عبد المنعم سعيد: التدخل الروسي الجديد/مهى عون: الهدف الحقيقي من الغزو الروسي لسورية/أكرم البني: عن دوافع هجرة السوريين إلى الغرب/رندة تقي الدين: إنتاج مرتفع وأسعار نفط منخفضة

314

التدخل الروسي الجديد
عبد المنعم سعيد/الشرق الأوسط/07 تشرين الأول/15
وكأن خريطة الصراع في الشرق الأوسط لم يعد فيها ما يكفيها، وكأن ما سقط فيها من ضحايا وجرحى ولاجئين لم يعد كافيا، وكأن كأس الألم لم تطفح بما فيها من دماء، حتى جاءت روسيا بطائراتها وقواتها لكي تتدخل في جزء من الأراضي السورية تنطلق منه، لكي تضرب ذات اليمين وذات اليسار. الوجود الروسي في سوريا بأشكاله المختلفة، يأتي في وقت أصبحت فيه موسكو ليس تلك التي عرفناها بعد انتهاء الحرب الباردة من انسحاب وتنازل وتراجع، وإنما هي دولة تبحث عن الامتداد والتأكيد على أنها موجودة في خريطة القوى العظمى، سواء كانت شيوعية أو غير ذلك. البداية كانت في الجوار القريب، في جورجيا، ثم في القرم، ومؤخرا في أوكرانيا، واليوم جاءت الإضافة الجديدة عبر البحر الأبيض المتوسط في سوريا هذه المرة. الهدف المعلن هو المشاركة في الحرب ضد «داعش»، ولكن الطريق إلى الهدف يمر بهدفين آخرين: أولهما إنقاذ النظام السوري، وثانيهما تدمير كل قوى المعارضة الأخرى.
القرار الروسي كان مفاجئا، فلم يسبقه اقتراب من التحالف الدولي والإقليمي الذي يهاجم «داعش» بالفعل. الغريب أن التنسيق الوحيد الذي أجرته موسكو جرى مع إسرائيل عندما قام نتنياهو بزيارتها، بهدف وضع قواعد للعمل والاشتباك بحيث لا تتناقض العمليات الروسية على الأرض السورية مع تلك الإسرائيلية. إسرائيل أهدافها واضحة، فهي سعيدة لانهيار القوة العسكرية السورية، التي تراجعت قدراتها من 300 ألف مقاتل إلى ما بين 80 ومائة ألف. ولكنها من ناحية أخرى لا تريد، لقوات «داعش» أو حزب الله أن ترث القدرات العسكرية السورية. من هنا فإن إشارتها في موسكو كانت خلق آلية للاتصال والتنسيق، فإسرائيل لن تسمح لحزب الله بأن يحصل على صواريخ أو أسلحة كيماوية، وهي لا تريد لطلعاتها الجوية وصواريخها أن تتقاطع دون قصد مع تلك الروسية. روسيا من جانبها أيضا لا تريد هذا التقاطع، وهي تعرف أن نتيجة الحرب في سوريا أيا كانت لن تبقي كثيرا من القدرة العسكرية لبشار الأسد لكي يكون مصدر إزعاج لإسرائيل. وهي كذلك تريد أن تقدم لهذه الأخيرة بعضا من التقدير على موقفها في الأمم المتحدة، عندما امتنعت عن التصويت في القرار الخاص بأوكرانيا، الذي تحمست له الولايات المتحدة الحليف الكبير لإسرائيل.
