خالد القشطيني:فشل المشروع الإيراني/فاطمة حوحو: منظمات المجتمع المدني: لا لإسقاط الدولة/عبد الكريم أبو النصر:أوباما راهن على ضعف إيران/راغدة درغام: استعادة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط

467

فشل المشروع الإيراني
خالد القشطيني/الشرق الأوسط/28 آب/15
العراق أصعب بلد في العالم في حكمه. وله تاريخ في ذلك يمتد لستة آلاف سنة. لسوء حظ إيران أنها حاولت أن تجرب حظها في حكم بلد عربي في هذا البلد بالذات. فمنيت بفشل ذريع. ولم يكن الحظ فقط ضدها، كانت هناك سياستها الطائفية أيضًا في التعويل على فئة واحدة من الشعب. الثورة الإسلامية بضاعة مغشوشة؛ فهي لم تحاول نشر الإسلام حيث لا يوجد إسلام، كما في أميركا اللاتينية مثلاً. وإنما سعت لتصدير الثورة لديار المسلمين وإثارة المسلمين ضد بعضهم بعضًا. فشلها الذريع في العراق حول حتى الشيعة ضدها، بما عزز ذراع التشيع العربي المناوئ للتشيع الفارسي. راح المتظاهرون يهتفون: «إيران بره، بره، بغداد تبقى حرة» و«باسم الدين حكموا الحرامية». فوجئ بعض القادة العراقيين الذين استجابوا فورًا للأوامر الإيرانية، فشخصوا لطهران أخيرًا «سمعا وطاعة». ولكنهم فوجئوا عندما وجدوا هذا البرود والصدود من أسيادهم، وعدم دعمهم في تحدي العبادي. لم تستطع هذه النخبة المعممة أن تنفذ حتى هذا الطلب البسيط بالوصول لاتفاق بينهم قبل اجتماعهم بأسيادهم. نعم، من الواضح أنهم قد حملوا حزمة «الشقاق والنفاق» التي أشار إليها الحجاج معهم في أمتعتهم. فلم تتمالك حتى إيران غير أن تنضم للجوقة العالمية من الدول العربية والأجنبية، وعلى رأسها أميركا، في دعم العبادي وإصلاحاته الجذرية المرحلية. أمر لا مناص منه ولا يتقبل أي جدال. لا أدري أي تعليمات جديدة تلقاها الجنرال سليماني في طهران خلال زيارته الخاطفة وقبل عودته سريعًا لبغداد. لقد انهارت سياسة التدخل الإيرانية وتحولت إلى أنقاض أضيفت إلى أكوام الزبالة المكدسة في شوارع العاصمة العراقية. هل هناك أبعاد أخرى وراء هذا البرود والصدود؟ لقد صاحب الفشل في العراق فشل آخر في اليمن وفشل في سوريا. وتزامن مع بعض التغيرات في السياسة الإيرانية. هناك السعي لعقد محادثات مع الدول العربية، واتصالات مع إسرائيل، ومغازلات مع «الشيطان الأكبر» ومضايقات ضد أحمدي نجاد، مهندس التوسع الفارسي، وتحولات ليبرالية في المجتمع الإيراني، وكله في ظل الاتفاق النووي المهم. أهو يا ترى تمهيد لتغير استراتيجي في مسيرة النظام؟ تغير يتضمن شطب المليارات التي أُنفقت عبثًا في المساعي التوسعية الفاشلة، وتحولاً في النظر من الخارج إلى الداخل لوضع حد لكل هذه المعاناة التي عاشها الشعب الإيراني طويلاً. هذا طبعًا ما نتمناه لصالح الشعب الإيراني وصالح شعوب المنطقة العربية التي شقيت من وراء التدخلات الإيرانية، وأدت إلى هلاك وتشرد الملايين من الأبرياء. لقد حان الوقت لتوجيه الجهود والإمكانات توجيهًا إيجابيًا نحو إعادة بناء الشرق الأوسط وتخليصه من كل هذه الرعونات والجرائم المقيتة التي ولعت بها المنظمات الإرهابية في غفلة من حكومات المنطقة.

