جورج بكاسيني: نصيحة لارشيه: لا تنتظروا دوحة ثانية/إيلي فـواز: الحل الروسي المستحيل لأزمة سوريا/داود البصري: تخبط سياسي روسي رهيب/عمر قدور: بوتين منقذاً أوباما

325

نصيحة لارشيه: لا تنتظروا «دوحة» ثانية
جورج بكاسيني/المستقبل/27 تشرين الأول/15
..«لا تنتظروا دعوة من أحد من أجل (مؤتمر) دوحة ثانية، العالم كله محاصر بأولويات واهتمامات أخرى. عليكم أن تقلّعوا شوككم بأيديكم. لا تتركوا الأمور تصل إلى حد استقالة الحكومة فتكونون بذلك كمن يخرّب بلده بيده».. عبارة رددها رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه في كل المحطات التي زارها في لبنان، بدءاً من عين التينة مروراً بالسرايا الحكومية وصولاً إلى مقر المطرانية المارونية في بيروت، وكذلك في اللقاء الذي جمعه بقياديي «حزب الله». هل هي مجرّد نصيحة تقليدية يدلي بها كل زائر أجنبي للبنان، خصوصاً أن لارشيه لا يمثّل الحكومة الفرنسية؟ وقائع اللقاءات مع الضيف الفرنسي تبوح بغير ذلك، يقول أحد السياسيين اللبنانيين الذين التقوه في إحدى المحطات، موضحاً أن لارشيه نفسه كشف في المحطة المشار إليها أن زيارته جاءت تعويضاً عن الزيارة التي كانت مقررة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لبيروت وتم إرجاؤها. ولم يُخفِ لارشيه أمام أحد أصدقائه اللبنانيين وهم كُثُر ولا يزال على تواصل معهم منذ ما قبل انتخابه رئيساً لمجلس الشيوخ أن زيارته لبيروت يمكن أن تفتح أبواباً أكثر في الاستحقاقات المطروحة كونه لا يمثّل الحكومة الفرنسية باعتبار أنها «طرف»، وهي الصفة نفسها التي ستقوده إلى طهران في الأسبوع الأول من كانون الأول المقبل، حيث سيناقش مع المسؤولين الإيرانيين العلاقات الثنائية السياسية والاقتصادية بين فرنسا وإيران، وكذلك أوضاع المنطقة ومن بينها لبنان واستحقاقه الرئاسي. وإذ لَمَسَ الصديق اللبناني من الضيف الفرنسي اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بدور فرنسي مع إيران حول الاستحقاق اللبناني «تجنباً لتدخّل أميركي مباشر له أكلافه»، لم يخفِ لارشيه أن البابا فرنسيس، الذي تربطه صداقة شخصية به، تمنّى عليه مؤخراً زيارة إيران والتركيز في محادثاته مع المسؤولين الإيرانيين على الانتخابات الرئاسية في لبنان. والمعلوم أن الفاتيكان يُجري اتصالات ديبلوماسية مع إيران من دون انقطاع بشأن الاستحقاق الرئاسي اللبناني، علاوة على تمنّيه الدائم على دول أخرى يمكن أن يكون لها تأثير على إيران للاضطلاع بدور مماثل. لكن يبقى السؤال: ما الجديد في هذا الحراك الفرنسي طالما أن طهران ما زالت توصد الأبواب أمام هذا الاستحقاق، سأل أحد الذين التقوا الضيف الفرنسي، فأجاب لارشيه: «لا يمكن أن يبقى لبنان من دون رئيس، لا يمكن لأي خيار آخر أن يكون مجدياً إذا لم يُنتخب رئيس للبنان قبل أي شيء آخر. العالم كله منخرط في أزمات كبرى ولا يمكن انتظار حلول من الخارج، وفي الوقت نفسه واشنطن والفاتيكان وموسكو كما باريس مهتمّون بإنجاز هذا الاستحقاق قبل حلول العام الجديد، لأن الانتظار أكثر وأكثر قد يُدخل لبنان في أزمات أكبر المجتمع الدولي بغنى عنها».
