خيرالله خيرالله: روسيا وايران. والتراخي الأميركي في سوريا/رندة تقي الدين: الدولة الفلسطينية لن ترى النور/روزانا بومنصف: بين مساعي تفعيل الحكومة وإنقاذ طاولة الحوار/علي نون: فوضى

349

روسيا وايران.. والتراخي الأميركي في سوريا
خيرالله خيرالله/المستقبل/23 أيلول/15
كلّما مرّ الوقت، يتبين أن التدخل الروسي في سوريا يطرح مزيدا من الأسئلة التي لا اجوبة عنها، أقلّه في المدى المنظور. هناك كلام لوزير الخارجية في النظام السوري وليد المعلّم يوحي بأنّ بشّار الأسد يمكن ان يطلب من موسكو ارسال جنود إلى سوريا. هذا الكلام الصادر عن المعلّم غير دقيق، على الرغم من أنّه يترافق مع تأكيد ناطق باسم الكرملين لوجود رغبة روسية في ارسال قوات إلى الأراضي السورية. يفتقد كلام المعلّم الدقّة لسبب بسيط عائد إلى أن هناك قوات روسية في سوريا، خصوصا في منطقة الساحل. القوات موجودة في اللاذقية ومحيطها تحديدا، وفي طرطوس ايضا. يبلغ عدد الجنود الروس الآن نحو الفين وهم يساعدون الميليشيات التابعة للنظام في منع سقوط المنطقة العلوية التي تظن روسيا أنّ في استطاعتها وضعها تحت وصايتها، بقي بشّار الأسد أو رحل. لم يكن لروسيا أن تزيد حجم تدخلها في سوريا، مع الإصرار على جعله علنيا، لولا شعورها في الأسابيع القليلة الماضية أن مصير الأسد الإبن صار مطروحا بشكل جدّي. لذلك كان عليها طمأنته إلى وضعه في ضوء رغبة الرئيس فلاديمير بوتين في استغلال الأسد الإبن إلى أبعد حدود ممكنة… أي أنّه يريد عصره حتّى آخر نقطة. لم يعد رئيس النظام يسيطر على شيء في سوريا، خصوصا أن لدى الإيرانيين واداتهم المسماة «حزب الله»، الذي ليس سوى ميليشيا مذهبية لبنانية تابعة لـ»الحرس الثوري» الإيراني، حسابات خاصة بهم. تقوم هذه الحسابات على الإستيلاء على اكبر مساحة من الأراضي والعقارات في دمشق ومحيطها… وصولا إلى الزبداني والغوطتين، على ان يكون هناك انتقال لسكان القرى الشيعية القريبة من حلب وادلب إلى العاصمة ومحيطها. هذا لا يعني، أقلّه إلى الآن، ان هناك تضاربا في المواقف بين طهران وموسكو. على العكس من ذلك، يبدو أن هناك توزيعا للأدوار بينهما في وقت بات جزء من الأراضي السورية منطقة نفوذ تركية عاصمتها حلب.
ليس سرّا أن من بين الأسباب التي أدّت إلى وقف «جبهة النصرة» تمددها في اتجاه قرى علوية لا تبعد كثيرا عن القرداحة وجود ضغوط تركية على الجبهة. هذه الضغوط عائدة اساسا إلى أنّ الأولويات التركية تندرج في سياق حسابات معقّدة. تأخذ هذه الحسابات في الإعتبار مستقبل العلاقة مع العلويين في سوريا من جهة والمواجهة المفتوحة بين انقرة والأكراد من جهة أخرى. كذلك، لم يعد سرّا أن الإدارة الأميركية حائرة من امرها. لا تشبه ادارة باراك اوباما سوى ادارة جيمي كارتر الذي امتحنته ايران اواخر سبعينات القرن الماضي واكتشفت أنّ لا وجود لديه لأي نيّة في مواجهة من أي نوع كان… مع أيّ طرف كان.
