نبيل بومنصف: معركة الحليفين طويلة/اميل خوري: رئيس لمرحلة انتقالية يحضّر لمرحلة تأسيسيّة بعد انتخابات نيابيّة على أساس قانون جديد

251

رئيس لمرحلة انتقالية يحضّر لمرحلة تأسيسيّة بعد انتخابات نيابيّة على أساس قانون جديد
اميل خوري/النهار/21 كانون الأول 2015
ترى بكركي أنه لم يعد مقبولاً ولا مسموحاً أن يستمر الشغور الرئاسي بعدما باتت صورة الانتخابات الرئاسية واضحة للجميع، وينبغي أن يكون لصرخة البطريرك الكاردينال الراعي صدى إيجابي لدى أهل السياسة ولا تبقى صرخة في بريتهم، فإذا كان في الإمكان انتخاب رئيس اليوم فلماذا نؤجّل ذلك إلى الغد؟!
ثمة مرشّحون أعلنوا ترشيحهم ومرشّحون لم يُعلنوا ذلك، ويستمر نواب منتمون إلى 8 آذار في تعطيل جلسات الانتخاب بالتغيّب عنها من دون عذر شرعي، في حين يصرّ العماد ميشال عون على التمسّك بترشيحه وعدم الانسحاب لأحد حتى لحليفه النائب سليمان فرنجيه الذي يتبيّن أنه أوفر حظاً منه، ومع ذلك فهو مستعد للانسحاب إذا صار اتفاق على البديل، وهو ما أعلنه المرشّح سمير جعجع أيضاً عندما لم ينل الأصوات المطلوبة لفوزه بالقول إنّه مستعد للانسحاب لمرشّح يصير التوافق عليه. لذلك يمكن القول إن كرة الانتخابات الرئاسيّة هي في ملعب 8 آذار وتحديداً في ملعب “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، فتقرّر مَنْ تؤيّد من المرشّحَين عون وفرنجيه أو أي مرشّح ثالث يتمّ التوافق عليه، أو تقرّر النزول إلى مجلس النواب لتنتخب الأكثرية من تشاء من المرشّحين المُعلنين أو غير المُعلنين. أما أن يظلّ عون مصرّاً على ترشيحه ويرفض الانسحاب ولا قرار تتّخذه 8 آذار وتحديداً “حزب الله”، فلم يعد مقبولاً ولا معقولاً ليستمر الشغور الرئاسي. الواقع أن كل ما يجري في موضوع الانتخابات الرئاسيّة اليوم لم يكن يجري في الماضي، فلا مقاطعة نواب لجلسات الانتخاب ولا مرشّحون مستمرّون في الترشيح ولا يحسمون أمرهم. فالمرشّح حميد فرنجيه انسحب لمنافسه كميل شمعون عندما قرّر نواب طرابلس عدم تأييده وفضّلوا عليه شمعون كونه “فتى العروب الأغر”، وأيّد أركان “الحلف الثلاثي” (شمعون، الجميل، إده) المرشّح سليمان فرنجيه منافساً للمرشّح الياس سركيس عندما تبيّن لهم أنه أكثر حظاً في الفوز من أي واحد منهم. وعندما تمّ ترشيح اللواء فؤاد شهاب للرئاسة قرّر العميد ريمون إده الترشّح ضده، لا للفوز عليه إنّما ليجعل اللعبة الديموقراطية تأخذ مداها ولا يعطّلها تدخّل خارجي يفرض التزكية. وبعدما أصبحت صورة الانتخابات الرئاسية واضحة لم يعد مسموحاً لأي حزب أو تكتّل بالاستمرار في سياسة الانتظار وترقّب ما يجري في المنطقة لاتخاذ موقف، وهو انتظار قد يطول ولم يعد لبنان يقوى على تحمّل ذلك لا سيّما اقتصادياً ومالياً واجتماعياً. هذه الصورة هي على الشكل الآتي:
1 – أن يعلن العماد عون سحب ترشيحه لحليفه النائب فرنجيه الذي يصبح عندئذ مرشّحاً منافساً لأي مرشّح آخر.
2 – أن يرفض العماد عون الانسحاب لأي مرشّح ويقرّر خوض المعركة منافساً لأي مرشّح من المرشّحين.
3 – أن تجتمع قوى 8 آذار وتقرّر خوض المعركة بمرشّح واحد إما عون وإما فرنجيه.
4 – أن يقرّر “حزب الله” تأييد ترشيح فرنجيه وهو ما قد يدفع العماد عون الى الانسحاب لفرنجيه أو عدم الانسحاب لأحد ما دام “الحزب” لم يتّخذ أي قرار.
وعندما تحسم معركة الترشيح بين عون وفرنجيه يصبح مطلوباً من قوى 14 آذار ولا سيما الأحزاب المسيحية فيها أن تقرّر تأييد فرنجيه أو تأييد جعجع أو محاولة الاتفاق على مرشح ثالث يكون من خارج 8 و14 آذار ويفوز بالتزكية. فالمرشّح فرنجيه حتى وإن كان يحظى بتأييد الأكثرية النيابية المطلوبة، عليه أن يحظى بتأييد أحد الأحزاب المسيحية الكبرى وهي: “التيار الوطني الحر”، “القوات اللبنانية”، الكتائب. وإذا لم يحظ بتأييد ولو حزب واحد من هذه الأحزاب فإنه قد يواجه المتاعب إبّان حكمه والأزمات التي قد يستعصي عليه حلها، فلا سبيل إذاً لطرح بديل من عون وفرنجيه إلاّ باتفاق الأقطاب الموارنة الأربعة على مرشّح ثالث مستقل يجيد ادارة التوازنات الداخلية الدقيقة تجنّباً لمواجهة أزمات يستعصي عليه حلّها، فتُصاب المؤسّسات بالشلل والجمود ولا سيما الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد.
إن المرحلة التي يمر بها لبنان قد تكون مرحلة انتقالية تحضّر لمرحلة تأسيسيّة فيه وقد يكون المناسب لها رئيس مستقل لمرحلة ما بعده باعادة تكوين السلطة من خلال انتخابات نيابية تجرى على أساس قانون عادل ومتوازن ومجلس نيابي يمثّل إرادة الشعب تمثيلاً صحيحاً، وقد تكون فيه وجوه جديدة، وتتألّف حكومة في ظل السلطة الجديدة ترسم سياسة لبنان الداخلية والخارجية والشراكة الوطنية بين مختلف مكوّنات لبنان. فعلى القوى السياسية الأساسية في البلاد أن تحزم أمرها وتتّخذ قراراً بتأييد هذا المرشّح أو ذاك للرئاسة، وإذا تعذّر عليها ذلك، فإن عليها أن تقرّر النزول إلى مجلس النواب لتنتخب الأكثرية من تشاء رئيساً وإلا تحمّلت مسؤولية تعريض لبنان لفراغ قاتل.

