الـيـاس الزغـبـي: إنتقاليّة الأسد وحزب الله/ساطع نور الدين: تمنيات نصر الله الروسية

320

“إنتقاليّة” الأسد و”حزب الله”
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/26 أيلول/15

كلام إقليمي ودولي يشوبه الكثير من الغموض والارتباك حول مصير بشّار الأسد، ويتراوح على مستويين: رفض بقائه، والقبول به لمرحلة إنتقاليّة. وبينهما ثابتة تقول بأنّ لا مستقبل له في سوريّا. عبارة “لا مستقبل له” تنطوي على فكرة القبول به لمرحلة إنتقاليّة، قد تطول أو تقصر وفقاً لتجاذبات الأمم واستراتيجيّاتها ومصالحها. ولكن، عن أيّ “انتقال” يتحدّثون، وهل إنّ الأسد نفسه يستطيع التحوّل من حاكم مطلق إلى “جزء” من سلطة لمرحلة محدودة ينتهي بانتهائها؟  أمثاله من الحكّام الذين سبقوه رفعوا شعار “القصر أو القبر”، وكانت نهايتهم نفياً أو سجناً أو قتلاً أو إعداماً أو سَحْلاً في المجارير. وهو تفوّق عليهم دمويّة وإجراماً وإبادة وتدميراً وتشريداً للشعب السوري. فمن يتحمّل الجلوس معه إلى طاولة واحدة لإدارة المرحلة، وهل هو نفسه يستطيع لجم جموحه وعنجهيّته، و”يتواضع” للقبول بضحاياه يشاركونه السلطة والقرار؟ قد ينجح القيصر الروسي بوتين في فرض حليفه ضمن مرحلة إنتقاليّة، ولكن ليس على سوريّا كلّها، بل على شريط من اللاذقيّة إلى دمشق تحت مسمّى “الدويلة البحريّة الغربيّة”، بأكثريّتها العلويّة الشيعيّة وأقليّتيها السنيّة والمسيحيّة، وهي نفسها التي عملت عليها إيران بعدما انهارت “الدويلة الشرقيّة” بين العمقين العراقي والسوري. وحين تحدّثنا مراراً، في مقالات سابقة، عن التطهير المذهبي الحاصل في هذه المنطقة، منذ معركة القُصير وحمص وصولاً إلى القلمون والزبداني، كانت إيران هي صاحبة المشروع عبر أذرعها وألويتها، وأبرزها “حزب الله”. اليوم، يحلّ بوتين محلّ “الفقيه”. لكنّ قيادة الأوّل لمشروع الثاني تعيد إيران إلى الصفّ الخلفي ومعها “حزب الله”، فماذا سيكون دورهما في المرحلة الانتقاليّة؟ من الطبيعي أن نسمع خطاباً إيرانيّاً، مباشرةً أو على لسان قائد “حزب الله”، يُعلن انتصار “جبهة الممانعة والمقاومة” ونجاحها في تطويع العالم تحت لوائها في الحرب على “التكفيريّين”، بما فيه واشنطن و”الرفيق بوتين” وإسرائيل نفسها! ولولا بعض الحياء، لسمعنا كلاماً مباشراً بأنّ طهران تقود الآن “الجبهة العالميّة للحرب على الإرهاب”، بعدما قادت سابقاً “الجبهة العالميّة ضدّ الشيطان الأكبر والاستكبار العالمي”. وباتت أميركا وأوروبا وروسيّا والصين مع دول “البريكس” وبعض العرب أعضاء فيها تتلقّى توجيهاتها من ميتروبول “الوليّ الفقيه”. ولا حرج في التنسيق مع إسرائيل مباشرةً أو بالواسطة عبر موسكو. فالجميع “أعضاء” وحلفاء وأصدقاء! لكنّ الواقع غير ذلك تماماً. فإيران لم تَعُد في موقع القيادة، لا في اليمن حيث الأرض أصدق من البيانات، ولا في العراق حيث الانتفاضة الشيعيّة ليست مكتومة، ولا في سوريّا حيث يحمل الروس بيرق المرحلة، ولا في لبنان حيث انكسر وهج السلاح ورضخ لمنطق التسويات والتلطّي بالحوارات. حتّى تلك “الدويلة البحريّة الغربيّة”، في إطار المرحلة الانتقاليّة، لن تكون مستقرّة لا في اليد الإيرانيّة كما بدأت، ولا في اليد الروسيّة التي آلت إليها. فهي، في حقيقتها، تشكّل “قشرة جغرافيّة” قلقة باستمرار وغير مستقرّة بفعل عاملين: داخلي بسبب مكوّناتها غير المحسومة مذهبيّاً وسياسيّاً خصوصاً لجهة التكوين اللبناني الملاصق لها غرباً وغير القابل لتغيير توازناته التاريخيّة، وخارجي بفعل الامتداد الأكثري البشري والجغرافي الهائل نحو الشرق، في عمق يعبر سوريّا والعراق ويصل إلى الحدود الإيرانيّة نفسها، بل يخترقها إلى الأقليّات المذهبيّة والقوميّة في داخلها. لذلك، فإنّ المرحلة الانتقاليّة السوريّة تؤسّس لرحيل الأسد من جهة لأنّه غير مهيّأ لحكم “دويلته” فترة طويلة، ولانكفاء “حزب الله” من جهة ثانية نتيجة الانكفاء الإيراني. ولعلّ “انتقاليّة” سوريّا سترتدّ خيراً على لبنان، فتتراخى قبضة “حزب الله” على قصر بعبدا، وتبدأ إعادة تكوين الدولة من رأسها، خلافاً لأوهام الساعين إلى قلب الهرم على رأسه. وبعد هذا الاستحقاق الذي يبدو ممكناً في المرحلة المتوسّطة المقبلة، بعد الاجتماعات المحوريّة حول لبنان في نيويورك، وبعد الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى بيروت، يمكن للحراك المدني أن يكون أقوى وأفعل بأجندة واقعيّة للمحاسبة والتغيير. “إنتقاليّة” لبنان نحو الانقاذ تصبح عمليّة بعد انتخاب الرئيس لا قبله. وكلّ الأطراف ستشعر بأهميّة هذه الخطوة الإلزاميّة للخروج من مآزقها، بما فيها الحراك و”حزب الله” نفسه.”إنتقاليّة” مضطربة وغامضة في سوريّا، مستقرّة وواضحة في لبنان.