هل تغامر موسكو بمثل هذا التحرك فتغرق في المستنقع السوري، كما غرقت منذ عقود في المستنقع الأفغاني؟ أم أن المسألة جد مختلفة هذه المرة، فهي ليست وحدها في مسرح العمليات العسكرية، بل هناك قوى مختلفة كلها مضادة لـ«داعش»، ولكن كثيرة منها مضادة لبشار الأسد وحكم البعث، الذي أخد سوريا كلها إلى هذا الجحيم الذي تعيش فيه. وهكذا فإن نظام بشار هو حجر الزاوية في الاستراتيجية الروسية، فالحرب ضد «داعش» جزء من عملية إنقاذ بشار، أما البقية الباقية فهي تدمير كل أنواع المعارضة الأخرى لحكمه. ولم تكن هناك صدفة أن أولى العمليات الجوية الروسية، جرت ضد المعارضة السورية غير الداعشية، ولكن ذلك يخلق معضلة كبرى هي أن القوات الروسية التي دخلت سوريا لا تستطيع أن تحارب المعارضة، و«داعش» في الوقت نفسه. صحيح أن هناك حلفاء مثل إيران وحزب الله، ولكن هناك تقاطعات كبيرة مع التحالف الدولي والإقليمي، وتركيا، لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تفعله «النيران الصديقة» في الحرب. هل تطرق اجتماع أوباما وبوتين في نيويورك إلى تنسيق مشابه لذلك الذي حدث مع إسرائيل، أم أن الاجتماع اكتفى بتبادل الشكوى حول السلوك المنفرد الذي تقوم به موسكو وواشنطن؟!
هل يقلب الدخول الروسي إلى ميدان الحرب في سوريا، التوازن الاستراتيجي الحالي، بحيث يستعيد بشار الأسد المبادرة مرة أخرى؟ الحقيقة هي أن سوريا «البعثية» لم تعد موجودة، ليس فقط لأن سوريا فقدت 240 ألفا من القتلى، أو أنها فقدت أكثر من مليون من الجرحى، أو أن نصف عدد السكان صار ما بين نازح ولاجئ، وإنما لأن الصراعات المذهبية والطائفية استحكمت بشدة، وصارت في كل الأحوال متبلورة حول «هويات» سياسية متباينة. من الناحية العسكرية البحتة، فإن ما وضعته روسيا على الأرض السورية لا يكفي التعامل مع كل الخصوم، كما أن إنقاذ بشار وجيشه، أو بقايا جيشه، يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك. ما يمكن قوله هو أن الأهداف الروسية المشار إليها، لا يمكن تحقيقها إلا بمزيد من القوات والطائرات وسفن الحماية البحرية، وهذا سلاح ذو حدين، فهي من ناحية قد تجعل بشار أكثر قسوة، ومن ناحية أخرى فإنها ستقدم أهدافا كثيرة لكل المعادين له.
لقد تغيرت سوريا ومن قبلها العراق ولبنان، ولم تعد إسرائيل وفلسطين كما كانا في ظل علاقات اتفاقيات أوسلو، باختصار انقلب الهلال الخصيب رأسا على عقب، ودخل مرحلة من الخسوف التي جعلت بعضنا يستعيد أيام «سايكس بيكو»، ولكن هذه المرة بإضافات روسية جديدة إلى كل الألوان الداعشية والقاعدية، ومن يصدق، البعثية أو بقاياها أيضا. الغائب من هذه اللوحة التعيسة أفكارا وأعمالا تواجه الفوضى الذائعة من داخل المنطقة وليس من خارجها. ما طرحه بوتين، وكأنه يقدم مبادرة لإنقاذ سوريا ومن ورائها الهلال الخصيب كله لا يبدو مقنعا، بينما روسيا نفسها تحت العقاب الغربي بسبب سلوكها في أوكرانيا، وعملتها انهارت بنسبة 44 في المائة خلال الفترة الماضية، وأسعار النفط التي تعتمد عليه موسكو أكثر من بقية الدول النفطية تراجعت بشدة، وحتى الاحتياطيات النقدية الروسية تتراجع بسرعة مخيفة. محاولة لعب دور المنقذ في مثل هذه الظروف لا يبدو مقنعا، خاصة مع العزلة الروسية في المجال الدولي ومع دول الإقليم أيضا التي لها وجود أو آخر على الساحة السورية. ماذا سوف يكون عليه رد الفعل الدولي للتدخل الروسي لسوريا؟ البداية كانت بالاحتجاج ليس فقط لأن القرار الروسي لا يستند إلى قاعدة دولية ما، وإنما بدايته لم تكن انضماما إلى التحالف الدولي ضد «داعش»، وإنما كانت هجوما على المعارضة كلها، ومحاولة إنقاذ لنظام كان هو بداية الكارثة. الولايات المتحدة تبدو مضطربة، وغارقة في الحملات الانتخابية التي بدأت، بل وفي حوادث صغيرة مثل حادث «أوريغون» الذي يهز الولايات المتحدة كلها. ما تبقى كان محاولة تجهيز الجيش السوري الحر، ولكنها هي الأخرى فشلت أو أسفرت عن نتائج متواضعة. النتيجة هي أن «الطبيعة» سوف تأخذ مجراها، ومن الجائز بالطبع أن يخرج من جوف الجحيم نسر يكون سيفا لإنقاذ وطن تكالبت عليه كثير من القوى، ولم يبق لأهله إلا مصير معتم بين التدخل الأجنبي، والاحتلال الداخلي، وبينهما كثير من العنف والدخان والحرائق، وتاريخ ولى وراح.

 

الهدف الحقيقي من الغزو الروسي لسورية
مهى عون/السياسة/07 تشرين الأول/15
قبل يوم من انعقاد القمة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة, تمت تصفية آخر النقاط العالقة بخصوص موضوع الغزو الروسي للداخل السوري, حيث تم الاتفاق على تسميتها “محاربة الإرهاب”, في استكمال لمهمة قوات التحالف الدولية. وخلال الكلمة التي ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة, كشف بوتين أمام هيئة الأمم, عما تحويه جعبته حيال التقدم النوعي في سياسته الشرق أوسطية وعلى الصعيد السوري على وجه التحديد. وإذ يعلل الرئيس الروسي اليوم حربه في الداخل السوري, تحت عنوان محاربة الإرهاب المتمثل ب¯”داعش”, فوجئ العالم في بدء العمليات العسكرية وطلعات الطيران الروسي بتحييد مواقع “داعش”, في تناقض صارخ مع الخطاب المعلن, على أن تعود وسائل الإعلام الروسية منذ يومين لاستدراك الفجوة في إعلانها استهداف “داعش”, في عملية تمويه ودجل موصوفة, أسوة بما كانت تقوم به قوات التحالف في السابق ومن ثم تهرع لتغطية هذا النهج بشتى الحجج والمسوغات, بدليل أننا حضرنا كيف ساهمت قوات التحالف في العراق ومن بعد مئات الطلعات في تمكين “داعش” من التقدم والتمدد والسيطرة في مناطق شاسعة واسعة في العراق في الأنبار والموصل والرمادي, وصولاً للحدود السورية العراقية.
وفي تناقض فاقع لتسمية حربه على سورية بالحرب المقدسة ضد الإرهاب, ما زال بوتين ومن على منبر الأمم المتحدة يعتبر أن الرئيس السوري هو الخيار الوحيد الذي سوف يمنع سورية من التفكك والانهيار, ناسياً أو متناسياً كل إرهابه المنظم وكل ارتكاباته وإجرامه وفظاعاته بحق الشعب, بسبب القصف المتواصل وعمليات القتل المتعمدة, ناهيك باستعماله المواد الكيماوية المحرمة دولياً, زائد براميل التهديم والتدمير والقتل العشوائي. فما الذي يحمل قوات التحالف ومن ثم طائرات بوتين, على ادعاء مطاردة تنظيم محدود ومعروف الأطر والمواقع وتغيِّب رأس الأفعى في الإرهاب النظام السوري. ومن الأخطر والأشد فظاعة, النظام السوري أم “داعش”? وإذا لم يكن النظام يتقدم “داعش” بمراحل ضوئية في مجال الإرهاب, وإن كانا متساويين في فظاعاتهما فرب تساؤل حول نية المجتمع الدولي ملاحقة “داعش” وتحييد رأس الإرهاب النظام السوري.
