علي العبدالله: النظام السوري يتحسس رأسه/حسين عبد الحسين: واشنطن لطهران: خذوا سوريا/غسان حجار: وزراء ونواب الخيانة العظمى

392

النظام السوري يتحسس رأسه
علي العبدالله/المدن/الثلاثاء 25/08/2015
بعد تواتر اللقاءات والمبادرات الإقليمية والدولية شعر النظام السوري أن الدائرة تضيق حوله، وان الاستحقاقات التي عمل، وبكل الطرق، على تحاشي التعاطي معها غدت داهمة وتستدعي اتخاذ قرار، فعاد إلى سيرته الأولى وكرر ردوده القديمة: تصعيد عسكري كبير وواسع ومراوغة سياسية ودبلوماسية، عله يخلط الأوراق ويعيد الحركة السياسية إلى المربع الأول. في البدء حاجج ضد دعوة الرئيس الروسي إلى تشكيل حلف إقليمي لمواجهة الإرهاب، بالقول إن قيامه يحتاج إلى معجزة، لقناعته بوجود مفارقة أساسها الموقف السعودي المضاد للثورة السورية ودعمها فقط من أجل إخراج إيران من سوريا، والأخيرة مصدر دعمه الرئيس وسبب بقائه في السلطة، وكرر لازمته وشروطه المسبقة عن وقف دعم الإرهابيين وإغلاق الحدود في وجههم قبل أن يسقط في يده بالمقايضة السعودية: إخراج القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية من سوريا مقابل وقف دعم المعارضة. ولم يجد مناصا من التحفظ على ما سُرب عن مبادرة إيرانية معدّلة قائمة على الانخراط في عملية تحول بطيئة وطويلة نحو تغيير في معادلة السلطة عبر وقف فوري لإطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتعديل الدستور السوري بما يتوافق وطمأنة المجموعات الاثنية والطائفية في سوريا وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف مراقبين دوليين. فبند تعديل الدستور مس بأحد خطوطه الحمر وخرق لاقانيمه الأربعة: لا مساس بموقع الرئاسة، لا مساس بالجيش، لا مساس بأجهزة المخابرات، لا مساس بالدستور، فحاجج في ضوء قواعد النظام العلماني الذي يتمسك بالمساواة والمواطنة ويرفض المحاصة الطائفية، ودعا روسيا إلى تحريك اللقاءات مع أطراف المعارضة التي تتقاطع مع توجهاته السياسية وعقد موسكو3 للإيحاء بان ثمة مسار سياسي ناجح ولا حاجة للتشويش عليه أو عرقلته.
غير أن موسكو التي تعيش حالة حصار اقتصادي غربي، على خلفية تدخلها في أوكرانيا، وتواجه خطر إعادة تجربة الإفلاس التي عرفتها عام 1998، بسبب انهيار مواردها المالية من النفط والغاز، وتعمل على الحد منه بالانفتاح على دول الخليج العربي للاتفاق على سياسة نفطية ووضع حد لتراجع الأسعار، وهواجسها من خسارة السوق الإيرانية بعد تنفيذ الاتفاق النووي ورفع العقوبات عنها في ضوء مؤشرات على توجه إيراني للانفتاح على الغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة، وجدت نفسها مضطرة إلى التقرب من السعودية والعمل على إقناعها بترك السوريين يحلون مشكلاتهم بأنفسهم، ورتبت، من أجل ذلك، زيارة علي مملوك كي تفتح ثغرة في القطيعة، وعلى التلاقي مع الموقف الأمريكي حول التحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية، وحول خطة دي ميستورا والبيان الرئاسي الذي يربط تنفيذ الخطة بإقامة هيئة حكم كاملة الصلاحيات، والإعلان عن تسليم إيران صواريخ اس 300 والاستعداد لتعاون واسع معها في مجال التسليح، صُدمت من طريقة تعاطيه مع زيارة مملوك إلى السعودية وتوظيفها إعلاميا ما دفع السعودية إلى تصعيد موقفها والتمسك بتنحي رأس النظام سلما أو حربا.
لم يتوان وزير خارجيته عن تحريض النظام المصري على العودة إلى لعب دوره الإقليمي المعهود وتوظيف ثقله البشري والعسكري في مواجهة القوى الإقليمية الطامعة، ذكر تركيا فقط وكأن إيران ليست قوة إقليمية طامعة؟!، والمساهمة في البحث عن حل للصراع في سوريا، ولتحفيز النظام المصري ربط المعركة في سوريا وعليها بالمواجهة مع الإخوان المسلمين في مصر والمنطقة، بهدف خلط الأوراق وتمييع الموقف بإغراق الساحة بمزيد من الفاعلين والمبادرات.
