نبيل بومنصف: العفن حين يختمر/عبد الوهاب بدرخان: لبنان في مهب العاصفة الروسية/روزانا بومنصف: رفع نار الحوار في الوقت الضائع لا حاضنات خارجية قبل السنة المقبلة

265

العفن… حين يختمر
نبيل بومنصف/النهار/7 تشرين الأول 2015
لا يفتقد مجلس النواب الحالي ولا المجالس التي سبقته الى شواهد صدامية أو مبارزات بالشتائم وصولاً الى عراكات متنوعة. وليس البرلمان اللبناني اكثر ترفعاً عن شواهد في برلمانات آسيوية وحتى غربية اخرى في هذا الكار. وما يقصر عنه المنبر البرلماني تعوضه الشاشات الشرهة والمحفزة على اجتذاب هذا الصنف الشديد الإثارة للناس. الطارئ في الصدام الأخير الذي عاينه اللبنانيون يتصل بلحظة انهيار داخلي وليس انفجاراً كما ساد الاعتقاد. هذا الانهيار كان سيحصل آجلاً أم عاجلاً، بتحريك من الشارع أو من دونه، ولكن من غير الجائز التنكر لفضل التحرك المدني في التعجيل بفضح بواطنه وعفنه خصوصاً اذا ظل التحرك على وتيرته الضاغطة وعرف كيف يمضي قدماً في اثبات كونه سلطة مراقبة في الشارع. بلغ الاهتراء السياسي حدوده القصوى في لبنان ولم يعد الوسط السياسي قادراً على ابتلاع مزيد من الاستنقاع حتى لو حظي بغطاء العالم كله في تصريف مرحلة الانتظار الطويل. ولن نبحر في الملفات الكبيرة والأوضاع الاقليمية التي تحاصر لبنان انطلاقاً من الشغور غير المحدود في رئاسة الجمهورية. لنأخذ اللحظة المحلية المحدودة التي حصلت فيها حادثة تافهة كتلك المصارعة النيابية السخيفة. وسط سياسي غارق في سمعة فساد ولا أسوأ يعاند المحاولات المستهلكة للحوار العبثي، ويحاصر بعجزه وأنانيات بعض قواه الحكومة والمجلس، في تلك اللحظة كانت أزمة النفايات تحطم رقماً قياسياً في تشويه صورة البلد المبتلي بالقصور على مشارف شتاء “نفاياتي” واعد بكل الكوارث. وفي اللحظة نفسها، يسقط على طرق لبنان سبعة “شهداء” في حادثي سير مفجعين اما نتيجة تحلل في تطبيق القانون من مختلف وجوهه الفردية والجماعية واما نتيجة انحرافات مزمنة في اوضاع الطرق لا مكان لها في اولويات رسمية، بعدما سحقت اولويات الاستقطاب السياسي كل شؤون المواطنين. وفي اللحظة اياها ايضاً “وقف” المصير الحكومي على شعرة الفصل والقطع المتعلقة بترقيات عسكرية تنذر للمرة الأولى في تاريخ الجيش بإقحام التدخلات السياسية في هيكليته القيادية، الأمر الذي لم يحصل منذ ١٩٧٥. اما الحشوة الدافعة للانفجار النيابي فلا تحتاج الى كثير شرح، فحسب الناس ان يضيعوا بين ارقام المليارات المتساقطة فوق الرؤوس على إيقاع حروب الاتهامات المتبادلة الأشبه بتعرية غير مسبوقة لمجمل الوسط السياسي المتعاقب على الحكومات والمجالس فلا ترحم نظيفاً ولا تبرئ بريئاً ما دامت هذه الملفات الفضائحية لا تزال هائمة على المنابر ولم تفتح بعد أمام النيابات العامة وصولاً الى أقواس المحاكم. هو العفن الذي كان نائماً وانفجر بفعل فراغ الدولة اولاً وأخيرا. فكيف نشتم الدولة التي اثبتت انها بغيابها أقوى من حضورها؟

 

