روزانا بومنصف: اطمئنان لعدم سعي واشنطن إلى أذية لبنان/ سليمان هارون: لبنان وطن نهائي أو قضية مستمرة/ياسين سويد: متى يحترم الدستور

271

اطمئنان لعدم سعي واشنطن إلى أذية لبنان؟
روزانا بومنصف/النهار/3 شباط 2016
على رغم توجه وفد نيابي قريبا الى واشنطن على خلفية العقوبات التي فرضها الكونغرس على المؤسسات والاشخاص الذين يتعاملون مع ” حزب الله”، يقول مرجع رسمي إن الولايات المتحدة لا تستهدف القطاع المصرفي في لبنان بل هي حريصة على الاستقرار المالي والاقتصادي وعلى ألا يحصل ما يمكن ان يتهدد هذا القطاع الذي يشكل نقطة حساسة يمكن ان تودي بالبلد كلا ، وهذا ليس واردا على رغم ان القانون ينطوي على تأثيرات جدية على لبنان. فالقانون الذي اقره الكونغرس الاميركي كان ليمر بسلام لولا ان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله تحدث عنه بطريقة ازدرائية على اساس انه لا يؤثر على الحزب. وهذا امر صحيح نسبة الى ان العمليات العسكرية للحزب لا يتم تمويلها عبر المصارف بل عبر مصادر ووسائل اخرى. وتدرك الولايات المتحدة ان الحروب التي تخاض في المنطقة لا تتم عبر حسابات مصرفية بل بالمال النقدي. لكن باشارة السيد نصرالله الى الموضوع فيكون قد أخرجه من الاطار التقني الى الصراع السياسي بحيث يعتقد ان المسألة لا يمكن السكوت عليها خصوصا متى طاولت حسابات نواب الحزب، مع ما يعنيه ذلك في الوقت نفسه من التذكير بحيثية الحزب المتصلة ” بالارهاب” وفق التصنيف الاميركي، في حين جهد الحزب في تغييب هذه الصفة عبر مشاركته في الحرب ضد تنظيم داعش. بحسب خبراء ماليين واقتصاديين القرار في جوهره لا يضيق الخناق على الحزب بالذات بل على اصدقائه باعتبار ان الحزب لا يجري تحويلا لامواله من المصارف الاميركية، في حين ان اصدقاءه وهم البيئة الحاضنة له يمكن ان يطاولهم القانون فضلا عن رجال الاعمال الشيعة في الخارج الذين يخشون على عملياتهم المالية.
أما البعد السياسي الاخر هو انه يفهم من القانون عدم فصله عن موضوع الاتفاق مع ايران حول ملفها النووي. وفيما لم يطاول مناخ الاتفاق مع طهران اي ملف آخر بحسب التأكيدات الاميركية والايرانية على حد سواء، فان الادارة الاميركية حريصة على ان تظهر الفصل الفعلي بين ملف العقوبات على طهران المتصلة بالاتفاق النووي والعقوبات التي تطاول الوجه الآخر لايران. وما دام تم رفع العقوبات عن ايران في وجهها النووي فانه يتم التضييق في مكان آخر، في رسالة توجهها واشنطن في اتجاهات عدة اي الى الكونغرس الذي تحفظ عن رفع العقوبات على ايران، كما الى حلفائها العرب الذين يحتجون على ميليشيات ايران في المنطقة، كذلك الامر في حال كان التشدد جزءا من التكتيك الذي يسبق التفاوض على ملفات اخرى مع ايران لاحقا او التضييق ايضا على الحزب في الداخل وضبط حركته. اما النقطة المؤذية في القانون فتتمثل في واقع اضطرار الادارة الاميركية الى اطلاع الكونغرس على الاجراءات التي اتخذتها في هذا الاطار مما يجعل الملف مفتوحا وتتم متابعته وفق تقارير دورية.