ويعلن بوتين أن حربه لن تطاول فقط “داعش”, بل كل الفصائل المعارضة التي يعتبرها أيضاً إرهابية ويخفي بدهاء ومهارة فائقة هدفه الحقيقي, وهو استهداف المقاومة الشعبية من دون “داعش”. وهو موقف يمليه عليه التنسيق المشترك مع الرئيس الأميركي, والذي تبلور نتيجة اللقاءات التي حصلت بينهما على هامش اجتماعات مجلس الأمن وفي أروقته, في أهم وأخطر وأكذب مسرحية دموية شاهدها التاريخ المعاصر. وفي هذا السياق, قد لا يكون مستغرباً أن تأخذ مسألة مطاردة الإرهاب في سورية اليوم, شكلاً ظاهرياً خالياً من المضمون, كون الهدف المرتجى من الزعيمين في سورية ليس مطاردة هذا الإرهاب, بل على العكس, توظيفه والمراهنة عليه في سياق تحقيق التغيير الديموغرافي والجغرافي المنشودين, مع الحفاظ على خلفية تقاسم النفوذ السياسي في سورية عامة وفي منطقة الساحل السوري, حيث تكثر آبار النفط والغاز التي تم اكتشافها حديثاً.
فأي حرب على الإرهاب وأي تمثيلية تدار فصولها على مرأى من الجميع وبموافقتهم الضمنية أو بتطنيشهم المتعمد, فيما الجميع يغسل يديه من “دم هذا الصديق”, أي الشعب السوري المكلوم والمفجوع? مسرحية تمت الإشارة إليها في مقولة, تم تسريبها إلى وسائل الإعلام, جاءت على لسان رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الروسي أليكسي بوشكوف, في قوله إن “أميركا كانت تتظاهر فقط, بأنها تقصف تنظيم داعش, بينما الحملة الروسية ستكون أكثر فعالية”. وفيما لم يفدنا حضرة الرئيس بمعلومات إضافية, حول أسباب ومسوغات التمثيلية الأميركية حيال “داعش” وحاجتها لتقمص هذا الدور في هذه التمثيلية, نسأله بدورنا حول حاجة روسيا للهرولة بدورها إلى الداخل السوري, للقيام بالدور ذاته في المسرحية ذاتها? مما لا شك فيه أن وراء تحييد “داعش” هذا ما وراءه, وهو أن “داعش” تنظيم مُكلَّف خلق ليبقى إلى حين تنفيذ مهمته التفتيتية والتقسيمية التي وجد من أجلها. فالقوى التي خلقته لا تريد تدميره الآن كما لا تريد من بوتين أن يفعل ذلك. ولقد رأيناه يسارع إلى طمأنة الإدارة الأميركية في بداية طلعاته الجوية في الداخل السوري بهذا الخصوص.
وفي هذا السياق رجحت صحيفة ال¯”نيويورك تايمز”, بأن يكون هدف الزعيم الروسي إنقاذ بشار الأسد في سورية, بدلاً من محاربة “داعش”.
في النهاية, قد يكون جائزاً القول, إن مهمة إيران في سورية شارفت على نهايتها, ما يؤشر لانكفاء قريب ل¯”حزب الله” عن الداخل السوري, تاركاً مجال الساحة الداخلية لبوتين, لإنهاء ما كان قد بدأ به, فاتحاً المجال للأصيل للحلول مكان الوكيل, بعد أن تكفل فتى ال¯”kgb” الأغر أمام صديقه اللدود أوباما, إنهاء مهمة “حزب الله” في مراحلها النهائية الوسخة والتي تتضمن قرار ونية إنزال الخريطة المتفق عليها والمتواجدة في أدراج دول القرار ولا سيما الولايات المتحدة وأوروبا… بقوة الحديد والنار.
