علي سالم: حركة تبادل العقول العالمية/ديانا مقلد: السوريون والعلاج الألماني/إميل أمين: دعوات بناءة في زمن العنف

416

السوريون والعلاج الألماني
ديانا مقلد/الشرق الأوسط/21 أيلول/15
وها نحن تآلفنا مع صور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالسوريين في الشتات مذيلة بأشعار وكلمات تقدير وتتوسطها عبارة «منحبك»، مع بون شاسع طبعا بينها وبين التعبير نفسه الذي كان يستعمل لتمجيد الرئيس السوري بشار الأسد. فبالنسبة إلى السوريين الهاربين من الموت تمكنت ميركل من منحهم بعض التسهيلات التي قدمتها للاجئين وفرضت بالتالي على الدول الأوروبية معايير أكثر رحابة في استقبالهم. ردّ السوريون على الزعيمة الألمانية بمحاولة إشهار الحب لها بأي طريقة فكانت الـ«سوشيال ميديا»، هي الأكثر إظهارًا لذاك الامتنان، وها هم يتداولون بكثافة صور سيليفيز التقطتها ميركل مع لاجئين سوريين، حين زارت أحد مخيماتهم في ألمانيا عدا عن مقالات وتعليقات تشيد بها وتدين زعماء آخرين. ورغم أن بعض الإعلام الغربي ركز على صور لاجئين يحملون هواتف ذكية مفترضين أن هاربين من الحرب لا يجدر بهم حمل تلك الهواتف، إلا أن ذلك الجانب السيئ في التغطية لم يحل دون الصورة الإيجابية التي ترسخت للمسؤولة الألمانية والتي لقبها البعض بـ«ماما ميركل». ومن يتابع النقاشات الألمانية سيلمس أن هناك ارتياحا جراء الصورة الإيجابية التي باتت تقترن ببلدهم وبميركل. هناك اليوم ملامح جديدة لصورة المستشارة الألمانية وبالتالي صورة الألمان. خلال السنوات الماضية التي كانت فيها الأزمة الاقتصادية في ذروتها في اليونان جرى تصوير ميركل في كثير من الإعلام الأوروبي بصفتها طاغية لا ترحم، واستخدمت الكثير من الصور والتعليقات التي تشبهها بالزعيم النازي أدولف هتلر. حتما ليس كل الألمان سعداء بالصورة الجديدة للمستشارة، فالمناهضون للهجرة ولقدوم اللاجئين يصفونها بأنها خائنة وبأنها حكمت على مستقبل ألمانيا بالموت. لقد اختارت ميركل موقفا أخلاقيا حصنته بأدبيات أوروبية بشأن التعامل مع اللاجئين. صحيح أن جرأة ميركل تواجه تحديات قوية من قبل كتل عنصرية قوية في ألمانيا وأوروبا لعل أهمها حجج متعلقة بالاندماج وبالمخاوف من الإسلام. لكن مع ذلك يبدو الرأي العام الألماني أكثر انحيازا لخيارات ميركل. نعم، فعلت صورة الطفل السوري الغريق إيلان فعلها، خصوصا في بلد تختزن ذاكرته الجماعية صور قطارات اليهود المرحلين إلى المحارق، وهي مجازر لا يزال الألمان يدفع من رصيد صورتهم أمام العالم منها. أتت صورة الطفل إيلان وصور اللاجئين السوريين في القطارات وعلى الحدود لتصيب وترا عميقا في الوجدان الألماني، فكان الانحياز إلى اللاجئ السوري. لم تأخذ ميركل قرارها تحت تأثير التعاطف وحده، بل هي ردت على انشغال الرأي العام بالافتقار إلى اليد العاملة ولجيل شاب. هذا الانجراف العاطفي في مديح ميركل ينظر إليه كثير من الألمان بعين الراحة. فالألمان يرون في الصورة الإيجابية التي باتت تقترن بألمانيا اليوم أمرا تاريخيا في صورتهم كشعب ودولة. فثقافة الترحيب باللاجئين التي تكرست بفعل القانون وبفعل الصور التي تظهر الألمان يستقبلون اللاجئين بالورود فعلت فعلها لدى رأي عام متأثر بالتاريخ وبما خلفته ألمانيا النازية. قالها أكثر من معلق ألماني: «تعبنا أن نكون الأشرار»، وهناك صورة جديدة تترسخ فألمانيا تريد أن يحبها الرأي العام أكثر. لعل المأساة السورية تكون شفاء من صورة الماضي الألماني، أما عن شفاء سوريا نفسها فذاك حديث آخر لا يبدو أن أوانه قد حل بعد.