بوتين، بدوره امتحن اوباما وتأكّد له أنّ في استطاعته الذهاب بعيدا في تحدّيه، أو احتوائه، أكان ذلك في اوكرانيا أو في سوريا. أمّا ايران، فهي تعتبر أنّ الإتفاق في شأن ملفّها النووي مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا، هو الإنجاز الوحيد لإدارة اوباما. إنّه في الواقع انجاز ايراني لا اكثر. إنّه انجاز ايراني صار موضع فخر لدى الإدارة الأميركية! ليس لدى أي سوري أي وهم في شأن ما إذا كان اوباما على استعداد لتحدي ايران في سوريا، وحتّى في لبنان، وذلك حرصا على الإتفاق المتعلّق بالملفّ النووي الذي يبدو الرئيس الأميركي مستعدا لحمايته برموش العين…
ثمّة بديهيات غريبة، يبدو أنّ الإدارة الأميركية باتت تلتزمها. في مقدّمها الإستعداد لمراعاة ايران وروسيا إلى الحدّ الأقصى في سوريا. هناك اعتراف اميركي بأنّ سوريا منطقة نفوذ ايرانية ـ روسية ـ تركية. هذا ما يفسّر إلى حد كبير التراجع الأميركي عن أيّ رد فعل في آب ـ اغسطس من العام 2013، عندما استخدم بشّار الأسد السلاح الكيميائي الحرب التي يشنّها على شعبه. استطاع فلاديمير بوتين، الذي كتب وقتذاك مقالا في «نيويورك تايمز» يدعو فيه اوباما إلى التعقّل والتركيز على مواجهة الإرهاب، منع توجيه ضربة إلى النظام السوري تشلّ في أقلّ تقدير مطاراته.
قبل الرئيس الأميركي، الذي كان يعتبر السلاح الكيميائي «خطا احمر» ويشدّد على رحيل الأسد الأبن، استخدام البراميل المتفجرة في قتل السوريين. رفع اوباما شعار «لا للسلاح الكيميائي… نعم للبراميل المتفجّرة». مرّر الرئيس الروسي على اوباما ما يريد تمريره، كذلك فعلت ايران التي اكتشفت اخيرا مدى صعوبة تشييع العلويين في سوريا وغير سوريا.ما نشهده حاليا هو بحث في كيفية التنسيق من أجل مواجهة «داعش» وذلك من أجل ضمان بقاء الإدارة الأميركية في مركب واحد مع الروسي والإيراني والذهاب إلى النهاية في لعبة تقاسم النفوذ في سوريا. صار هذا الأمر قابلا للتحقيق، خصوصا أنّه لم يعد يوجد في موسكو وطهران من يحمل كلام اوباما على محمل الجدّ منذ تراجع عن توجيه ضربة إلى النظام السوري. سيرحل الأسد الإبن. سيرحل عاجلا أم آجلا، حتّى لو كان يعتقد أن الكرملين لا يمكن أن يتخلّى عنه يوما. سيذهب الرئيس الروسي بعيدا في مغامرته السورية، كذلك ستفعل ايران، خصوصا أنّ ليس في واشنطن من يريد الإعتراف بالدور الذي لعبه النظام السوري في نشوء «داعش» وتمدّده. ليس في واشنطن من يريد العودة قليلا إلى خلف للتأكد من أنّ بشّار و»داعش» وجهان لعملة واحدة وأن الحرب على النظام السوري، بهدف الإنتهاء منه، جزء لا يتجزّأ من الحرب على الإرهاب.
هذا التراخي الأميركي الذي يعكس تفهّما للمصالح الروسية في سوريا، خصوصا لجهة منع تمرير انابيب الغاز الخليجي في اراضيها، أدّى إلى نتائج سلبية تهدّد الإستقرار الإقليمي. في غياب الدور الذي يفترض أن تلعبه القوة العظمى الوحيدة في العالم، لا يعود مستغربا استمرار عملية تقسيم سوريا وتفتيتها. ليس مستغربا ايضا ما تفعله ايران في لبنان حيث شلل حكومي وحراك شعبي لا يستفيد منه سوى «حزب الله» الذي يصرّ على تعديل الطائف واحلال المثالثة مكان المناصفة بين المسلمين والمسيحيين وتكريس سلاحه المذهبي سلاحا شرعيا، بل اكثر شرعية من سلاح الدولة اللبنانية.