معركة الحليفين طويلة
نبيل بومنصف/النهار/21 كانون الأول 2015
تبدو “عودة” نادرة لمجلس الوزراء اليوم بعد طول انحباس وتعطيل اشبه باستدراك سريع عشية نهاية السنة للتذكير بأن في لبنان حكومة وان ليس ثمة ما يسقط امكان تعويمها متى تصبح حاجة لمعطليها المعروفين اكثر من المكونات الاخرى. تمضي البلاد في نهايات السنة في اتجاهات شديدة التناقض والغموض لا تسمح برسم اي خط بياني متسرع في شأن ما سيطل علينا مع السنة الجديدة. بطبيعة الحال تغرق البلاد الان في معركة “المفاضلة” بين الجنرال ميشال عون والمرشح الحليف الند سليمان فرنجيه وضرب الأخماس بالأسداس تحت وطأة احدى اكثر المعارك السياسية والرئاسية غرابة وفرادة. واذا كانت هذه المعركة باتت تختصر بحماوتها التصاعدية مجمل المشهد الداخلي، فإن ذلك لا يسقط ما يواكبها من تطورات تكتسب خطورة عالية وتتزامن مع تطورات المحيط الاقليمي المشتعل. لقد شكل موضوع التحالف الاسلامي لمكافحة الارهاب مادة اشتعال حادة جديدة بين تيار “المستقبل” و”حزب الله” بما يضع الحكومة امام اشكالية الانقسام الكبير حول ملف اقليمي بهذه الحساسية. ولكن الأدهى ان يجري الهروب من مواجهة هذا الملف لتجنب اثقال الحكومة بما لم تعد تقوى على تحمله. ومن المقلب المتصل بالمواجهة اللبنانية مع الارهاب توجب تطورات الاسابيع الاخيرة في مطاردة خلايا ارهابية وتوقيفها او في عمليات ميدانية شبه يومية للجيش على الحدود التوقف بامعان امام الهجمة الارهابية الجديدة وابعادها وتوقيتها. غالبا ما تعامل الوسط السياسي مع الفكر الارهابي بانه لا يملك ساعة توقيت سياسية، ولكن من قال ان هذا الارهاب لا يود الان ان يدلي “بصوته” في تقويض الاستقرار في لحظة احتدام معركة الرئاسة؟ وسط هذه المختارات القليلة من ملفات كبيرة ، لعل عامل الضرورات التي تبيح المحظورات قد يشكل سببا اضطراريا وقسريا لبعض القوى السياسية في اعادة تعويم الحكومة وضخها بمصل الانعاش متى اصطدم الجميع بعدم امكان الحسم الرئاسي في وقت سريع على ما يبشر المبشرون. والحال ان تعويم الحكومة سيكون اقل الاثمان لمعطلي مجلس الوزراء متى يكتشفون ان هذا التعويم قد يكسبهم مزيدا من الانتظار والوقت على الجبهة الرئاسية التي ليس من الضرورة ان تكون مواقيت حسمها على الباب ولو ان ترشيح النائب فرنجيه حرك القعر السياسي بقوة فائقة وأثار عاصفة تداعيات تعمل دول على توظيفها من اجل تسريع الانتخابات الرئاسية. فمع اطلالة سنة 2016 ستكون انهيارات الداخل الاجتماعية والاقتصادية واستحقاقات مواجهة التطورات الاقليمية على قدم المساواة في التنافس بما لا يسمح بكثير من ترف انتظار نتائج معركة الحليفين المرشحة لان تطول، ولن يكون تاليا مفر من تعويم الحكومة لمنع القلة القليلة من قدرة الصمود من الانهيار ايضا.