واستطرد لارشيه هنا ليسند منطقه بشهادات لبنانية أبرزها من رئيس الحكومة تمام سلام الذي خرج من لقائه معه بانطباعات «مقلقة»، سببها الرئيسي «قلق» سلام المتفاقم من تردّي الأوضاع الداخلية بدءاً من المناخات السياسية السائدة وصولاً إلى ملف النفايات المتعثّر، والتي تنذر بـ»عواقب وخيمة» لن يقوى لبنان على مواجهتها. لارشيه الذي يعرف لبنان جيداً، والذي زاره مراراً وتكراراً قبل تولّيه منصب رئاسة مجلس الشيوخ، وله صداقات واسعة فيه أمثال الوزير السابق ميشال إده والصحافي الراحل غسان تويني، يعرف جيداً، كما قال لمحاوريه، أن مواصفات الرئيس توازي بأهميتها أهمية انتخاب رئيس، وهو لذلك استرسل في الحديث عن ضرورة أن يكون الرئيس توافقياً و«عامل جمع» بين اللبنانيين يقبل به الجميع ولا يشكّل تحدياً لأحد. وأراد لارشيه في زيارته هذه تذكير اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً بأهمية هذا الموقع بوصفه «الضامن للوجود المسيحي في لبنان وفي الشرق الأدنى». كما ذكّر بأهمية العلاقات اللبنانية ـ الفرنسية التاريخية، وبحرص فرنسا التاريخي على لبنان وعلى دوره وعلى دور المسيحيين فيه: «كلما قام مسؤول فرنسي بزيارة للبنان كانت على جدول أعماله محطة أساسية وثابتة هي البطريركية المارونية التي لم تغِب عن أي زيارة لأي مسؤول، والدليل أنه عندما علمنا بغياب البطريرك مار بشاره بطرس الراعي عن لبنان تمنّت السفارة الفرنسية في لبنان على البروتوكول البطريركي توفير لقاء مع من يمثّل غبطة البطريرك»… قال لارشيه في محطته الأخيرة من الزيارة في مطرانية بيروت للموارنة.. ومشى.

 

الحل الروسي المستحيل لأزمة سوريا
إيلـي فــواز/لبنان الآن/28 تشرين الأول/15
ما يرشح عن الاقتراحات الروسية والأميركية بشأن الحل السياسي في سوريا يرتكز على أفكار باتت واضحة وتدور أساساً حول أولوية محاربة التطرف، بالإضافة الى الحفاظ على المؤسسات الأمنية او الكلام عن تجنب الفراغ الدستوري، وطبعًا بقاء بشار الأسد مدة انتقالية، والحديث هنا عن مدة زمنية تمتد على 18 شهراً، يستطيع بعدها الترشح مجدداً لمنصب الرئاسة السورية، بعد أنْ كان أكد الغرب والولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية انه لا يمكن للأسد ان يكون جزءاً من أي حل سياسي. هذه الأفكار التي تسوقها روسيا بموافقة أميركية هي دعوة للمعارضة السورية لإلقاء السلاح والتغاضي عن كل التضحيات التي دفعها الشعب السوري ثمناً لتغيير النظام. فجأةً لم يعد تغيير النظام أولوية، ونسي العالم أن الأسد هو المسؤول المباشر عن قتل أكثر من نصف مليون سوري وتهجير أكثر من عشرة ملايين، في ما يعتبر أكبر كارثة إنسانية في عصرنا. فكيف يمكن لمن يجب ان يحاكم بتهم جرائم ضد الإنسانية ان يصبح جزءاً من الحل وأن يكون له كما يسوَق الروس فرصة التقدم للانتخابات الرئاسية المقبلة؟ الكلام عن الحفاظ على المؤسسات الأمنية أيضاً فيه شيء من المهزلة، فهي انهارت يوم دخل حزب الله والحرس الثوري الايراني والسوخوي الروسي المعركة السورية، فتحولت الى مجرد ميليشيا الى جانب الميليشيات الأخرى المتواجدة على الأرض السورية. فكيف يمكن الحفاظ عليها من خلال بقاء المسؤولين المباشرين عن ماكينة القتل الاسدية في سدة مسؤولياتهم؟ او كيف يمكن التفكير حتى بإمكانية دمج مقاتلي الأسد مع مقاتلي المعارضة ووضعها تحت مظلة أمنية واحدة؟ بمن سيأتمر مقاتلي المعارضة؟ ومن سيعطيهم السلاح؟ ماذا سيكون دور قياداتها في حال اندماجها مع قوات الأسد؟ نائب روسي نقل عن الأسد استعداده لإجراء انتخابات رئاسية لكن بعد تحرير سوريا من تنظيم داعش. وهو ما يتعارض مع ما يعرضه الروس حول مدة زمنية محددة من 6 او 18 شهراً. من هنا إصرار الروس على أولوية محاربة الإرهاب وربطه ببقاء الأسد، كما وضعه شرطاً أساسياً لأي حل سياسي ممكن. على كل الأحوال ليست تلك الصعوبات الوحيدة التي تواجه تلك الخطة العجيبة التي تهدي في جوهرها انتصاراً للأسد بالسياسة عجز عن تحقيقه بالحرب. والسؤال عندما يتحدث الرئيس الروسي عن المعارضة من تراه يعني؟ من هو الطرف المخول الحديث نيابة عن المعارضة؟ من هي الفصائل المعارضة التي ستتمثل على طاولة الحوار؟ وماذا عن جبهة النصرة والفصائل الأخرى التي تلقى دعماً شعبياً في سوريا؟ من سيطبق القرارات على الأرض؟ ببساطة الحل الروسي يطالب الدول الداعمة لكل الفصائل المعارضة التوقف عن مدها بالمال والسلاح. ببساطة أكبر الحل الروسي يريد من المعارضين الثوار الاستسلام ليصار من بعدها الى فرض تعديل بسيط على النظام – طبعاً “يحفظ حقوق العلويين” و”يحاكي مخاوفهم”- تمهيداً لإعادة انتخاب الأسد كضمانة لمحاربة الإرهاب. وهذه لازمة يعتقد البعض أنها تحاكي مخاوف الغرب وقد يقبل بها ويعمل لتطبيقها، متناسياً ان الشعب السوري سيرفضها حتماً وسيتابع قتاله حتى رحيل الأسد.

تخبط سياسي روسي رهيب
داود البصري/السياسة/تشرين الأول/28 /15
عندما دخلت روسيا المعركة بشكل مباشر لدعم وحماية نظام الأسد المتهاوي في سورية، فإنها لعجرفتها كانت تتصور ان مجرد ظهور طائراتها في الأجواء السورية أمر سيرعب الثوار، وسيجعلهم في حالة نكوص ورعب وتراجع مما يضطرهم بالتالي لإلقاء السلاح وطلب الرحمة والعفو والمغفرة من جلاد الشام، وهو تصور سورية لي منبعث من الغطرسة وأوهام القوة، فالماكينة الروسية الحربية التي لم تستعمل في مهمات خارجية منذ أيام الانسحاب والهزيمة في أفغانستان العام 1989 عادت بقوة للشرق لكن ليس من خلال تسليح الأنظمة الحليفة أو الصديقة. بل لتجريبها مباشرة على أجساد شعوب المنطقة وبالأيادي الروسية ذاتها، وإذا كان الطيران الروسي بطياريه الروس لم يحلقوا في الأجواء العربية منذ حرب الاستنزاف المصرية- الإسرائيلية العام 1970 للدفاع عن العمق المصري من الغارات الإسرائيلية ومن أجل حماية الخطوط الدفاعية المصرية، فإن ذلك التاريخ المساند للشعوب قد تحول لذكريات مع قيادة الرئيس بوتين الذي يحاول إظهار عنترياته المافيوزية والوقوف بوجه الشعوب المنتفضة على الديكتاتوريات المتهالكة! لقد وجه الروس بضربات طيرانهم العدوانية إصابات مؤلمة ومباشرة للجهد العسكري للجيش السوري الحر الذي يمثل عصب المقاومة