في ظلّ التراخي الأميركي، أيضا وأيضا، ليس مستغربا ما تقوم به اسرائيل في القدس حيث تحاول تغيير وضع المسجد الأقصى وفتح حرمه امام المتطرّفين اليهود ايضا. لم يعد هناك من شيء مستغرب في الشرق الأوسط منذ الزلزال العراقي الذي افتعلته ادارة بوش الإبن في العام 2003 ومنذ قرّرت ادارة اوباما الإكتفاء بالتفرّج على ترددات هذا الزلزال، وهي ترددات ليس ما يشير إلى أنّها ستهدأ قريبا.

 

الدولة الفلسطينية لن ترى النور
رندة تقي الدين/الحياة/23 أيلول/15
قول وزير الدفاع الإسرائيلي إن إسرائيل لن تسمح لـ «حزب الله» أن يرسل سلاحاً إلى لبنان من ضمن مواقف إسرائيلية علنية لا تعبر عن حقيقة وواقع الموقف الإسرائيلي مما يحدث في سورية. فإسرائيل مرتاحة جداً لانشغال «حزب الله» في حربه لدعم بشار الأسد ضد شعبه. وتدرك الدولة الصهيونية أن الحزب في خضم الصراع السوري وهو يتكبد خسائر كبرى وتحولت أعماله الحربية من الجنوب ضد إسرائيل إلى مواجهة الشعب العربي السوري. إضافة إلى ذلك، تحبذ إسرائيل بقاء نظام الأسد الذي حرص تولي والده زمام الحكم في سورية هو حرص على عدم التعرض للدولة العبرية في أي مواجهة عسكرية حتى عندما ضربت إسرائيل الموقع النووي السوري. وإسرائيل مرتاحة للحرب السورية لأنها تضعف «حزب الله» وتمزق بلداً عربياً وتحول اهتمام العالم والمنطقة العربية إلى الصراع السوري وتترك القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني يتحملان مآسي الاحتلال الإسرائيلي. والمخاوف الإسرائيلية من وصول سلاح «حزب الله» وايران إلى لبنان مصطنعة لأن الدولة العبرية مدركة تماماً ان الحزب يسيطر على المطار والمرفأ في بيروت وأن أي شيء يدخل لما يسمى بالمقاومة لا يفتش ولا يتم توقيفه. وقلما شهد الوضع الإسرائيلي أحوالاً مريحة له كهذه التي تسود في العالم العربي الذي يتمزق بالحروب وبالطائفية والانقسامات إضافة إلى وضع سيئ في السلطة الفلسطينية مع خلافات داخلية ورئاسة شاخت وهي عاجزة تعاني من صراعات عميقة ومن تمزق من أجل سلطة من دون نفوذ مع احتلال مستمر ومتماد من دون أية محاسبة دولية. وجاء الرئيس محمود عباس إلى فرنسا، وهي دولة صديقة، يطالب بالعمل على وقف ما يحصل في القدس من عنف في باحة مسجد الأقصى ووقف الاستيطان لإعداد الأجواء للمفاوضات لأن استمرار الوضع يعني انتفاضة جديدة. لا ريب في أن الممارسات الإسرائيلية في القدس والاستيطان إجرام في حق الشعب الفلسطيني وينبغي إيقافه. وطمحت فرنسا إلى قرار من مجلس الأمن يجبر على التفاوض ويضع مهلة زمنية ١٨ شهراً، بعدها في حال لم يجر التوصل إلى نتائج، تعلن اعترافها بالدولة الفلسطينية. لكنها تراجعت عن هذا المشروع بسبب الفيتو الاميركي. ثم طرحت فكرة مجموعة مواكبة أو اتصال للقضية الفلسطينية في الجمعية العمومية تضم اللجنة الرباعية المعنية بمفاوضات السلام إضافة إلى الاردن والسعودية ومصر والمغرب. أي مواكبة هذه لشعب فلسطيني مستمر تحت الاحتلال؟ وانتهاكات حقوق الإنسان من دولة عبرية تحميها الإدارة الأميركية ولا تريد في الظرف الحالي أكثر من أي وقت مضى إزعاج الحليف الإسرائيلي بسبب استيائه من اتفاق الدول الست مع إيران حول النووي الإيراني. فإن الحديث عن دعم أو مواكبة لشعب فلسطيني كل العالم تركه إلى مأساته منذ عقود خال من أي مضمون، ما دام أن ما من أحد مستعد لأن يحاسب نتانياهو. ويراهن مسؤول عربي ان اوباما خلال خطابه أمام الجمعية العمومية سيكتفي بالكلام عن معايير السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل من دون العودة إلى ما وعد به للعمل لإنشاء دولة فلسطينية. بكل الأحوال، من المستبعد أن ترى الدولة الفلسطينية النور يوماً في ظل عدم محاسبة حكومة نتانياهو. لم يتصور أحد عندما انتهى عهد جورج دبليو بوش إمكان ان يأتي أسوأ منه للعالم العربي. وهلل العرب لخطاب اوباما في القاهرة في بداية عهده الأول. أما فعلياً، فالحرب السورية والوضع الفلسطيني والتقارب مع إيران وتسليم العراق ولبنان وتدريجياً سورية للنفوذ الإيراني ستجعل تاريخ اوباما أسوأ للعرب. لكن ماذا بعده؟

 

بين مساعي تفعيل الحكومة وإنقاذ طاولة الحوار أسئلة لا تخفي هواجس ما بعد الفشل المتوقَّع
روزانا بومنصف /النهار/23 أيلول 2015
تولى النائب وليد جنبلاط في الأيام الأخيرة تصويب بعض الاتجاهات السياسية التي تركت انطباعات باحتمال وجود مؤشرات لتحرك ما على صعيد الموضوع الرئاسي. ولا يخفى ان البعض بنى خصوصاً على البيان الذي صدر عن لقاء القمة الذي عقد بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الاميركي باراك اوباما باعتبار انه تم ذكر موضوع لبنان في البيان من باب الدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية والحرص على الاستقرار، فضلاً عن تفسير بعض المؤشرات الاقليمية الأخرى، وكذلك البناء على دعوة الرئيس نبيه بري الى الحوار، في سعيه الى ملاقاة اي تحرك خارجي.
والواقع أن القراءة الخاطئة لبعض التطورات السياسية يمكن ان تدفع في اتجاهات معينة، فيما لا يبدو ممكنا حصول انتخابات رئاسية راهناً تأتي برئيس توافقي، ولذا يفترض الا يبعد الافرقاء السياسيون عن محاولة تفعيل الحياة السياسية، أقله من خلال اعادة تنشيط الحكومة، في ظل التوهم باحتمال حصول تطورات قريبة تنهي مأزق الاستحقاق الرئاسي. وتفيد معلومات ان محاولة تصويب المواقف طالت ايضا العماد ميشال عون الذي كان فهم انه يمكن ان يقاطع الجلسة الثالثة للحوار ما لم يتبلغ نهاية سعيدة لترقية صهره العميد شامل روكز الى رتبة لواء، في حين ان مقاطعته الحوار والتسبب بنسفه كانا سيوجهان ضربة سياسية لحلفائه في الدرجة الاولى، اي الرئيس نبيه بري باعتباره عراب الدعوة الى طاولة الحوار، و”حزب الله” الذي يتأذى ايضا بتأذي حليفه الشيعي، في الوقت الذي يرغب فيه هو ايضا في طاولة الحوار لاعتبارات واسباب عدة لا تضطره الى مواجهة تحديات مختلفة.
