نديم قطيش: طريق القدس تمر في مكة/نديم قطيش: هكذا رضخ الاسد لبوتين/داود البصري: الجثث الروسية ستزاحم الإيرانية في بر الشام

637

طريق القدس تمر في مكة!
نديم قطيش/الشرق الأوسط/23 تشرين الأول/15
لم يهدأ استثمار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في حادثة منى. يكاد الرجل، وفريقه، لا يتركون مناسبة للإضاءة عليها والتحريض من خلالها عبر تضخيم أرقام الضحايا، أو تسريب ما يوقد الإشاعات المنتشرة شعبيًا حولها. من جملة ذلك ادعاء رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي أن السفير الإيراني السابق لدى لبنان غضنفر ركن آبادي نقل حيًا بسيارة إسعاف سعودية إلى المستشفى خلال كارثة منى. من اقتنع مسبقًا أن الرياض سلمت آبادي لإسرائيل، بحسب إشاعة رائجة، سيجد في «معلومات» بروجردي ما يسند قناعته، ويعزز أحقاده على السعودية.
وففي تصريح أخير له قال خامنئي: «بعد هذه الحادثة، كان من المفروض أن يرتفع صوت واحد، واحتجاج العالم الإسلامي، ولكن للأسف ما عدا صوت الجمهورية الإسلامية، لم يُسمع أي صوت، وحتى الحكومات التي كان من حجاجها بين الضحايا لم تبد احتجاجًا يُذكر». ما أراده المرشد شاهدًا على الآخرين صار شاهدًا عليه من حيث لم يرد. «ارتفاع صوت واحد» في العالم الإسلامي بدعاية التحريض على السعودية، وعدم سماع «أي صوت، حتى (من) الحكومات التي كان من حجاجها بين الضحايا» لا يدل على استهانة الحكومات والمسؤولين بشعوبها ما عدا إيران. بل يفضح حقيقة أن إيران انفردت دون غيرها من العالمين بالاستثمار في حادثة مأساوية، تصر على تسييسها وتوظيفها في العدوان على السعودية، التي تمثل اليوم العصب الرئيسي ورأس الحربة الحادة في مواجهة المشروع التوسعي الإيراني.
كما أن من يفتي اليوم بإحراق الشيعة من أتباعه في أفران حرب الدفاع عن بشار الأسد، مدركًا استحالة هذه المهمة، ليس ممن يقيم وزنًا للناس والضحايا والمصائر، وهذا ما يعرفه الإيرانيون الذين نزلوا إلى الشوارع عام 2009، قبل غيرهم، صارخين «الموت للديكتاتور»!!
اللافت أن التصريحات هذه تزامنت مع بدء تنفيذ الاتفاق النووي من دون أي تعديل في الاتفاق، الذي فضحت تصريحات المعارضين الإيرانيين له حجم القيود والتنازلات الإيرانية في الثوابت الرئيسية. تكفي، للتأكد من ذلك، العودة للحملة التي شنتها صحيفة «كيهان» المقربة من المرشد على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، واصفة البند الذي يسمح بتفتيش المنشآت العسكرية «بالفضيحة». أما رئيس التحرير نفسه حسين شريعتمداري، الذي يعد ناطقًا غير رسمي بلسان خامنئي، فكتب قبل أسابيع مقالة بعنوان: «الحل الوحيد» اعترف فيها أن «الاتفاق النووي يهدّد أسس ومبادئ الثورة الإسلامية» مقرًا بكلمات واضحة أن «المرشد بالطبع ليس سعيدًا على الإطلاق بالمسودة الحالية للاتفاق». مع ذلك مرت المسودة وصارت واقعًا في الوقت الذي تزدهر فيه الثرثرة حول حادثة منى. من يعرف إيران، يعرف أنها بلاد تدار بمنطق التعبئة الدائمة. وهي أحوج ما تكون الآن لمستويات عالية منها بغية تسهيل هضم الاتفاق النووي الذي أنهى عمليًا واحدًا من أبرز العناوين التي راهن عليها النظام، وخصص لأجلها موازنات، وحمّل نفسه عقوبات ذبحت المواطن الإيراني. كما أن الاتفاق نفسه حرم إيران من عنوان «الشيطان الأكبر» وصرخات «الموت لأميركا» كأدوات تعبئة. بل إن الاتفاق وضع إسرائيل نفسها على الرف.
