وسام سعادة: التحييد الواقعي للداخل اللبناني: من اختبار إلى اختبار/سابين عويس: تطل مثقلة بتهديدات مالية واقتصادية والتصعيد الإيراني – السعودي يطيح الرئاسة

203

التحييد الواقعي للداخل اللبناني: من اختبار إلى اختبار
وسام سعادة/المستقبل/04 كانون الثاني/16

تحييد لبنان فكرة عمرها من عمر التكوين الحديث للبنان. فكرة «لم تُطْعَم» نسقاً صلباً يترجمها، ويتولى صيانتها أولاً بأوّل، لكنها بقيت مع ذلك لا تكاد تختفي حتى ترجع، ولو تبدّل السياق، ولا تعدّلت شروط اللعبة. في العام المنقضي، استمرّ ضرب الحائط بمبدأ تحييد لبنان عن الحرب السورية، الذي أقرّ في «إعلان بعبدا»، وتواصلت حرب التدخل التي يشنّها «حزب الله« إلى جانب قوات النظام البعثي في سوريا، وبفاتورة نعوش لم تنقطع، تعبر الحدود التي لم يعد لها اعتبار كحدود، وللعام الثالث على التوالي على هذا المنوال، واستمر الشغور الرئاسي الذي هو «تكثيف» على مستوى المقام الأول في الدولة، للانشطار الحاد في الالتزامات الإقليمية للفرقاء اللبنانيين. لكن هذا الاستنزاف الدامي والنقيض لفكرة «تحييد لبنان»، سواء اعتبرناه تحييداً له عن حرب أهلية مجاورة، أو عن صدام بين نظام وثورة، تعايش في الداخل اللبناني، مع «تحييد واقعي» له، بمعنى أنّ دائرة الاشتعال العراقية – السورية لم تتمدّد فعلياً إليه، إلا بشكل موضعي (محنة العسكريين المخطوفين على يد الجماعات المسلحة)، وبهجوم إرهابي دموي استهدف الأهالي في منطقة برج البراجنة أواخر العام. وعلى الرغم من تعاظم عدد اللاجئين السوريين في لبنان، وتمادي التدخل الحزب اللهي في سوريا، وتراكم طبقات «التدويل» للحرب السورية فوق بعضها البعض، بعد انطلاقة التدخّل الجوّي الروسي، إلا أن لبنان بقي «محروساً»، لا بل سُجِّل انخفاض معتبر في مستوى الاحتكام إلى السلاح أو التهديد به في الداخل اللبناني، وتحديداً حين انفجرت أزمة النفايات في الشارع، لم يظهر «حزب الله» كقوة ثورية بإزاء «النظام اللبناني»، إنما كقوة لها حصة فيه، يهمها «سحب عصبه»، لكنها تمانع الانقضاض عليه. جرى تحييد «الداخل» اللبناني «واقعياً» في العام الماضي إذاً، ولو أن أكبر جماعة مسلحة فيه غير محايدة أبداً في الحرب السورية، بل منخرطة فيه بشكل صار أخصامها يساورهم القلق من خروج الحزب مهزوماً من سوريا أكثر من أي سيناريو آخر، ويعتبرون أن «عودة» الحزب من سوريا إلى لبنان ينبغي أن تستبق أو تواكب بترتيبات دقيقة تحاشياً لأزمة هيكلية بين الطوائف أعنف من سابقاتها. ومع اندلاع الحرب في اليمن، كانت العين مجدداً على تحييد لبنان، بسبب تجاذبات مرجعيات النفوذ الإقليمي المختلفة عليه، وبحكم نسيجه الأهلي والمذهبي، وتشابك هذا النسيج مع هذا المحور أو ذاك. بيد أن ما حصل بالنتيجة هو مفارقة ارتفاع حدة توتر في الخطاب المعني بالمسائل البعيدة عن النطاق اللبناني، في مقابل استمرار العمل الحكومي بإيقاع «معقول» في ظروف بهذه الهشاشة، وفي ظل الشغور الرئاسي، إلى أن تعثّر العمل الحكومي في مطلع الصيف، لكن من جهة «إشكالية ميشال عون»، ثم انوجد هذا العمل حيال مشكلة مستفحلة، النفايات، وحيال حركة احتجاجية في الشارع. وحتى عندما انشغلت الأوساط في الفترة الماضية، بموضوع «المبادرة الرئاسية»، أريد منها، بحسب المدافعين عنها، نوع متقن من تحييد لبنان عن دائرة الحرائق الإقليمية، فضلاً عن استئناف الإيقاع المؤسساتي، في حين خرج اعتراضان عليها، أحدهما يسائلها بالتحديد في قدرتها على بلوغ الهدف المنشود، وهو تحييد لبنان، فيما الاعتراض الثاني ليس معنياً أبداً بهذا التحييد. مفارقات «تحييد لبنان واقعياً»، على الصعيد الداخلي، ولو بشكل غير مكتمل، وغير مضمون، وعائم على أمواج من التوجّس والقلق، هي مفارقات ملأت العام الماضي بكامله. لكن يبدو أن العام الجديد، هذا، فرض مجدداً الاختبار، اختبار القدرة على تحييد لبنان حيال الموجة الجديدة من المحاور والتصادمات في المنطقة، والأهم من ذلك: اختبار السؤال عن كلفة الاستمرار في التحييد «الواقعي» للداخل اللبناني.