لبنان وطن نهائي أو قضية مستمرة ؟
المهندس سليمان هارون/النهار/3 شباط 2016
التنوع هو سمة جميع بلدان العالم وليس خصوصية لبنانية فقط ، كما يحلو للبعض الادعاء. فقد تطورت المجتمعات البشرية عبر العصور من الفرد الى العشيرة الى القبيلة الى المدينة الى الامبراطوريات… الى أن ثبتت أخيراً بدول ذات حدود، يعيش فيها مواطنون قد يختلفون في العرق أو الدين أو الإتنية أو المعتقدات… إلّا انهم توصلوا الى تفاهمات تسمح لهم بالعيش معاً وتحقيق طموحات شخصية ووطنية مشروعة. الامثلة كثيرة، ولكن سنذكر ثلاثة بلدان يفصل بينها التاريخ والجغرافيا، إلّا أنّها تشكل تجارب ناجحة على صعيد التعايش:
المثل الابرز في اوروبا هو سويسرا التي تقع على مفترق تتقاطع فيه أرقى الثقافات الاوروبية. ثلاث من اللغات الاوروبية: الفرنسية والالمانية والايطالية، وهي معتمدة كلغات وطنية الى جانب لغة «رومانش» التي تتكلم بها أقلية صغيرة. وتنقسم البلاد الى 26 كونتوناً تؤلف كونفيديرالية وتتعايش فيها كنيستان البروتستانتية والكاثوليكية، اللتان شكلتا خلفية لحرب طويلة دامت اكثر من ثلاثين سنة اشعلت اوروبا من سنة 1618 الى سنة 1648، وكانت احدى الدوافع لهجرة الاوروبيين الى اميركا، وانتهت بمؤتمر”وستفاليا” الذي ارسى نظاماً جديداً وثابتاً للعلاقات الدولية، أساسه احترام السيادة الوطنية لكل بلد.
وفي آسيا، فإن الهند هي اكثر البلدان تنوّعاً يعيش فيها اكثر من الفي مجموعة إتنية وتتمثل جميع الديانات الاساسية كما فيها اكثر من عشرين لغة رسمية بحيث يحقّ لكل ولاية هندية أن تقرّر لغتها بحرّية.
وفي أميركا الجنوبية هناك البرازيل، فسكانها 74% منهم بيض و43% خلاسيون (Metis) و8% سود و2% آسيويون وهنود حمر (السكان الاصليون). غالبية البيض أتوا من اوروبا، ولا سيما المانيا وايطاليا واسبانيا. اما السود فأتوا من افريقيا الوسطى، ولا سيما انغولا.
هذه البلدان الثلاثة، استطاع المواطنون في كل منها بناء دول ذات انظمة ديموقراطية ثابتة، تتداول فيها السلطة وفق دساتير عصرية تضمن المساواة بين الناس وتحترم خياراتهم في انتخاب ممثلين لهم على مستويات مختلفة. وثبات النظام السياسي أدى بدوره الى نمو اقتصادي مستدام، ولو بنسب متفاوتة، يسمح للشباب في الانخراط في سوق العمل وتحقيق طموحاتهم في مستقبل افضل.
في المقابل، نرى في لبنان أنّ التنوّع يؤدي الى تدمير مؤسسات الدولة والقضاء على كافة المقومات التي تسمح بقيام مجتمع عصري. وأسوأ ما في الْامر، أن المواطنين وصلوا الى قناعة أنّ الامور غير قابلة للتحسّن وأن لا مستقبل للاجيال الطالعة في هذا المكان .
والسؤال: هل ان لبنان وطن أو هو شيء آخر؟
يقول فرنسيس فوكوياما استاذ العلوم السياسية الأبرز في اميركا في كتابه «أصول النظام السياسي منذ ما قبل التاريخ ولغاية الثورة الفرنسية»: “ان الديموقراطية المعاصرة ولدت عندما التزم الحكام قواعد صارمة تحدّ من قوتهم وتخضع سلطتهم لارادة شعبية اوسع يعبّر عنها من خلال الانتخابات…
إن نجاح اية ديموقراطية ليبرالية عصرية يرتكز على ثلاث مؤسسات: الدولة، حكم القانون، وحكومة تخضع للمحاسبة. وحيث إنه يطيب لنا القول في لبنان اننا بلد ديموقراطي وان لا وجود لدولتنا بلا ديموقراطية، فأين نحن من هذه المرتكزات الثلاثة، علماً أننا نجدها كلها في البلدان الثلاثة التي ذكرناها آنفاً؟
فاذا كان وجود الدولة يفترض ان يكون لها رأس، وهذا من البديهيات، فالمطلوب ألا تكون البلاد بلا رئيس جمهورية ولو لثانية واحدة، وأنّ مجرد التفكير بامكان استمرار المؤسسات بدونه هو قفز فوق ادنى شروط التعقّل والتبصّر، علماً أنها ليست المرة الاولى التي يحصل فيها هذا الامر، ويبدو وكأنها اصبحت من العادات المقبولة وبمنتهى الاستخفاف. فالدولة هي في دستورها، ورئيس الجمهورية يقسم على صون هذا الدستور، وفي غيابه ليس هناك من دستور او دولة. اما القبول بهذا الغياب إنما هو دليل قناعة دفينة عند المسؤولين بأن لا وجود فعلياً لدولة لبنان بشكلها الحاضر.
