علي حماده: ردّ إقليمي على العدوان الروسي/روزانا بومنصف: لماذا تمايزت مصر عن الدول الخليجية/اميل خوري: هل يُعجّل التدخل الروسي بالحلّ أم يعقّده تنحّي الأسد بعد التسوية وليس قبلها

305

ردّ إقليمي على العدوان الروسي؟
علي حماده/النهار/6 تشرين الأول 2015
من غير المفيد الاعتماد على “حكمة” القيادة الروسية لوقف عدوانها على سوريا. ومن غير المفيد الاتكال على الاتصالات لإقناع الرئيس فلاديمير بوتين بمواصلة تنفيذ خطته لدعم نظام بشار الأسد، وتغيير المعادلة بمحاولة القضاء على الفصائل السورية المعارضة التي تقاتل على جبهتي “داعش” وبشار مع الإيرانيين والروس. فلقد دخل بوتين ساحة القتال بعد فشل الإيرانيين وميليشياتهم وفي مقدمها “حزب الله” في منع بشار من الانهيار. وصل الروس الى الساحة فيما الثوار يقتربون من عقر داره في منطقة الساحل، وبعدما فشل الإيرانيون في الوسط والجنوب في إحداث اختراق عسكري. ومن الواضح أن بوتين يربط عدوانه بـ”كرامة” بلاده كقوة عظمى لا تستطيع أن تتراجع، وهي في بداية عملياتها العسكرية. ومن هنا سوف يتوسع التورط الروسي في كل اتجاه، في محاولة حثيثة لإلحاق الهزيمة بالفصائل المعارضة المنتشرة في مناطق بعيدة عن مناطق “داعش”، وسيرتفع عدد الجنود على الارض في القواعد العسكرية التي بدأ العمل على تأهيلها لاستقبال الآلاف من الجنود، بالتوازي مع بدء تدفق قوات إيرانية، وميليشيات مذهبية من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان للتحضير لعمليات برية. ما تقدم لم يعد سراً. موسكو لن تتراجع الآن، بل هي في طور توسيع عدوانها ورفع وتيرته. لذا ليس أمام الفصائل السورية المعارضة سوى الصمود في انتظار تطور جدي في الموقفين الاقليمي والدولي. والاشكالية هنا ان دول الاقليم الداعمة للثورة السورية كالسعودية وقطر منشغلة بحرب اليمن الكبيرة والحاسمة، اما تركيا فموقفها حساس نظرا الى تقاطع واقعها الاقليمي مع انتمائها الى “حلف الناتو”، وتماسها المباشر مع روسيا. وبالوصول الى مصر، فقد أكدت ان “مصر السيسي داعمة لبشار الأسد، وللخيارات الايرانية – الروسية في سوريا”. وهذا تحول خطير للغاية ينبغي مراقبته بدقة من دول مجلس التعاون الخليجي. اما الموقف الدولي فمشتت بفعل غياب أميركا – أوباما عن المسرح، وتفضيلها الجلوس في المقعد الخلفي والانكفاء. ان الرئيس الأميركي باراك أوباما غير راغب في الإقدام على أي تحرك في سوريا أو غيرها، ويرسل إشارات واضحة إلى الحلفاء بضرورة عدم الاعتماد على أميركا في عهد الإدارة الحالية. وعليه، فالأوروبيون منقسمون وعاجزون عن التحرك في غياب سياسة خارجية موحدة للاتحاد الأوروبي. بناء عليه، يجب توقع توسع العدوان الروسي لأسابيع طويلة. ولكن من المهم بمكان لدول الإقليم ألا تجلس متفرجة، فيما يهم الروس والإيرانيون باقتحام المنطقة من البوابة السورية، ويحاولون إحداث تغييرات دائمة في طبيعة المشرق العربي (ديموغرافيا وطائفيا) بالقوة المسلحة. هذا الحدث الكبير يستدعي عملاً إقليمياً مشتركاً سعودياً – تركياً تنضم إليه قطر وغيرها من دول المنطقة الحليفة لمواجهة أكبر عدوان يشن على المنطقة منذ 1948 مع نشأة إسرائيل. إن ما يحصل على الأرض اليوم سيحدّد مصير المشرق العربي لمئة عام.