في النهاية أيضاً, يمكن القول: إن الولايات المتحدة وإيران وبوتين و”داعش”, هم فريق واحد في ما خص المستقبل السوري. ودخول بوتين إلى سورية, ليس في الحقيقة لمطاردة الإرهاب, بقدر ما هو أولاً الهرولة للذود عن بشار الأسد, لمنعه من السقوط وانهيار نظامه تحت ضربات المعارضة التي حققت تقدما ملحوظاً ومكاسب ميدانية مشهودة على الأرض إلى حين استكمال التغيير الديموغرافي المطلوب, حيث يرى مراقبون أن التغير الديموغرافي آت لا محالة في سورية, بفعل النزوح الهائل لمن ضاقت بهم السبل هاربين من الصراع الذي لم يبق ولم يذر وسط ارتفاع مخيف لأعداد المقاتلين القادمين من كافة جهات الأرض.
أما خريطة روسيا في سورية, فستكون وفق نظريات عديدة, في البدء بإنشاء الدويلة العلوية التي تمتد من دمشق إلى اللاذقية والتي ستشكل موطئ قدم للهيمنة الروسية. وهي قابلة للتعديل جنوباً, إذا ما قرر الدروز الانضمام إلى هذه الدويلة. وهذا يفسر لماذا كانت الغارات الروسية الأولى في غرب حمص وحماة ضد مواقع لا وجود ل¯”داعش” فيها. وربما لن يطول الوقت قبل أن تتحرك مجدداً جبهات القتال القريبة, من الحدود مع لبنان لتصفية بؤر المعارضة لسورية, على الخط الممتد بين دمشق والساحل السوري. وإذا ما سارت الأمور كما يشتهيها بوتين فستكون النتيجة استتباب أمر دويلة, تضم معظم الأقليات السورية بزعامة علوية التي كانت منذ أكثر من 45 عاماً تحكم كل سورية.
أما التهليل الدراماتيكي لجبهة الممانعة في لبنان, وعلى وجه الخصوص الذي جاء على لسان حسن نصر الله ومعاونه نعيم قاسم, فإنما يدل دلالة كافية على اغتباط إيران في استكمال بوتين ما بدأته في الداخل السوري, في كلام معبر جداً للسيد نصر الله بهذا الخصوص ونائبه الشيخ قاسم الذي رأى, أن الدخول الروسي, سينقل سورية إلى “مرحلة جديدة… لمصلحة مشروع جديد دعامته الرئيس بشار الأسد”, وذلك وفق تعبير قاسم. ولكن إذا كانت أهداف ومرامي روسيا معروفة وهدية بوتين محفوظة عند أوباما وهي الهيمنة على الساحل السوري وحق التواجد في المياه الدافئة وتحقيق “حلم القيصر”, فما عساها تكون هدية ال¯”يسلموا إيديكم” التي تنتظرها إيران و”حزب الله” بعد إنهاء مهمتهما في سورية?

