رضوان عقيل: ولادة ثالوث ذهبي في سوريا لقتال الجماعات الإرهابية/فايز سارة: الدب الروسي يسرق عسل الملالي/رضوان السيد: عندما يكون الخروج من التاريخ أفظع من الدخول

445

ولادة “ثالوث ذهبي” في سوريا لقتال الجماعات الإرهابية
رضوان عقيل/النهار/24 أيلول 2015
وقت ينهمك أركان 8 آذار بالتطورات الداخلية وما يمكن ان يصدر عن طاولة الحوار في ساحة النجمة، تشخص في المقابل انظارهم الى الحدث السوري، ولا سيما بعد دخول وحدات من القوات الروسية وانشاء قاعدتين لاستقبالها في شمال مطار اللاذقية. وعلى رغم هذا الحبور الذي لا يخفيه هؤلاء وانسحابه على جمهورهم، لم تصدر اي اشارة من “حزب الله” حيال حضور “الرفاق الروس” بهذا الشكل. وسيتطرق السيد حسن نصرالله باسهاب الى هذه النقطة في اطلالته على محطة “المنار” مساء غد الجمعة.
وكان الفريق اللبناني المؤيد للرئيس بشار الاسد والمتحمس لاستمراره في سدة الرئاسة وعلى رأس النظام، قد استبشر خيراً عقب تلقيه نبأ زيارة قائد الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني الى موسكو، اضافة الى مسؤولين ايرانيين آخرين لم يكشف عنهم. وقد أحيط الحزب بمضمون تلك اللقاءات.
من هنا يعتقد مراقبون في لبنان ان الاندفاعة الروسية الاخيرة في اتجاه سوريا تمت بعد سلسلة من الاتصالات مع القيادة الايرانية، ولم يكن “حزب الله” بعيداً من تفاصيلها، لأنه يبقى شريكاً رئيسياً في الحرب الدائرة في سوريا، وصاحب الخصوصية بعد البصمة التي طبعها مقاتلوه على اكثر من جبهة، وآخر فصولها الناجحة كانت في معركة الزبداني.
ولا تخلو صالونات قوى 8 آذار من التعبير عن ارتياحها لما آلت اليه الامور أخيراً في دمشق ورفع معنويات الجيش السوري على اكثر من جبهة، وان النظام اخذ “جرعة اوكسيجين” وتمكن من استعادة المبادرة في الميدان بعد تلقيه هذا الدعم من العتاد والسلاح الروسي. وفي رأي متابعين للملف السوري المتشعب، والذي تحولت خشبته الشاسعة مسرحاً للعب من اكثر من طرف، ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتخذ خياره الاخير بادخال قواته الى الاراضي السورية، بعد الاتفاق النووي بين ايران والولايات المتحدة الاميركية، الذي لم تكن موسكو – ولو في شكل غير مرئي – بعيدة من وضع مسودة حروفه وتشجيعها طهران قبول مسار الاتفاق وترجمته وقيامها بدور حاسم لتجاوز بعض العقبات التي وضعت امام “اطارات” الاتفاق والتي جرى تذليلها.
وثمة من يحلو له ان يعود الى حال التشويش التي رافقت القيادة الروسية قبل اكثر من سنة، حيال امكان صمود النظام السوري بعد تقهقر وحداته في اكثر من محافظة وتمكّن تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” وسواهما من تشكيلات المعارضة من احتلال مساحات واسعة من الخريطة السورية، وان “حزب الله” كان اول من بدد هذا التشويش عند الروس، وهذا ما سمعه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف من السيد حسن نصرالله، ولا سيما ان الاخير لم يبد في اي من لقاءاته الداخلية ولا في اطلالاته اي خشية على مصير النظام ومستقبله. ولذلك يرحب الحزب بـ”الرفاق” على حد وصف أحد قيادييه، بعد انضمام الروس الى هذا المحور بهذا القدر من المستوى وتنفيذ الاتفاقات المبرمة في هذا الشأن بين موسكو ودمشق.