وبالنسبة الى مصادر سياسية معنية، يكفي مقدار الجهود التي تحاول ان تجد مخرجاً لأزمة ترقية بعض الضباط بهدف حلحلة العمل الحكومي واتاحة المجال أمام ادارة شؤون الناس بالحد الادنى، من أجل أن تبرز كم هو راجح بقاء الحكومة الى أجل غير مسمى، في غياب اي معطيات ايجابية عن الرئاسة الاولى. كذلك تكفي بالمقدار نفسه المواقف التي لا يزال يطلقها الحزب في هذا الاطار، من دون اظهار أي استعداد للبحث في رئيس توافقي، للدلالة على ان المجال الوحيد المتاح راهنا هو تفعيل عمل الحكومة، جنبا الى جنب مع الحوار الذي تم استحداثه. هل يكفي ذلك لاستيعاب الوضع المجمد؟ وماذا بعد الفشل المتوقع في الموضوع الرئاسي؟ جلسات متلاحقة حددت لمتابعة البحث في موضوع الرئاسة لا يتوقع احد من المحاورين ان تسفر عن نتيجة. والدائرة المقفلة تبدو ابعد من ذلك وفق مصادر سياسية، باعتبار ان الافرقاء السياسيين على طاولة الحوار فشلوا في تقديم أي شيء حتى الآن للحركة الشبابية والمدنية في الشارع مهما كانت الاتهامات التي تكال لهذه الحركة او للمطبات التي وقعت فيها. فالجميع، كل على طريقته، أقر بوجود تراكمات لازمات اجتماعية فشلت السلطة في معالجتها، لكن الافرقاء السياسيين لم يخترقوا المجموعات الشبابية للحوار معها او محاولة ملاقاتها في مطالبها بعض الشيء، باعتبار انها تعبر عن معاناة الناس ولو تم تسييسها. فالبعض من هؤلاء الافرقاء كان متفرجاً وكأن ما يجري لا يعنيه إلا من باب خشية استهدافه، في ضوء ربط التحرك الميداني في لبنان بتطورات في الخارج تمتد من العراق الى تحول “حماس” في غزة. وقد تم التعبير عن هذه الخشية بأساليب عدة.
وتتصل الدائرة المقفلة بالتخوف من الاقتراحات التي يحاول بعض الافرقاء فرضها، وفي الخلفية الرهان كما النوم على حرير تطورات اقليمية يعتقد انها تصب في مصلحة فريق او محور معين. فحين تذهب الامور من المخاوف من فراغ دستوري يدفع بالبلد الى مؤتمر تأسيسي، الى اقتراحات تفترض نسفاً لدستور الطائف وتحتم تعديلا له على غرار اجراء انتخابات رئاسية من الشعب وما شابه، تكبر المخاوف من ان يكون هذا السقف المرتفع عنواناً يقود الى تسوية تلحظ تغييرات كبيرة، خصوصاً متى استمر الوضع مقفلا على اي حل، بدءاً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ولذلك فإن البنود الاخرى من الحوار لا تريح بعض الافرقاء اذا تم تجاوز بند رئاسة الجمهورية من دون تحقيق تقدم يذكر. في موازاة ذلك، ثمة مخارج يبدو ان مصادر سياسية تعمل عليها، الى جانب متابعة العمل على محاولة طمأنة العماد عون بتأمين استمرارية صهره في الجيش، وتالياً تأمين اعادة احياء العمل الحكومي بالحد المعقول الذي يخرج المسؤولين من ارباكات المشكلات الحياتية، وامكان معاودة مجلس النواب اجتماعاته وفقاً للدورة العادية التي تبدأ في منتصف تشرين الاول، بما يمكن ان يفتح الباب أمام معاودة النقاش عبر لجان معنية بإعداد قانون للانتخاب يكون جاهزا من اجل اجراء الانتخابات اذا امكن، فيحصل ذلك في المجلس وليس على طاولة الحوار، مع ما يمكن ان يدفع في اتجاه خطوات اخرى مرتبطة به على غرار امكان التوافق على طبيعة الحكومة المقبلة وما شابه. وربما يمكن عبر ذلك التحضير جانبياً لأي تسوية قد تفرضها التطورات، ولن تقتصر في اي حال على انجاز الانتخابات الرئاسية وحدها، بل تشمل سلة متكاملة تكون جاهزة عبر توافق اللبنانيين وليس عبر حلول مرتجلة او سريعة. وفي هذا الاطار، يرتبط الوضع مرة اخرى بعامل الثقة المفقود بين الأفرقاء السياسيين والصراع المحتدم في المنطقة.