لقد وضعه صدور بيان رئاسي عن مجلس الأمن يؤيد تأييدا واضحا وجازما خطة المبعوث الدولي السيد ستيفان دي ميستورا كمدخل لتشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، كما جاء في بيان جنيف، ويدعو إلى وضع آلية لتشكيل مجموعات العمل الأربعة لتبدأ اجتماعاتها في النصف الأول من الشهر القادم، أمام خارطة طريق اعتبرها خطيرة، لأنها يمكن أن تعزله عن حلفائه وتتحول إلى مسار غير قابل للعودة إلى الوراء أو تجاهله في رسم الصورة النهائية للحل بعد تحقيق تراكم سياسي والوصول إلى المحطة المركزية في بيان جنيف أي هيئة الحكم كاملة الصلاحيات التي حاول وحلفاؤه الالتفاف عليها وتمييعها باقتراح حلول ومخارج بديلة دون كبير نجاح. ما دفع وزير خارجيته إلى قبولها والمطالبة بفترة زمنية لدراستها من جهة ومن جهة ثانية مهاجمة دي ميستورا واتهامه بعدم الحيادية، واعتبار خطته خطوة لتقطيع الوقت في انتظار تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني بحيث تصبح إيران ايجابية في التعاطي مع الملفات الإقليمية العالقة وتساهم في حل الملف السوري، والتلويح بصعوبة تنفيذها في ضوء غياب توافق إقليمي يوازي التوافق الدولي(اللافت هنا تطابق موقفي النظام والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة من الخطة والبيان الرئاسي؟!)، وعدم الاتفاق على تعريف الإرهاب وطرق مواجهته، ورفض مناقشة مصير رئيسه، مصير الأسد أو ما اعتبره بعض المحللين “عقدة الأسد” قضية مفتعلة بهدف حرف النقاش عن الخطوات الإجرائية التي تحدد البدء في الحل العملي وتأجيلها حتى يتم الاتفاق على هذه النقطة، تكتيك يذكرنا بما كان يفعله البحارة عندما يهاجم سفينتهم حوت يلقون له قاربا صغيرا يقوم بمهاجمته بينما يبحرون هم مبتعدين، وربط موافقته على نتائج عمل اللجان وتشكيل هيئة الحكم كاملة الصلاحيات باستفتاء شعبي.
لقد حاصرته المبادرات والمواقف في لحظة دقيقة ميدانيا آيتها خسارته لمساحات جديدة من الأرض، وخاصة في محيط قاعدته الرئيسة وخزان قوته البشرية، فرفع سقف العنف واستخدم كل قدراته النيرانية وبدأ بارتكاب المجازر في أكثر من مدينة وبلده وقرية سورية وراح يستخدم البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية بكثافة دون اعتبار لما يلحقه بالمدنيين من إزهاق للأرواح وتدمير للمنازل والبنى التحتية على أمل تحقيق هدفه المباشر: تغيير سلم الأولويات وحرف الاهتمام الدولي عن البحث في الخطوات الإجرائية لتنفيذ خطة دي ميستورا لتحاشي الدخول في مسار سياسي اضطراري لا عودة عنه وما قد ينجم عنه من نتائج لا تنسجم مع خياراته وتصوراته.

