الياس الديري: جوهرة الشرق وسور الزبالة/روزانا بومنصف: رفض قوى 8 آذار يدفع الحريري إلى سحب المبادرة أو تسمية توافقي/الراي: تنويم إقليمي لخيار فرنجية. فمتى تعويمه؟ والحريري ماضٍ في «التسوية الموجعة» لأن «ما حدا أكبر من بلده

297

جوهرة الشرق وسور الزبالة
الياس الديري/النهار/15 كانون الأول 2015
لا بدَّ من التوقف طويلاً عند كلام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والذي خصَّ به لبنان، وباهتمام استثنائي نادراً ما تحدثَّ بمثله من قبل رئيس أو مسؤول عربي، بل رئيس أو مسترئس أو متزعِّم لبناني. من بعيد، ومن دون أية غاية خاصة، أطلق الرئيس السيسي ما يصلح أن يكون نداءً من أجل إنقاذ لبنان، موجهاً في الدرجة الأولى الى اللبنانيين أنفسهم، والى كبارهم ومَنْ يُفترض أنهم المسؤولون وطنياً وسياسياً ومصيرياً عن هذا اللبناني. إنما عليهم، أولاً، أن يدركوا قيمة وطنهم “الذي يُعتبر جوهرة الشرق”، في رأي الرئيس المصري الذي أضاف: “ان الشرق في هذه المرحلة، بل دائماً وأبداً، يحتاج الى النموذج اللبناني”. ولكن مَنْ يستطيع أن يُقنع بعض مَنْ يصنِّفونهم في مصاف المتزعمين والقادة، فضلاً عن أولئك المسترئسين في كل الأوقات والمناسبات، وبلا هوادة. وبلا أي تراجع أو تأمّلٍ في سبيل مصلحة هذا اللبنان الذي يغار عليه كثيرون من قادة العرب وقادة أوروبا. ويذهب هذا الرئيس المحبّ للبنان الى حدّ القول والمصارحة، وربما مصارحة المسؤولين والمتلهِّين بالاسترآس واللهاث خلف المناصب والمكاسب “ان لبنان يستحق التضحية”. ولكن مَنْ ذا الذي منهم مستعدٌّ للتضحية ولو بمنصب صغير في دائرة عاديَّة، فكيف بأولئك الذين لا يرون من لبنان الوطن، من “جوهرة الشرق”، سوى كرسي الرئاسة؟ وهل مثل هؤلاء يصغي الى دعوة “التعالي عن الحسابات الخاصة” لإنقاذ وطن؟ سيادة الرئيس السيسي، شكراً للفتتك الكريمة. وشكراً للهفتك على لبناننا الذي لا يختلف عن الأيتام على مائدة اللئام. إنما على مَنْ تقرأ مزاميرك، ودعواتك، ولهفتك، وغيرتك على النموذج اللبناني وجوهرة الشرق، والنظام اللبناني؟ ألم تصلك أخبار الذين يطالبون ويسعون الى تغيير النظام الديموقراطي البرلماني الذي نادراً ما طبِّقت نصوصه وقوانينه؟ ومع أن هذا النظام يكاد يكون أخاً للنظام الفرنسي، فإن الفاشلين في السياسة والاسترآس يحملونه المسؤولية. ويعدّونه للتغيير والتعديل. والحق ليس على النظام، بل على الذين يرفضون تطبيق النظام. ولنأخذ العبرة مما يحصل في “جوهرة الشرق” منذ سنة وسبعة أشهر. والسبب المباشر والمعروف لدى القاصي والداني واحد: المنصب الرئاسي… أنا أو لا أحد، مثلاً. ودائماً النظام والبلد في خطر، مع تهديد غير مرئي أو معروف المصدر. من ثورة “بيضاء” الى ثورة “حمراء”، فإلى حروب قايين وهابيل، ثم حروب الآخرين، ثم حروب الكانتونات والبندقية والاسترآس دائماً.صحيح أن الشرق يحتاج الى النموذج اللبناني، إلا أن اللبنانيّين العاديّين غارقون في همِّ الفراغ الرئاسي. طبعاً دون إهمال همّ سور الزبالة.