لبنان في مهب العاصفة الروسية
عبد الوهاب بدرخان/النهار/7 تشرين الأول 2015
كان الرئيس تمام سلام، العائد من نيويورك، أول من نبّه الى أن الوضع اللبناني ليس في أولويات الدول “المعنية” عادةً بالبلد. وليس مردّ هذا الواقع المرير الى عدم الاهتمام بلبنان بل الى احتدام الصراعات الدولية والاقليمية بعد التدخّل الروسي المباشر في سوريا. وحتى الآن استطاع توافق الدول الكبرى على ادامة الاستقرار وفرض نفسه، ولو من دون ضمانات، على الأطراف المحلية، واستطراداً على السعودية وايران بصفتهما اللاعبين الرئيسيين. وبما أن الدور الروسي غيّر المعادلة عسكرياً وسياسياً لمصلحة النظام في سوريا فهل يكون حافزاً لطهران ودمشق كي تغيّرا أيضاً سلوكهما في لبنان باتجاه الحسم أيضاً، أم أن العلاقة “الجيّدة” المستجدة بين روسيا والسعودية تضمن على الأقل إبقاء الأزمة اللبنانية على ما هي الآن؟ عوامل عدة ستحدد هذا المسار الدولي – الاقليمي، وتتوقّف عملياً على ادارة روسيا دورها في سوريا، ومنها: 1) أنها لا تستطيع قيادة حسم عسكري ضد المعارضة من دون أن تباشر بالتوازي والتزامن تفعيل حل سياسي كانت تسوّقه ونالت لقاءه تنازلات دولية بقبول مرحلة انتقالية بوجود الاسد لفترة محدودة. 2) أنها لا تستطيع أن تفرض على الاميركيين والاوروبيين مقايضة “وحدة سوريا مقابل تقسيم اوكرانيا”، أو العكس، حتى لو لم يكونوا راغبين في التدخل في سوريا. 3) أن دورها العسكري المباشر يجازف باستدراج مواجهة لا يريدها “الناتو” لكنه سيؤدّي الى نقلة نوعية في “الحرب بالوكالة” رغم نفي الرئيس الاميركي. 4) لا يمكن روسيا بمفردها انهاء الصراع في سوريا ما لم تتوصّل الى ايجاد بدائل تجتذب الآخرين الى قبولها ودعمها، وتسهّل توافقاً دولياً تحديداً مع الولايات المتحدة، وأي حل تقسيمي ترعاه روسيا واسرائيل وايران سيعني حالاً صراعية مستدامة. يحدث أن يتبرّع ايرانيون أو “معارضون” سوريون ترعاهم طهران وكذلك محللون غربيون بهذه الخلاصة: لن تستطيع حدود “سايكس – بيكو” الصمود في أي تسوية للصراع السوري، والحدود الجديدة ترسمها المعارك على الأرض، واذا تبخّرت الحدود القديمة “فإن تركيا لن تبقى على ما هي، والعراق بالطبع، وحتى السعودية ودول الخليج، أما لبنان فلن يعود على الخريطة”… هذه تمنيات ايرانية ربما تجد لها معالم على الأرض، ولا تكفي مخططات الملالي لتحقيقها ما لم يكن الدب الروسي شريكاً فاعلاً فيها، فهل ان موسكو معنية بها؟ الأكيد أن تريد إحداث أكبر تخريب اقليمي ممكن آملةً بإرغام واشنطن على التفاوض على خلافاتهما الاستراتيجية. في ضوء ذلك، عودة الى الوضع اللبناني لاستنتاج أن الطرف الوحيد المرتبط بهذه المغامرات الاقليمية هو “حزب الله”، وهو مكلّف – في انتظار زوال لبنان من الخريطة – بتجميد الدولة والرئاسة والحكومة والبرلمان والمجتمع في انتظار ما سيكون. وبالتالي فإن ترئيس ميشال عون ليس سوى بيدق يحركه “الحزب”.

 