الوطنية السورية المسلحة، بل انه أثخنوا الضرب و90 في المئة من غاراتهم في الأجواء السورية كانت لاستهداف الجيش الحر في محاولة لشل إرادته وتكسيحه لكونهم يعلمون ان هذا الجيش كان جزءا من جيش النظام قبل أن ينحاز ابناؤه لصالح شعبهم والدفاع عنه بدلا من أن يكونوا في خدمة نظام إرهابي جائر يستقوي على شعبه بحراب مرتزقة إيران وعملائها في المنطقة، من العراقيين واللبنانيين وغيرهم من سقط المتاع! وبرغم عنف وشدة الضربات الروسية الحاقدة والحقيرة إلا أن استيعابها بات أمرا محتوما، فمهما بلغت شدة الحرب الجوية فإنها لن تغير كثيرا من النتائج على الأرض وفي الميدان.
لقد حقق الثوار تقدما سريعا ودمروا آليات النظام بوتائر غير مسبوقة وحافظوا على الأرض بل أضافوا لتمددهم مساحات جديدة، وجعلوا من جثث الحرس الثوري وعناصر حزب اللات اللبناني طعاما لكلاب البادية السورية بعد أن أضحت الطائرات الإيرانية تثقل حمولتها بنقل جثث رجال حرسها الثوري المهان والمهزوم، فيما تحولت الدبابات الروسية لخردة وحطام، وازاء إدراك الروس للواقع الميداني على الأرض وعدم رغبتهم بإرسال قواتهم الخاصة للمشاركة في القتال الأرضي لكونهم يعلمون مغبة ونتائج ذلك التصرف إن تم، فإنهم بدأوا يلعبون بخبث سولافي معروف عبر سياسة الديبلوماسية الخبيثة، فقد تقدم المتغطرس وزير خارجيتهم سيرغي لافروف بعرض مسموم للجيش السوري الحر بدعوى مساعدته في حرب تنظيم الدولة، وتقديم المساعدات العسكرية اللازمة لذلك! بينما يقومون هم من الجو بتدمير مواقع الجيش الحر، فالروس رغم خبثهم ودناءتهم يعاملون أعداء الأسد معاملة واحدة فلا فرق لديهم بين الجيش الحر أو بين تنظيم الدولة أو «النصرة» أو «الفتح» أو أي فصيل آخر، فحقدهم على الجميع، ولكنهم في عرضهم للجيش الحر يحاولون شق مواقف الثوار وإحداث الانقسام أو على الأقل محاولة تطويع فصائل الجيش الحر للتعامل مع قوات الأسد المهزومة، وهي المهمة المستحيلة، فلا مساومة على المبادئ، وإذا أراد الروس نزع فتيل الموقف المتفجر وإدارة عملية سلمية فعلية فعليهم على الأقل أخذ بشار معهم رغم أن أحرار الشام لن يقبلوا بأقل من محاكمة بشار وأركان نظامه على جرائمهم، محاكمة شعبية سورية عادلة لينال جزاءه العادل. محاولة لافروف البائسة مجرد أنغام نشاز في سيمفونية إبادة شرعوا بها لتصفية الثورة السورية العصية على الهزيمة التي ستفرض خيارها في نهاية المطاف. لقد استطاع السوريون إذلال الآلة الحربية الإيرانية التي سقوها كؤوس السم الزعاف واستنزفوا طاقاتها، وهم اليوم بصدد المقاومة الوطنية المشروعة ضد العدوان الروسي الغادر الذي سيهزم. فارادة الله أقوى من صواريخهم، وانتقام رب العزة والجلال أقوى من حقدهم وجرائمهم. كل محاولات الخبيث لافروف لن تجدي نفعا، وكل حلول لا تتضمن ترحيل الأسد وأركان نظامه لمزبلة التاريخ لا تعني شيئا أمام الإرادة السورية الحرة، فليسعوا سعيهم، وليقصفوا ما شاء لهم من القصف فيد الله فوق أيديهم، وانتصار الثوار أضحى من حقائق الواقع السوري المعاش، وإلى الجحيم يا بوتين وحلفك اللعين.

