علي الحسيني: من الفساد والى الفساد يعود/نبيل بومنصف: فخ لـ 14 آذار/عبد الوهاب بدرخان: رئيس يناسب حزب الله لا يناسب البلد

314

رئيس يناسب “حزب الله” لا يناسب البلد
عبد الوهاب بدرخان/النهار/9 أيلول 2015
جمهورية بلا رئيس، حكومة بلا فاعلية، برلمان بلا جلسات، نفايات تجتاح الشوارع وتكاد تقفل المدارس، وحتى الطبيعة نفثت عواصفها الرملية لتنذر الجميع – كلّهم يعني كلّهم!.. اذا لم يستطع الحوار المرتقب اليوم تحريك هذا الواقع فإنه سيؤكّد المؤكّد: لم يعد أحدٌ معنياً بوجود دولة، بل هذه “الدولة”، لكن هناك مستفيدين من هذه العدمية المتمادية وسيكونون جالسين الى طاولة الحوار. ولا داعي للتعمية والتمويه، فهم مَن عطّلوا ويعطّلون انتخاب رئيس، وهم من شلّوا الحكومة ومجلس النواب، أعني بهم “حزب الله” و”التيار العوني” اللذين يريدان فرض ارادتهما، معوّلَين على قوة “السلاح غير الشرعي”. فهذه هي المعادلة الحقيقية لما كان “وفاقاً وطنياً” ولم يعد، ولا يُراد له أن يعود، لكن يستمر التكاذب بشأن الهوية “الوفاقية” للحكومة. ولو غاب ذلك السلاح لتساوت 8 و14 آذار في الهموم والمسؤوليات. أما الفارق الذي تبدّى طوال عشرة أعوام فهو أن هناك فريقاً لديه أجندة سياسية يحرّكها بالاغتيالات ويستخدمها لمصادرة “الدولة” كما للسمسرة لـ”تصدير الثورة”، والآخر لديه أجندة سياسية. كل تيارات “8 آذار” تتصرّف بنهج وفجور ميليشيويين على أساس أن “سلاح المقاومة” ظهير لها. وكل تيارات “14 آذار” تتصرّف بنهج سياسي أقرب ما يكون الى “المدني”، الذي يتميّز به الحراك الشعبي الحالي، بل يتميّز أيضاً باستغلاله الى أقصى حد من جانب “8 آذار” وبلطجيتها. صحيح أن لكل من الفريقين ارتباطه الخارجي، لكن النقاش الأخرق يذهب الى لوم السعودية لأنها تسلّح جيش الدولة فيما يشكر ايران على تسليحها الميليشيات اللاغية للدولة، في لبنان كما في العراق واليمن وسوريا. في زحمة التحليلات والتوقعات لـ “حوار” الأطراف السياسيين اليوم، والحراك المدني الاحتجاجي الذي يواكبه، ليس واقعياً ولا نزيهاً نسيان معادلة “السلاح مقابل السياسة”، فهي تتحكّم مسبقاً بنتائج أي حوار. ذاك أن قواعد اللعبة في العقل الميليشيوي هي اخضاع السياسة للسلاح وليس البحث عن التوافق: ترضخون فتنتخبون ميشال عون رئيساً أو لا انتخابات ولا رئيس، ننتظركم، واذا لم ترضخوا فلا تتوقعوا سوى المزيد من الانهيار لحكومتكم ودولتكم… وهذا على رغم أن المستقوين بالسلاح “شركاء” محاصصون في الدولة وأعضاء مجالسون في الحكومة، لكن القاعدة التالية في العقل الميليشيوي هي أن “شريكك خصمك” ويمكن أن يصبح بسهولة “قاتلك”. الاتفاق على انتخاب رئيس هو ركيزة النجاح لـ “الحوار”، لكنه “افتراضٌ مستحيل” وفقاً لما توقعه سمير جعجع، عن حق، ما لم يفاجئوه، ولن يفاجئوه. فالعنوان بات معروفاً: الرئيس المناسب لـ “حزب الله” – أي عون – ليس مناسباً للبلد. أما الاتفاق في البنود الاخرى، كما يرغب الرئيس نبيه بري، فلن يكون أقلّ استحالة. ولن يفاجئوه.