«منظمات المجتمع المدني» لـ «طلعت ريحتكم»: نعم لمحاربة الفساد لا لإسقاط الدولة
فاطمة حوحو/المستقبل/28 آب/15
تحت شعار «نعم لمحاربة الفساد.. لا لإسقاط مؤسسات الدولة والشرعية»، انعقد لقاء «تجمع منظمات المجتمع المدني» الذي يهدف الى المراقبة وعدم تحديد موقف واضح من المشاركة في التظاهرة يوم غد السبت، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. إصرار على ألا يكون كلام الحق يراد به باطل، لا سيما مع الشعارات «الهدّامة» المطروحة من نوع إسقاط النظام وجرّ البلاد نحو الفوضى السياسية في غياب القيادة الموحّدة للتحرك الشعبي المطلبي وللجمهور الناقم نتيجة تردّي الخدمات والفساد، في ظل خوف كبير مما يرسمه «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» للسير بالبلد نحو الفراغ الشامل وطرح دستور جديد، خصوصاً أن سياسة التعطيل تتصاعد يوماً بعد يوم، وتجلى ذلك من خلال الانسحاب من جلسة مجلس الوزراء سابقاً وعدم حضور جلسة الأمس أيضاً. وبما ان المجتمع المدني لا ينحصر بمجموعة واحدة أو بعدد من الأشخاص ممن ينشطون في العمل الاجتماعي، وانطلاقاً من رفض شريحة واسعة منهم فكرة إسقاط الشرعية، بل محاسبة كل مسؤول ومحاربة الفساد، كان هناك تأكيد من قِبَل المشاركين في اللقاء على ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية لإعادة الانتظام إلى الحياة الدستورية وتفعيل عمل مؤسسات الدولة بما يحفظ الكيان اللبناني ويعزز قدرة الدولة على العمل والإنتاجية ومحاسبة كل مخل أو فاسد. اللقاء الذي أداره الناشط المدني نزار زكا، وهو أحد المشاركين البارزين في الحراك الشعبي الأخير، عرَّف بأهداف اللقاء، ثم تحدث الناشط سامر دبليز، فأشار الى أن «النفايات كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وأنتجت الأزمة حراكاً شعبياً غاضباً على الطبقة السياسية التي ارتكبت أخطاء في ممارساتها، بدءاً من عدم انتخاب رئيس إلى التمديد للمجلس النيابي وصولاً إلى روائح الصفقات التي انبعثت أخيراً من مشكلة النفايات وغيرها، حيث كان اللعب من تحت الطاولة وفوقها واضحاً». أضاف: «الموضوع يحتاج إلى تصويب، فالناس تحتاج إلى حياة كريمة وكرامتها اليوم مسلوبة، ولن يحصل ذلك بشعارات فضفاضة مثل إسقاط النظام، ولهذا علينا أن نكون جزءاً من هذا الحراك لتصويب عناوين التحرك ومن أجل التلاقي مع الجميع». وشارك في اللقاء الناشط مروان معلوف في حملة «طلعت ريحتكم»، وهو محام كان ترأس الهيئة الطلابية في كلية الحقوق في الجامعة اليسوعية، واستعرض نشاط الحملة منذ البداية وتطور الحراك الذي دعت إليه، مشيرا الى انه اصيب بالرصاص المطاطي، واوضح ان «ما تعرض له المتظاهرون دفع الى تغيير أولويات الحملة فصار شعار «بدنا نحاسب» أساسيا»، كما شعار حل أزمة النفايات، وقد نجحنا في منع إقرار المناقصات»، مشددا على مطلب الانتخابات النيابية كحل، من دون أن يتطرق الى رؤية الحملة لحل قضية النفايات أو المطالبة بانتخابات الرئاسة. وركز على موضوع محاسبة وزيري الداخلية والبيئة وإسقاط الحكومة.
ورفض معلوف الاستماع الى ملاحظات الحضور، معتذراً لضيق وقته، مما تسبب بهرج ومرج في القاعة، لا سيما وأن الأصوات علت لمعرفة موقف حملة «طلعت ريحتكم» من موضوع الانتخابات الرئاسية وانها تعمل في اطار توجه سياسي في خدمة طرف معروف، إلا ان الحوار استمر. قدم الحضور اقتراحات مكتوبة عن كيفية التعاون مع حملة «طلعت ريحتكم» من أجل حل مشكلة النفايات، كما تمت مناقشة موضوع المشاركة أم عدمها بحيث كان التركيز على ضرورة المشاركة تحت شعار «مكافحة الفساد والمحاسبة».