رفع نار الحوار في الوقت الضائع؟ لا “حاضنات” خارجية قبل السنة المقبلة
روزانا بومنصف /النهار/7 تشرين الأول 2015
شبّه مرجع سياسي جولات الحوار التي دعا اليها الرئيس نبيه بري لثلاثة أيام متعاقبة بجلستين يوميا بالعروض السينمائية التي يتوزع توقيتها بين عرض نهاري للهواة والاولاد وآخر مسائي للكبار من دون ان يخفي خشيته من ان تكون هناك مبالغة في ذلك انطلاقا من انه اذا كانت طاولة الحوار ترمي الى ابقاء نار خفيفة للطبخة اللبنانية في انتظار ملاقاة نضوج التوافقات الخارجية فيخشى ان يكون تحديد ثلاثة أيام بمثابة رفع مستوى للنار تحت الطبخة من دون نتيجة. اذ ينقل المرجع عن مرجعية عربية رفيعة المستوى انه يجب عدم توقع أي تطور ايجابي على صعيد الاستحقاقات اللبنانية قبل السنة الجديدة على الاقل. اذ من جهة ستنصب الجهود الاقليمية والدولية على محاولة التوصل الى حلول للمسائل الشائكة في المنطقة ومن بينها الحرب الاهلية في سوريا قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية في اوائل شهر تشرين الثاني 2016 انطلاقا من ان دولا عدة تفضل التعاطي مع الادارة الحالية على قاعدة مجموعة القواعد التي تتمسك بها في المنطقة ومنها استمرار الانكفاء عن الانخراط فعليا في قضايا باعتبار ان الانتخابات ستأتي برئيس من غير المستبعد ان يكون ضد سياسة أوباما كليا في المنطقة كما عمل هو على ان يكون ضد سلفه جورج دبليو بوش. وتاليا فانه من المحتم ان يندرج لبنان في هذا السياق ما دام مسؤولوه استقالوا من ارادة محاولة تغيير هذا الواقع والسعي الى حل المسائل اللبنانية من الداخل. ومن جهة أخرى لا مؤشرات ايجابية على الاطلاق في اتجاه تواصل إيراني سعودي يمكن ان يلحظ لبنان من ضمن روزنامته في حال حصوله على رغم صعوبته الجمة راهنا. ويؤكد المرجع المعني ان ثمة تباعدا في اولويات اللقاء الإيراني السعودي واحتمالاته في الدرجة الاولى حيث تتطلع إيران بقوة الى لقاء مع السعودية على قاعدة رغبتها في ان تكون اجتماعات على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي الست مع إيران أي 6 زائد واحد في حين ان المملكة العربية السعودية مصرة على مشاركة الولايات المتحدة ودول اوروبية معنية أيضاً في مسائل المنطقة باعتبار ان هذه المسائل ليست محصورة بالدول العربية وإيران وحدها. اما اذا حصلت تطورات تفضي الى امكان عقد اللقاء بين الجانبين فانه من الصعوبة تصور ان يكون لبنان من بين بنود البحث في ظل مواضيع شائكة كاليمن مثلا وامن الخليج مع ما لهذا الموضوع من اهمية بالغة بالنسبة الى الدول العربية وسوريا قبل الوصول الى لبنان. ويناقض المرجع نفسه الرأي القائل بان مشكلة لبنان المتمثلة اولا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية سهلة قياسا على المسائل المعقدة في الجوار بحيث لا تحتاج الى جهد كبير. هذا لا ينفي ان ما يواجهه لبنان اقل تعقيدا من الحرب الدائرة في دول الجوار الا ان ثمة شكوكا كبيرة بان يختصر ما يمر فيه بتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية فحسب. فقياسا على مصالح الدول الاقليمية وامتداداتها في لبنان، سيكون صعبا الاعتقاد ان الازمة الراهنة ستتوقف على الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية. والجدل على طاولة الحوار يلامس من حيث الشكل والجوهر بعض ما يواجهه الوضع الداخلي. اذ لا بد ان يثار استمرار تعطيل الحكومة في مقابل الجلوس الى طاولة الحوار برئاسة بري اكان ذلك في عين التينة أو في مجلس النواب حيث تلامس النقاشات محاولة ايجاد حلول لبعض المسائل كموضوع النفايات مثلا في حين ان هذا الموضوع يعود الى مجلس الوزراء. ورفض استئناف الحكومة اعمالها في مقابل القبول بطاولة الحوار لا بد ان يثير هواجس عن محاولة قضم صلاحيات رئاسة مجلس الوزراء مثلا. فاذا كان اتفاق الطائف المظلة التي لا بد من استمرارها ولا قدرة على تغييرها لاعتبارات مختلفة قد يكون ابرزها انه قاعدة سيعمل بها في سوريا وسواها على طريق مشاركة جميع مكونات الدول المعنية في السلطة، فان ثمة أعرافا يمكن إرساؤها كما تغييرات جانبية على غرار الثلث المعطل الذي فرضه “حزب الله” على الحكومات ما بعد اتفاق الدوحة. وبحسب المصدر نفسه، فإنه من غير المتوقع عدم بحث “حزب الله” وإيران في تغييرات جوهرية على قاعدة التحولات في سوريا بحيث ان التمسك بمرشح وحيد للرئاسة انما هو تعبير عن أثمان مماثلة اما لشخص كالرئيس إميل لحود الذي اعطى الحزب اكثر مما كان يطمح اليه أو الى مكاسب سيسعى اليها عبر ما تسمح به تفسيرات مختلفة لاتفاق الطائف من خلال قانون انتخاب على قاعدة النسبية مثلا والذي يطمح الحزب من خلاله الى تثبيت نفسه مع قوة سلاحه في مقابل إضعاف الآخريـن أو من خلال اللامركزية الموسعة التي تعني شبه ادارات ذاتية تعطي صلاحيات واسعة للبلديات وما شابه أو أيضاً عبر الغاء الطائفية السياسية على غرار ما تطرق اليه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد في احدى الجلسات الأخيرة للحوار حين كان يعلن زعماء قوى 14 آذار ضرورة التمسك بسقف الدستور فكان الرد ان العمل بالدستور يشمل كل بنوده.
ولذلك فان الجدل سيطول على طاولة الحوار حول ما اذا كانت انتخابات الرئاسة ستجرى أولا أو ينبغي الذهاب الى الاتفاق على قانون للانتخابات النيابية في الوقت الضائع. ومجدداً سيكون البحث صعباً ايهما يأتي أولا: الدجاجة أم البيضة.