دعوات بناءة في زمن العنف
إميل أمين/الشرق الأوسط/21 أيلول/15
شهدت الفترة من 11 إلى 15 سبتمبر (أيلول) الحالي مؤتمرًا متميزًا في طرحه شهدته العاصمة الأردنية عمان، دعا إليه مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات. فكرة المؤتمر تمحورت حول كيفية تسخير أدوات ووسائط الاتصال الحديث كي تكون جسورًا بين الأمم لا جدرانا، ولتصبح أدوات معرفية تعمق من معرفة الآخر، والتلاقي والتنافح الفكري الخلاق. ولعل المؤتمر جاء في وقت حساس وفاعل حيث العنف يضرب أرجاء العالم لا المنطقة العربية فحسب، ورفض الآخر أضحى عنوانا سيئا لقرن العولمة التي كان ينبغي عليها أن تجمع لا أن تفرق، وتشرح ولا تجرح. من أهداف مركز الملك عبد الله للحوار في فيينا، الذي يضم في مجلس إدارته 5 ديانات المسيحية، الإسلام، اليهودية، البوذية، الهندوسية، ورسالته، عبر العمل مع الشركاء على مستوى العالم، تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وذلك للحد من الصراعات وتعزيز المصالحة والسلام، وفي مقدمة أهدافه أيضا، العمل على مكافحة سوء استخدام الدين لتبرير العنف والحض على الكراهية. وقد شارك مركز الملك عبد الله في إعداد اللقاء الأزهر، ومجلس كنائس الشرق الأوسط، والمعهد الملكي للدراسات الدينية في الأردن، مما أكسب اللقاء تعددية دينية وثقافية وروحية خلاقة. لماذا الحديث عن وسائط التواصل الاجتماعي؟ الجواب لأنها أصبحت وعن حق العالم الافتراضي البديل للشباب حول العالم، ولم توفر الشباب العربي ولا شك، ومن أسف شديد فإن تطبيقات واستخدامات تلك الآليات تجلت بصورة سلبية للغاية خلال السنوات الأربع الماضية خاصة في التحضير للثورات والفورات الأخيرة. يحب الشباب والفتيات التهام المعلومات سريعة، وساخنة، فإما أن نتحدث معهم بلغة العصر برسائل واضحة، جذابة، متفهمة لعقل الشباب، ذكية متخففة من جمود الأسلوب الأكاديمي، داعين إلى بناء العقول المنفتحة والضمائر الصالحة، أو نبقى رهن لغة خشبية لا يلتفت إليها أحد. في كلمته الختامية كان المدير العام لمركز الملك عبد الله السيد فهد أبو النصر يؤكد على مدخل عولمي ومقاربة فكرية شديدة الأهمية، ذلك أنه في الوقت الذي توفر فيه وسائل الاتصال الحديثة فرصة نادرة لتقريب الناس، ما زلنا نجد أن الخوف والشك من الآخر والمنسوب بجزء يسير منه إلى الاختلاف الديني والثقافي يهدد بابتعاد الناس عن بعضهم البعض. هل حال عالمنا الكبير «أمنا الأرض»، ووطننا «الأكبر» الوطن العربي يدعو للألم والحسرة في حاضرات أيامنا؟ يبدو أن ذلك كذلك فعلا وقولا، فما وصلنا إليه في عالم اليوم من اقتتال وتنازع أدى إلى تفكيك جسور التواصل بين الأمم والشعوب، لا بل وأصبح التنازع بين أبناء الأمة الواحدة وأهل الدين الواحد، وعليه، فقد باتت الحاجة ملحة وأساسية لتطوير مهارات الحوار واحترام الآخر كإحدى أهم أدوات بناء السلام، وإعادة التآلف بين الشعوب والحديث لمدير عام المركز. أحد الأسئلة الحيوية والجوهرية التي طرحت في ذلك اللقاء: «كيف غيرت وسائل التواصل الاجتماعي في طبائع الشباب وطرائق عملهم؟».والجواب عند الدكتورة ماجدة عمر مديرة المعهد الملكي للدراسات الدينية في الأردن، وفيه أن الثورة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي قد أدت إلى بناء فضاءات عامة افتراضية نوعية سياسية وثقافية ودينية، وغيرها. وأتاحت هذه الفضاءات لمستخدميها مساحة للتعبير الذاتي الفردي، والجماعي نلمسه في خطاب التغريدات الرقمي للشباب. عبر جلسات المؤتمر استمعنا إلى صوت الأزهر من خلال ما قاله الشيخ الدكتور محمد عبد الفضيل، مؤكدا أن العزة الإلهية هي أول من دعت للحوار، وما الوحي الإلهي إلا حوار بين السماء والأرض، وذهب إلى أن الحوار يمكن أن يمتد حتى إلى الملحدين، لأنهم لم يؤمنوا بسبب الصورة المشوهة التي قدمها لهم المتدينون. بدوره، نبه الأب ميشال جلخ الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط إلى أن مهام وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، باتت تتعدى الدور الاجتماعي المتعارف عليه، لتلعب دورا محوريا يتخطى الحدود الجغرافية الضيقة، وترتدي بعدا روحيا يتأصل في نشر رسالة السلام والفكر والقيم.والخلاصة أنه في زمن الصدام في الظلام، والاحتكاك في الزحام، يبقى مركز الملك عبد الله شعلة للحوار، تنير الطريق لأصحاب النيات والإرادة الصالحة، والطوايا المخلصة، ومنصة فكرية تساعد على نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، لا سيما عبر تفعيل دور الشباب في برامج مناهضة العنف وتعزيز التعايش، إيمانا منها بدور الشباب في بناء ونشر الوئام بين الشعوب والمجتمعات، وما أحوجنا إلى دعوات بناءة في زمن الهدم، مثل دعوة مركز الملك عبد الله للحوار.

