عبد الوهاب بدرخان: احتقانات إيران هل تنفّس في لبنان/روزانا بومنصف: شهيّب يحصد مديحاً سياسياً لا يُصرف حشرة اللحظة الأخيرة هل تُنتج مَخرَجاً/ نبيل بومنصف: مانوكان رئاسي

317

احتقانات إيران هل تنفّس في لبنان؟
عبد الوهاب بدرخان/النهار/28 تشرين الأول 2015
ليست أحوال ايران بعد التدخل الروسي في سوريا كأحوالها قبله. صحيح أنها سعت اليه مضطرة، وأشاعت أن الروس جاؤوا بدعوة منها، ليعملوا ضمن استراتيجيتها. لكن الوقائع تبيّن أكثر فأكثر أن روسيا بدأت عملياتها على نحو أنعش النظام السوري وطمأن حليفه الايراني، ثم انعطفت شيئاً فشيئاً لتعمل بشروطها وأبرزها التنسيق مع اسرائيل، بل أهمها اندفاعها الى تعزيز الجيش السوري على حساب ميليشيات شكّلتها ايران ودرّبتها أو استوردتها ومنها “حزب الله”، وكذلك على حساب بشار الاسد لأن اعادة الاعتبار إلى الجيش تعني تخليصه من سمعة “الجيش الأسدي” واستعادته سوريته. صحيح أن تضارب المصالح الروسية – الايرانية لم يقفز بعد الى العلن، وقد لا يؤدي الى صدامات، لكن استدعاء الاسد الى موسكو وما تبعه من اقتراحات قدّمتها روسيا في اجتماع فيينا، والحركة الديبلوماسية التي نشطت باسم “الحل السياسي”، أظهرت بوضوح أن الروس لم يتمكّنوا من البقاء في اطار التمنيات الايرانية – الاسدية. ومجرد أن يتوقف وزير الخارجية السعودي عن تكرار عبارة “لا حل بوجود الاسد” ليقول بعد فيينا إن هناك “بعض التقدّم” نحو الحل، فهذا يعني أن ثمة معطيات جديدة لم تكن متوافرة قبل التدخل الروسي ولا قبل الحديث المباشر بين فلاديمير بوتين والاسد. طوال الأعوام الخمسة الماضية كان مفهوماً أن أي حل سياسي يتطلّب تنازلات من الاسد، وأنه يتهرّب منها ليقينه بأن بداية التنازل تعني بداية السقوط. إلا أن الروس أنقذوه من السقوط مقابل قبوله بصيغة للخروج. ثمة احتقانات كثيرة تراكمت عند ايران في الشهور الأخيرة، من اليمن الى سوريا الى العراق، فضلاً عن متطلبات تكيّفها مع شيطانها الأكبر اميركا، وعن ضرورات السكوت على وجودها في الخندق الروسي مع شيطانها الأصغر اسرائيل. لذلك يتساءل كثيرون عن خطوتها التالية، ويتخوّفون من أن تختار الحلقة الأضعف، أي لبنان، للقيام بأي مغامرة استعادةً لهيبتها واعادة تلميعٍ لنفوذها. مردّ هذه الخشية الى أن ايران باتت تعتبر السعودية عدوّها الأول، وليس اميركا أو اسرائيل، وما لا يقوله الملالي في طهران للشحن ضد السعودية يتولّاه السيد حسن نصرالله في بيروت. لكن خيارات المواجهة في لبنان محدودة، إلا اذا كان “حزب الله” يريد الانتقال الى “اسقاط النظام”. في خطاب عاشوراء قال نصرالله إن خصومه راهنوا على الاتفاق النووي، فسأل هل باعتنا ايران بعد الاتفاق، وأجاب بأن “إمامنا خامنئي واخواننا هم أعلى وأشرف من أن يبيعوا صديقاً أو حليفاً”. واقعياً، كان يخاطب الايرانيين قبل خصومه اللبنانيين. فإيران لن “تبيعه” بل ستغيّر وظيفته، فـ”المقاومة” ضد اسرائيل لم تعد على الأجندة، والعد العكسي لعودة “حزب الله” من سوريا بدأ. لذلك فإنه يحتاج الى ضوء أخضر ايراني للقيام باستعراض قوة وصولاً الى انتزاع مكسب سياسي على حساب “صيغة الطائف”.