 

لماذا تمايزت مصر عن الدول الخليجية؟ القاهرة تعيد استيعاب النظام السوري عربيّاً
روزانا بومنصف/النهار/6 تشرين الأول 2015
تميز موقف الديبلوماسية المصرية عن سواه من مواقف الدول العربية ازاء التدخل الروسي الى جانب بشار الأسد في سوريا بالاعلان ان هذا التدخل “يحاصر الارهاب ويقضي عليه” وفق ما قال وزير الخارجية سامح شكري الذي كانت له مواقف سابقة ممهدة لهذا الموقف عبر قوله في مطلع أيلول الماضي “ان مصير بشار الأسد يقرره السوريون” داعيا الى العمل بورقة جنيف 1. ليست مصر اليوم كمصر في السابق. وهي لم تستعد بعد القدرة والثقل اللذين يمكن ان يسمحا لها بالتمايز على نحو جذري عن مواقف دول خليجية لها ما لها على مصر راهنا بعد نجاح وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي الى الرئاسة المصرية. علما ان موقف المملكة العربية السعودية العلني الرافض كليا لبقاء بشار الأسد لأي مرحلة انتقالية يبدو سقفا مرتفعا جدا بحيث لا يبدو قابلا للمرونة. وبغض النظر عن ان المنطق الذي يقول به وزير الخارجية المصري اي ترك الشعب السوري يقرر مصير الأسد يدحضه واقع ان إيران ومن ثم روسيا هما من يقرران مصير الأسد وليس الشعب السوري على غير ما تدعي روسيا في هذا الاطار أيضاً، فان الموقف المصري يبدو لافتا من حيث مناقضته العلنية لموقف الدول الخليجية الداعمة له من جهة ورماديا من حيث محاولته امساك العصا من منتصفها على نحو يفسره البعض بالمخاوف التي تساور مصر من وصول قوى اسلامية الى السلطة في سوريا تعيد تهديد السلطة في مصر. الا ان مصادر ديبلوماسية واخرى سياسية مطلعة تنفي وجود تناقض فعلي بين مصر والدول العربية انطلاقا من ان مصر مكلفة بنتيجة الاتفاق مع روسيا من جهة ومع الدول الخليجية من جهة اخرى بالتمهيد أو العمل على اعادة النظام السوري الى حضن العرب متى نجح التدخل الروسي عبر عملياته العسكرية المباشرة في ابعاد النظام عن إيران. فهذا جزء من التغطية غير المباشرة التي يعتقد انه حصل عليها قبل مبادرته الى الانخراط عسكريا في سوريا على رغم الايحاء بان هذا الانخراط كان مفاجئا لدول عدة. وهذا مبني على معلومات متوافرة لدى هذه المصادر تفيد بان مصر هي التي سعت مع روسيا قبل اشهر الى تنظيم سفر المسؤول المخابراتي السوري علي المملوك الى المملكة السعودية وليست روسيا وحدها من تولت هذه المسألة، ما استفز إيران التي سربت الخبر عبر صحف لبنانية مؤيدة لـ”حزب الله” من اجل محاولة افشال المسعى المصري الروسي بابعاد النظام عن إيران واعادة استيعابه عربيا. وهذه الاعتبارات تشكل أبرز الأسباب لتمايز الموقف المصري من دون ان يثير ردود فعل منددة أو منزعجة من الدول العربية بغض النظر عما اذا كانت روسيا ستنجح في تنفيذ ذلك، اي ابعاد النظام السوري عن إيران ام لا، أو هل ستكون جدية بذلك نظرا الى ان إيران منخرطة بقوة وعمق في الامساك بشرايين النظام وارادة الرئيس السوري ما قد يصعّب من هذه المهمة. بل من غير المستبعد في هذا الاطار ان تتلاقى المصلحتان الروسية والإيرانية في سوريا كما في تلاقيهما على محاور عدة ما قد يؤدي الى تحقيق هدفهما المشترك في اعادة احياء النظام وتأهيل الأسد على حساب ما هدفت اليه روسيا اصلا من تدخلها الذي يفترض ان يبعد سوريا عن إيران، وذلك جنبا الى جنب مع تحقيق مصالحها الاستراتيجية المباشرة في الحفاظ على موقعها على البحر المتوسط واستعادة نفوذ قوي لها على حساب الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة.