ولعل ما يجري اليوم في سوريا هو واحد من هذه التفاهمات القيسرية، حيث إيران وموسكو وحزب الله وتل أبيب في حلقة «تنسيق» واحدة في معركة إنقاذ النظام ولو لحسابات ورهانات مختلفة. أما محاولة إيران استبدال «محاربة الصهيونية» بـ«محاربة الإرهاب» كمشروع لتصريف الطاقة «الجهادية» والعقائدية الإيرانية، فمن الواضح أنها باءت بالفشل، مما اضطر موسكو للتدخل مباشرة بعد أن كادت الفصائل المقاتلة، تُسقط الأسد وتبدد الأثمان الإيرانية الفادحة. دعك عن أن الراديكالية السنية لا تُحارب براديكالية شيعية، بل تتغذى منها وتزدهر، والعكس صحيح. ولئن فقدت إيران بسرعة قياسية مدارات التعبئة هذه، الملف النووي ومحاربة الصهيونية ومكافحة الإرهاب، يمم المرشد شطر السعودية، ورفع شخصيًا، وعبر وكلائه، درجة التحريض عليها والاشتباك معها، منذ أن لاحت ملامح هزيمة إيران في اليمن، وقبل أن تأتيه حادثة منى ساخنة على طبق من حقد. فالسعودية هي العدو الآن، وهي الهدف الثوري الجديد العلني لنظام الملالي، بعد أن كانت هدفًا كامنًا. بل باتت طريق القدس تمر من مكة، هذه المرة، بحسب ما يُستشف، من حدة الموقف الإيراني. أما الأداة المفضلة الآن فحادثة منى. ليس غريبًا الاستثمار الثوري الإيراني في المآسي. في بدايات الثورة الإيرانية، وكانت لا تزال حراكًا، احترقت «سينما ريكس» في ضاحية عبدان الفقيرة في طهران. كُتب الكثير عن هذه الحادثة. وتراوحت الاتهامات بين تحميل مخابرات الشاه نفسه المسؤولية عن إضرام النار في الصالة، وتحميلها لفصائل متطرفة بين القوى الثورية ترى في السينما حرامًا ينبغي تغييره باليد. الثابت أن الخميني استخدم الحريق الذي قضى فيه بضع مئات، كعنوان تعبئة شكل نقطة تحول في الرأي العام وتجييش الجماهير وتغذية مناخ الثورة التي انتهت بإسقاط الشاه. ثم كُنِسَت القضية تحت سجادة عجمية بعد الثورة! حادثة منى ليست حادثة «سينما ريكس»، والسعودية ليست نظام الشاه، وكل التفاصيل مختلفة، لكن العقل الإيراني واحد. الاستثمار في المآسي والإدمان على لعبة التعبئة وزراعة الحقد.

 

هكذا رضخ الاسد لبوتين
نديم قطيش/المدن/الخميس 22/10/2015
بعد ثلاثة اسابيع بالتمام والكمال، من بدء الغارات الروسية في سوريا، إستدعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشار الاسد الى موسكو، وعقد معه إجتماعات تصدر حصيلتها البحث في حل سياسي للأزمة في سوريا. سيكون من الصعب الجزم أن العملية العسكرية الروسية، التي قيل مراراً وبأشكال مختلفة أنها محدودة زمنياً، قد وصلت الى ختامها. لكن السياق العام يشي بأن موسكو مستعجلة لتوظيف رأسمالها العسكري الميداني في إستثمارات سياسية لحل الازمة، بدل الغرق أكثر في  عملية عسكرية مديدة. اللافت أن القليل تحقق ميدانياً بفعل التدخل العسكري الروسي، في ظل فشل جيش الاسد وحلفائه من المليشيات السورية واللبنانية والعراقية المرعية إيرانياً، في إنتزاع أي نصر ميداني حقيقي. واللافت ايضاً أن العملية العسكرية الروسية نفسها لم تسقط في فخ اعلان اهداف محددة لها، خارج العنوان العام لضرب الارهاب في سوريا، في حين لم تتجاوز الغارات على أوضح فصائل الارهاب، أي داعش، العشرين في المئة من مجمل الغارات الروسية. روسيا لا تملك إقتصادياً ترف المغامرات العسكرية المكلفة، ولا تغامر بأكثر من إستعراضات تأمل أن تعطيها ما يكفي من سمعة ورأسمال معنوي يفيد اولاً في اعادة ترميم صورة وموقع فلاديمير بوتين الدولي بعد أثمان مغامرته الاوكرانية!