اما عن حكم القانون فالحديث عن غيابه أيضاً يطول ويتشعّب، فبالاضافة الى ترهّل الجسم القضائي، وصعوبة حصول المواطن على حقوقه بواسطة القضاء، وافلات المجرمين والسارقين على كل المستويات من حكم العدالة، ليس هناك من قانون مدني للاحوال الشخصية. وهو وحده الكفيل بأن يحقّق المساواة بين المواطنين لمن يشاء منهم التحرّر من قبضة الطوائف ورؤسائها.
وتبقى الحكومة وخضوعها للمحاسبة.
تتألف الحكومات في لبنان نتيجة توافقات سياسية بين زعماء طائفيين لا يقيمون حدوداً واضحة بين مصالحهم الشخصية وبين شؤون الدولة. وهي اشبه ما تكون بتقاسم النفوذ، مقدمة لتقاسم المغانم والخيرات. أما البيان الحكومي فهو بدلاً من أن يكون خطة عمل استراتيجية تعبّر عن رؤيا سياسية واجتماعية تسير بالبلاد الى الامام بخطوات ثابتة، فهو عندنا أشبه بمسابقة لغوية انشائية، القصد منها جمع الافكار المتناقضة باخراج يحفظ ماء وجه جميع المشتركين او اعطاء كل فريق كلمة من هنا وتعبيراً من هناك لارضائه. اما المساءلة فهي معتقلة ومكبّلة باغلال الطائفية ولا تقطع شعرة من رأس وزير اذا كان محمياً من زعيم طائفته، وهو في المقابل يدين بالطاعة الكاملة لهذا الزعيم ولا همّ عندئذ اذا خالف الاصول والقوانين.وسط كل هذا هل يمكن اقناع اللبنانيين بأنهم يعيشون في وطن نهائي؟ فهذا المكان هو مصنع يفبرك باستمرار قضايا مصيرية وقضايا حياتية لا تجد حلولاً لها، بل فقط أنّ كل قضية جديدة تنسينا التي قبلها.

متى يحترم الدستور؟
ياسين سويد/لواء ركن متقاعد/النهار/3 شباط 2016
بعد حرب طائفية مريرة طوال خمسة عشر عاماً، وقع ضحيتها آلاف اللبنانيين من مختلف الطوائف، وضع لبنان (عام 1995) دستوراً جديداً تضمّن تعديلات دستورية، وكان أهمها المادة 95 التي نصّت على تشكيل “هيئة وطنية” برئاسة رئيس الجمهورية، تكون مهمتها “دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية”، وتقديمها “الى مجلسي النواب والوزراء” لإقرارها (راجع نص المادة 95 من الدستور). ويتساءل اللبنانيّون اليوم: أين أصبح تنفيذ هذه المادة المهمة من الدستور؟ ولماذا لم تطبَّق، على رغم مرور خمسة وعشرين عاماً على وضعه؟ ألا يعني ذلك أنّ الدولة اللبنانية عاجزة عن تنفيذ أحكام مهمة وأساسية من دستورها؟ وأنّ الطائفية والمذهبية لا تزالان تخترقان مشاعر اللبنانيين وأفئدتهم وطباعهم، رغم كل ما تخلّفه فيهم من مساوئ تعكّر، بل تفسد، مشاعر الوفاق الوطني، وتكاد تطيح السلم الأهلي؟ وإن لم يكن الأمر كذلك، فما الذي منع الدولة اللبنانية من إعداد الأرض الصالحة لقبوله وتنفيذه، وذلك بإقامة ندوات وإلقاء محاضرات بغية إقناع المواطن اللبناني بالتوجّه الوطني العلماني البعيد عن الطائفية والمذهبية؟ إن قيام مواطنين مؤمنين بما ورد نصّه في الدستور وقادرين على شرحه إعلامياً، طيلة فترة كافية تجعل اللبناني العادي قادراً على فهم غاياته وأهدافه وتقدير مصلحة المجتمع اللبناني، بأفراده وأسره ومجتمعاته كافة، في تطبيق ما تضمّنه الدستور، إيماناً منهم بأن تطبيقه يحقّق مصلحة المجتمع اللبناني في المحافظة على روح التعايش بين أهله وعائلاته الروحيّة.