واشنطن لطهران: خذوا سوريا
حسين عبد الحسين/جنوبية/الثلاثاء 25/08/2015
يمكن تلخيص سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه سوريا بأنها سياسة “تعويد” الآخرين على أفكار تقدمها الإدارة، وتلقى رفضاً لدى حلفائها ومؤيديها. ثم تتمسك واشنطن بأفكارها وتعاند، فتتحول افكارها الى “الطبيعي الجديد”، بحسب التعبير الاميركي. بهذه الطريقة روّضت الولايات المتحدة العالم، واحتوت الانتقادات بحقها لوقوفها متفرجة على المجازر الدائرة التي يروح ضحيتها عشرات آلاف السوريين، وتؤدي إلى تهجيرالملايين منهم. ومع مرور الوقت، تبين أن واشنطن تناور حتى في المواضيع الجدية، كما في خطوط أوباما الحمراء، وتهديده بتوجيه ضربة في حال استخدام الرئيس بشار الأسد للأسلحة الكيماوية، وهو تهديد تراجع أوباما عنه في ما بعد. كذلك، أظهر الوقت ان وعود الولايات المتحدة بتسليح “المعارضة السورية المعتدلة” كانت وعوداً من باب المناورة، إذ بعد سنتين من التصريحات والنقاش مع اعضاء الكونغرس، واستحصال موافقتهم على موازنات وقوانين لتسليح حفنة من الثوار السوريين لمحاربة تنظيم “الدولة الاسلامية” فقط من دون قوات الأسد، تمسكت ادارة أوباما بالتسويف، وقدمت تبريرات ساذجة لفشل برنامجها التسليحي، من قبيل ان عدم اقبال المتطوعين السوريين على البرنامج كان سببه شهر رمضان المبارك. اليوم، صار واضحاً أن واشنطن لا تنوي القيام بأي تحرك جدي لمنع وقوع قتلى بين المدنيين السوريين، من قبيل فرض منطقة حظر جوي على مقاتلات الاسد ومروحياته. وصار مقبولاً لدى الرأي العام الاميركي تعثر برنامج تسليح المعارضة السورية. في ظل التقاعس الاميركي، لم يبق أمام المسؤولين الاميركيين ومؤيديهم من الوسائل الاعلامية الاميركية، الا اكثار الحديث عن الديبلوماسية كحل وحيد للأزمة السورية. وافتتح أوباما نفسه حملة التصرحيات المتفائلة، من دون مبرر، في الشأن السوري واعتقاده باقتراب الحلول السلمية. وفي وقت لاحق، عمد أوباما الى المبالغة في الايجابية عند حديثه عن سوريا، كما سبق ان اوردنا في سياق تحليلنا لرؤية أوباما لبارقة أمل في سوريا، وتوظيفه تفاؤله لتسويق الاتفاقية النووية مع ايران، وتصوير الاتفاقية وكأنها بدأت تؤتي ثمارا في مجالات شرق اوسطية متعددة، وفي طليعتها الحلول الديبلوماسية في سوريا. مطلع هذا الاسبوع، كررت صحيفة “نيويورك تايمز”، المحسوبة على ادارة أوباما، الحديث عن اقتراب الفرج السوري، ونشرت افتتاحية بعنوان “فرصة للديبلوماسية في سوريا”.
وجاء في الافتتاحية ان “اتمام الاتفاقية النووية مع ايران الشهر الماضي، خلق مساحة للدفع بشكل متجدد في اتجاه حل سياسي للحرب الاهلية المدمرة بين رئيس سوريا بشار الأسد والثوار الذين يسعون للاطاحة به”. وبنفس المنطق الذي تحدث به أوباما، تابعت الصحيفة ان هناك خوفاً من المزيد من الانهيار في الدولة السورية، وان “السيد الأسد يعاني على أرض المعركة ومن تجنيد مقاتلين لجيشه الذي يزداد ضعفه” مع مرور الايام. واعترفت الصحيفة، ربما بالنيابة عن الادارة الاميركية، بفشل برنامج تسليح وتدريب الثوار “للافادة من الضربات الاميركية الجوية ضد داعش”. كذلك، كررت “نيويورك تايمز” اعتقاد أوباما ان موسكو أدركت مخاطر انهيار الأسد، وهو ما دفعها الى الطاولة، هذه الطاولة التي صارت تنتظر الايرانيين للحضور والتوصل لحل للأزمة السورية.
الافتتاحية المذكورة لا تقدم افكارا أميركية جديدة، لكنها بمثابة تلويح للايرانيين بأن الظروف للتسوية في سوريا اصبحت ناضجة، وان الروس اقتنعوا بذلك، وان على طهران البناء على الاتفاقية النووية للتوصل الى تسوية.
بين سطور المقالة المذكورة، كما بين سطور تصريحات أوباما ومسؤوليه، وكما رشح من اروقة المحادثات الدولية والاميركية مع ايران، اصرار اميركي متواصل على ضرورة دخول ايران في الحل السوري وخروج الأسد منه. بكلام آخر، تكرر واشنطن دعوتها لطهران: تخلوا عن الأسد وخذوا سيطرتكم على سوريا مقابل هذا التخلي. اما ايران، فيبدو انها تعتقد انها في موقع جيد لا يستدعي المقايضة، فطهران ترى انه يمكنها الاحتفاظ بالاثنين: الأسد والسيطرة على سوريا. لذا، لا سبب إيرانياً للتضحية بالأسد، والاتفاقية النووية التي يتوقع ان تمنحهم اموالا وعلاقات ديبلوماسية، من شأنها ان تعزز من التمسك الايراني بالاصرار على حل على طريقة طهران. أما أوباما، فيمكن له ولادارته واعلامييه ان يقولوا ما يشاؤوا عن مصير الأزمة السورية، لكن اقوالهم ستبقى، كسابقتها، ثرثرة من دون تأثير.

