خيرالله خيرالله: روسيا تلجأ إلى أميركا في سوريا/إبراهيم الزبيدي: من الذي قتل النمر/عبدالله العلمي: لم نلق من إيران إلا الشر/يوسف الديني: خرائب الملالي: المظلومية الطائفية كورقة سياسية

248

روسيا تلجأ إلى أميركا في سوريا
خيرالله خيرالله/العرب/13 كانون الثاني/16
ليس من مصلحة روسيا وضع كل بيضها في السلة الإيرانية. لدى موسكو حسابات مرتبطة بمصالح خاصة بها تفرض عليها الامتناع عن قطع شعرة معاوية مع الجانب العربي، خصوصا مع انكشاف إيران وأدواتها المذهبية.
في المعلومات المتوافرة، وهي معلومات أكيدة إلى حد كبير، أن بشّار الأسد كلّف مجموعة من مساعديه إعداد دراسة عن البيان الصادر عن اجتماع فيينا الذي انعقد في منتصف تشرين الثاني ـ نوفمبر الماضي. كان الهدف من الدراسة مواجهة وفد المعارضة في جولة المفاوضات المقبلة المتوقعة نهاية الشهر الجاري في جنيف. فنّدت المجموعة الأسدية النقاط الواردة في بيان فيينا، وخرجت بتفسير له يصبّ في مصلحة النظام ويخدم رغبة بشّار في البقاء في السلطة متجاهلا أن بيان فيينا استند إلى بيان جنيف الصادر في 2012 الذي يركّز على أهمّية المرحلة الانتقالية. تعني المرحلة الانتقالية قيام سلطة جديدة تتمتع بكل الصلاحيات. تحلّ هذه السلطة خلال المرحلة الانتقالية مكان رئيس النظام الذي عليه أن يجد مكانا يلجأ إليه في غضون سنة ونصف سنة، أي في حدود الربع الأوّل من 2017. ذهب أعضاء من هذه المجموعة إلى موسكو لطلب الدعم اللازم لوجهة نظر بشّار الأسد وبما يستجيب لرغباته. كان الرد الروسي أن لا مجال لإدخال أي تعديل على بيان فيينا. كذلك، أكد الرد الروسي أن بيان فيينا ليس موضع أخذ ورد، بمقدار ما أنّه توجيهات على النظام السوري التزامها بحرفيتها. ترافقت زيارة الوفد التابع للنظام لموسكو مع تسريب واشنطن خريطة طريق تنتهي بترك بشّار الأسد السلطة في آذار – مارس 2017. هناك بكلّ بساطة توافق أميركي – روسي على بيان فيينا وعلى أن لا مستقبل لبشّار الأسد الذي بات نظامه جزءا من الماضي. كلّ ما في الأمر أنّ على رئيس النظام إعداد نفسه لمرحلة الرحيل، هذا إذا وجد مكانا على استعداد لاستقباله واستضافته.
في المعلومات الأكيدة أيضا أنّ أركان النظام السوري، على رأسهم بشّار الأسد، مصابون بخيبة بعد تسريب خريطة الطريق الأميركية. يشعر من يحتك بأهل النظام بهذه الخيبة، على الرغم من أنّ سنة وبضعة أشهر ما زالت تفصل عن موعد الرحيل الذي يمكن أن يكون في أيّ لحظة، وليس بالضرورة في آذار ـ مارس 2017، وذلك بغض النظر عن الدعم الذي يتلقاه النظام من روسيا وإيران. ثمة عوامل عدّة جعلت موسكو تقتنع أخيرا أن لا مجال لبقاء بشّار الأسد في السلطة. من بين هذه العوامل اكتشافها أن الضربات الجوّية التي وجّهتها إلى الثوار في سوريا، وليس إلى “داعش”، لم تحقّق النتائج المرجوّة. لا وجود لقوات في تصرّف النظام قادرة على الصمود في المناطق التي ينسحب منها الثوّار نتيجة الضربات الروسية. وهذا ما يفسّر، إلى حد كبير، الحملات العشوائية ذات الطابع الهستيري لتجنيد الشباب السوري بالقوّة، في دمشق خصوصا، وإلقاء هؤلاء المجندين الجدد على جبهات القتال. هناك مرحلة تدريب لا تتجاوز أسبوعين أحيانا يليها إرسال شبان في زهرة العمر إلى الجبهة مباشرة، بل إلى إحدى الجبهات الساخنة. بات الروسي يدرك أن عليه البحث عن مخرج من سوريا وأنّ لا أمل، في المدى البعيد، في إنقاذ النظام. كلّ ما يريده الروسي في نهاية المطاف يتمثّل في منع دول الخليج وحتّى إيران من استخدام الأراضي السورية لتمرير الغاز إلى أوروبا، وبالتالي منافسة الغاز الروسي. حدّت موسكو من طموحاتها السورية. تستخدم حاليا بشّار الأسد الذي انتشلته من الموت لتحقيق مآرب معيّنة لا أكثر.