وبعد نقاش مستفيض انتقد خلاله المشاركون ما طرحه معلوف بحيث استنتجوا ان نشاط «طلعت ريحتكم» مسيّس، وللتصويب تم التوافق على بيان اذيع في مؤتمر صحافي بحضور ممثلي هيئات وجمعيات أهلية وناشطين بيئيين تلته ندى عبدالساتر وهي رئيسة جمعية «لا فساد» اكد «دعم حراك «طلعت ريحتكم»، واهمية استمراره كحراك مستقل بعيداً من اي تسييس». وشدد على «أهمية محاسبة كل من أفرط في إستعمال القوة بحق المتظاهرين المسالمين، ومحاسبة مثيري اعمال الشغب والافصاح عن اسمائهم بكل شفافية»، معتبرا ان «فاعلية الحراك ادت الى الغاء المناقصات التي من الواضح ان عيوبا فاضحة شابتها، وهي تسيء الى القطاع الخاص قبل ان تسيء الى الحكومة والادارات التابعة لها».
ورأى ان هناك «أهمية لمتابعة الحراك مسيرته من أجل ترجيح كفة الشفافية والمحاسبة ومكافحة الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة ولدى سياسييها، وضرورة التزام مقاربة المواضيع التي يجمع عليها اللبنانيون من دون تحفظ من اجل الوصول الى الاهداف المرجوة من اصلاح ومحاسبة ومكافحة فساد». واكد ضرورة «إتمام الاستحقاقات الدستورية وانتظام عمل المؤسسات من خلال اجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية بصرف النظر عن اي تراتبية زمنية، لما فيه المصلحة العامة»، داعياً «جميع اللبنانيين الى تحمل مسؤولياتهم من حقوق وواجبات، والمشاركة السلمية والحضارية في تظاهرة يوم السبت تحت شعار «كلنا سوا لمكافحة الفساد» للارتقاء بالبلد الى ما يصبو اليه كل لبناني». ثم تحدثت الدكتورة المختصة في علم البيئة فيفي كلاّب فأوضحت انه «منذ عشر سنوات ونحن نتحدث عن المطامر وضرورة ايجاد حل جذري لمشكلة النفايات بعيداً عن هذا الخيار، والقرار ليس عند شركة سوكلين وانما عند الدولة، التي يجب ان تضع مشروعا جيدا وخطة وطنية شاملة بما فيها انشاء معامل تسبيخ وتحمل كل بلدية مسؤولية نفاياتها».
واوضح الناشط كريم الرفاعي لـ«المستقبل» ان دعوة معلوف «جاءت للاستماع المباشر الى اهداف حملة «طلعت ريحتكم» وهم شباب وصبايا ناشطون في اطار المجتمع المدني وشاركوا في العديد من النشاطات الى جانب ناشطين كثر. صحيح ان هناك خلافا برز من خلال النقاش، فنحن نريد الحفاظ على الشرعية والدولة ونؤمن بالديموقراطية والحوار، ومن هنا اردنا الاستماع الى وجهة نظرهم بعيداً عن الاعلام ولنؤكد اننا مع الشعب اللبناني في محاربة الفساد ومحاسبة اي مسؤول يخطئ لكن الشرعية ومؤسسات الدولة خط احمر».
ومن وجهة نظره فان «هاجسنا هو عدم استغلال الحراك الشعبي لاسيما اذا طرحت فيه مطالب محقة، لكن ان يصل الحراك الى مرحلة القضاء على الشرعية واسقاطها وفتح ابواب الفوضى فهذا غير مقبول ليس من اجل مصلحة هذا الوزير او ذاك، هذا النائب او ذاك، هذا الزعيم او ذاك، بل من اجل مصلحة اللبنانيين كل اللبنانيين، نحن مع الناس نريد المحاسبة عبر مؤسسات الدولة».