هذه المهمة بالذات تؤدي الى هامش واسع من المعطيات التي تذهب في اتجاهين: احدهما يؤشر الى عدم معارضة جدية للتدخل الروسي لا أميركيا ولا غربيا ولا عربيا أيضاً. والدليل على ذلك محاولة تصويب الدول الغربية ما تقول انه استهداف من روسيا للمعارضة المعتدلة، وهو هامش واسع يتمتع بأفضليته سلاح الجو الروسي على سلاح الجو الأميركي الذي يحاذر استهداف المدنيين أو اي مجموعة خارج ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية في حين ان روسيا لا تأبه فعلا لهذا التصنيف ما دامت تتبنى توصيف الرئيس السوري حول وسم جميع معارضيه بالارهاب فضلا عن ان لروسيا مصلحة مباشرة في دفع المعارضة الجالسة في احضانها والممثلة في قدري جميل ومن مثله على حساب المعارضة الفعلية لبشار الأسد. فانبرت الدول الغربية الى الاعلان عن ضرورة تصويب روسيا على تنظيم الدولة الاسلامية فقط، ولم تحصل معارضة فعلية كبيرة للتدخل الروسي في حين ان تصريح الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا الذي تحدث عن “حرب مقدسة” ضد الارهاب يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يثر على رغم الالتباس الذي احاط به ردود فعل كان يفترض ان يطلقها بالاضافة الى ما كان يفترض ان يطلقه التدخل الروسي من دعوات للجهاد ضد الروس مثلا قياسا بتجارب سابقة في افغانستان مثلا. وهذا يعني بالنسبة الى هذه المصادر ان التدخل الروسي لم يحصل على نحو قد يثير استفزاز الدول السنية اقله حتى الآن. اما الاتجاه الآخر فيؤكد مدى استمرار الصراع السعودي الإيراني في المنطقة والذي لا يبدو قابلا للردم على رغم اظهار إيران رغبة علنية قوية في الجلوس مع الدول الخليجية وحدها والتي لا تقابلها حماسة سعودية بالشروط التي تطرحها إيران.

 

هل يُعجّل التدخل الروسي بالحلّ أم يعقّده؟ تنحّي الأسد بعد التسوية وليس قبلها
اميل خوري/النهار/6 تشرين الأول 2015
لسفير سابق مثّل لبنان في عدد من العواصم الكبرى رأي في التدخل العسكري الروسي يخالف رأي البعض اذ ينظر الى هذا التدخل بتفاؤل فيقول إن كل محاولات حلّ الأزمة في سوريا باءت بالفشل بسبب الخلاف على مصير الرئيس الأسد الذي صار مرتبطاً حتى بمصير سوريا. وروسيا التي لعبت في مجلس الأمن الدولي دور المعارض لتنحية الأسد واستخدمت “الفيتو” أكثر من مرة انقاذاً لنظامه أخذت الآن على عاتقها حلّ الأزمة السورية، وان الدول المعنية وعلى رأسها أميركا لا تمانع في ذلك ضمناً حتى اذا نجحت روسيا في مهمتها يكون ذلك نجاحاً للجميع، وأن هي فشلت تتحمل وحدها النتائج والمسؤولية.
