نديم قطيش: بين حسن نصرالله ومحمد شطح/مصطفى علوش: ذكرى اغتيال محمد شطح: باقٍ وأعمار الطغاة قصار

326

بين حسن نصرالله ومحمد شطح
نديم قطيش/المدن/الإثنين 28/12/2015
مريع التزامن بين الذكرى الثانية لجريمة إغتيال الدكتور محمد شطح، وخطابين لأمين عام عام حزب الله حسن نصرالله حول مقتل القيادي في حزب الله سمير القنطار. “سلطة” محمد شطح هي سلطة حجته التي يجيد صياغتها ودعمها بالوقائع والادلة وتقديمها بأعلى درجات الوضوح. الحجة التي لا يقيم لها نصرالله أي وزن في خطابه وفي التعبير عن “سلطته”. أحسب أن هذا الفارق الجوهري بين سلطتين وخطابين. نص محمد شطح واضح، مشدود، لا هذر فيه ولا إطالات. يحيل دوماً على مصلحة محددة، كما أنه متسق في منطلقاته ومرجعياته بلا اي مواربة او ادعاء او انتحال. واغتياله هو اغتيال حجته المفحمة وتعطيل كل كلام يمكن ان يقوله. هو قتل لكلامه.لنصه. لأن وزن محمد شطح، وسلطته مرة اخرى، تقيم في نصه وكلامه، نيابة عن فريق كامل قد لا يجيد كله صياغة وهندسة الحجة. على الضد منه ومن سلطته يقع نص حسن نصرالله. الحجة هنا رخوة ومتقلبة كالنص نفسه الذي يخبط خبط شعواء، لكثرة ما ينتحل صفات ومرجعيات وأنساب. فهو رجل الدين ورئيس المليشيا والقائد السياسي لفريق في النظام. وهو محرر وحامي لبنان لكنه في الوقت نفسه حامي سوريا ومحرر فلسطين وهاتان مهمتان دونهما دوماً التضحية بلبنان وأمنه وسيادته. سمة خطابه الهذر والاطالة والاحالة الدائمة على غيب ما، أكان غيباً عقائدياً (الميثولوجيا الشيعية) او غيباً قيمياً (الكرامة والعزة والاباء ومفردات أخرى يرصفها رصفاً)! يمكن لأي كان أن يعود الى نص محمد شطح مدركاً سلفاً أن ما سيجده هو حجة واضحة تنتمي إلى عمارة متسقة لا تنافر بين مكوناتها، من دون أن تكون أيديولوجيا متخشبة. أما العودة الى نص نصرالله فهي عودة ليس للإطلاع على الحجة كمصدر لسلطة النص بل للتعرف الى القوة التي يصدر عنها نصرالله وأحوالها. يعود المرء ليعرف ان كان ثمة حرب تلوح في الافق أو لا، من دون ان يتوقع العثور على حجة تبرر الحرب او تقيم لها منطقاً. يعود الى نصه ليعرف ان كان ثمة ما سينفجر في وجوهنا في الداخل، حرباً او اعتصاماً او انقضاضاً على تسوية، أو العكس، وذلك كترجمة لحال القوة. هل هو ضعيف ام قوي؟ عودة للتعرف على حال القوة العارية وليس على منطقها او حجتها. قبل ايام وفي خطابه الاول بعد مقتل القنطار، اثار نصرالله مسألة قرار الخزانة الاميركية وتأثيراته المحتملة على البيئة الحاضنة لحزب الله. استثار الرجل حمية المؤسسات والدولة والسيادة وحكم القانون، لدرجة تجعلك تصدق أنه يؤمن بالدولة والسيادة وحكم القانون. بعد ايام وفي خطابه الثاني، اعلن الرجل، أن حزبه سيرد على قتل القنطار “أياً تكن التبعات” مكرراً إياها ثلاث مرات على الاقل، و أن “الرد على اغتيال القنطار أصبح بين أيدي المؤتمنين على الدماء”. في الخطابين يتضح الفارق الجوهري الذي اتحدث عنه بين نصي شطح ونصرالله. لا مكان هنا للحجة في كلام أمين عام حزب الله. انها القوة في تعبيرها الفظ عن أحوالها.يكفي أن نسأل أين الدولة والسيادة وحكم القانون الذين طالب بهم واستنطقهم واستنهضهم في حديثه عن الرد “أياً نكن التبعات”؟ اليست الدولة والسيادة وحكم القانون هم من يحدد التبعات والتعامل معها وتفاديها او الاقدام بمعزل عنها. وهل“المؤتمنون على الدماء” يمتون بأي صلة للدولة والمؤسسات وهل يخضعون للمحاسبة في حال فاضت التبعات “عما كنا نعلم او لا نعلم”!!! مثل هذه الاسئلة لا قيمة لها لأنها تفترض ان للحجة مكاناً في كلام نصرالله وأن للحجة وزناً في مقارعة الرجل. الواقع ان تجاور الحجة ونقيضها في نص واحد او في نصين متقاربين لحسن نصرالله، يوفر مدخلاً للاطلاع على حال قوته لا أكثر. فهو يعرف، او ثمة من شرح له، أن المصارف التي تخضع أساسا لقانون النقد والتسليف وللسلطة النقدية المستقلة التي يمثلها مصرف لبنان لا يمكنها الخروج عن القوانين الدولية التي تخرجها من النظام المالي العالمي. وانه حيال ذلك لا يقوى على أكثر من الصراخ والتذكير بالدولة والمؤسسات متخلياً عن المسؤولية حيال من قد تستهدفهم العقوبات. الحجة هنا مادة لمداراة الضعف والعجز.
اما حين يريد صيانة الهيبة والسمعة في جزئية الرد الحتمي على مقتل القنطار، لا يتردد نصرالله في تجاوز الدولة واسقاطها من حساباته وخطابه. الحجة هنا اما لتظهير سلامة القوة التي تنهض عليها سلطة نصرالله وحزبه او هي تورية لتخبئة الضعف، وهذا ما ستكشفه الايام المقبلة، من خلال رد او عدم رد حزب الله. قوة محمد شطح هي حجته. حجة حسن نصرالله هي قوته. بين الاثنين حكاية بلاد وصراع هذا جوهره البسيط والخطير في آن.