 

بوتين منقذاً أوباما
عمر قدور/المدن/ الثلاثاء 27/10/2015
كأنه كان مدبّراً من قبل، أن تعقب التدخل الروسي في سوريا سريعاً اجتماعات روسية أميركية، وأخيراً أن تنعقد اجتماعات فيينا وتتوسع من حيث الدول المشاركة قريباً. لننسَ الجعجعة التي رافقت التدخل، ووصفته بالمفاجئ، لأن تدخلاً معداً على هذا النحو، وعلى بعد آلاف الأميال من روسيا، لا يصعب رصد مقدّماته. إنه ليس عملية استخباراتية محدودة على نمط تهريب بشار الأسد إلى موسكو وإعادته. ولننسَ أيضاً فرضية استغلال بوتين وصول أوباما إلى مشارف السنة الأخيرة من حكمه، ما يجعل رئيساً “ضعيفاً” مثله أكثر ضعفاً من ذي قبل، فإدارة أوباما بكل سلبيتها غير عاجزة على تلقين الروس درساً أفغانياً جديداً بأيد سورية، أي بالأيدي التي أوقعت خسائر فادحة بقوات النظام بمجرد امتلاكها القليل من صواريخ التاو.
على هامش اجتماعات فيينا ثمة ما ينبغي الانتباه إليه، وهو توقيع موسكو مع الأردن بروتوكولاً عسكرياً للتنسيق بينهما في سوريا، مع أن الأردن المشارك في التحالف الدولي ضد داعش يُفترض أن يكون مشمولاً بالمذكرة الروسية الأمريكية لتنسيق الطلعات الجوية. أهم من ذلك، فإن واشنطن، من خلال الأردن، تمسك بالجبهة الجنوبية تماماً، وهي من يقرر بصرامة مقدار الدعم المسموح دخوله إلى ثوار درعا، وهي من يقرر بحزم عدم اقترابهم من جبهة دمشق. لذا من المستبعد أن يبرم الأردن اتفاقاً مع موسكو ما لم يكن بمباركة أميركية.
إسرائيل كانت سباقة كما نعلم إلى إبرام بروتوكول تنسيق مع روسيا، ونتنياهو كان أول زوار الكرملين من المنطقة بعد بدء التدخل الروسي، ولا بد أن لديه من المعطيات ما يجعله يسارع إلى هناك. ولا شك أن إشهار التنسيق الروسي الإسرائيلي يرضي تل أبيب معنوياً أكثر من التنسيق مع الحليف التقليدي الأمريكي لأنه يؤذن بالتطبيع مع محور الممانعة. تفصيل آخر رافق التدخل الروسي، هو إيقاف الإدارة الأميركية مشروعها الهزيل لتدريب ما تصفه بالمعارضة المعتدلة، والإبقاء فقط على الدعم الاستخباراتي كصمام أمان تحسباً من الشطط الروسي. ومع أن مشروع التدريب أثبت فشله قبل التدخل الروسي إلا أن إيقافه بالتزامن معه يحمل لفتة معنوية لا يمكن عزوها إلى المصادفة فقط.