تطل مثقلة بتهديدات مالية واقتصادية والتصعيد الإيراني – السعودي يطيح الرئاسة
سابين عويس/النهار/4 كانون الثاني 2016

طوى العام 2015 صفحاته السود من دون أن يفتح بارقة أمل يطل بها على السنة الجديدة. فباستثناء الثلج الذي غمر سفوح لبنان، لا تحمل 2016 أي صفحات بيض يمكن ان تشكل مؤشرا لخطوات جدية تكبح الانحدار المدوّي للبلاد نحو الانهيار، ليس على المستوى السياسي والامني فحسب، وإنما أيضاً والاخطر على المستويين الاقتصادي والمالي. فالعام المنصرم الذي لم يحمل للبنان إلا المآسي والازمات والفضائح التي عكست افتقاد البلاد سلطات مسؤولة وواعية ومدركة لحجم المخاطر المحدقة، نقل عدواه الى طلائع السنة الجديدة التي أطلت على اللبنانيين محملة أثقال 2015 وتحدياتها واستحقاقاتها، والأسوأ أنها عادت بالنموذج السياسي عينه الذي يتولى إدارة الأزمة. تنتهي عطلة الأعياد لتستأنف البلاد اعتبارا من اليوم، نشاطها السياسي وسط ازدحام بالملفات المطروحة، بدءا من ملف المبادرة الرئاسية المرهونة بمن هو قادر على أن يحركها ويعيد إليها الزخم الذي تفتقده، مرورا بالوضع الحكومي المأزوم والعالق في عنق زجاجة التعطيل، رغم المساعي التي أفضت اليها طاولة الحوار الوطني في آخر جلسة، والتي انتهت الى توافق غير مباشر على ضرورة تفعيل عمل الحكومة، وصولا الى أوضاع أمنية هشة أسيرة تهديدات جدية بعودة التفجيرات والاغتيالات.

لا ترى أوساط سياسية متابعة أن في الأفق ما يشي بإمكان تحقيق أي تقدم على المحاور المذكورة أعلاه. وتنطلق في كلامها هذا من الضبابية التي تحوط المشهد السياسي الداخلي المضبوط على المشهد الاقليمي، خصوصا بعد التصعيد الأخير على محور العلاقة السعودية-الإيرانية غداة إعدام السلطات السعودية الشيخ نمر باقر النمر. وقد شكل كلام الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله أمس مؤشرا واضحا لقرار التصعيد بعد الهجمة الشرسة التي شنها على آل سعود والتي كان الحزب بدأها قبل فترة، وإن بوتيرة تدريجية. وعليه، لا تستبعد الاوساط أن يترك هذا التصعيد أثره الكبير على الوضع اللبناني الداخلي عموما وعلى الملفين الرئاسي والحكومي بشكل خاص. وما قد يزيد المشهد الداخلي تعقيدا، يتمثل في التضييق الأميركي على “حزب الله”، والذي ترافق مع تضييق مماثل على طهران رغم دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ. ففي حين يفترض أن يبدأ تطبيق الاتفاق اعتبارا من كانون الثاني الجاري برفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، تتجه الولايات المتحدة نحو فرض عقوبات جديدة بعدما قررت واشنطن الإعداد لعقوبات جديدة ضد شركات وشخصيات إيرانية بسبب التجربة الصاروخية التي أجرتها إيران في تشرين الأول الماضي، على صاروخ متوسط المدى. والخلاف قائم على نوعية الصواريخ المسموح لإيران بتطويرها وما إذا كانت قادرة أو مصممة لحمل رؤوس نووية. وإذا كان الاهتمام السياسي منصباً على استكشاف أفق المبادرة الرئاسية الرامية إلى تأمين التوافق على النائب سليمان فرنجيه، فإن الاوساط لا تستبعد أن يستمر تجميد هذه المبادرة في انتظار اتضاح المشهد الاقليمي ونضج التفاهم السعودي الايراني على هذا الملف، الامر الذي لم يجهز ولم يأخذ مكانه بعد على أجندة الراعيين الإقليميين للوضع اللبناني. علما أن إنضاج الطرح الرئاسي لا تزال دونه خطوات كثيرة تنقله من مجرد طرح إلى مبادرة حقيقية. وهذا يتطلب بحسب الاوساط ثلاث خطوات لا تبدو الطريق امام اتخاذها قد عبدت بعد: إعلان رسمي من “تيار المستقبل” بتأييد فرنجيه، يستتبع بسحب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مرشحه النائب هنري حلو( لتأكيد جدية تأييد جنبلاط لفرنجيه)، تفسير واضح لموقف بكركي الملتبس حيال ترشيح واحد من الأقطاب الأربعة المنبثقين من توافق الصرح البطريركي، بعد الكلام الأخير للبطريرك الراعي الذي ميز فيه بين المبادرة والاسم المطروح، وتسليم “حزب الله” أو قبوله بعودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة. وفي الانتظار، يبقى الطرح جدياً ولكن غير عملي!