من حقيبة “النهار” الديبلوماسية أوباما راهن على ضعف إيران
عبد الكريم أبو النصر/النهار/28 آب 2015
اعترف أحد المفاوضين الغربيين مع المسؤولين الايرانيين في جلسة خاصة في باريس “بأن أميركا لم توقّع اتفاقاً نووياً مع ايران القوية من اجل مساعدتها على تعزيز نفوذها ودورها وفرض هيمنتها على المنطقة على حساب مصالح واشنطن وحلفائها، بل أن أميركا انجزت اتفاقاً مع ايران التي تواجه، منذ سنوات، أوضاعاً داخلية اقتصادية واجتماعية ومعيشية وتنموية بالغة الصعوبة وهي تحتاج الى سياسات جديدة وتحولات في نهج ادارة البلد من أجل معالجتها ومنعها من التفاقم وتشكيل تهديد كبير جدي على مصير الايرانيين. وسياسات ايران الاقليمية لن تعوض نقاط ضعفها هذه. وقد استغل المسؤولون الأميركيون هذا الضعف الايراني الداخلي غير المعترف به وسياسات الرئيس حسن روحاني وفريقه من اجل الانتقال من مرحلة رفع شعار الانفتاح وسياسة اليد الممدودة الى الايرانيين التي تبناها الرئيس باراك اوباما منذ توليه السلطة عام 2009 ولم تحقق نتائج في عهد الرئيس السابق محمود احمدي نجاد، الى مرحلة العمل الجدي مع “الشريك الايراني” لإنجاز الأهداف المرجوة والمتفق عليها مع دول غربية أخرى. ذلك أن روحاني كان شريكاً حقيقياً لأوباما في تعزيز نهج الحوار والانفتاح وهو ركز علناً وفي اتصالاته مع واشنطن منذ انتخابه رئيساً على المسائل الاساسية الداخلية التي مهّدت الطريق لتوقيع الاتفاق النووي الايراني – الدولي وهي:
أولاً: ركز روحاني في الكثير من خطبه على أن الوضع الداخلي “كارثي” في المجالات الحيوية الاساسية وانه يجب اعطاء الاولوية القصوى لمعالجته وانقاذ الايرانيين من ظروفهم البالغة القسوة. وهذا الموقف يتناقض كليا مع مواقف احمدي نجاد والمتشددين الرافضين الاعتراف بقسوة الوضع الداخلي.
ثانياً: ركز روحاني على ان هذا الوضع الكارثي مرده خصوصا الى العقوبات الدولية البالغة القسوة التي فرضتها أميركا والدول الكبرى الاخرى على ايران بتهمة سعي القيادة الايرانية الى امتلاك قدرات تكنولوجية متطورة من اجل انتاج السلاح النووي، ويجب تالياً اعطاء الاولوية للتخلص من هذه العقوبات وليس مواصلة التعايش معها، استناداً الى الرئيس الايراني.
ثالثاً: ركز روحاني على أن الحل ليس في مواصلة تطبيق سياسة المواجهة مع اميركا بل في التحاور والتفاوض معها ومع الدول الكبرى الاخرى من اجل ايجاد تسوية سلمية شاملة للنزاع النووي وفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الايرانية – الأميركية – الغربية.
وأوضح هذا المفاوض الغربي ان “روحاني هو الذي نصح أوباما بضرورة التواصل مباشرة مع مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي من اجل ضمان دعمه لهذه السياسة الانفتاحية، فاستجاب الرئيس الاميركي للنصيحة وبعث بأربع رسائل الى المرشد، الأمر الذي ضمن مظلة حماية للوفد الايراني المفاوض وساعد على انجاز الاتفاق النووي”. وأضاف: “ان تجربة التفاوض الطويلة والصعبة بين ايران ومجموعة الدول الست اثبتت ثلاث حقائق أساسية هي الآتية:
أولاً: ان القيادة الايرانية مستعدة لأن تتصرف بمرونة وواقعية وتبتعد عن التشدد والمواقف الثورية الثابتة وأن تتخلى عن خطوطها الحمر المعلنة وتقدم تنازلات جوهرية كبيرة وأن تنفذ المطالب والشروط الأميركية – الدولية المتشددة في مقابل ضمان مصالح حيوية لها وتحقيق مكاسب. وهذه المرونة الايرانية أنتجت الاتفاق النووي ويمكن ان تتكرر في مجالات أخرى.
ثانياً: أثبتت القيادة الايرانية انها تستطيع ان تتعامل وتتفاوض مع “الشيطان الاكبر” أميركا، وأن تنجز مع المسؤولين الأميركيين تفاهمات علنية مهمة مما يجعل حملاتها على الدول والجهات العربية المتحالفة مع واشنطن عديمة الجدوى وتفتقر الى مبررات حقيقية.