 

إنتاج مرتفع وأسعار نفط منخفضة
رندة تقي الدين/الحياة/07 تشرين الأول/15
عندما بدأ سعر برميل النفط ينخفض منذ حزيران (يونيو) ٢٠١٤ قال مسؤول نفطي عربي ان وصول سعر البرميل الى أكثر من مئة دولار أساء بشكل كبير لدول «اوبك» ولحصتها الإنتاجية . فارتفاع السعر لسنوات أتاح لأكبر مستهلك وهو أميركا أن يطور بسرعة كبيرة انتاج النفط والغاز الصخري ذات الكلفة المرتفعة. فبدأت تتقلص حصة دول «اوبك» من الاسواق مع زيادة انتاج النفط الصخري في السوق الاميركية مما جعل حصة «اوبك» تتراجع الى حوالي ٣١ مليون برميل من أصل ٩٨ مليوناً في اليوم هي مجموع إنتاج النفط العالمي. فتراجعت حصة «اوبك» لصالح الانتاج الاميركي والاماكن ذات الكلفة المرتفعة التي شهدت المزيد من الاستثمارات. فاستراتيجية السعودية وهي اكبر منتج نفطي في «اوبك» تحولت الى حماية حصتها الانتاجية وهي حالياً ١٠ ملايين برميل في اليوم. وهذا يعني حماية موقعها الاقتصادي في العالم ووزنها السياسي كما انها حريصة على استثماراتها لابقاء الطاقة الزائدة لانتاجها بمليون ونصف الى مليونين برميل في اليوم. ورغم انخفاض اسعار النفط ٦٠ في المئة منذ ٢٠١٤ ووصول سعر برميل «البرنت» الى حوالي ٤٩ دولاراً استمرت استراتيجية السعودية في حماية حصتها الانتاجية، وأكد ذلك وزير النفط علي النعيمي في تصريحات لصحيفة «التايمز» الهندية وقال: «ان العالم بحاجة الى معروض يمكن الاعتماد عليه ومستدام وأفضل الطرق لتحقيق ذلك هو توازن العرض والطلب كي تستقر الاسعار». واقع الحال ان السعودية راهنت على ان انخفاض سعر البرميل سيخفض انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. وبدأ يحدث ذلك مع كثير من الافلاسات لشركات صغيرة في اميركا ذهبت تحفر في داكوتا وغيرها من الاماكن لإيجاد النفط وبيعه بأسعار مرتفعة. ولكن عندما انخفضت الاسعار ورغم انخفاض سريع في كلفة تقنيات استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة، توقعت وكالة الطاقة الدولية انخفاض انتاج دول خارج «اوبك» في السنة المقبلة بنصف مليون برميل في اليوم وهو انخفاض نتج عن مستوى اسعار النفط بعد ان أدى سعر النفط المرتفع الى زيادة في انتاج دول خارج «اوبك» بحوالي ١.٧ مليون برميل في اليوم في ٢٠١٤. فاستراتيجية السعودية ناجحة على المدى الطويل ولو ان عليها الآن ان تدخل كجميع دول «اوبك» في مرحلة ترشيد الإنفاق. فالسعودية والكويت والامارات وقطر بامكانها التعايش لسنوات مع اسعار نفط منخفضة رغم انها مضطرة الى التعامل مع الواقع الجديد لتقلص عائداتها. ولكن دولاً مثل فنزويلا ونيجيريا وإيران والعراق والجزائر ستواجه مشكلات اجتماعية كبرى لأنها هدرت الاموال عندما كان سعر النفط مرتفعاً. فهذه الدول لم تحقق أي إنجاز على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والاصلاحي للاستفادة من ارتفاع سعر النفط. وتم هدر الاموال غالباً لمصلحة الفساد والرشوة. لكن خفض انتاج «اوبك» اليوم قد يعني اعطاء آخرين من خارج المنظمة مثل روسيا حصة «اوبك». فروسيا التي تعاني من انخفاض سعر النفط واقتصادها منهار دخلت حرباً لحماية الرئيس السوري الذي يبطش بشعبه. وستزداد الضغوط الاقتصادية على روسيا مع انخفاض سعر النفط والغاز في الاسواق العالمية. والقول ان استراتيجية الدفاع عن الحصة الانتاجية هي مؤامرة على روسيا أو إيران ليس الحقيقة. ولكن الواقع ان سياسات روسيا وإيران في سورية ستزيد العبء المالي عليهما وهما تخضعان لعقوبات اقتصادية ولكن ذلك ليس مرتبطاً باستراتيجية الدفاع عن الحصة الإنتاجية.