ثمّة عامل آخر في غاية الأهمّية جعل فلاديمير بوتين يعيد النظر في حساباته السورية. يعود هذا العامل إلى هبوط أسعار النفط والغاز. ليس في استطاعة الاقتصاد الروسي الصمود طويلا في غياب التعاون مع المملكة العربية السعودية اللاعب الأهم، إلى إشعار آخر، في السوق النفطية. فعلى الرغم من كلّ ما قيل ويقال عن الوضع الاقتصادي في السعودية، اتخذت المملكة احتياطات شديدة من أجل التمكن من خوض معركة أسعار النفط والغاز لسنوات عدّة بغية المحافظة على حصّتها في السوق العالمية أوّلا، خصوصا عندما تعود إيران بقوّة إلى هذه السوق في ضوء احتمال رفع العقوبات الدولية عنها.
بكلام أوضح، على روسيا مراعاة الموقف العربي العام من مستقبل النظام السوري. لم تخف المملكة العربية السعودية موقفها الحازم في هذا الشأن، والذي يتلخّص بأنّ على بشار الأسد الرحيل بالتي هي أحسن أو بالقوّة. المهمّ أن عليه الرحيل. كلّما رحل باكرا كان ذلك أفضل لسوريا والمنطقة.
إضافة إلى ذلك، اكتشفت روسيا أنّ ليس في استطاعتها تجاهل الموقف التركي المصمّم على التخلّص من رئيس النظام السوري. الملفت أن التوتر بين موسكو وأنقرة هدأ إلى حدّ كبير، بعد الضجّة التي أثارتها روسيا إثر إسقاط سلاح الجو التركي لإحدى طائرتها المقاتلة التي تجاوزت المجال الجوي للبلد. كانت الضجة الروسية للاستهلاك الداخلي فقط. ما لبثت لغة العقل أن أخذت مكان التصعيد بعدما فهمت روسيا حدود ما تستطيع عمله وما لا تستطيع عمله. ليس من مصلحة روسيا وضع كلّ بيضها في السلّة الإيرانية. لدى موسكو حسابات مرتبطة بمصالح خاصة بها تفرض عليها الامتناع عن قطع شعرة معاوية مع الجانب العربي، خصوصا مع انكشاف إيران وأدواتها المذهبية من نوع ميليشيا “حزب الله”. أقصى ما تستطيع هذه الأدوات عمله هو المشاركة في تجويع بلدات معيّنة كما حصل في مضايا وغير مضايا… وإثارة الغرائز المذهبية خدمة للمشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة.
بالنسبة إلى موسكو، يبدو التعاون مع واشنطن الطريق الوحيد للبحث عن مخرج. الواضح أن الإدارة الأميركية مستعدة لتوفير المخرج لكنّها ليست مستعجلة على شيء.