ولذلك يرى الغيارى من اللبنانيين على الاسد ان “الحراك الروسي” الاخير جاء بعد وضع رؤية استراتيجية مشتركة على كل الساحات لجبه “الارهاب التكفيري” والتصدي له والذي يتحرك في اكثر من دولة وخصوصاً في سوريا. ويتطلع هؤلاء الى ولادة معادلة “ثالوث ذهبي” آخر على الاراضي السورية يتمثل في الجيش والوحدات الروسية و”حزب الله” – ومن خلفه ايران بالطبع والعراق ايضاً – التي وصلت طلائعها في الايام الاخيرة، اضافة الى الوحدات العسكرية لـ”حزب الله”، والذي لم تتوقف قيادته السياسية عن متابعة الاتصالات مع موسكو سواء عبر سفارتها في بيروت او في الخارج.
وفي خضم التطورات الميدانية والعسكرية في سوريا لا يتوقع انصار دمشق في لبنان على مستوى اركان 8 آذار ان تتجه المعارك الى التقسيم في هذا البلد، وان بوتين لم يأت بقواته لاقامة دولة علوية في اللاذقية وتوفير الحماية المطلوبة لها، بل من اجل كل الدولة السورية لتبقى تحت مظلة الاسد. واتخذ خياره العسكري الاخير في توقيت مؤات له ليس من اجل انقاذ الاسد ودعمه في موقعه، بل قرر ولوج هذه الطريق بعد توصله الى لحظة نضج اظهرت له نتائج كسب سياسية وعسكرية واستراتيجية. وهو أفاد من حال الضمور التركية والمواجهة المفتوحة مع “حزب العمال الكردستاني”، وان الاميركيين يلتقون مع الروس على اولوية مكافحة الارهاب. لم تظهر مفاعيل الحضور الروسي الميدانية على الارض بعد، الا انها خلفت موجة كبيرة من الارتياح في صفوف 8 آذار، على عكس حال محور قوى 14 آذار الذي ينظر اليها باستغراب اختصره رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بتغريدة ان “روسيا تلعب بالنار”.

 

الدب الروسي يسرق عسل الملالي!
فايز سارة/الشرق الأوسط/25 أيلول/15
عندما اندلعت ثورة السوريين في وجه نظام الأسد عام 2011، سارع ملالي إيران إلى مناصرة حليفهم في دمشق، في خطوة بدت وكأنها استمرار لموقفهم التقليدي في مناصرة نظام والده الميت حافظ الأسد، فقدموا له كل مقومات البقاء، وساعدوه من أجل مواجهة ثورة السوريين بالنفط والمال والسلاح والخبراء، قبل أن يدفعوا أنصارهم من حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية وعصابات أخرى للقتال إلى جانبه، في مواجهة التشكيلات المسلحة التي نظمها السوريون من متطوعين وعسكريين منشقين، للدفاع عن الحواضن الاجتماعية للثورة، ثم دفع نظام الملالي حلفاءه، وفي مقدمتهم النظام العراقي، لمساعدة حليفه في دمشق.