تمنيات نصر الله الروسية
ساطع نور الدين/المدن/السبت 26/09/2015

أهم ما قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في حواره مع تلفزيون المنار، هو انه جزم في ان القوات الروسية التي وصلت الي سوريا أخيراً والتي “يعتد بها”، هي انها وحدات مقاتلة وليست وحدات مساندة للجيش السوري، وهو أمر ما زال الروس انفسهم ينفونه وما زال الاميركيون يستبعدونه.. وما زال النظام السوري يشكك به. في الخطوة الروسية التي لا تزال عصية على الفهم في جميع عواصم العالم، الكثير من عناصر الالتباس. واذا كان إستنتاج نصر الله صحيحاً، بان الجيش الروسي دخل الى سوريا للقتال المباشر ضد عدو مفترض ومحدد هو تنظيم داعش الذي لم تفلح خمسون دولة في هزيمته حتى الان، فان هذا الدخول كان موارباً ومثيرا للشبهة: لم يكن هناك ما يمنع ان تقيم موسكو جسرها الجوي الاكبر منذ حرب افغانستان، مع العاصمة السورية دمشق بالتحديد، وان يسبق هذا الجسر الاعلان عن ان الكرملين قرر ارسال وفد سياسي وعسكري رفيع يضم وزيري الدفاع والخارجية على الاقل، الى دمشق للبحث مع الرئيس بشار الاسد وكبار المسؤولين السوريين في سبل تنفيذ معاهدة الدفاع المشترك او في سبل تنسيق جهود مكافحة الارهاب..وهو ما كان يمكن ان يمنح الحضور القتالي الروسي-حسب تعبير نصر الله- المزيد من المصداقية والاهم من ذلك الشرعية الدولية.

استثناء العاصمة السورية المهددة مباشرة بقوات المعارضة المحيطة بها من كل جانب طرح اكثر من علامة استفهام حول ذلك الحضور الروسي الذي اقتصر حتى الان على منطقة الساحل السورية، التي يمكن ان تعتبر حسب الخبراء العسكريين نقطة انطلاق وتوسع نحو بقية المناطق السورية، لكنها لا يمكن حسب الخبراء السياسيين ان تشكل مظلة وضمانة كافية لدمشق بالذات ومصدر إطمئنان لا للنظام ولا طبعا لسكانها. ما زال يصعب التكهن ان روسيا قررت إرسال هذا الحشد من القوات من أجل ان تشرف على تقسيم سوريا، على الرغم من الاغراء الذي باتت تمثله هذه الفكرة للجميع بصفتها مخرجاً سريعاً من المذبحة السورية المروعة، ومهرباً عاجلاً من صورها المأساوية ومن أكلافها الانسانية والاخلاقية الهائلة. في المقابل لا يمكن ان يكون الكرملين غافلاً عن حقيقة ان الحرب هي على دمشق بالذات ومن يربحها فانه سيفوز بسوريا كلها تباعاً أيا كانت القيود والعهود التي يمكن ان يحصل عليها أهل الساحل السوري..الذين لا يمكن مقارنتهم بأكراد العراق ولا يمكن ان ينالوا ما نالوه من مغانم الفيدرالية العراقية. حتى الخطوط الحمراء التي يمكن الافتراض ان الروس جاءوا لرسمها في سوريا ليست واقعية ولا هي عملية، حتى ولو كانت دمشق نفسها داخل أحد هذه الخطوط. في الحروب الاهلية ليس هناك حدود ثابتة ومحصنة في وجه تنقل المقاتلين المحليين بين منطقة وأخرى، او في وجه تسلل السيارات المفخخة على المعابر وخطوط التماس، او وجه تطاير الصواريخ العابرة للكانتونات، والتي اصابت الاسبوع الماضي السفارة الروسية في دمشق وقاعدة حميميم الجوية في الشمال السوري..  روسيا قوة مقاتلة في سوريا ترفض ولسبب غير مفهوم الانضمام الى التحالف الدولي الذي يضم خمسين دولة والذي يمكن وبسهولة فائقة ان يطيح بقيادته الاميركية المرتبكة والمترددة وان يمنح الروس هذا التفويض وذلك الشرف الذي يمكن ان ينقل روسيا وصورتها الى مرتبة عالمية رفيعة جداً ما يساهم في سد فراغ القوة العظمى الذي يشغل العالمين العربي والاسلامي ويشعلهما أيضاً. في كلام نصر الله قدر مبالغ به من التفاؤل وربما التمني بان يكون التدخل العسكري الروسي في سوريا قتالاً .. وليس تفاوضاً مع الاميركيين، بدأ للتو على الجبهة السورية الملتهبة.