 

عن دوافع هجرة السوريين إلى الغرب
أكرم البني/الحياة/07 تشرين الأول/15
ثلاثة أسباب مستجدة يمكنها تفسير التدفق المحموم للمهاجرين السوريين طلباً للجوء الإنساني في بلدان أوروبا الغربية، وهؤلاء لا يتحدرون فقط من أفواج الهاربين من أتون العنف، وإنما من أسر لا تزال حياتها آمنة نسبياً.
أول الأسباب شيوع إحساس عام لدى السوريين بانسداد الأفق وانعدام الأمل بخلاص قريب، أو على الأقل بتحسن الوضع الأمني واستعادة حياة عامة تهتكت مقوماتها. فكيف الحال وثمة يقين عند غالبيتهم بأن القادم سيكون أسوأ، إن بالعجز عن توفير أبسط مستلزمات العيش، كالغذاء والكساء، وإن بصعوبة التكيف مع شح الماء والكهرباء، وإن بتراجع الخدمات التعليمية والصحية وفقدان فرص العمل؟! وكيف الحال وقد بات هاجس معظم الشباب الهروب من العنف والاقتتال، بينما يتنامى لدى الجامعيين منهم إحساس بعدم جدوى تحصيلهم العلمي مع غياب الإمكانات المرجوة لممارسة اختصاصاتهم عملياً. والأهم شيوع حالة قلق وخوف عامة من انحسار شروط الأمن والسلامة، حيث غدا حامل السلاح هو الآمر الناهي ويمكنه من دون مساءلة تقرير كل ما يتعلق بمصير الناس وحيواتهم وممتلكاتكم، وتتواتر يومياً الحكايات عن حجم تعديات المسلحين وتنوع تجاوزاتهم، إن كانوا مع النظام أو المعارضة، وعن مواطنين أبرياء، يتعرضون ولأسباب تافهة، للإذلال والابتزاز والأذى والقتل، من دون أن يطاول المرتكبين أي حساب أو عقاب؟! فأي خيار يبقى، حين تقتل فتاة لمجرد أنها زجرت مسلحاً حاول استمالتها، وحين تعجز عائلة عن تأمين فدية لاسترداد ابنها المخطوف، وعندما يرى شاب زميله يفارق الحياة في الحرم الجامعي جراء شظايا قذائف الهاون العشوائية؟!. صحيح أن أسباب نزوح السوريين كثيرة، وأساسها تصاعد العنف المفرط ضد المدنيين، إن بالإمعان السلطوي في الفتك والتنكيل وإن بما تمارسه جماعات إسلاموية متشددة، لكن الصحيح أيضاً أن العنف كان أشد أحياناً، ولم يخلق موجة واسعة من الهجرة إلى أوروبا كالتي نراها الآن، ربما لأن الصراع الدموي قد طاول وأرهق الناس ودمر ما تبقى من مقومات عيشهم، وربما لأن ما كان محتملاً كمحنة موقتة لم يعد يحتمل على المدى البعيد!
في ضوء ما سبق يمكن فهم هذا التنوع الغريب لطالبي اللجوء، من شباب يرغبون في إكمال دراستهم الجامعية ويخشون الالتحاق بالخدمة العسكرية أو بالتعبئة الإجبارية للجماعات الجهادية، إلى أسر كاملة تريد تجنيب أطفالها الصغار الأذى ولتضمن لهم مستقبلاً آمناً ومستقراً، الى بعض الشرائح الميسورة التي أنفقت مدخراتها ولم يعد من خيار أمامها للعيش سوى اللجوء الإنساني، إلى العديد من أصحاب الكفاءات العلمية الذين يبحثون عن فرص، بمن فيهم من يعملون في الخارج ويتحسبون من العودة الى البلاد مع نهاية عقودهم وانتهاء صلاحية وثائقهم، ناهيكم عن ناشطين مدنيين وسياسيين ضاقت بهم السبل مع سيطرة لغة السلاح وباتوا مهددين من قبل كل الأطراف!