لدى أوباما حساسية خاصة إزاء تدخل أميركا المباشر، لأنه بنى حملته الانتخابية الأولى على نقد تدخل سلفه جورج بوش في العراق، ولا يستطيع المغامرة بصدقيته وصدقية حملة حزبه الديمقراطي آنذاك. الأقرب إلى المنطق أن بوتين أنقذ أوباما بصفقة الكيماوي قبل سنتين، وكما هو معلوم فعل أوباما حينها ما في وسعه للمماطلة بغية عدم معاقبة النظام، إلى أن أتت الوساطة الروسية لتنقذه من مأزقه المعنوي. كان مفهوماً يوم صفقة الكيماوي أن مقايضة قد حدثت، وأن تسليم أداة الجريمة يعني إعفاء المجرم من تبعات فعلته. وما كان مفهوماً أيضاً أن إدارة أوباما وافقت لقاء تسليم المخزون الكيماوي على عدم السماح بإسقاط بشار الأسد عسكرياً، بمعنى أن يصبح هذا بمثابة نهج لا يتزحزح، بل بمثابة تعهد تمنع به القوى الإقليمية من تغيير الموازين على الأرض.
إلا أن أوباما، الذي كانت انتقاداته لسلفه مبنية على فشل التدخل في العراق، يبدو غارقاً في مستنقع لامبالاته إزاء سوريا، وهو ما سيستغله الخصوم الجمهوريون في الحملة الرئاسية المقبلة، وما قد تستغله المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في حملتها، بناء على خلافها معه في الشأن السوري عندما كانت وزيرة خارجيته. باختصار، مع نهاية رئاسة أوباما، ستكون الأوبامية بمجملها في خطر، وأسهل ثغرة يمكن النفاذ منها هي الثغرة السورية. فالمثال السوري يتفوق على نظيره الأوكراني من حيث حساسية الناخب الأميركي إزاء الإرهاب الإسلامي، ويمكن بسهولة إثبات أن سلبية أوباما سمحت للمتطرفين بالسيطرة على مساحات شاسعة من سوريا والعراق. فضلاً عن ذلك، يسهل إثبات عدم جدية أوباما في حلفه الدولي ضد داعش، الحلف الذي لا يمتلك زخماً عسكرياً كافياً، ولا تلازمه محاولات احتواء الإرهاب بمعالجة أسبابه.
تدخّل بوتين ينقذ أوباما على مستويين، الأول هو تغطية تدخله بالحرب على الإرهاب، ما يخلي مسؤولية أوباما الحصرية عن هذا الملف من خلال الحلف الدولي. أيُّ فشل في هذا الملف ستسوّقه الإدارة منذ الآن بعدّه فشلاً جماعياً، وليس مستبعداً أن تلقي كل اللوم على الآخرين بمن فيهم الحلفاء. المستوى الثاني يتصل بمعالجة القضية السورية ككل، إذ أن بقاء الأمر على ما هو عليه وفق سياسة أوباما منذ اندلاع الثورة سيضع الملف في عهدة الإدارة المقبلة، وليس مضموناً ألا تتبنى الأخيرة سياسة مغايرة يقتضي تسويقها نبش أخطاء أوباما أمام الجمهور الأمريكي. على العكس من ذلك، ستسوّق إدارة أوباما أية تسوية، مهما كانت هزيلة أو مجحفة، بعدّها انتصاراً لها، وحتى اعتبارها مبرراً بأثر رجعي لنيل أوباما جائزة نوبل للسلام. بالطبع، أن ينقذ بوتين أوباما فهذا لن يكون بلا ثمن، ومن المفهوم أن إدارة أوباما لن تدفع من حسابها الخاص. وهي منذ البداية سوّقت لانعدام القيمة الاستراتيجية لسوريا، عطفاً على ما تعلنه من تراجع القيمة الاستراتيجية للمنطقة ككل في الحسابات الأميركية. في اتفاق مصالح القوتين في سوريا ثمة نقطة تسترعي الانتباه، فالأوبامية قامت على أنقاض نهج إدارة بوش، والآن في أواخر أيامها يبدو أن لا أحد أفضل لإنقاذها سوى جورج بوش الروسي.