ثالثاً: أثبتت هذه التجربة ان العقوبات الدولية البالغة القسوة المفروضة على ايران منذ سنوات حققت النتائج المرجوة منها اذ انها دفعت القيادة الايرانية الى التخلي في النهاية عن مشروعها النووي الكبير الذي انفقت عليه أموالا طائلة وتكبدت بسببه خسائر تتجاوز 200 مليار دولار، وهو مشروع امتلاك القدرات التكنولوجية المتطورة التي تسمح لها بانتاج السلاح النووي عندما تتخذ القرار السياسي في هذا الشأن”.
وخلص المفاوض الغربي الى القول: “لقد خسرت القيادة الايرانية المواجهة الطويلة في صراعها النووي مع أميركا والغرب اذ انها ارادت أساساً ان تمتلك مشروعا نووياً كبيراً قابلاً للاستخدام العسكري من اجل التفاوض من موقع قوة مع الدول الكبرى وفرض نوع من الهيمنة على المنطقة. لكن ايران اضطرت الى التخلي عن هذا المشروع وانجزت مع الدول الكبرى اتفاقا يجرد برنامجها النووي من كل مكوناته وعناصره الخطرة وينزع عنه الطابع العسكري ويجعله خاضعاً للرقابة الدولية بل للوصاية الدولية الصارمة ولشروط قاسية محددة تمنع الايرانيين من انتاج اي سلاح نووي ومن تحقيق طموحاتهم السابقة”.

استعادة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط
راغدة درغام/الحياة/28 آب/15
القاسم المشترك بين ما تريده روسيا من الدول العربية التي يزورها قادتها على أعلى المستويات وبين ما تريده هذه الدول من موسكو هو أولاً، الرغبة في تطوير علاقات عربية – روسية تقفز على حواجز العلاقة الروسية – الإيرانية التي أثارت الشكوك العربية، وثانياً، الاستعداد لملء الفراغ الذي خلّفته سياسات الرئيس باراك أوباما في الساحة الخليجية ومع مصر، والتي أثارت الفتور في العلاقة العربية – الأميركية. هذا لا يعني أن الدول الخليجية ومصر والأردن قررت الاستغناء تماماً عن الولايات المتحدة واستبدال العلاقة الأمنية معها باللاعب الروسي. وزيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الأسبوع المقبل واشنطن ستؤكد استمرارية العلاقات الأميركية – الخليجية إثر الشراكة الأميركية – الإيرانية الجديدة التي أطلقها الاتفاق النووي مع طهران، وإن كان بحلّة مختلفة لا تخفي ما أصاب هذه العلاقات من تشقق. لن يكفي رقص التانغو بين القيادات العربية والقيادة الروسية لإشعار واشنطن بأن جديداً كسَرَ إيقاع العلاقة العربية – الأميركية وأن البديل متاح في العلاقة مع روسيا. ولن يكفي الإيحاء بالارتياح المصطنع إلى الشراكة الأميركية – الإيرانية وإضفاء أدوات القيادة الإقليمية على طهران. الضروري هو التوجه العربي إلى واشنطن وموسكو بمطالب واضحة ومواقف صارمة تمتد من العناوين الكبرى في موضوع اليمن الذي يتعلق بالأمن القومي السعودي والخليجي بصورة مباشرة، إلى العناوين «الأصغر» مثل انزلاق لبنان إلى الهاوية بقرار إيراني – انتقاماً من اليمن. لا الانفتاح الروسي ولا الانغلاق الأميركي سيغيّر درب المنطقة العربية ما لم تأخذ القيادات العربية قرارات نوعية وتستدرك ما ارتكبته من أخطاء وتسير في خطوات مرسومة. ومن المفيد ما يحدث حالياً وما يسمى «البراغماتية» العملية التي تسلكها قيادات عربية إزاء ما يسمى «الواقعية السياسية» للعلاقة الإيرانية المتميزة لدى كل من موسكو وواشنطن وبقية العواصم الغربية. الزيارات العربية المهمة هذا الأسبوع إلى موسكو – وما سبقها وسيليها – مؤشر إلى أحاديث بلغة مختلفة يجب أن تبقى منطقية مهما كانت ضرورية. ونقطة الانطلاق هي فهم ما تريده موسكو من انفتاحها على منطقة الخليج مع احتفاظها بتحالفها مع إيران.