السبب الثاني، يتعلق بالمتغيرات التي طاولت حياة اللاجئين القدامى في بلدان الجوار، فقد شكل الأكراد السوريون أكثرية اللاجئين الى العراق، لكنهم لم يحطوا الرحال طويلاً، وتشير المعلومات إلى نجاح معظمهم في الوصول إلى ألمانيا، تطلعاً لشروط حياة أفضل! بينما اتخذ لاجئو الطبقات الوسطى من لبنان، محطة تضعهم على قوائم الهجرة التابعة للأمم المتحدة، وينسحب الأمر نفسه على اللاجئين الذي يعيشون في الأردن خارج المخيمات، بخاصة مع تضييق كلا البلدين على شروط منحهم الإقامة وفرص العمل!
والأهم اللاجئون في تركيا، حيث بدأوا يتحسسون رؤوسهم وتتحرك عندهم نوازع الهجرة من المخيمات أو المدن التركية نحو أوروبا، ليس فقط جراء تراجع فرص العيش والتعليم والصحة مع تراجع المعونات المقدمة من منظمات الإغاثة الدولية بل خشية من مستجدات سياسية أثارتها نتائج الانتخابات التركية وأظهرت تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية! فلماذا لا يتخوف اللاجئون السوريون من هزيمة أردوغان ويتحسبون من قدوم حكومة لا تتعاطف معهم بل تعتبرهم أحد مسببات مشاكل تركيا، بخاصة أن مرارة التجربة التي عاشها أقرانهم في مصر بعد سقوط مرسي لا تزال تحت اللسان حين تصاعدت المضايقات ومظاهر التمييز والإذلال ضدهم ما دفع الكثيرين للهجرة نحو بلدان أخرى كان لأوروبا منهم حصة وافرة؟! وثالث الأسباب يتعلق بالترحيب اللافت الذي يلقاها اللاجئون السوريين في أهم بلدان أوروبا الغربية وبخاصة في ألمانيا، وتالياً التسهيلات السريعة والمباشرة التي تمنح لهم، وتفضيلهم عن غيرهم من طالبي اللجوء، والسبب ربما تعويض أوروبي عن موقف سلبي ومتخاذل من المحنة السورية، وربما استجابة لضغط شعبي أخلاقي أظهرته الحشود الأهلية المرحبة باللاجئين السوريين في غير مدينة غربية! وكالعادة، لا يضيع العقل التآمري هذه الظاهرة، فيطل برأسه، مرة، لتحميل الحكومة التركية مسؤولية تسهيل هذه التدفقات المتواترة من طالبي اللجوء السوريين، إما رداً على تمنع الغرب من منحها ضوء أخضر لإقامة منطقة عازلة، وإما رداً على سحب الأطلسي منظومة الباتريوت من أراضيها، وإما رداً على تخفيض المعونات الدولية المقدمة لإغاثة هؤلاء اللاجئين! ومرة ثانية، للطعن بالترحيب الغربي على أنه خطة خبيثة غرضها سرقة الكفاءات والكوادر السورية، وتسهيل التغيير الديموغرافي في البلاد، وتلبية حاجة أوروبا العجوز وألمانيا الهرمة لتجديد دمائها بالشباب السوري! هي فترة قصيرة وتبرد حمى هجرة السوريين إلى الغرب، وبلا شك سوف تتراجع فرص القبول وتكتفي البلدان الأوروبية بمن وصلوا إليها لاستيعابهم ودمجهم بمجتمعاتها، لكن ما أثارته هذه الهجرة وبخاصة مشاهد الموت الجماعي غرقاً، زاد من إلحاح الحاجة لإطفاء بؤرة التوتر السورية ومعالجة جذور الصراع الدائر بما يلبي تطلعات الناس وحقوقهم، ليس فقط للحفاظ على من تبقى من السوريين في بلدهم، بل لتوفير أهم الشروط الأمنية والسياسية المشجعة لعودة الجميع كمشاركين في إعادة بناء وطنهم حراً وكريماً!