لم يعد الشرق الأوسط أولوية أميركية في عهد باراك أوباما. سوريا في طريق التفتت. ما الفارق إذا استغرق ذلك سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات أخرى، ما دام الأمن الإسرائيلي محفوظا في ظلّ التعاون الروسي – الإسرائيلي في هذا المجال، وهو تعاون لا تبدو إيران بعيدة عنه. ما الفارق إذا قضى أهل مضايا، أو أمكن إنقاذهم من الجوع وفكّ الحصار عن بلدتهم؟ في شأن كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بالأزمة السورية، يبحث كلّ طرف معني، بما في ذلك الطرف الروسي، عن مصالحه. الغائب الوحيد هو الشعب السوري الذي يدفع حاليا ثمن كلّ هذا الظلم الذي تعرّض له منذ العام 1958، تاريخ الوحدة مع مصر التي أسست للنظام الأمني الذي أقامه البعث، على مراحل، منذ انقلاب الثامن من آذار ـ مارس 1963 الذي توّج باحتكار حافظ الأسد للسلطة في 1970. كان ذلك تمهيدا لقيام نظام نواته الأقلّية العلوية أساسا، لكنه كان في الوقعّ نظاما يغلّف نفسه بشعارات “العروبة” و”المقاومة” و”الممانعة” لتغطية الجريمة التي يتعرّض لها، ولا يزال يتعرّض لها شعب بكامله.

من الذي قتل النمر
إبراهيم الزبيدي/العرب/13 كانون الثاني/16
ألم يساهم واحد مغرور ومتعجرف ومتهور كقاسم سليماني في إعدام نمر النمر حين هب متوعدا ‘إذا أعدمت السعودية نمر النمر صباحا سنصلي عصرا في مكة’.
لا أحد ينكر أن إيران دولة كبيرة وغنية بشعبها ومواردها وتاريخها الحضاري العريق. ولكن تعالوا نفتش عن الضرورة الوطنية والقومية والدينية والطائفية والسياسية التي جعلت الخميني، ومن بعده خامنئي، يدير ظهره لجميع العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والسياحية المثمرة البناءة التي كانت لإيران، قبل مجيئه، مع دول العالم، ومنها دول المنطقة العربية، ويختار مناطحة البحر البشري العربي (السني والشيعي معا) دون أن يخطر بباله أن يأتي يوم لهذا الطوفان العربي فيصحو وينهض ويرمي وراء ظهره وسائل الدفاع السلمي العقيم، وسياسة النفَس الطويل والعد إلى العشرين، وليس إلى العشرة، ودبلوماسية الشكاوى المتلاحقة (المملة المذلة) التي تعب منها وملَّ مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ويعتمد سياسة (لا يفل الحديد غير الحديد)، والبادئ أظلم. مناسبة هذا الكلام الإجماع الفريد من نوعه بين حكومات الدول العربية، على النهوض بحزم وعزم لردع العمائم الإيرانية المتغطرسة، وعلى الرد على الصفعة الإيرانية الواحدة بصفعتين وثلاث وأربع، إلى أن تفيء إلى حكم العقل والآدمية والدين. لم تشذ عن هذا الإجماع العربي المثير حتى حكومات عربية كانت، إلى عهد قريب توهم نفسها بجدوى الحوار العقلاني مع نظام حكم حجري يقود بلاده وشعبه بمفاهيم القوة المتوهَّمة، وبأحلام الاستعمار القديم، فيضلل ناسه وأتباعه ومريديه ومقلديه، ويدفع بهم إلى التهلكة، كما فعل بنمر النمر، وبالمئات والآلاف من أمثاله الذين صدقوا وعوده، وتدافعوا إلى مناطحة الصخور في بلادهم، إيمانا منهم بأن طرزان الإيراني سيهبُّ لنجدتهم وقت الحاجة، فيقتحم سجونهم، ويحررهم من قيودهم، ويحملهم على حصان أبيض عائدا بهم إلى جنان الخلد في طهران. ألم يساهم واحدٌ مغرور ومتعجرف ومتهور كقاسم سليماني في إعدام نمر النمر حين هب متوعدا “إذا أعدمت السعودية نمر النمر صباحا سنصلي عصرا في مكة”؟ إن هذه الرؤوس المنتفخة بالغرور والعنجهية، كرأس سليماني وأمثاله، تقتل أتباعها ووكلاءها حين تعدهم بنجدتهم، وقت الضيق، ثم تتركهم، وحدهم، لأقدارهم، دون معين. ويقال إن النمر قد اعترف بما نسبته إليه المحكمة السعودية من تُهم، وأكد أنها عقيدته التي لا يتزحزح عنها. ومنها “التغرير بصغار السن ومن في حكمهم، والدعوة الصريحة لولاية الفقيه، وجعل الحكم في السعودية، وهي وطنُه الأم، لتلك الولاية”. وكما ترك النظام الإيراني “أبناءه” الحوثيين يتجرعون كؤوس السم، وحدهم، ويتساقطون على جبال اليمن وسهولها، ولم يقم بأي فعل حقيقي، كما وعد وتوعد، يبعد عنهم شبح الهزيمة المخزية، ها هو يفعل الشيء نفسه مع النمر، ويبلع تهديده ووعيده، ويكتفي بحرق سفارة في طهران، ثم يعتذر عن هذا التصرف الهمجي الأحمق، ويعد بمحاسبة القائمين به، وهو يعلم، ونحن نعلم والعالم كله يعلم، بأن أحدا في إيران لا يجرؤ على عملٍ كبير من هذا النوع غير الحرس الثوري والإمام.