شهيّب يحصد مديحاً سياسياً لا يُصرف حشرة اللحظة الأخيرة هل تُنتج مَخرَجاً؟
روزانا بومنصف/النهار/28 تشرين الأول 2015
لعل وزير الزراعة اكرم شهيب حصد التقدير لخطته في موضوع النفايات على اثر الكارثة التي اصابت لبنان والعاصمة نتيجة الأمطار الغزيرة التي تسببت باجتياح النفايات الشوارع على نحو مؤلم لصورة لبنان ولصورة مسؤوليه في لا مسؤوليتهم في تحمل ما يفترض انه يقع على عاتقهم القيام به خصوصاً من بعض الأفرقاء ممن لا يزالون يقفون عقبة في طريق اقرار الخطة وتنفيذها. وصدرت مواقف لافتة لم تقتصر على ما قيل على طاولة الحوار الاثنين بل كان هناك بيان للرئيس سعد الحريري في هذا الاطار واتصال هاتفي بينه وبين رئيس الحكومة تمام سلام الذي اكد له عدم قدرته على تحمل الاستمرار في تعطيل بت الحكومة موضوع النفايات وتلميحه الى خطوات قد يتخذها في هذا الاطار. كما كان هناك بيان لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وآخر لتكتل التغيير والاصلاح الذي حرص على نزع تهمة تعطيل انعقاد مجلس الوزراء من أجل اقرار خطة شهيب. فيما ان المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل أثار حفيظة رئيس الحكومة انطلاقاً من ان الحزب لم يتعاون كما تردد في موضوع ايجاد مواقع في المتن وان الخطة التي أعدها شهيب لا تحتاج الى أكثر من موقف في هذه المنطقة من أجل تجميع النفايات ونقلها في اليوم نفسه الى مطمر لا يزال يجري البحث عنه في البقاع أو الى عكار.
في أي حال فإن المديح الذي كيل لشهيب لم يكن ليصرف حتى مساء امس في ظل عدم وضوح حول ما اذا كان ممكناً عقد جلسة لمجلس الوزراء ام لا. فمن جهة كان وزير الزراعة لا يزال ينتظر جواباً بالنسبة الى مطمر في البقاع لم يكن قد تلقاه من رئيس مجلس النواب نبيه بري أو تحديداً من “حزب الله”، ولا امكان لان تسير الخطة في حال لم يكن هناك شراكة فعلية بمعنى تقاسم الأعباء فيها. ومن جهة اخرى فإن تجربة الأسابيع الماضية ان دلت على شيء فإنما على ان غالبية الأفرقاء ان لم يكن جميعهم يتحدثون بلغتين بحيث يقوم بون شاسع بين المواقف المعلنة وما هو مطلوب لترجمة هذه المواقف على الأرض. ومعلوم ان شهيب ابلغ رئيس الحكومة بانه سيستقيل من اللجنة في حال استمرت العرقلة لها خصوصاً بعدما واجه البلد يوم الأحد ما كاد ان يكون كارثة بكل المواصفات، ولعل شهيب كان يتمنى السير في خطته بدلاً من امتداحه واتباع اسلوب “الكلام الجيد في الميت” حيث تكال لهذا الأخير كل الصفات الجيدة أو تقدم له اوسمة بعد وفاته في حين يضن عليه في حياته بكلمة لطيفة. وفي أي حال فإن الرئيس سلام لم يتردد في التأكيد انه في حال تخلى شهيب عن الملف فانه بدوره سيطفئ الأنوار في السرايا ولن يبقى فيها من أجل تصريف الأعمال بل سيذهب الى بيته.
السؤالان الملحان في هذا الإطار هما: هل ان الأفرقاء السياسيين سيستدركون تكرار سيناريو الأحد الماضي من أجل عدم تحمل مسؤولية حصول كارثة يمكن ان ترتد سلباً عليهم بقوة نتيجة غضب الناس وثورتهم على لامبالاة المسؤولين وتقديمهم لمصالحهم على حساب البلد؟ وهل ان هؤلاء الأفرقاء يقبضون جدياً تهديد أو بالأحرى تلويح الرئيس سلام بالاستقالة ام يراهنون على مسؤوليته في عدم ترك البلد للفراغ النهائي؟ تقول مصادر معنية انه لا ينبغي الاستهانة بما قد يدفع الرئيس سلام الى اتخاذه من خطوات. فهو بات واضحاً جداً في موقفه وكان له تحذير على طاولة الحوار أمام جميع الأفرقاء. وهناك حلول واقتراحات لموضوع النفايات قد تستجد أو تطرأ غير ما هو معمول به اليوم أو مطلوب في الخطة لكن ليس قبل السير بهذه الأخيرة التي أعدها شهيب الذي سيقدم لسلام تقريره يوم غد الخميس من أجل ان يبنى على الشيء مقتضاه خصوصاً في ضوء جلسة الحوار بين تيار “المستقبل” و”حزب الله” في عين التينه وفي ضوء لقاءات منتظرة اليوم مع رئيس مجلس النواب. يعتقد البعض ان غالبية الأفرقاء باتوا فعلاً محشورين في موضوع تفاقم موضوع النفايات وعدم ايجاد حل له أو عدم تسهيل الحل الموجود له كما في موضوع الاستقالة المحتملة لسلام والتي لا يمكن تحملها في هذه الظروف. ولذا من غير المستبعد ان يتم تأمين انعقاد جلسة لمجلس الوزراء تكون بمثابة شراء وقت للحكومة التي لا يرغب جميع الأفرقاء بانهيارها في هذه المرحلة على الأقل ولان عدم السير بخطة شهيب سينذر بوقوع الأسوأ مع بداية فصل الشتاء. والمأزق الذي يواجهه الأفرقاء في موضوع الحكومة والنفايات يواجهونه بالتوازي في ضرورة انعقاد جلسة تشريعية لمجلس النواب ولعل المخرج الملائم لها تم التمهيد له عبر توقيع حزب القوات والتيار العوني على اقتراح قانون استعادة الجنسية بما يسمح بوضعه على جدول الأعمال واعطاء الطرفين بعضاً من شروطهما لانعقاد جلسة تشريعية في ظل تعذر اقرار قانون انتخاب جديد، على رغم همس واسع لدى غالبية الأفرقاء بان قانون استعادة الجنسية ليس في مصلحة المسيحيين ولن يكون كذلك وسيرتب عليهم انعكاسات سلبية. لكن الجميع باتوا محشورين في موضوع المخرج المالي المطلوب اضافة الى الاتفاقات والقروض التي لن يقبل أي طرف بتحمل مسؤولية تضييعها