كما أن إتصالات الزعيم الروسي بقادة الدول في المنطقة لا سيما بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، عشية بدء الغارات اولاً، ثم بعد اللقاء مع الاسد في موسكو، تفيد أن بوتين حريص على الإنتقال الى الموجة السياسية سريعاً، وعدم المغامرة بإستعداء الدول العربية والاقليمية المعنية بالملف السوري، لا سيما السعودية وتركيا وإسرائيل. عليه، سلف بوتين الاسد ثم سارع الى مطالبته بفوائد التسليف. بدا هذا واضحاً في تصريحات الاسد التي جاءت في جانب منها تكراراً حرفياً لمواقف روسية سبقت اللقاء، لا سيما في مضمونها المتمحور حول الحل السياسي الذي قاومه الاسد ومانعه كثيراً، الى حدود إثارة حساسية بوتين نفسه بحسب بعض التقارير ومنها ما نشرته بالامس صحيفة نيويورك تايمز. ففي حين كانت موسكو تركز على الحل السياسي منذ اشهر باعتباره المدخل الرئيسي والعاجل لحل الازمة كان الاسد يعيد التأكيد في مقابلة مع الاعلام الروسي قبل اسابيع على أنه “إذا أردنا تقدماً حقيقياً، فهذا لن يحدث طالما استمر القتل، وسفك الدماء، وانعدام الشعور بالأمان التام. نحن بإمكاننا التوصل إلى توافق، ولكن فقط حين نهزم الإرهاب في سوريا”. اللقاء بين بوتين والاسد أحال هذا النص على التقاعد، وفرض بديلاً عنه الحل السياسي بصرف النظر عن عنوان، هزيمة الارهاب، الذي يصعب تحديد معايير له تُعِّرف الانتصار وبالتالي تعيين الزمن الذي تبدأ عنده مباحثات الحل السياسي. في المحصلة رضخ الاسد لمنطق الحل السياسي بصرف النظر عن نتائج الميدان، وهذه ابرز نتائج لقاء موسكو. لا يخفى أن الاسد إجتهد لإفشال جولات حوار سابقة رعتها الخارجية الروسية في موسكو بل عمل بشكل ممنهج على ترهيب معارضين واعتقال بعضهم قبل او بعد بعض اللقاءات الحوارية. فتح اللقاء في موسكو صفحة جديدة في ترتيب اولويات الاسد الذي اعلن رضوخه للتصور الروسي للحل، وكان لافتاً، في معرض الامتنان، أن يكرر الاسد حرفياً ما قاله بوتين أمام قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم عددا من الجمهوريات السوفياتية السابقة، في دوشنبي، من أنه لولا المساندة الروسية “لكان الوضع في البلاد أسوأ (مما هو في ليبيا)، ولكان تدفق اللاجئين اكبر بكثير”. الفرصة المتوافرة لبوتين لاعادة ترميم وضعه دولياً من البوابة السورية ليست مفتوحة وهي فرصة فيها الكثير من المعطيات المعنوية والزمنية اكثر من كونها مدعومة بعناصر مادية كالقوة العسكرية او الاقتصادية او قوة النموذج! وبالتالي لن يسمح بوتين للاسد بحرمانه منها. من حسن الفطن ان يتوقع بوتين الا يتكرر رئيس أميركي يتيح لبوتين التلذذ بإهانته كما يفعل مع باراك اوباما، الذي لم ينعم عليه بإتصال البارحة. ولن تبقى تركيا اسيرة موسمها الانتخابي ولا السعودية اسيرة اولوية حربها في اليمن ولا اوروبا اسيرة رد الفعل على فداحة ملف اللجوء اليها، ولا العلاقة الاسرائيلية الاميركية سيئة ليستثمرها لصالح تفاهمات عسكرية بخصوص سوريا مع تل أبيب. بوتين يعتبر أنه ضرب ضربته ويسعى لجنى ثمارها. يعرف ان الاسد يحتاجه بشدة وأن ايران اعلنت انها فشلت في حمايته من دون أن يعني ذلك انها ستسلم اوراقها للكرملين.