 

في ذكرى اغتيال محمد شطح/باقٍ وأعمار الطغاة قصار
مصطفى علوش  المستقبل/28 كانون الاول 2015
«كأنما أمة في شخصك اجتمعت وأنت وحدك في صحرائها مطر أظنها طلقات الغدر حين هوت تكاد لو أبصرت عينيك تعتذر هذا علي يصلي فوق مسجده فيا ابن ملجم اضرب إنه قدر« (شوقي بزيع )
ليعذرني كل الرفاق والأصدقاء الذين يتغزلون بالإعتدال ويزينونه وهم يصفون محمد شطح بكل تلك الصفات الإنسانية مغفلين القضية الأهم وهي أن عمق فكر محمد وتصرفاته اللطيفة والمهذبة تجعله أكثر صقور قوى الرابع عشر من آذار تأثيراً ووضوحاً في الرؤيا. واليوم أراه يبتسم متأسفاً ومشفقاً على من أساؤوا فهم هدوئه وتهذيبه ورجاحة عقله بأنها اعتدال. ليعذروني لأن محمد شطح لم يكن معتدلاً بشيء، فليس من الإعتدال أن يقرر أحدهم مواجهة الأسطورة في عالم تحكمه الأساطير. منذ الصغر كان يمر كالظل على متجر والده في باب التبانة في صعوده ونزوله على الدرج الطويل باتجاه «مدرسة الأمريكان« في القبة، صحواً أو مطراً ليتعلم كيف يواجه الأساطير. ومن هناك انطلق إلى الجامعة ليحيا بين النظريات والأرقام والإحصاءات والإحتمالات ليدرك أن اليقين المطلق ليس إلا جزءاً من الأسطورة، وأن الحقائق ليست إلا توافقات، وأن الحقيقة المطلقة إن ثبتت في مكان فلا يمكنها أن تثبت في الزمان. ان بإمكانه البقاء هناك في عالم الأرقام والإحتمالات والأدلة والبحوث العلمية، لكنه عاد إلى لبنان عندما لاحت له فرصة لمواجهة الأساطير، مع أنه كان يعلم قوتها وعمق تجذرها في نفوس الناس، وكيف أنها احتلت المساحة الأكبر من العقول ولم تترك للمعرفة إلا القدر القليل من المجال. يوم السابع والعشرين من كانون الأول، لم يخطر ببال أي منا أن الأسطورة نفسها اغتالت محمد، لم يقدّر أي منا حجم الخطر الذي شكّله على هذا العالم الغارق في الفرضيات الفارغة والمسلّمات المضحكة والتوحش المقدس. م يكن محمد يعتقد بأن رسالة واحدة وضع نصها كانت قادرة على أن تدفع الأسطورة الى أن تصدر القرار بإعدامه، كما أصدرت القرار بإعدام رفيق الحريري وآخرين من قادة ثورة الأرز. لكن مَن قتل محمد يحيا على الأسطورة، وعقائده مبنية على أسطورة، ويبشر الناس بناءً على أسطورة، ويموت فداءً لأسطورة، ويقتل ويدمر بناءً لفتوى من أسطورة. هم ببساطة بجريمتهم يدافعون عن وجودهم النابع من كذبة كبرى وتجسده بأسطورة.
غداً ستفنى الأسطورة القاتلة كما فنت أساطير قبلها ويبقى العلم والمعرفة وهما على مثال محمد شطح.