رفض قوى 8 آذار يدفع الحريري إلى سحب المبادرة أو تسمية توافقي؟
روزانا بومنصف/النهار/15 كانون الأول 2015
تتيح تهدئة الانفعالات بعد أسبوعين صاخبين على الكشف عن تسوية تقترح دعم ترشيح النائب سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية، المجال امام اسئلة صعبة قد يكون ابرزها لماذا رفض “حزب الله” تسوية مريحة جدا بالنسبة اليه، ورئيسا مضمونا ومأمون الجانب وقريبا من العلويين إذا قيس بالمخاوف التي تساور هؤلاء نتيجة الوضع السوري، فيما كان ينبغي تلقفها بسرعة من الحزب وإنجاحها. فهناك تفسيرات كثيرة بررت عرض هذه التسوية، وتفاوتت بين الضغوط الخارجية ووضع الرئيس سعد الحريري ورغبته في العودة الى بيروت لأسباب تتعلق بالوضع الداخلي، وعدم قدرة البلد على تحمل انهيار المؤسسات الواحدة بعد الاخرى، وترميمها يبدأ من رئاسة الجمهورية. ومع ان ثمة من يقول انها لم ترفض، بل ارجئت فقط انطلاقا من مبدأ ان احدا لا يمكن ان يرفض تسوية مماثلة ويخاطر بالتخلي عن حليف، في حين انه قد يكون منتظرا عرضا افضل، فإن في ارجاء التجاوب مع التسوية ترفا مستغربا. وفي حسابات الربح والخسارة في لبنان والمنطقة، لا يمكن القول ان ميزان الربح يميل الى الفريق الداعم للنظام السوري، على رغم التدخل الروسي الى جانب هذا الاخير والى جانب ايران وكل الميليشيات التي تحارب في صفه. والنائب فرنجيه لم يبد في أي مرحلة من المراحل السابقة، وفي ظل استفتاءات في كل الاتجاهات، ذا حظ وافر او محتمل، والجميع يدرك ان انقاذ نظام الاسد من الانهيار لا يعني انه لا يخضع لضغط كبير، او ان التسوية في سوريا، في حال حصولها، ستكون لمصلحته، بل انها في أسوا الاحوال ستؤدي الى توازن مختلف في سوريا، ولا يمكن ان يحسم النظام او حلفاؤه في اي حال. والتقارير الاستخباراتية والميدانية تبرز دلائل على ذلك. وتاليا، ان يأتي رئيس للجمهورية من هذا الفريق في ظل ما يواجهه، يثير علامات استفهام كبيرة.
لماذا لم تقبل التسوية اذا بعيدا من التذرع باستمرار العماد عون على ترشيحه، باعتبار انها مكسب لا يمكن رفضه؟
ثمة عامل اساسي لا يمكن اغفاله عبر المماطلة او عدم القبول، يفيد بالاعلان بوضوح أن مفتاح القرار في البلد لا يزال يملكه الحزب، وهو الذي يتحكم في موعد اتاحة الافراج عن الوضع ام لا، وهو مركز الثقل في القرار الرئاسي أكثر منه أي فريق آخر. والتسوية أوقفت بسهولة كبيرة، على غير ما حصل في 1989 حين اوقف العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع ترشيح الشيخ مخايل ضاهر. وهي نقطة كشفت في الوقت نفسه مدى تراجع التأثير المسيحي وفاعليته على هذا الصعيد، بمعنى انهم ليسوا هم من اوقفها، بل الحزب. وبالعودة الى الارجاء في أحسن الاحوال، والذي عزي الى الاستمرار في دعم ترشيح عون، فإن الامر ينطوي على ترف، لأنه لا يمكن أحدا أن يضمن كيف يمكن ان تتطور الاوضاع او تنقلب الظروف، بحيث لا تعود التسوية صالحة، أو هي نفسها. وهل الحزب يملك الضمانات الكلية بأن التسوية المطروحة ستبقى قائمة ولن تنسفها المتغيرات، خصوصا اذا طال وضع المماطلة؟ وما هو المدى الذي يعتبر الحزب ضامنا فيه استمرارية هذا العرض او تحسينه من اجل اتخاذ هذا الموقف؟