نعم. لقد استنكر الولي الفقيه إعدام النمر، وتوعد السعودية بغضب إلهي قريب، ناسيا أن إيران، في ظل حكمه غير الرشيد، لا يجاريها في إعدام المعارضين أحد على وجه البسيطة. إن الولي الفقيه لا يتحمل جريرة سفك دماء خصومه وأعدائه فقط، في البحرين واليمن وسوريا ولبنان والعراق، ولكنه أيضاً، وقبل ذلك، يتحمل جريرة قتل أتباعه ومريديه الذين يأمرهم بأن يرموا أنفسهم في التهلكة، ثم لا يأتيهم منه شيء ذو قيمة، بل كلام في كلام. وتعالوا ندقق في حجم إنفاق النظام الإيراني على إشعال الحرائق في العراق وسوريا ولبنان واليمن والسودان والبحرين وغيرها، وتدبير المؤامرات والدسائس والاحتراب، وتمويل وتسليح وتدريب المئات والآلاف من القتلة الإرهابيين، شيعة وسنة. وتعالوا نجري جردة حساب عاجلة لعدد القتلى والمشوهين والمغيبين والمفقودين والمهجرين من العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين والبحارنة والإيرانيين، ونحدد الجذور الأولى لكل ما حل بالمنطقة من كوارث، من أول أيام عودة الخميني إلى إيران وإلى اليوم.
ولنعد إلى أسباب جميع الفواجع والأزمات والاضطرابات، في إيران والمنطقة، من أول مجيء الخميني من باريس في عام 1979 وإلى اليوم، بدءًا بفرض العقوبات على الشعب الإيراني، وضرر المنطقة كلها منها، وتدهور أسعار النفط العربي والإيراني، واقتراب الدولة العراقية من حافة الإفلاس المطلق، وانهيار سوريا وخرابها، وضياع نصف أهلها بين قتيل ومشرد ومفقود، واحتراق اليمن أرضا وشعبا، وتعطيل السياسة والثقافة والتجارة والسياحة في لبنان، ومعاناة البحرين من معارضة إيرانية الهوى، وتشرذم الفلسطينيين.
ولنحصِ حجم الخسارات التي لم تُصب الحكومات العربيةَ، فقط، بل أفقرت المواطنين الإيرانيين، قبل غيرهم وأكثر من سواهم، حين قتلت تجارتهم مع دول المنطقة، مستثمرين أو تجارا أو عمالا وموظفين. ترى كيف كانت ستكون المنطقة وإيران ذاتها لو أن النظام الإيراني أنفق على أبناء الطائفة الشيعية العربية الذين يزعم أنه وليُّهم المخَلـِّص المجاهد لإسعادهم جميعَ المليارات التي أنشأ بها وسلح ومول حزب الله في لبنان، وحوثيي اليمن، وميليشيات العراق، وحماس فلسطين، ومعارضة البحرين، وأمرهم بأن يقيموا بها، في أحيائهم ومدنهم وقراهم، مزارع ومصانع ومدارس ومستشفيات، أما كان سيجعلهم أعزة، وأكثر أمنا، وتحضرا، وصدارةً في أوطانهم؟ وأما كان ذلك أنفع لهم ولأجيالهم القادمة، ولإيران ذاتها؟ وأما كانوا اليوم أقل مآتمَ وصناديقَ مجللةً بالسواد بالعشرات، وأحيانا بالمئات، تحمل كل يوم خيرة الشباب الشيعة، يتساقطون في الحروب الشمشونية الخائبة التي أشعلها وما زال يشعلها الولي الفقيه؟
وفي الدول التي يزعزع أمنها واستقرارها ويستنزف ثرواتها قاسم سليماني وحرسُه الثوري وميليشياته المستأجرة أما كان السنة العرب أهدأ بالا، وأقل قتلى ومشوّهين ومفقودين ومهجّرين، وأكثر مودة وتآلفا ونفعا لإيران نفسها؟ هل من يفسر لنا هذا اللغز العصي؟

لم نلق من إيران إلا الشر
عبدالله العلمي/العرب/13 كانون الثاني/16
عيون إيران اليوم على منطقة الخليج والبحرين بصورة واضحة وجلية، ويسيل لعاب طهران كل صباح طمعاً في تقطيع الخليج وتفصيله بأسلوبها الفج والوقح.