حركة تبادل العقول العالمية
علي سالم/الشرق الأوسط/21 أيلول/15
كل منا يريد عقلاً أفضل، وهو ما جعل الناس جميعًا في حالة استياء شديدة، كل منهم كان يتطلع لعقل شخص ما. أثيرت المشكلة على كل المستويات، بعد أن وصل الناس لحالة من التعاسة غير مسبوقة على الأرض. وظهرت صيحة جديدة من صيحات الحرية تطالب بحق الإنسان في الحصول على عقل يوافق قدراته وميوله. هكذا وبعد مداولات طويلة أصدرت الأمم المتحدة قرارًا بأن من حق كل إنسان أن يخلع عقله، وأن يقوم بتركيب عقل شخص آخر. وفي احتفال حضره سكان الأرض جميعًا في أكبر ساحات الدنيا، وعلى أنغام الموسيقى، خلع كل إنسان عقله ووضعه في علبة زجاجية تظهر تفاصيله ومزاياه وعيوبه، ولكن بغير أن تذكر اسم صاحب العقل الأصلي، ثم نزلت الناس جميعا إلى الساحة تفحص العقول بدقة وأمل لتختار من بينها. مع الغروب كان سكان الأرض جميعا قد انتهى كل منهم من اختيار عقل جديد، قام بتركيبه على الفور عند أقرب سباك.. وكانت المفاجأة، لقد اختار كل شخص عقله. أو كما يقول أولاد البلد، كل واحد وعقله. انتهى حديث الحدوتة الشعبية، وبدأت محاولتنا لفهمها بعد أن أمتعتنا بجمال الفكرة.. اسمح لي بأن أحاول الخروج من الحدوتة بتلك الرسالة المشفرة التي تعود الأجداد أن يرسلوها لنا في حواديتهم. لقد استخدمت الحدوتة كلمة العقل بمعنى الوعي واللا وعي معًا. أي كل قدرات الإنسان الغريزية والعقلية والنفسية. وذلك لكي تثبت في النهاية وبشكل قاطع أن تغيير العقول أمر مستحيل. وأن كل إنسان عندما يجد الجد، ينحاز لأفكاره وتركيبته النفسية. عدد قليل جدًا من البشر هم القادرون على تغيير أفكارهم إلى الأجمل والأنفع. كل الأفكار الجماعية التي تطلب من الناس التخلص من أفكار سيئة واعتناق أفكار جديدة، هي محض خرافة. ستلحظ ذلك على سبيل المثال في الدعوة لتجديد الخطاب الديني. لقد اخترنا مجموعة قوية من الناس وطلبنا منهم أن يخلعوا عقولهم، وأن يقوموا بتركيب عقول أخرى. وبدأوا في التنفيذ بإخلاص لتكتشف بعد عدة شهور أنهم يعملون بعقولهم القديمة. الناس سعداء أو على الأقل راضون عن عقولهم، وهذا هو ما يسد باب التغيير، ليس المطلوب تغيير عقولهم بل السماح للحالمين أصحاب العقول القوية بأن يتقدموا الصفوف، ويقوموا بعمل التغيير المطلوب، وهو تغيير ليس مطلوبًا لذاته، بل لإعادة البناء لما تهدم من حياتنا هذا هو درس التاريخ.