ولأن حليف الملالي لم يحقق أهدافه في إعادة السوريين إلى بيت الطاعة، وبسبب تراجع قواته عن مناطق متزايدة من الأراضي السورية، قرر ملالي طهران، أن يدفعوا بقوات من نخبة قواتهم، بينهم مجموعات من الحرس الثوري ومن فيلق القدس، إضافة إلى زيادة أعداد الخبراء العسكريين والأمنيين والتقنيين لمساعدة الآلة العسكرية – الأمنية السورية في الاحتفاظ بسيطرتها على مناطق وجودها، والهجوم على مناطق سيطرة المعارضة المسلحة. ومثلما فعل ملالي إيران، فإن روسيا المعروفة بعلاقاتها التقليدية مع نظام الأسد، بادرت هي الأخرى بالوقوف إلى جانب النظام، مقدمة له الدعم السياسي والعسكري، عبر المؤسسات الدولية، وخصوصًا في مجلس الأمن، لمنع أي قرارات من شأنها إدانة سياسات النظام وممارساته، الأمر الذي تم بالتزامن مع سيل المساعدات العسكرية، بما فيها من معدات وأسلحة وذخائر. ورغم المساعدات الهائلة السياسية والعسكرية والاقتصادية، التي قدمها الإيرانيون وأدواتهم وحلفاؤهم، وما قدمته روسيا، فإن نظام الأسد تراجع سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وتراجعت قدراته سواء في الاحتفاظ بالمناطق التي يسيطر عليها، وفي عدم قدرته على استعادة مناطق خارج سيطرته بمساعدة داعميه، وتعدى الأمر ذلك إلى تصاعد أزماته الداخلية، التي كان الأبرز من معالمها تصاعد الصراعات في مؤسسته العسكرية – الأمنية، فيما حصلت تشققات في حاضنته الاجتماعية وصراعات في صفوف تكويناتها، وصار عاجزًا عن توفير الطاقة البشرية اللازمة لآلته العسكرية والأمنية، وكلها مؤشرات إلى احتمال سقوط مفاجئ قد يصيب النظام. لقد أسست إيران على مدى سنوات طويلة وجودًا عميقًا في سوريا، ثم كثفت ونظمت هذا الوجود، ليس في تعزيز قواتها العسكرية والأمنية المباشرة، وعبر وجود أنصارها من الميليشيات فقط، بل أضافت إلى ذلك إقامة روابط مع بنى اجتماعية وشخصيات نخبوية داخل النظام ومؤسساته وخارجه، ودفعت إلى تكوين تجمعات بشرية من وافدين أغلبهم من الشيعة، بينهم إيرانيون وأفغان وعراقيون ولبنانيون وغيرهم ممن تمركزوا في أحياء دمشق، لا سيما حي الأمين وحي الجورة وحي العمارة، وفي ريف دمشق الجنوبي في مدينة السيدة زينب ومحيطها، وفي الخلاصة صار الوجود الإيراني العميق قوة قادرة على الفعل والتأثير في واقع النظام والمناطق الخاضعة له، ولعل أحد تعبيرات الوجود العميق لإيران قيامها بالتفاوض مع المعارضة المسلحة في الفترة الأخيرة، حول الهدنة في الزبداني وكفريا والفوعا بمعزل عن النظام ووكيلاً عنه. ولا يحتاج إلى تأكيد قول إن الوجود الإيراني العميق أثار قلق الحليف الروسي للنظام، الذي يمكن أن يخرج خالي الوفاض في حالة سقوط نظام الأسد، أو حصول تسوية تحافظ على الأسد أو تكون من دونه، وهو ما يمكن أن يفسر سر الهجمة الروسية المفاجئة لتثبيت وجود عسكري استراتيجي كثيف. لقد أحست موسكو أن إيران توشك أن تقطف عسلها في سوريا، فقرر الدب الروسي الاستيلاء على عسل الملالي، أو على الأقل مشاركتهم فيه بحصة أكبر، حتى لا يخرج خالي الوفاض بعد كل ما قدمه للحصول على مكاسب من مواقفه في دعم نظام الأسد.

 

عندما يكون الخروج من التاريخ أفظع من الدخول!