بعض ما يريده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته المخضرم سيرغي لافروف ينطلق من تثبيت إعادة الاعتبار والمكانة لروسيا في الأذهان العربية. فهذه علاقة كانت دافئة جداً أثناء العهد السوفياتي مثل العلاقة المصرية – السوفياتية، وتطورت إلى علاقة تصادمية تعدّت مجرد الفتور والاستياء بسبب المواقف الروسية من سورية، بل دخلت خانة التشكيك بأهداف روسيا وراء تحالفها مع إيران ونزاعها مع العرب. روسيا اليوم في عهد بوتين تريد استعادة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط عبر مفاتيح جديدة وليس عبر رعاية حل النزاع العربي – الإسرائيلي الذي ابتعدت عنه عمداً. اختارت موسكو أن تكون طهران البوابة الرئيسة لها لدخول منطقة الخليج. وبينما اختارت الولايات المتحدة الخروج من تقليدية علاقاتها مع الدول الخليجية عبر البوابة الإيرانية، اختارت روسيا الدخول إلى علاقات جديدة نوعياً مع الدول العربية الخليجية عبر البوابة الإيرانية. إذاً، إن العلاقة الروسية – الإيرانية ستبقى ثابتة مهما حل بالعلاقات الروسية – العربية. وهذا ما أقرته القيادات العربية وهي تتوجه إلى موسكو للبحث في بناء علاقات جديدة. فلقد توقف نمط المحاولات السابقة لاستقطاب روسيا عبر ترغيبها بمختلف الوسائل بالتحوّل بعيداً من طهران لتقترب من العواصم العربية. اصطدمت أحلام العرب بكسر التحالف بين روسيا وإيران بواقع تحالفهما كخيار استراتيجي. القيادات العربية التي توجهت إلى موسكو في الآونة الأخيرة يبدو أنها استنتجت أموراً مهمة بينها: أولاً، إن العلاقة الأميركية – الروسية أعمق مما توحي به الخلافات في شأن أوكرانيا أو ما زُعِمَ من اختلاف في شأن سورية. ثانياً، إن كلاً من واشنطن وموسكو مستفيدة من الصفحة الجديدة مع طهران نتيجة تفاهمهما على الاتفاق النووي وكلاهما له مصالحه الاقتصادية والسياسية والنفطية والغازية والتسلحية من هذا الاتفاق. ثالثاً، لا تنافس بينهما على إدارة ملفات النزاعات الإقليمية ولا مانع لدى واشنطن من أن تتصدر موسكو جهود الحل في سورية أو أن تتفاهم مع طهران حول أدوارها في العراق ولبنان. رابعاً، إن سحق «داعش» بات القاسم المشترك الأول في الطموحات الأميركية – الروسية مهما بدا ذلك الطموح حقيقياً أو مصطنعاً.
لعل موضوع مصر هو الذي تصدّر أولويات المحادثات هذا الأسبوع في موسكو، لا سيما أن دولة الإمارات عازمة مع المملكة السعودية على دعم مصر لتسترد قواها الاقتصادية ومكانتها الإقليمية وقدراتها العسكرية بما فيها تمويل صفقات الأسلحة الروسية لمصر. فهذا يأتي في إطار موازين العلاقات بين الدول الكبرى والدول الإقليمية. وبالتالي، تستفيد موسكو من العنصر المصري على أصعدة عدة، نفوذاً وسلاحاً ومالاً وعلاقات استراتيجية مع دول فائقة الأهمية في منطقة الخليج ومع مصر بالدرجة الأولى.
فمصر في طليعة محاربة تفشي «الإخوان المسلمين» في الحكم في كامل المنطقة العربية، وهذا يتلاءم مع المواقف الروسية الأساسية المعارضة لصعود الإسلام السياسي إلى السلطة، مع أن موسكو لا تعارض الحكم الديني في إيران وتتحالف عملياً مع «حزب الله» في دعم النظام في دمشق. إنما الأمر يختلف تماماً لديها عندما تتعلق الأمور بصعود الإسلاميين إلى السلطة في مصر – والذين دعمت واشنطن في البداية توليهم إياها لدرجة احتكارها. فموسكو تخشى أن يؤدي تمكين أمثال «الإخوان المسلمين» إلى تمتين مواقعهم في الجمهوريات الإسلامية في الجيرة الروسية المباشرة، ومن حيث يمكن تركيا رجب طيب أردوغان الداعم لـ «الإخوان» أن تلعب أوراقاً استراتيجية. الموضوع الآخر الذي يتخذ عنواناً كبيراً في السياسة الروسية هو مكافحة الإرهاب الإسلامي المتمثل بـ «داعش» و «النصرة» و «القاعدة» وغيرها. إنما تحت هذا العنوان تتعدد الأجندات وتتضارب وتتلاقى في غموض ملفت يشمل مواقف موسكو وواشنطن ولندن وأنقرة وعواصم عربية. ففي ليبيا مثلاً، الحديقة الخلفية لكل من مصر من جهة وأوروبا من جهة أخرى، يبدو القرار الدولي مدهشاً في تركه الساحة الليبية مفتوحة على إنماء حركات التطرف والإرهاب بلا قلق ملحوظ وبلا إجراءات لضبط الأمر.