قرارات مجلسي الوزراء البحريني والسعودي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وسحب ثلاث دول خليجية أخرى سفراءها من طهران جاءت في الوقت المناسب. كان لا بد من توجيه رد صارم على استمرار تدخل طهران السافر والخطير في شؤون دول مجلس التعاون والدول العربية الشقيقة. مازلنا نتذكر تورط إيران في التفجير الإرهابي الذي وقع في قرية سترة في البحرين المسالمة في 28 يوليو 2015 وأسفرَ عن استشهادِ اثنين من رجالِ الأمن البواسل وإصابةِ ستة آخرين. لن ننسى شهداء سترة، وكل الجرائم الإرهابية التي مولتها طهران. المنامة كشفت أن “الحرس الثوري” الإيراني يقف بصورة مباشرة وراء العمل الإرهابي. كلنا نتذكر تورط طهران في محاولة تهريب أسلحة ومتفجرات (ومنها مادة C4 شديدةُ الانفجار) عن طريق البحر قبل الجريمة الإرهابية بأيام. هذه إشارة واضحة إلى نوايا إيران العدوانية تجاه مملكة البحرين. تضامن وتكاتف الدول العربية خلال مؤتمر وزراء الخارجية العرب هذا الأسبوع في القاهرة بشأن الهجوم الذي تعرضت له السفارة السعودية في طهران ليس مستغربا، هكذا هي الصخرة العربية الصلبة. أما تحفظ لبنان على بيان المؤتمر، فهو لا يهم كثيرا، ولن يقدم أو يؤخر طالما أن القرار اللبناني “السيادي” ليس بيد لبنان. مجلس النواب البحريني أكد في أكثر من مرة رفضه للتصريحات السيئة والتدخلات السافرة للمنظمة الإرهابية “حزب الله اللبناني”، وتهديدها للأمن في مملكة البحرين. الأدلة والبراهين، المحلية والخارجية، أثبتت دعم ملالي طهران لهذه المنظمة الإرهابية من أجل زعزعة أمن مملكة البحرين. إن قتل رجال الأمن البحريني بدم بارد وحرق المؤسسات الحكومية بالمولوتوف ليسا تعبيرا عن رأي، بل جرائم عصابات إرهابية.