رضوان السيد/الشرق الأوسط/25 أيلول/15
سمعتُ لاجئًا سوريًا وصل إلى أحد المخيمات في ألمانيا، يقول لمراسل قناة تلفزيونية: هربتُ مع أُسرتي لأنني خشيتُ مما هو أعظم! وقال له المراسل: تقصد خوفًا من القتل؟ فقال اللاجئ الطبيب: بل ما هو أفظع! وكأنما ضاق به المراسل ذرعًا فقال له بعصبية: قل يا أخي إنك عاجز ويائس وخائف على نفسك وأُسرتك فاخترتَ الهرب، وإلاّ فكيف ستمنع من طريق هربك من سوريا ما هو أفظع وأعظم؟! وسمعتُ رئيس الوزراء اليمني خالد بحّاح يقول: إنّ المرحلة المقبلة في اليمن هي الأخطر والأفظَع! ولا شكّ أنّ الرجل يعرف أكثر مما نعرف. لكنْ وبكلّ المقاييس، وبعد عامٍ على احتلال صنعاء من الميليشيات، والتسرب إلى تعز وإب والحديدة وباب المندب وعدن وجنوب اليمن، صار الموقف الآن أفضل بكثير بفضل قوات التحالف العربي. لقد أُخرج المتمردون والعفاشيون من الجنوب، ويكادون يخرجون من وسط اليمن وسواحله. وهناك بالطبع صعوبات في استعادة الأمن والإدارة والأصعب إعادة بناء الجيش وقوات الأمن. بيد أن ذلك كلَّه لا يعني أن المرحلة الماضية، مرحلة الاحتلال وفقد الشرعية، هي أفضل أو أقل مخاطر من مرحلة استعادة الشرعية وإعادة بناء الدولة! وبمناسبة المفاوضات الليبية الجارية بين الجزائر والمغرب وجنيف، كنتُ أظن أنّ الخلاف الرئيس هو بين البرلمان المنتخب القابع بطبرق، والمجلس الوطني المنتهية ولايته والقابع بطرابلس. لكنْ وجدتُ أنّ وسائل الإعلام من حول المندوب الدولي برناردينو ليون تتحدث في الأيام القليلة الماضية أنّ ليون يوشك أن ينجح في كتابة وثيقة توافق بين فرقاء ثلاثة متصارعين ضمن البرلمان المنتخب: الفريق العامل، والفريق المقاطع لأعمال البرلمان، والفريق المحايد (!). وإذا نجح ليون مع شراذم البرلمان، فسيرى ما هي مطالب المجلس الوطني المنتهية ولايته، وهل يمكن التوفيق بين مسودة توافق البرلمان وتلك المطالب!
ما أردتُ التنكيت ولا التبكيت. وإلاّ لكان بالوسع ذكر التخبط والضياع في أعمال السلطات بالعراق وسوريا والجزائر ولبنان… إلخ. وهذا التخبط ليس له سببٌ واحدٌ، بل عدة أسباب، منها التشرذم إلى ما لا نهاية تحت وطأة المصالح والقبليات والجهويات والتأثيرات الخارجية. لكنني أرى أنّ الأكثر أهمية من ذلك والأكثر خطورةً وفداحةً هو غياب الإرادة، والافتقار للنهوض، واسوداد الأفق أو انقفاله، بحيث لا يشتغل العربي إلاّ بساعات الحدّ الأدنى، وبأقل ما يمكن من جهد، وأقل ما يمكن من أملٍ وطموح. ولأنّ الدعوى مفقودة، فإنه حتى الطموح المشروع للوزارة أو الإدارة مثلاً يصبح طمعًا لا يمكن بلوغه إلاّ بوسائل انتهازية أو غير مشروعة. لقد غاب المشروع الكبير القومي، وما حضرت بديلاً عنه أو تحته المشروعات الوطنية المحلية. وقد كانت الفكرة أنّ غياب المشروع القومي، أدى إلى صراعٍ بين الإسلاميات والوطنيات. لكنّ الأمر في الحقيقة على غير ذلك. فالإسلامي يقاتل الوهم القومي الغائب، ويقاتل الوطنيات والمحليات. بينما ما أمكن للوطني في بلدان الاضطراب أن يجمع الناس من حول وحدة البلدان ووحدة الدول. وآل الأمر في السنوات الثلاث الأخيرة إلى أن بلدانًا عربيةً كثيرةً لا يجمعُ نُخَبها أي جامع إسلامي أو عربي أو وطني محلي. ويخيل للمراقب أحيانًا أنه ما عادت لدى الأفراد والجماعات حتى غريزة حفظ الذات بالمعنى الضيق. وإلاّ فكيف ينقسم برلمانٌ منتخبٌ وهاربٌ من عاصمته (طرابلس)، إلى ثلاثة أقسام، ومن حوله: مسلحو المجلس الوطني المنتهية ولايته، والقبائل، و«داعش»، ومسلَّحون آخرون، فلماذا لم تدفعه غريزة البقاء إلى التوحد؟!
