الأثمان التي دفعها ويدفعها لبنان، فالنخبة السياسية والإعلامية والأمنية التي جرى تصفيتها لم تقتل عبثًا، بل في السياق الدقيق للمواجهة مع المشروع الإيراني لوضع اليد على لبنان منذ إطاحة نظام صدام حسين عام 2003، وهو مسلسل بدأ بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2004. بعد أقل من شهر على استقالته من الحكومة اللبنانية رفضًا لتمديد ولاية رئيس الجمهورية إميل لحود، وما بدا واضحًا آنذاك أنه بداية فصل غير مسبوق من المواجهة اللبنانية مع نظام الأسد (وإيران). ومضى مسلسل الترويع المغطى سياسيًا بالكامل من حزب الله بعد اغتيال الحريري، لفرض الاستسلام على اللبنانيين، فكان اغتيال الصحافي سمير قصير والقيادي اليساري جورج حاوي في 2005، بفارق ثلاثة أسابيع، بعد صدور القرار الأممي 1595 الذي قضى بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اغتيال الحريري. وفي 12 ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه وبفارق ساعات قليلة عن تقديم رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي الألماني ديتليف ميليس تقريره الثاني إلى مجلس الأمن، طال الاغتيال الصحافي جبران تويني. وكان سبق اغتيال تويني بأسابيع قليلة صدور القرار الأممي 1636 الذي وسع عمل لجنة التحقيق وأعطاها الحقوق والسلطات نفسها في سوريا تمامًا كما في لبنان!!
وبينما كان عام 2006 يشهد تصعيدًا في المواجهة السياسية حيال إقرار نظام المحكمة الخاصة بلبنان، بعد أن كلف مجلس الأمن الأمين العام للأمم المتحدة التفاوض مع الحكومة اللبنانية بشأنها، اغتيل الوزير بيار أمين الجميل في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2006، بعد أيام على رسالة الحكومة للمنظمة الدولية تتضمن الموافقة على مشروع المحكمة.وكرت السبحة. اغتيل النائب وليد عيدو في 13 يونيو (حزيران) 2007، والنائب أنطوان غانم في 19 سبتمبر (أيلول) 2007، بعد أسابيع على صدور القرار الأممي 1757 القاضي بإنشاء المحكمة الخاصة بلبنان. كما بدا أن اغتيالهما، بعد اغتيال تويني والجميل، يندرج في مشروع تقليص الأكثرية في المجلس المنتخب عام 2005، على خلفية معركة الانتخابات الرئاسية. ثم طاول الاغتيال ومحاولاته الشخصيات الأمنية المركزية في التحقيق في جريمة اغتيال الحريري، وأبرزهم الضابط وسام عيد الذي تدين له المحكمة بكشف شبكة الاتصالات التي استخدمت في مراقبة واغتيال الحريري.
وفي ذروة الصراع بين إيران والسعودية في سوريا سقط كل من الوزير محمد شطح واللواء وسام الحسن، بغية الإمعان في إنهاك الحالة الوطنية التي يشكلها الرئيس سعد الحريري وضرب مرتكزات فريقه السياسي والأمني! سقط كل هؤلاء في سياق مشروع مواجهة محدد لا يختلف في عمقه عن مشروع المواجهة الدائر الآن! والمصارحة توجب القول إن من بين ما أضعف الحالة السياسية التي انتمى «الشهداء» إليها، ما يتجاوز الملاحظات على ضعف كفاءة هنا وموهبة هناك. ولعل أبرز الأسباب، إلى الاغتيال، يتصل بمبادرة الـ«سين سين» التي هندستها الرياض، وكان من نتائجها القاتلة زيارة الرئيس سعد الحريري إلى دمشق! لا يقال هذا الكلام من باب رفع المسؤولية أو التنصل، بل من باب الإقرار الضروري بالوقائع، المؤدي وحده إلى دقة في تشخيص الواقع السياسي ووضع استراتيجيات مواجهته. أُضعف، لبنان، لبناننا ولبنان العرب، «بالتجريب فيه»، ويزداد ضعفه الآن بالإهمال والعزوف الغاضب عنه وتركه عمليًا فريسة كاملة للمشروع الإيراني!
لم يقصر لبنان في المواجهة! وهو اليوم في صلبها ولو كان ضعيفًا. أختم بما ختمت به الأسبوع الماضي. الغضب مشروع، لكنه ليس بديلاً عن المشروع. عودوا إلى لبنان.