يضاف الى ذلك أن الرئيس الحريري الذي كان صاحب المبادرة الى التسوية بايصال فرنجيه، يتعرض لضغوط هائلة، وتشكل المماطلة بدورها عاملا ضاغطا مساعدا ضده. فهو عاكس مؤيديه ومناصريه عبر خياره دعم ترشيح فرنجيه، وأثار ذلك امتعاضا من ضمن تياره السياسي وتناقضات كبيرة في الآراء، باعتبار أنه يقود تياره، لا بل جمهور 14 آذار كله، على نحو مخالف لاقتناعاته ولما ناضل من اجله، كما انه عاكس تحالفاته السياسية في قوى 14 آذار ايضا . وهذه أثمان باهظة جدا على الحريري الذي قد يجد نفسه، في ظل عدم قبول جمهوره كليا بفرنجيه رئيسا او بدعم ترشيحه، وفي ظل عدم تلقف الحزب المبادرة، في وضع من يضطر الى اعلان العودة الى نقطة الصفر في الموضوع الرئاسي، فتصفّر العدادات مجددا في حال لم يكن الفريق الاخر جاهزا للذهاب الى التسوية التي تعني من حيث المبدأ ان ليس هناك غالب او مغلوب، وان هناك توازانا في الربح والخسارة، علما ان فريق 14 آذار يشعر بأنه تنازل كثيرا في حال قبول فرنجيه رئيسا. وما لم يصر الى قبول التسوية، فالاجدر بما ان الاربعة الاقوياء من المرشحين المسيحيين، الذهاب الى مرشح توافقي، علما ان الحريري يعطي فرصة قوية لنجاح مبادرته ولا يزال يراهن عليها. وهناك من يتحدث عن نية دعوة الحريري الى اقفال خطه الهاتفي والاعلان عن تجميد مبادرته، ان لم يكن الاعلان عن نية التخلي عنها لقاء التلويح او ترشيح شخصية وفاقية. فكثيرون يخشون تعرض الحريري للابتزاز بذريعة رغبته في العودة رئيسا للحكومة، وهذه نقطة يعبر الحزب عن امساكه بها على نحو غير مباشر ايضا، لجهة تحديد رغبته في عودة الحريري ام لا عبر التعبير عن موقف من ترشيح فرنجيه، وهو ما يعرض الحريري لضغوط من اجل عدم اعطاء هذه الورقة لخصومه.

الراي/تنويم» إقليمي لـ «خيار فرنجية»… فمتى تعويمه؟ والحريري ماضٍ في «التسوية الموجعة» لأن «ما حدا أكبر من بلده»
الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015/| بيروت – «الراي/لن يتصاعد أي «دخان أبيض» من الجلسة 33 لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان التي تنعقد غداً، بعدما لفّ «الغبار الكثيف» مصير المبادرة غير الرسمية التي أطلقها الرئيس سعد الحريري بطرْح اسم زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية للرئاسة، والتي تحاصرها اعتراضاتٌ على الضفّتين المسيحيّتين لقوى 8 و 14 آذار يواكبها «حزب الله» برغبةٍ في «التخفيف من سرعة» اندفاعة الحريري، وذلك بهدف ضبط إيقاع التسوية الرئاسية بما يتلاءم مع «التوقيت» الاقليمي، الذي تُعتبر ايران المحور الرئيسي فيه و«مستلزمات» التسوية لبنانياً، وتحديداً بالنسبة الى قانون الانتخاب والحكومة الجديدة رئاسةً وتركيبةً وبياناً وزارياً. وفيما لم تلتئم أمس جلسة الحوار الوطني بعدما كان رئيس البرلمان نبيه بري أرجأها الى الاثنين المقبل بسبب وفاة شقيقته، بدا واضحاً في بيروت ان كل «المكابح» التي «فرْملت» طرْح الحريري اسم فرنجية، الذي يُعتبر بمثابة «العرض الذي لا يمكن رفْضه» من فريق 8 آذار، لم تفضِ الى «موت» المبادرة، وسط اقتناع أوساط سياسية بأن لا بدائل حتى الساعة عن هذه المبادرة، فإما ان يُفرج في كنفها عن الانتخابات الرئاسية بـ «ولادة طبيعية» وإما يكون الحلّ «قيصرياً» او يستمرّ الفراغ الى أمدٍ بعيد.
واستوقف دوائر سياسية مطلعة ان الرئيس الحريري أطلق منذ السبت إشارتيْن متوازيتيْن بالغتيْ الدلالات: الاولى من خلال «اتصال الساعة» بينه وبين رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع والذي عكس رغبة في ترميم العلاقة بين مكّونات 14 آذار بحيث لا يشكّل الاختلاف في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، في ضوء تحفّظ جعجع «السياسي» عن خيار فرنجية، الى فرْط عقد تحالف «ثورة الأرز». والثانية الاتصال الذي أجراه اول من امس بالنائب فرنجية والذي خلص بنتيجته إلى تأكيد «متابعة التشاور والمضي في المسار المشترك لانتخاب رئيس الجمهورية»، وهو ما عنى عملياً ان المبادرة غير الرسمية بطرْح اسم زعيم «المردة» قائمة وان رئيس «تيار المستقبل» جدّي فيها. علماً ان تقارير اشارت الى ان الحريري وضع فرنجية في أجواء اتصالاته المتعلقة بالملف الرئاسي سواء مع جعجع او أطراف آخرين.