فخ لـ 14 آذار؟
نبيل بومنصف/النهار/9 أيلول 2015
تخطف المشهدية الشعبية في وسط بيروت اليوم نجومية الأضواء وربما تحجب جوانب طارئة في الصراع السياسي الذي اقتحمت الحركة الاحتجاجية الصاعدة قواعد الاشتباك التقليدي التي تحكمه منذ عقد. على إيقاع الارتباك السياسي الذي يطبع العودة الثالثة لحوار حظيت مقاطعة الدكتور سمير جعجع بقصب مخالفته متمايزاً تكراراً عن حلفائه، وعلى وجاهة العوامل المنطقية التي نجح زعيم “القوات” في تبرير مقاطعته لحوار ساحة النجمة، ثمة ما يتجاوز هذه المرة عامل “مضيعة الوقت” الذي ألصقه جعجع عن حق بالحوار. ولكن صوابية هذا التوصيف لا تسقط الأثر السلبي لاحتمال حضور أفرقاء ١٤ آذار الآخرين الى الحوار على قاعدة تمرير جولة “تضييع وقت” فيما لا يبدو اطلاقاً ان خصومهم يزمعون تفويت فرصة توظيف المناخ الاحتجاجي لتبديل الاولويات أو مقايضتها في معركة الرئاسة.
لم يكن امراً عابراً وسط عمليات التعبئة الشعبية التي تسابقت أخيراً أن نعاين ملامح تعبئة كثيفة لدى “حزب الله” واكبت وأعقبت تظاهرة “التيار الوطني الحر” رافعة عنوان أحقية العماد عون برئاسة الجمهورية. لم يبق نائب ولا مسؤول في الحزب إلا وردد لازمة “الماروني الأول”. لماذا يحتاج العماد عون بعد تظاهرة كبيرة لتياره الى هذا الفائض الزائد من اندفاع حليفه لتزكية قاعدة “عون أو لا رئيس”؟ وهل صحيح أن ٨ آذار توحدت فجأة وجذبت الرئيس بري مجدداً الى الاصطفاف وراء معادلة تقوم في خلفيتها على افتراض انهيار ١٤ آذار وتوظيف الاحتجاجات لقلب الاولويات فيغدو قانون الانتخاب النسبي اولاً وإجراء انتخابات على اساسه مدخل الحل وإلا التسليم بعون رئيسا؟ وهل في هذا السياق افادت مقاطعة جعجع تحصين حلفائه أم أثارت مفعولاً عكسياً؟
أياً تكن الاجوبة حول هذه المناخات التشكيكية المبررة تماماً قبيل ساعات من اطلاق صفارة الحوار لا نرى ضيراً من التذكير بالقاعدة التاريخية التي تقول إن طريق جهنم مفروشة بالنيات الحسنة. وتبعاً لذلك سيتعين على قوى ١٤ آذار أن تدرك أنها أمام أحد أسوأ الأفخاخ التي قد تتربص بها أن نجح خصومها في إيهام الرأي العام الاحتجاجي المحتشد خارج أسوار ساحة النجمة بأنها هي المسؤولة عن تفويت فرصة تلبية مطلب إجراء الانتخابات النيابية على قاعدة النسبية قبل الانتخابات الرئاسية حتى لو كان مبرراً بالكامل رفض انقلاب ناعم على دستور الطائف برفض مقايضة من هذا النوع أو الرضوخ لمرشح فريق ٨ آذار. فالامر لن يبقى هنا مبارزة بالوقت الضائع وربما يكون الوقت الفائض المتراكم بفعل الفراغ والتعطيل هو كل المسألة وصلب الصراع في محاولات حسمه وتوظيفه على وقع تحرك ثائر لا ينجو من تداعياته اي فريق سياسي على هذه الضفة الآذارية أو تلك.