كيف ستتصرف ايران، والى أي حد ستراعي تبعات الإتفاق النووي الذي أمر المرشد على خامنئي بالبدء بتنفيذه، بالتزامن مع خبر لقاء موسكو؟ سيكون لذلك الاثر الكبير في تقرير مصير الاستثمار الروسي في سوريا

الجثث الروسية ستزاحم الإيرانية في بر الشام
داود البصري/السياسة/23 تشرين الأول/15
في مقدمة وارهاصة على ما يبدو لمسلسل استنزافي كبير ستعانيه الالة العسكرية العدوانية الروسية في بر الشام بعد ان افرغت خزانات حقدها، قتل ثلاثة من طليعة المرتزقة الروس في معارك الساحل السوري في مؤشر واضح على هول ما ينتظر الروس من فجائع وخسائر لن تستطيع طائراتهم العدوانية توفير حصانة لهم ابدا، والقتلى الثلاثة الاوائل قطعا لن يكونوا اخر الخسائر، بل انهم الطليعة المتقدمة في افواج وطوابير طويلة ستتوالى وتتطور لارقام مفجعة ستعيد لاذهان الروس حماية الماساة الافغانية بكل حيثياتها ونتائجها وانعكاساتها. ملف الخسائر البشرية والعسكرية الروسية لربما لن يكون ظاهرا للعيان في المرحلة الاولى، مثل اي حالة احتلال، لكنه سيتطور ويدخل في افاق اخرى بعد ان استوعب الثوار السوريون صدمة الضربات الاولى، وهي الضربات التي رافقها على الارض تقدم غير مسبوق لقوى المعارضة السورية المسلحة وقدرتهم الفائقة على تدمير دبابات وحصون النظام وحلفائه، وحدوث مجزرة الدبابات لقوات النظام المدرعة، وهو الامر الذي لم يحدث منذ انطلاقة الثورة السورية ومن ثم تطورها لحرب مسلحة قبل اربعة اعوام. الاخبار المتواترة الواردة من ساحات المعارك السورية تؤكد ان المرتزقة الروس قد دخلوا المعركة، بعضهم بدوافع مالية، والبعض الاخر بدوافع عقائدية وبدفع من الكنيسة الارثوذكسية التي ترفع رايات محاربة الارهاب في الشام وعيونها وذكرياتها على ايام حرب الشيشان في العمق الروسي، فالقضية امتدادات داخل المجتمع الروسي تتفاعل لتشكل حصيلة الموقف الروسي الرسمي.
من الواضح ان النظام السوري يعول على الالة العسكرية الروسية والدعم الروسي لفك حصاره الخانق ولدعم ومحاولة فرض رؤيته السياسية لحل النزاع، لكونه يعلم ان الروس في حرج تام وتخوف مشوب بالقلق من احتمالات الحاجة لتدخل بري لتعزيز الضربات الجوية، ولمساندة الجهد العسكري السوري المنهار والذي لايستطيع مسك الارض ولا مواكبة ما يحصل من الجو، لذلك طار بشار للمرة الاولى منذ خمسة اعوام ليحط في الكرملين والقلق والتوتر يملا جوانحه من المقاصد والنوايا النهائية الروسية لمستقبل نظامه في ظل تصريح رئيس الحكومة الروسية ميدفيف ان الروس لايهمهم نظام بشار وانما مصالحهم!، لذلك وهو يعي هذه الحقيقة جيدا يؤمن ان ساحة المناورة قد ضاقت كثيرا في ظل افلاس الحليف الايراني الذي استنزف كثيرا، وقدم خسائر باتت تثير اللغط والحنق في العمق الايراني، فحرس الثورة قدم جمهرة من جنرالاته وخبراته العسكرية سقطوا على امتداد خارطة الصراع السوري، وكذلك كان حال ميليشياتهم الطائفية العراقية اما عصابة حسن نصر الله اللبنانية (حزب الله) فان خسائره البشرية باتت تهدد بسقوط عرش حسن نصرالله ذاته ضمن حالة التبرم الداخلي المتصاعدة في صفوف الاوساط الشيعية اللبنانية التي فقدت ابناءها وشبابها في صراع المصير الشعبي السوري ضد نظامه، وهي معركة خاسرة كلفت الكثير الكثير من رصيد الحزب واساءت كثيرا للعلاقات مع الشعب السوري الذي لايمكن له تناسي مواقف ذلك الحزب العدوانية. الخسائر الروسية ستدفع الطرفان السوري والروسي لتدارك الموقف ومحاولة الحصول والوصول لحل سياسي توافقي لربما يتطلب تنازلات كبرى يضطر النظام السوري بدافع الضغط الروسي لتقديمها، فالروس في نهاية المطاف وبعيدا عن اي عوامل لايودون ولا يرغبون في مزيد من التورط وفي اعادة السيناريو الافغاني، فالتاريخ لايعيد نفسه وان حصل ذلك ففي الاولى ماساة وفي الثانية ملهاة! والروس هذه المرة يتصرفون بدقة شديدة بعيدا عن ترهل المكتب السياسي للحزب الشيوعي ايام القيادات الشيوعية الهرمة في الكرملين، فلكل شيء ثمنه، وهذه الحرب ليست مجانية، بل ان هناك ممولين لها ليسوا على استعداد للصرف لما لا نهاية من اجل حماية عرش متداع كعرش بشار اسد… الخسائر الروسية المتزايدة ستكون الطريق لانهاء العدوان الروسي لكن ليس من دون ترحيل الاسد ونظامه لمزبلة التاريخ.