وزراء ونواب الخيانة العظمى
غسان حجار/النهار/27 آب 2015
من واجبات النائب المنتخب من الشعب العمل على التشريع وانتخاب رئيس للبلاد وإعطاء الثقة للحكومة أو حجبها ومحاسبتها لاحقاً. أما في لبنان، فإننا ننتخب نواباً ليقوموا بعكس ما يتطلبه الواجب. التشريع معطل، وأكثرية النواب لا تفهم أصلاً في التشريع ولم تقرأ الدستور، إنما يكتفي هؤلاء بالتصاريح السياسية الجدلية والفتنوية، ويمضون ولاياتهم بسياسات النكايات والصراعات والمماحكات… والنواب عندنا لا ينتخبون رئيساً للبلاد، مما يضع الجمهورية في خطر، مقطوعة الرأس، مقطّعة الأوصال، ويقوّضون التوازن في تركيبة السلطة اللبنانية، إذ ليس حالياً في الرئاسات من يمثّل المسيحيين على اختلاف مللهم ومذاهبهم. والامتناع عن انتخاب رئيس، لأسباب شخصية أو مصلحية أو مرتبطة بعمالة الى الخارج، تعتبر جريمة بحق الوطن، ويجب أن يحاسب مرتكبوها تحت بند “الخيانة العظمى”، فتنزع منه وكالته، ويودع السجن، والأفضل إرسالهم الى سجن أبو غريب أو صيدنايا، لأن سجوننا متخمة بنزلائها. أما المحاسبة فحدث ولا حرج. الوزراء هم زملاء النواب في أحزابهم وتكتلاتهم، وبالتالي قد يكونون شركاءهم في اقتسام المغانم وتوزع المكاسب، وبالتالي فقدوا كل قدرة على المحاسبة، وهم لا يفكرون فيها أصلاً على المستوى الوطني، اللهم إلا إذا طلب احدهم خدمة شخصية لم تلب، عندها ترتفع الدعوات الى استقالة الوزير الذي يعود أدراجه غالباً، فيسكت الطالب بتلبيته أو استقباله أمام الكاميرات وبيعه موقفاً معنوياً واستعراضياً. أما الوزراء فليسوا أفضل حالاً. كثيرون منهم مقصّرون في واجباتهم، لكنهم لا يبذلون جهداً إضافياً، بعدما اطمأنوا الى أن لا محاسبة، ولا مطالبة بإقالتهم. كثيرون يرتكبون المخالفات القانونية كرمى لعيني الزعيم ويوقّعون القرارات المخالفة “مع الإصرار والتأكيد”. وهم يضمنون بقاءهم، طالما أن الزعيم قوي ومستمر في السلطة. علماً أن الذين يمسكون بمفاصل التركيبة لا يتجاوز عددهم الثمانية، وسيورثون أبناءهم، أو أصهرتهم، من بعدهم، لتستمر العائلة في “خدمة المصلحة العامة”. ثم هناك بدعة الوزراء الذين ينسحبون من الجلسة لتعطيل عمل الحكومة بذرائع مختلفة، وهم بذلك يخالفون قانون الوظيفة العامة إذ يتغيّبون عن العمل ويعطّلونه. فالوزراء موظفون يقبضون راتباً في آخر الشهر من الخزينة العامة (عدا ما يسرقه البعض من صناديق خاصة وما يجنيه من سمسرات المخالفات) للقيام بهذا العمل، وحالهم كحال أي موظف يجب أن يعاقب عندما لا يقوم بواجباته. أما تعطيلهم إصدار القوانين واحتجاجهم على نشرها فجهالة دستورية، إذ ان الدستور اللبناني ينص في المادة 62 منه على الآتي: “في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”. وانتهت المادة عند هذا الحد، فلم ترد عبارة مجتمعاً أو مكتمل النصاب أو أي أمر آخر مما يحكى به حالياً. هؤلاء جميعاً علة العلل، والمنتفضون يجب ان يلاحقوهم في منازلهم لا أن يركّزوا على محيط السرايا فحسب.