بعد عدة أيام، سيظهر الإرهابي حسن نصرالله على شاشات التلفاز وهو يحتفل بتحفظ لبنان على قرار اجتماع الوزراء العرب ويعد متابعيه بالنصر العظيم، وكأن الطريق إلى تل أبيب يمر عبر ميدان التحرير في القاهرة. رسالة دول مجلس التعاون لإيران واضحة؛ نحن لن ننسى شهداء سترة رحمهم الله، وكل من استشهد دفاعاً عن وطنه ضد الأطماع الإيرانية الحاقدة. إيران حاولت قلب نظام الحكم في البحرين عدة مرات وخاصة في عامي 1982 و2011. كل المحاولات باءت بالفشل وتلقت طهران صفعة مدوية سُمع صداها في قم. وزارة الداخلية البحرينية أعلنت في بيان في 25 يوليو 2015، إحباط عملية تهريب عن طريق البحر لكمية من المواد المتفجرة شديدة الخطورة، إضافة إلى عدد من الأسلحة الأوتوماتيكية والذخائر. في عيد الفطر 1436 (23 سبتمبر 2015) والمفترض أن يحتفل فيه المسلمون بالمحبة والسلام، رمى المرشد الأعلى علي خامنئي أقبح المفردات (وهذا ليس بغريب عليه) عندما أكد في خطبة العيد أن إيران لن تتخلى عن دعم أصدقائها في المنطقة، وخاصة “المضطهدين” في البحرين. عيون إيران اليوم على منطقة الخليج والبحرين بصورة واضحة وجلية، ويسيل لعاب طهران كل صباح طمعاً في تقطيع الخليج وتفصيله بأسلوبها الفج والوقح. وبينما الولايات المتحدة الأميركية مشغولة بالإعداد للانتخابات الرئاسية 2016، وبينما أوروبا تقيّمُ سياساتها بشأن وفود مئات الآلاف من اللاجئين، المنطقة كلها مقبلة على مخطط إيراني ديني ومذهبي إرهابي خطير. الخليج ربما قادم على مزيد من عمليات تهريب الأسلحة وبث الفرقة والكراهية وتخزين المتفجرات. صدق وزير الخارجية البحرينية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة عندما قال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي “لم نلق من إيران إلا الشرّ”.

خرائب الملالي: المظلومية الطائفية كورقة سياسية
يوسف الديني/الشرق الأوسط/12 كانون الثاني/16
يفقد نظام طهران توازنه بعد رد الفعل الحازم سياسيا تجاه التلاعب بالأعراف الدبلوماسية، وسيادة الدول والتعبئة ضد نظام المملكة، بدعاوى طائفية ما عادت تنطلي على المجتمع الدولي، لا سيما أن التصعيد الطائفي من بوابة السياسة يشعل خزانات الطائفية من زاويا دينية وتاريخية واجتماعية، ومن يتابع محتوى الإعلام الرسمي والجديد وحتى أحاديث المجالس يدرك إلى أي مدى بلغ منسوب الطائفية الآن، مما ينذر بتحول المناورات الإيرانية لجر المنطقة لحرب طائفية إلى فخ طائفي لا يمكن أن تقبل به السعودية، وهي تحاول طرح سياسة احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الخاصة أو تثوير وضعها السياسي عبر أذرع إيران غير الشرعية من حزب الله إلى أنصار الله، إلى المجموعات السياسية المؤيدة لتوجه إيران، وهي مزيج غير متجانس من بقايا اليسار والقومية والغاضبين من فشل تجربة الربيع العربي وتداعياته، التي صعدت منطق دول الاعتدال العربي في مواجهة محور محتقن سياسيا بقيادة إيران المأزومة داخليًا، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والممانعة الشعبية وهو ما استدعى منها ترحيل أزماتها للخارج لتعبئة الداخل من جهة، ولمحاولة الضغط على المجتمع الدولي عقب الاتفاق النووي بأخذ دور جديد في المنطقة، بعد أن ساهم تعثر سياسة الولايات المتحدة في العراق إلى خلق مناطق توتر تداخل فيها الإرهاب مع مفهوم الدولة الفاشلة، مع صعود الميليشيات، ولنا أن نتخيل المنطقة بعد سنوات من هذه الفوضى غير الخلاقة.
اللاعبون على الساحة السياسية في مناطق التوتر من العراق إلى سوريا إلى اليمن إلى ليبيا، يهدفون إلى تعزيز السيطرة على الأرض وليس التحول إلى كتلة سياسية لها صوت بحاجة إلى تمثيل، والأكراد في سوريا والعراق والحدود التركية يهدفون إلى التحول إلى دولة، والميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران كمنظمة بدر تهدف إلى بسط نفوذها في مناطق واسعة على طريقة حزب الله اللبناني، وهو ما عرف بحالة «الدولة داخل الدولة»، الاستفادة من مؤسسات الدولة والحديث باسمها وممارسة سياسات الميليشيا من ترويع وخطف وقتل وتهديد وخطابات ثورية ذات مضامين وشعارات سياسية، لا تنتمي إلى الواقع بقدر أنها تمارس وصايتها لتمرير آيديولوجيتها الخاصة، كما هو الحال في العراق الأكثر تعقيدًا حيث يتداخل منطق الميليشيا مع الدولة بشكل معقد، إذ تعيش الميليشيا على مناخ الدولة وتستفيد الدولة المتعثرة من زخم وشعبية الميليشيا، كما تستفيد من تجاوزاتها التي عادة لا تتحمل مسؤوليتها، وهو ما يعجل الحصار لتنظيم داعش الذي لا يعيش في كنف دولة، وإنما يسعى لابتلاعها، ويترشح في حال عدم الوقوف ضد حالة التمدد للميليشيات الشيعية الصاعدة بعد إضعاف «داعش» أو القضاء عليه عسكريًا، إلى تحول تلك الميليشيات إلى شبح يهدد الدول التي ينتمي إليها في سبيل شعار القضاء على الإرهاب.