فلقد بات واضحاً مثلاً أن هناك لا مبالاة بالحدث اللبناني، بل هناك تملص ملحوظ وانسحاب فعلي من الاهتمام بمصير هذا البلد، على رغم خطورة تدميره وإفرازات هذا التدمير على الدول الخليجية. هناك دول خليجية تعي أخطار التراجع عن العلاقات التقليدية المميزة مع لبنان، لذلك يقوم ديبلوماسيوها بالتحرك في الساحة اللبنانية درءاً لفراغ خليجي يترك المجال مفتوحاً أمام ايران بشق الصقور فيها وليس بشق الحمائم. هذا لا ينفي ولا يخفف مسؤولية الدول الفاعلة تقليدياً في لبنان إزاء مصير هذا البلد. فمن المفيد أن يتطرق الحديث الأميركي – السعودي في واشنطن الأسبوع المقبل إلى ضرورة إثبات حسن النيات الإيرانية فعلياً في الساحة اللبنانية وإثبات العزم الأميركي والسعودي على تسيير هذا البلد في اتجاه بناء المؤسسات وإصلاح الطبقة السياسية المتسلطة بمختلف توجهاتها وهويتها. فالفساد بات وصمة عار على أكثرية الطبقة السياسية وشعار «طلعت ريحتكم» أصاب حقاً بأكثر من فضائح ملف النفايات. ومن الخطأ الفادح أن تتعالى الدول الكبرى الدولية والإقليمية عن ملف لبنان. فهو الآن في حالة حرجة تتطلب أدواراً أميركية وروسية للتأثير في القرار الإيراني في شأن لبنان، وتتطلب انشغالاً عربياً حقيقياً جدياً بحدث هذا البلد، وليس فقط سورية. الحدث السوري يستولي على أولويات الرياض والقاهرة وعمان والدوحة وأبو ظبي، لذلك تحمل هذه القيادات الملف السوري إلى موسكو – وإلى واشنطن أيضاً – باحثة عن وسائل للتفاهمات. وموسكو منفتحة على إخراج علاقاتها من التوتر والقطيعة مع الدول الخليجية بسبب سورية إلى البناء مع هذه الدول في مجال التعاون التجاري والعسكري إلى جانب الاستثمارات المشتركة في ميدان الطاقة النووية وغيرها. موسكو منفتحة ليس فقط بسبب أولوياتها الجيوسياسية والفرص الاقتصادية والعسكرية وتلك التي تدخل في خانة النفوذ السياسي. فالسبب الآخر هو ما أحسن الزميل رائد جبر مندوب «الحياة» في موسكو، نقله عن محللين سياسيين أن تحركات روسيا تقوم على خطين متوازيين، الأول يتمسك بدور فاعل لموسكو في الأزمات الإقليمية وأبرزها حالياً سورية، والثاني «محاولة ترتيب الأجندة الروسية في المنطقة، وفتح آفاق جديدة تحسباً لخسارة محتملة في سورية، واستجابة لضرورات الواقع الجديد وتوقعاته بعد توقيع الاتفاق النووي مع طهران».أجواء «الواقعية السياسية» تشق طريقها إلى شتى العواصم من باب حسابات الخسائر والأرباح. المهم ألا يستمر نمط اللامبالاة بما يؤدي إلى تدمير بلاد عربية إضافية بعد الانتهاء من تدمير مرعب في سورية وليبيا واليمن والعراق. هكذا فقط، يمكن إثبات حسن تفكير وحسن نيات الواقعية السياسية الجديدة.