 

“مانوكان” رئاسي!
نبيل بومنصف/النهار/28 تشرين الأول 2015
ربما لا يخطر لكثيرين من نواب سابقين وحاليين ان يقارنوا جولات الحوار الجاري في مجلس النواب بجلسات حوار الطائف قبل ربع قرن ولكن ربما تجوز بعض وجوه المقارنة، أقله ببعض الخيال، من حيث الشكليات التي تحفز “الإخوة” المتحاورين على تعميق “إنجاز” استجماع مواصفات رئيس الجمهورية العتيد. لا ندري بعد مضي ١٧ شهراً من الفراغ الرئاسي كم يمكن الرهان بعد على بقية قرار سياسي “مستقل” لدى القوى اللبنانية الحالية في انتشال نفسها كما لبنان من أسوأ ما اصاب طبقة سياسية وما اصاب لبنان على أيديها اقله في العقد الأخير. والحال ان خلوات الحوار النيابي الجاري التي انتهت في جولتها الأخيرة الى خلاصة أدرجت في “جدول مقارنة” للمواصفات الرئاسية افقياً وعمودياً لا تثير سوى مزيد من تعميم مزاج السخرية لدى اللبنانيين حيال القوى السياسية لانعدام الثقة بقدرتها على اجتراح المعجزات باعتبار ان ازمة الاستحقاق الرئاسي حكمت على هذه القوى بالإعدام المعنوي والعملي سواء بسواء. لعل أفضل ما كان يمكن تقديمه عبر هذا الحوار، التعامل بصراحة اكبر مع هدفه الضمني وهو بداية التموضع الداخلي استعداداً لتسويات اقليمية مفترضة تأتي برئيس للجمهورية بعدما استحالت العملية الانتخابية من الداخل بما يعني ان على الطاقم السياسي الحالي ان يتحلى بواقعية اسلافه الذين لاقوا التسوية الخارجية بما يمهد لها فعلاً لا فولكلوراً فارغاً من اي محتوى جدي. لا نخال على سبيل التحديد والتفصيل ما دام جدول مقارن بما سمي بالمواصفات الرئاسية قد صار من “وثائق” هذا الحوار ان التعمية لا تزال صالحة لستر عورات العجز السياسي عن اقتحام غمار الاستحقاق من بابه العريض. اي مواصفات هذه وحول الطاولة وخارجها تضج مواصفات مرشحين مثقلين بالحيثيات الضاجة والصارخة التي تأبى اي تصنيف سوى الانخراط في التحدي الديموقراطي لاختيار واحد من بينهم؟ اتراهم فعلاً يتصورون القدرة على إقناعنا بأن استراتيجية الخروج من الفراغ الرئاسي تحتاج الى “مانوكان” رئاسي اشبه بقالب مفبرك لكي يُملأ بالشخص الملائم حين تحل عقدة القصور السياسي فيغدو لدينا الرئيس العتيد؟ كدنا نظن ونحن نقرأ الجدول بأننا أمام “فبركة” حوارية تستنبط الرئيس من الجمع والطرح لا من مواصفات حاضرة باشخاصها ومرشحيها. لا يحتاج العماد عون والدكتور جعجع والرئيس الجميل والنائب فرنجية من نادي الزعماء ولا الوزير السابق عبيد والحاكم سلامة والجنرال قهوجي الى تصنيفات للمواصفات ابدا. واذا توغلوا خارج النادي فالأسماء المختارة يجب ان تكون مؤهلة للنطق بصلاحياتها دون تصنيف. ما هذا الذي يجري في فراغهم؟ هل يستحيل اعترافهم بأن اختيار الرئيس صار حصراً على حيثية واحدة هي قوى سياسية حرة ام مستتبعة وكفى.