من الفساد والى الفساد يعود
علي الحسيني/المستقبل/09 أيلول/15
يوم تأسس «حزب الله» في بداية الثمانينات حمل للناس عموماً ولأبناء طائفته خصوصاً، مشروعين وهميّين دخل على أساسهما من باب المجتمع اللبناني العريض والمتنوع إلى زواريب المذهبية الضيقة، ليفرض على الطائفة التي خرج منها جملة شرائع وقوانين مستوردة تحولت لاحقاً إلى دستور صارم ومتشدد داخل مناطق نفوذه لكنه قابل في الوقت نفسه للنقاش وتبادل وجهات النظر خصوصا إذا ما تعلق الأمر بأحد أفراده.
في ما يتعلق بالشق الأول، فقد أعلن «حزب الله» مشروعه «المقاوم» وإستطاع من خلاله أن يستقطب مؤيدين كثراً سواء عن طريق الترغيب أو الترهيب ليصل إلى ما هو عليه اليوم من تخبط وعجز واضحين في ظل انحراف بوصلته وليصبح شريكاً مُساهماً في قتل وتشريد الشعب السوري وتدمير بلده، علماً ان بوصلة مقاومته كانت قد انحرفت الى الداخل اللبناني رغم تأكيدات وتطمينات قادته المستمرة لغاية اليوم، بأن السلاح لن يُستعمل في الداخل وأن وجهته هي العدو الإسرائيلي فقط.
المشروع الآخر الذي حمل «حزب الله» لواءه ورفعه في مناسباته العامة والخاصة، كان محاربة الفساد، الفساد بكل أنواعه والذي على أساسه قرر في بداية التسعينات دخول الندوة البرلمانية تحت شعار آخر «مكافحة الفساد من الداخل»، لكن السلطة استهوت الحزب لينتقل لاحقاً من العمل البرلماني الى العمل الوزاري ليُصبح بعدها الرقم الصعب في الفساد بعدما حوّل الوزارات والمؤسسات التي تسلمها الى جانب حلفائه إلى ممتلكات خاصة ومرتع لزبانيته. ويُخطئ من يظن أن السلطة هي التي أفسدت الحزب والصحيح أن وزراء ونواب «حزب الله» زادوا الدولة فساداً بعدما تحوّلوا من شركاء في الفساد إلى أولياء أمور.
من دخل السلطة تحت حجة محاربة الفساد الواهية أصبح ركناً أساسياً فيه وشريكاً رئيسياً في صفقات جانبية وعلنية، ومن منطلق إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا كان الأجدى بسياسيّي الحزب تطبيق المثل وعدم اتهام الغير بما هم غارقون فيه حتى أخمص قدميهم، وما استهدافهم المُركّز والمتكرر لمنطقة «سوليدير» في وسط بيروت، سوى محاولة مكشوفة لتغطية الفساد الذي يرتكبه في المرافئ والمرافق العامة وفي بعض أجهزة الدولة ومؤسساتها ولحرف الأنظار عن تحويل لبنان إلى قاعدة فارسية في المنطقة منها تنطلق العمليات بالإتجاهين الاسرائيلي والسوري وبالدرجة الاولى لإظهار صورة معاكسة له أمام بيئته وجمهوره بعد الحملات الأخيرة التي طالت عدداً من مسؤوليه السياسيين في الدولة تحديداً، والتي اتهمتهم بالفساد ووصلت الى حد مطالبتهم بالكشف عن حساباتهم وحسابات عائلاتهم المصرفية.