وفي اعتقاد السفير نفسه أن روسيا ما كانت لتقدم على هذه الخطوة الخطيرة لو لم تكن تتوقع تعاوناً أميركياً وسعودياً وحتى اسرائيلياً وان غير معلن لأن الجميع يلتقون على وجوب القضاء على تنظيم “داعش” وعلى كل تنظيم ارهابي لأنه خطر يتهدد الجميع، ولا سيما روسيا، لكنهم يختلفون على تقرير مصير الأسد. فمنهم من يرى أن لا حلّ للأزمة السورية بوجوده ومن يرى ان لا حل الا بوجوده كونه يشكل جزءاً منه. لذلك فليس سوى روسيا من يستطيع ان يقول للأسد “كش” لأنها شكلت له المظلة الوحيدة التي تحميه لكنها لن تقول له ذلك إلا بعد إن تدمر مواقع الارهاب وخلاياه وتعمل في الوقت نفسه على تشكيل حكومة اتحاد وطني قادرة على حفظ الأمن والاستقرار في البلاد، وهذا لا يتحقق اذا تنحى الأسد قبل تشكيل هذه الحكومة، كما انه لا يتحقق اذا ظل السوريون منقسمين موالين ومعارضين لأن هذا الانقسام يساعد على خلق بيئات حاضنة للارهاب خصوصاً ان للانقسام هذا وجهاً مذهبياً أكثر منه سياسياً وهو الأخطر.
ان روسيا اذاً تعمل في سوريا على خطين: خط عسكري لضرب الارهاب وخط سياسي لتشكيل حكومة اتحاد وطني لفترة انتقالية يتم خلالها اجراء انتخابات نيابية، وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تنبثق من مجلس النواب الجديد، أي أن الحل الروسي لا يبدأ بتنحية الأسد بل ينتهي به. ويشبه السفير اللبناني التدخل العسكري الروسي في سوريا بقوة الردع العربية التي دخلت لبنان. ثم أصبحت قوّة سورية صافية وتولت حفظ الأمن فيه ودعم حكومة الوفاق الوطني التي تم تشكيلها بعد وقف الاقتتال ويمكن وضع هذا التدخل الروسي في خانة مباشرة تقاسم مناطق النفوذ في المنطقة. فلروسيا مصالح حيوية في سوريا تريد الحفاظ عليها وتريد أن تكون من حصتها، وللحفاظ على هذه المصالح يهمها أن تقيم فيها. حكماً قوياً قادراً على ذلك، ويصبح استقراره ثابتاً عندما يتم التخلص من التنظيمات الارهابية. وهو ما فعلته القوات السورية في لبنان عندما ساعدت على تشكيل حكومة وفاق وطني بعد وقف الاقتتال فيه. واذا كانت روسيا بدأت بأخذ حصتها بيدها وبالتراضي ضمنا ما يجعل سوريا في دائرة نفوذها، فسوف يكون ذلك بداية توزيع الحصص على الدول المعنية في المنطقة، وبما يشبه “سايكس – بيكو” جديدة تتولاها أميركا وروسيا كما تولتها في الماضي بريطانيا وفرنسا ولكن ليس بعد حرب لأن الحرب بوجود الأسلحة المتطورة كارثة للجميع. وقد لا يكون السلام الشامل في المنطقة الذي ينهي النزاع الطويل بين العرب والفلسطينيين من جهة واسرائيل من جهة أخرى خارج توزيع مناطق النفوذ، فيعود حل الدولتين اساس الاتفاق عندما تجمع الدول الكبرى على اعتماده، لان البديل من الخلاف على التقاسم هو التقسيم الذي لا اجماع عليه. وبما ان روسيا اعلنت أنها مع رئيس توافقي في لبنان، ومع تحييده عن صراعات المحاور نظراً الى تركيبته الدقيقة وحرصاً على سلمه الأهلي وعيشه المشترك وعلى آخر موقع للمسيحيين في الشرق فان نجاحها في سوريا سوف يساعد على نجاحها في لبنان بالتعاون والتنسيق مع كل الدول المعنية، وعندها تقوم الدولة القوية التي لا سلاح غير سلاحها، وهو ما دعا اليه الرئيس تمام سلام في لقاءاته على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وما دعا اليه الرئيس ميشال سليمان في حديثه مع الرئيس الفرنسي هولاند الا وهو حفظ حقوق لبنان عند الاتفاق على حل سياسي لسوريا باقتراحه أربع نقاط هي انعكاس للوضع السوري على لبنان.