وقد كان الدستور واضحاً في هذا المجال عندما نصّ على ما يأتي:
“إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاية في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية، والمؤسسات العامة والمختلطة، وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني” إلاّ أن هذه المادة (95 من الدستور) تستثني من ذلك “وظائف الفئة الأولى، وما يعادلها” فهي تكون “مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، من دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة، مع التقيّد بمبدأي الإختصاص والكفاية”، ممّا يعني أنّ المشترع لم يتمكّن من التخلّص من مشاعره الطائفيّة، حيث إنه استعادها عندما جعلها مناصفة بين المسيحيّين والمسلمين.
نرى المشترع اللبناني يكاد لا يستطيع الخلاص من موجبات النظام الطائفي حتى يعود إليها بكل طواعية، والغريب في الأمر أن المجالس النيابية التي توالت على لبنان منذ وضع الدستور الجديد الى اليوم، لم تحاول أن تخرج هذا البلد من شرنقة الطائفية البغيضة، ولو في دستوره، على الأقل، علماً أن الخروج من الطائفية يتطلّب عملاً جاداً ودؤوباً على الصعد الاعلامية، والتربية المدرسية والمنزلية، وهو ما لم يسعَ الحكم في لبنان لاستخدامه كوسيلة تربوية أو توجيهية، منذ انتهاء الحرب حتى اليوم، سواء في المدارس أو الإذاعات أو التلفزيون أو الصحف، حيث يمكن للتوجيه التربوي أن يتخذ من وسائل الإعلام ما يكفي للتوصّل إلى الهدف المبتغى. إلاّ أن أمراً على قدر كبير من الأهمية، أرى أنّه لا بد من الإشارة إليه، وهو: طائفة رئيس الجمهورية. لا شك في أنّ توافق اللبنانيّين على أن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً هو أمر لا جدال فيه ولا خلاف عليه بين اللبنانيين، شعباً ومسؤولين، إلاّ أنني أطرح الآتي: أن يكون الرئيس اللبناني مسيحيّاً، هو أمر طبيعي، لأنه الرئيس الوحيد المسيحي في مجموعة الأقطار العربية (مع اقتناعنا التام بأن لا حرج في أن يكون أي رئيس في أي بلد عربي مسيحياً، وإن كان أهل هذا البلد خليطاً من المسيحيّين والمسلمين). إلاّ أن ما يجري في لبنان، يخالف المنطق، لأن لبنان يزخر بالطوائف المسيحية المختلفة من موارنة وارثوذكس وكاثوليك وغيرها، إلاّ أن الرئاسة محصورة بالطائفة المارونية من المسيحيّين، وها قد مرّ على انتهاء حكم آخر رئيس (هو الرئيس سليمان) عشرين شهراً، من دون ان يوفّق اللبنانيّون الى اختيار رئيس ماروني، فما الذي يمنع أي مسيحي يرى في نفسه الكفاية لتسلّم منصب الرئاسة، أن يترشّح لهذا المنصب؟ لا نرى أي مانع يحول دون اتفاق القادة وأولي الأمر من المسيحيّين على اختيار رئيس منهم، ولو لم يكن مارونياً، فالدستور اللبناني لم يحصر وظيفة الرئيس بالطائفة المارونية. فليقدم السادة المسيحيون على خوض معركة الرئاسة، إلى أيّة طائفة مسيحية انتموا.