واذا كان فرنجية سيحدد موقفه من طرْح اسمه للرئاسة في إطلالة تلفزيونية منتظرة بعد غد، لا سيما انها تأتي بعد اللقاءين اللذين عقدهما مع كل من العماد ميشال عون والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، وخلصا الى استمرار «أولوية» ترشيح عون، فإن أوساطاً سياسية قدّمت عبر «الراي» قراءة لخلفيات «عدم حماسة حزب الله» للسير «اليوم» بخيار فرنجية، وتالياً بالإفراج عن الاستحقاق الرئاسي.وبحسب هذه الأوساط، فإن «حزب الله» الذي يتعاطى مع طرْح الحريري اسم فرنجية على انه مجرّد «فكرة» وان لا ضوء اخضر سعودياً للذهاب بهذا الترشيح حتى النهاية، لا يريد ان يكون حلّ الملف الرئاسي وفق «صفقة محلية» بل يرغب في ان يكون الامر من ضمن «الأخذ والردّ» بين ايران والسعودية حول الملفات الساخنة، لا سيما اليمن وسورية، معتبرة انه اذا كانت الرياض لا تمانع إنجاز الاستحقاق الرئاسي انسجاماً مع رغبتها في تحييد لبنان ما أمكن عن تداعيات أزمات المنطقة، فإن طهران قد لا ترغب في التفريط بورقة الملف الرئاسي – ولو ان فرنجية هو مرشحها الفعلي- بمعزل عن توظيفه في إطار «صفقة اقليمية – دولية» غير ناضجة حتى الآن.
ومن هنا، توقّفت الأوساط باهتمام عند كلام نُقل عن مساعد وزير الخارجية الايراني للشؤون القنصلية حسن قشقاوي وقوله لتلفزيون «العالم» إن مستوى من الحوار بدأ بين السعودية وإيران حول العلاقة الثنائية والملفات الإقليمية، علماً ان هذا الموقف ترافق مع ترشيح الرياض سفيراً جديداً لها لدى طهران التي تقوم بدرس أوراقه، تمهيداً لقبول اعتماده. وفي موازاة ذلك تشير الأوساط نفسها، الى ان الرئيس الحريري يمضي في خيار فرنجية لاقتناعه بأنه بعد نحو 19 شهراً على الفراغ الرئاسي فإن هذا هو المخرج الوحيد حتى الساعة الذي يمكن ان يُحدِث اختراقاً في الملف الرئاسي، بما يوقف حال الاهتراء التي «تأكل» المؤسسات الواحدة تلو الأخرى وبما يمنع انهياراً اقتصادياً يمكن ان يصيب البلاد بحال استمرّ الشغور وقتاً اضافياً. ووفق الأوساط عيْنها فان مؤيدي طرْح زعيم «المستقبل» يشيرون الى انه يتعاطى مع التسوية الرئاسية انسجاماً مع «مدرسة» والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي لطالما اعتبر ان «السيء يبقى أفضل من الأسوأ» وان «ما حدا أكبر من بلده»، موضحين ان هناك في مكان ما انطباعا بأن «الرئيس سليمان فرنجية»، الصديق للرئيس بشار الاسد، لن يكون هو نفسه بعد رحيل الأسد وان وجود رئيس يُطمْئن «حزب الله» قد يشكل عاملاً مريحاً للوضع اللبناني بعد عودة الحزب من سورية، وايضاً عنصر طمأنة لمرحلة ما بعد الأسد داخل سورية. وفي موازاة ذلك، برز كلام للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله اول من امس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اذ أمِل في ان «يدرك اللبنانيون قيمة وطنهم الذي يعتبر جوهرة في الشرق، ويشكل مع مصر دعامة مشتركة ومتبادلة»، مبدياً حرصه الشديد «على لبنان وعلى ضرورة ان يجد طريقه الى الاستقرار السياسي»، ولافتاً الى «ان لبنان يستحق التضحية من اجله وان يتعالى الجميع عن حساباتهم الخاصة لانقاذه». وشدد السيسي على «أهمية الحوار بين كل مكونات الوطن»، مؤكدا انه «لن يألو جهدا لمساعدة لبنان للخروج من أزماته».