فساد «حزب الله» تحول إلى اغتيال عمراني في «وسط بيروت» مع ما يُمثله بالنسبة الى شريحة واسعة من كل فئات الشعب اللبناني وتلاوينه المذهبية. ففي هذا «الوسط» الذي جميع أوصال البلد شوهد إنقلاب «الأخوة» وتحوّل دور السلاح من حام ومنقذ للوطن، الى اداة لقتل أبنائه، ومع هذا بقي «الوسط» يؤدي دوره في جمع اللُحمة ومركزا للحوار والتحاور ونقطة أساسية للتعبير عن أوجاع الناس رغم محاولات إحراقه وتغيير معالمه مرّة من خلال التكسير والتخريب، ومرّات عن طريق الإغتيالات العلنية. وقد عبّرت كتلة «المستقبل» أمس عن رمزية الوحدة التي تتجلى بمنطقة «سوليدير» و»الوسط» والتي يرفضها «حزب الله« ويعمل دائما على تقويضها، وهي رمز للصورة المشرقة للبنان بأبعادها، كانت وماتزال القاطرة الأساسية لنهوض الاقتصاد اللبناني ونموه ليس في بيروت وحدها بل في كل لبنان.
من هنا بدأ فساد «حزب الله» وإلى هنا وصل. تحت حجة عدم وجود دولة في الضاحية الجنوبية استغل الحزب حاجات الناس ليكرّس فساده، فأنشأ سنترالات خاصة للتخابر الدولي والداخلي لكن من خطوط الدولة، كما بنى مؤسسات تعليمية واستشفائية على مشاعات الدولة واقام مؤسسات شرعية خاصة ما زالت قائمة لغاية اليوم، هدفها فض النزاعات بين المواطنين والحكم بينهم مع تشديد القبول بقضائها أياً كانت نتيجة الأحكام وإنشاء شرطة «الانضباط«، وهو جهاز معني بتسهيل المرور داخل الضاحية، بالإضافة الى غض النظر عن سرقات الكهرباء والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة، وتغاضيه عن عدد من تجار المخدرات لفترة من الزمن ما سمح بالتالي بفرض واقع جديد تحت مُسمّى «شبيحة الضاحية» وهم مجموعات من شبان المناطق العاطلين من العمل نموا تحت أعين الحزب وحراسته حتى كبروا وأصبحوا يفرضون الخوّات على أصحاب المحال التجارية ويسرقون المحال والبيوت ويعتدون على حرمة الناس وكراماتها في وضح النهار على مرأى ومسمع عناصر وأمن «حزب الله».
تعدى فساد «حزب الله» الإطار اللبناني فتمدد إلى دول بعيدة وقريبة سواء في الشق الامني أو الإجتماعي والأخلاقي. تبييض أموال وتهريبها من وإلى دول أوروبية وأميركية جنوبية وتهريب مخدرات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر عملاء تابعين له. وقوفه وراء تفجير بورغاس في بلغاريا وتأليف مجموعات لتهريب السلاح في عدد من الدول العربية وآخرها شبكتا الكويت. وهنا يقول أحد اللبنانيين المقيمين في الكويت «لم نصدق نحن اللبنانيين عموما والشيعة خصوصاً ان يقوم الحزب بأمر كهذا، لقد صُدمنا فعلاً، ويا ليت السيد حسن نصرالله كان يُدرك مدى تعاطف الشعب الكويتي وحكامه معنا قبل أن يقوم حزبه بهذه الجريمة بحقنا قبل الكويت نفسها.
الإسبوع المنصرم ردد نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم على الملأ أن «حزب الله يتحمل مسؤولية نسبة معينة من الازمات الحاصلة لكونه شريكا في السلطة الا ان مشاركته بها كانت لهدفين: ضمانة المشروع العام وهو التحرير، ومنع إسرائيل من الإعتداء على لبنان، والأمر الثاني هو خدمة الناس بمقدار ما نستطيع مع هذه التركيبة المتنوعة في لبنان«. لكن قاسم لم يُصرّح عن الطريقة التي خدم بها حزبه الناس، فهل كانت الخدمة من خلال منظومة صلاح عز الدين واختلاسات حسن تاج الدين، أم من خلال حماية تجار «الكابتاغون» وعصابات الادوية المزورة وسرقة السيارات، أم من خلال احتلال بيروت وقتل الناس والتدخل في الحرب السورية وقتل المدنيين فيها اطفالا ونساء وتشريد شعبها؟.