 

فوضى؟
علي نون/المستقبل/23 أيلول/15
تهديد اللبنانيين بالفوضى يوحي وكأنهم يعيشون راهناً في سوية طبيعية على كل المستويات.. من مستوى السلطة وتركيبتها الدستورية ووظائف مؤسساتها، إلى مستوى الشارع وظواهره الحركية والمطلبية. وهذه، بمعنى ما، وضعية فوضى مدنية وسلمية.. ومضبوطة. والمقصود بالتهديد هو تزخيمها ورفعها الى نواحٍ سبق وأن خبرها اللبنانيون على مدى سنوات طويلة ودفعوا فيها أفدح الأثمان وأكثرها قتامة وسواداً. سوى ان الأمر، في خلاصته، لا يعود كونه مماحكة، ولا تستحق أكثر من هذا التوصيف، خصوصاً، إذا كان البديل المطروح عن الفوضى القائمة، هو في ذاته، وصفة مُثلى للفوضى الأسوأ. عنوان هذه المماحكة، كان ولا يزال ترشيح النائب ميشال عون لملء الفراغ الرئاسي. والذهاب في محاولة ذلك الى اعتماد منطق الترئيس أو التيئيس، الموازي لمنطق «عون أو الفراغ« المستدام. أو التلويح بتلك الفوضى الاستثنائية (الدموية) التي جرت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي غداة إطلاق الأميركيين تلك الجملة التي دخلت التاريخ والتي خيّرت اللبنانيين بين القبول برئاسة النائب (يومها) مخايل الضاهر أو مواجهة الفوضى. ضمور جدوى الاستعارة والتشبيه والتهديد، متأتٍ من واقعة صلدة صلبة هي ان الانقسام المرير في لبنان يحول دون ترئيس رمز كبير من رموز هذا الانقسام وعلامة من علامات الاصطفاف والتموضع الأحادي والفئوي النافر فيه.. بحيث إن النائب عون تخطّى منذ أزمان، القدرة على تقديم نفسه كنقطة تقاطع بين مختلفين، وكرمز توحيدي عابر فوق الانقسامات والمرارات، أو كمرجع يمكن في أي لحظة اعتباره حَكَماً بقدر ما هو حاكم.. وتلك كما يُفترض بأهل الحصافة الانتباه، هي لبّ دور الرئاسة في لبنان، وشيء من حاصل جمع مؤهلات الرئيس العتيد. وظلمٌ الزعم، بأن القوة بالمفهوم العوني رديف لرئيس لبنان المأمول. خصوصاً وان الجنرال السابق منخرط في محور كل رموزه تقدّس البلطجة وليس الدستور. وصندوق الذخائر وليس صندوق الاقتراع. ولا تعرف من التعددية سوى تلك الخاصة بتعدد أنواع الأسلحة والأجهزة الأمنية وآليات الفتك بالآخر المختلف.. ولا تعرف عن تداول السلطة سوى ما يتصل منها بالهوامش العالقة على حافة الحزب الحاكم أو «الولي الفقيه».. وظلمٌ موازٍ، نكران أو تجاهل السيرة الذاتية والسياسية والمسلكية للمرشح عون، والتي يحرص هو قبل غيره من الأخصام والأنداد، على إعادة تظهيرها، كلما بهتت بعض الشيء، أو غابت خلف الأزمات المتراكمة. وفي تلك السيرة ما يكفي من عدّة النبذ، الى حدّ ان أهل تيّاره ذاقوا مرّ علقمها مثلما ذاقها غيرهم في محطات كثيرة أبرزها واحدة تسمى «حرب الإلغاء» وأخرى تسمى «حرب التحرير».. لا يمكن (مثلاً)، وعلى جاري موضة التشبيه السارية في هذه الأيام، هضم أنشودة عون المطالبة بـ»الاحتكام الى الشعب» وانتخاب رئيس بالاقتراع الشعبي المباشر، وهو لم يرضَ لـ»شعبه« في تياره، مباشرة تلك الممارسة النبيلة. ولا يمكن الركون الى تسليم أمانة رئاسة اللبنانيين، الى من يختصر كل الأمانات والكفاءات بـ»أهل بيته»..الخ. بتلك المعاني وبغيرها الكثير، فإن عون هو مشروع فوضى مفتوحة وليس مشروع استقرار.. فوضى ولعانة، وليست كالحالية، باردة رغم حرارتها وناشفة رغم خطورتها!