في ظل هذا الخراب السياسي الكبير الذي يدشنه «الملالي» في المنطقة، يقابله تيقظ سعودي لخطورة المرحلة والذي استدعى إعادة بناء التحالفات السياسية مع دول الجوار لحماية «فضيلة الاستقرار» الذي تشعر دول المنطقة بأهميته وقيمته وأولويته في المرحلة المقبلة، مما استدعى دخول تركيا على خط الفرز السياسي، بعد أن كانت تحاول الأداء كلاعب مستقل يحاول تسيير الأحداث وفق مصالح وتوجه النخبة الحاكمة أكثر من الثقل الجيوسياسي والإقليمي بسبب خصوصية الملف الكردي.
دخول روسيا على الخط في محاولة احتواء محور «الممانعة» الذي تتزعمه إيران يقابله ارتباك أميركي كبير ليس على مستوى التدخل في شؤون المنطقة، والذي تراجع منذ تسنم الرئيس أوباما للرئاسة وحتى رغبته الجامحة في إنهاء ولايته من دون تغييرات جذرية على مستوى السياسة الخارجية، في حين أن أزمات المنطقة انتقلت من مرحلة الملفات المتأزمة في مناطق متعددة من سوريا إلى اليمن إلى ليبيا، إلى انقسام ثنائي تريد إيران تكريسه وجرّه إلى منطقة ملتهبة هي «الطائفية»، وما يتبعها من مظلومية الأقليات. والحال أنه لم يعد بكاف الآن الدخول في المنطقة عسكريًا أو سياسيا من بوابة الحرب على الإرهاب و«داعش» فحسب، فقد استنفد هذا الشعار مهمته بعد أن تداخل ملف الإرهاب بصعود الميليشيا بانهيار مفهوم الدولة ببقاء نظام البراميل المتفجرة تجاه الشعب الأعزل، كما هو حال نظام الأسد الذي يعد المستفيد الأول من حالة الفوضى التي تضمن له البقاء فترة أطول في ظل حالة اللاحسم السياسي الذي يبدو أنه سيد المشهد في 2015 المنصرم. 2016 هو عام صعود الدبلوماسية السعودية وأجندتها الواضحة والصريحة، الاستقرار والحرب على الإرهاب بكل أنواعه وإعادة مفهوم الدولة وحماية الحدود خطوط عريضة لا يمكن المساومة عليها، مع التأكيد على عدم الوقوع في مستنقع الطائفية رغم ارتفاع أصوات المتطرفين من كل جانب، فما يحدث على الأرض هو محاولة إيرانية لفرض هيمنتها الإقليمية من خلال اللعب على تناقضات الطائفية ومظلوميتها كما هو الحال مع استغلال حوادث وإجراءات ذات طابع سيادي يخص كل دولة، كما أن عودة إيران إلى المجتمع الدولي عبر الاتفاق النووي يجعلها أكثر جرأة في العودة كدولة متضخمة بأذرعها العسكرية والآيديولوجية في المنطقة، ولو بشكل مفتعل وطائفي على طريقة الحرب بالوكالة. تمتين العلاقات بدول المنطقة المؤثرة في ظل هذا الارتباك الأميركي كانت الخطوة الأولى للدبلوماسية السعودية الصاعدة والتي يترشح أن تكون الصوت الأعلى في العام الجديد 2016. أدام الله لحمة الأوطان وأبعد عنها الفتن، ما ظهر منها وما بطن.