ولا يجوز «ظلم» الطائفيات، وتحميلها المسؤولية، وإن أوهم البعض من طريق استغلالها أنه إنما يريد العمل لصالح هذه الطائفة أو تلك. وأفضل النماذج على ذلك العراق، الذي جاء الأميركيون والإيرانيون وحزب الدعوة والمالكي، لإنصاف شيعته، وتسليمهم مقادير الدولة العراقية الغنية. وما انفضح التزوير إلاّ عندما سيطر «داعش» في صيف العام 2014. لقد تبين أنّ تريليون دولار اختفت، وأنّ الجيش العراقي الشيعي المليوني ذاب، وأنّ المناطق الشيعية بالعراق مثل غيرها تعاني من غياب الكهرباء والمياه والبنى التحتية. وما اقتنع المالكي بالغياب بعد جهدٍ جهيد، بل حاول العودة بشتى الوسائل من طريق إسقاط الرمادي بعد الموصل، ومن طريق دفع الحشد الشعبي إلى مقدمة الصورة بمذابحه وتهجيراته، بل ومن طريق العمل على إسقاط العبادي الذي شجعه السيستاني على إجراء الإصلاح! وفي النهاية: ما هو «مشروع» المالكي أو مشروع إيران في العراق؟ وماذا قدموا للشيعة من وسائل الحياة الكريمة، وها هم العراقيون ينافسون السوريين والأفغان في الهرب إلى أوروبا من جنة ولاية الفقيه والجنرال سليماني و«داعش»! وكيف يستقيم الحديث عن المشروع الطائفي الإيراني أو العلوي بسوريا؟ وما هو المستقبل الذي ينتظر رُبع مليون شيعي، ومليوني علوي في سوريا بعد خمس سنواتٍ من الآن؟
الصحيح أنه لا مشروع عام وشامل بعد المشروع العربي. وأنّ المشروع الإسلامي السياسي والجهادي هو جزءٌ من الأزمة إن لم يكن علتها الأولى. وأنه على مستوى الوحدات الدولتية فلا بديل من العمل على التضامن الوطني والتوحد الوطني، لأنه الأساس في استمرار المجتمعات، واستعصاء الدول على التفكك. ولكي يكتسب الانتظام الوطني المناعة الضرورية، يأتي التكامل العربي الذي يهبُ الكيان الوطني آفاقهُ ومستقبله واستقراره. اعتبر كاتبٌ مصري قبل عشر سنوات، أنّ العرب يوشكون على الخروج من التاريخ. وكان يقصد بذلك أنّ الأمة العربية ما تركت بصمتها في القرن العشرين على الحضارة العالمية، أو في النجاح الاقتصادي، أو في نجاح تجربة الدولة الوطنية بعد الحرب الثانية، شأن أمم أخرى كثيرة. لكنني أرى وليس على سبيل النكتة أن العرب دخلوا إلى التاريخ وحاضر العالم في العقود الثلاثة الأخيرة بطرائق كان البقاء خارج التاريخ أفضل منها بكثير: دخلوا من طريق «القاعدة» وغزوتها النيويوركية، ودخلوا من طريق حكامهم الديكتاتوريين الذين قتلوا وشردوا الملايين، ودخلوا أخيرًا من خلال «داعش»، وما أدراك ما «داعش»! ما عرفت البشرية أُناسًا مثل القذافي أو صدام أو بشار الأسد، ولا مثل بن لادن والبغدادي، فإنّ لم ندخل التاريخ بالحضارة، فلندخل بالتوحش! كان الفيلسوف الألماني هيغل يقول: إنّ الواقعي هو الحقيقي، وإنّ الحقيقي هو الواقعي! وهذا تقريرٌ مفزعٌ يجعل الحقائق والقيم ومطامح الإنسان في السلام والعدالة في قبضة الواقع الذي قد يكون مفروضًا. لا، لا يمكن أن يكون الواقعي هو الحقيقي، حتى لو كان الواقع أنّ القاعدة هي التي اقتحمت بنا رغمًا عنا حاضر العالم بالطريقة المأساوية المعروفة!