الـيـاس الزغـبـي: صداقة بشّار: قوّة أَم ضعف؟

330

صداقة بشّار: قوّة أَم ضعف؟
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/06 كانون الأول/15
في إشارة سليمان فرنجيّه، من بكركي، إلى أنّ علاقته ببشّار الأسد هي نقطة قوّة لا ضعف، يكمن أساس المشكلة في ترشيحه، لا تخفّف منها إشارة السفير السعودي علي عوّاض العسيري، من بكفيّا، إلى وجوب التمييز بين الرئاسة والصداقة الشخصيّة.
الثابت، إلى الآن، في ترشيح فرنجيّه الحفيد، قطبة إقليميّة – دوليّة نسجتها اتصالات بين عواصم القرار، خصوصاً واشنطن وموسكو وباريس مع السعوديّة وإيران، وسوّقها الثلاثي الحريري – برّي – جنبلاط، وفرملها الثلاثي جعجع – عون – الجميّل، وشوّشها الموقف المرتبك لحسن نصرالله.
ولا يمكن الاستهانة بقدرة هذه القوى المحليّة على لجم الاندفاعة الكبرى، إذا لم يكن إسقاطها، قياساً على ما فعلته سنة 1988، ولو في غياب القوّة العسكريّة التي كانت تملكها عامذاك.
والمسألة باتت واضحة المعالم: لا يمكن أن توافق هذه القوى المحليّة على انتخاب فرنجيّة إذا لم تحصل منه على وضوح في المواقف والالتزامات. وليس خافياً أنّ لكلٍّ منها شروطه ومطالبه التي يمكن النفاذ بينها.
فـ”حزب الله” لديه هاجس واحد هو عدم خسارة تأييد ميشال عون والغطاء الذي أمّنه له مجاناً على مدى عشر سنوات. وما سوى ذلك، فهو يرتاح إلى فرنجيّه، وربّما أكثر من ارتياحه إلى عون نفسه. وفي نهاية الأمر ليس له إلاّ أن ينفّذ مشيئة “وليّه” و”تكليفه الشرعي”.
عون يريد “نفسه أوّلاً”، ويكرّر رفضه أن يكون صانع رئيس، الأمر الذي رضخ له في تسوية الدوحة بمرارتها الكبرى. وفي حال رضخ مرةً أُخرى بفعل الضغوط والوعود بالحصص المجزية في السلطة وقانون الانتخاب، لا يمانع في انتساب فرنجيّه إلى “الخطّ” والتزامه سلاح “حزب الله” وحربه إلى جانب الأسد، فمشكلته ليست في السيادة والقرار الشرعي الوطني، بل في النفوذ والحصص في السلطة.
“القوّات اللبنانيّة” لها موقف من طبيعة أُخرى مبدئيّة وسياديّة ودستوريّة، تريد أن يلتزم أيّ رئيس جمهوريّة جديد ثوابت الدولة: حصريّة السلاح الشرعي، وقف تورّط “حزب الله” في الحرب السوريّة، التزام الدستور والقرارات الدوليّة والشرعيّة العربيّة، إضافة إلى قانون انتخاب حديث يؤمّن التمثيل الصحيح.
“الكتائب” تطرح المبادئ نفسها مع المطالبة بتحييد لبنان عن “الجميع”، إضافة إلى ضمانات في قانون الانتخاب واللامركزيّة التي تكفل العيش المشترك المتوازن.
الواضح أنّ من السهل الدخول بين هذه المطالب لمعالجتها بالمفرّق وتشتيت القوى الرافضة للتسوية الغامضة حول فرنجيّة. ولا يمكن التعويل على رفض “حزب الله” لأنّه من طبيعة “عائليّة” بين أفراد عائلة واحدة يستطيع ربّ البيت حلّ مشاكلهم.
كما لا يمكن التعويل على استمرار عون في الرفض، طالما أنّ طبيعة رفضه قائمة على مطالب في النفوذ والسلطة يمكن تلبية معظمها والمساومة معه عليها، وقد سبق له وفعل ذلك سابقاً.
يبقى موقف “القوّات” و”الكتائب” وبعض مستقلّي 14 آذار. لا أحد يتوهّم أنّ في استطاعتهم وقف عجلات القطار المندفع، لاسيّما إذا كانت بكركي موافقة. ولا يمكن توقّع انقلاب سياسي يعلنه فرنجيه على نفسه وماضيه والتزاماته ضمن “الخطّ” التقليدي الذي ينتمي إليه، كرمى لمن تبقّى من “أُصوليّي” 14 آذار!
هو قالها بوضوح: لن يتبنّى معركة 14 آذار ولا يعتبر علاقته ببشّار نقطة ضعف، وكأنّه لا يزال مصدر قوّة كما كان مع آميل لحّود مثلاً! فهل ينتظرون منه الانقلاب على ما تغنّى به طويلا عن “دعم سلاح المقاومة” وعباءة آل الأسد؟
ربّ قائل إنّ تلك العباءة سقطت عن كتفيه طالما أنّ مانحها ساقط حتماً في المستقبل السوري، وأنّ “سلاح المقاومة” بات اسماً بلا مسمّى بفعل تغيير مساره، وربط مصيره بالنظام السوري. صحيح، ولكنّ إعلان النيّات والتوجه الجديد ضروريّان لبلورة طبيعة التعامل مع الرئيس العتيد.
وللتذكير، فإنّ فرنجيّه نفسه طالب على باب وليد جنبلاط بالتلاقي في منتصف الطريق. فأيّ نصف سيقطعه هو قبل أن نسأل عن النصف الذي يجب على الآخرين قطعه. وهل يكفي الوعد الغامض بقانون انتخاب منصف لا يهمّش طائفة؟
هو ما زال يستخدم عبارة ” الفريق الآخر”. عبارة تكفي لإثارة كلّ الهواجس. وربّما أدّى التمسّك بها، وبما تعنيه من فرز وخصومة وصراع ونقيض الوفاق، إلى انحراف القطار عن خطّه.
“التسوية” لا تزال قيد الاختبار القوي. وهي معرّضة للانتكاسة في أيّ لحظة، خصوصاً إذا استمرّت الدعسات الناقصة، وقد رأينا وسمعنا منها في الأيّام الأخيرة نماذج ثلاثة: إذا لم تنجح التسوية بفرنجيّه سيكون الوضع أسوأ، والاستمرار بتسمية 14 آذار “الفريق الآخر”، واعتبار العلاقة مع الأسد نقطة قوّة!
حتّى الآن، لا تزال رمية الحجر في المستنقع تُثير الدوائر. ولا بدّ من الانتظار أيّاماً كي يتّضح كيف تهدأ، أو تتزايد تماوجاً. في حين أنّ الحجر استقرّ في القعر. وليس صعباً البحث عن حجر آخر يُمكن رميه في المستنقع الجاهز.