علي نون: إيران عندما تتشاوف/نبيل بومنصف: الجمهورية في الكرنتينا/سمير منصور: هل تغيّر الموقف من ترشّح عون للرئاسة/ميشيل تويني: بعبدا تمرّ من الضاحية

367

إيران عندما تتشاوف!
علي نون/المستقبل/19 آب/15
يمكن إيران أن تتفاخر بشطارتها في تركيب طموحاتها السياسية فوق هويتها المزدوجة القومية والمذهبية، وفي ابداء استعدادها المفتوح لأن لا تأخذ في اعتبارها إلاّ مصالحها وغاياتها واهدافها، وأن تستمر في تقديم اداء انتهازي لا سقف له.. لكنها في الاجمال لا يمكنها ان تتفاخر بالعيّنات التي اختارتها كعناوين محلية متفرقة لمشروعها ونفوذها في مجمل الهلال المدّعى فوق المنطقة العربية. التركيبة التي حكمت العراق وتحكمت به وبأهله والتي قادها نوري المالكي على مدى ثمانية اعوام، قدمت اسطع مثال ممكن عن ازدواجية الفساد وقصر النظر. وعن تحكّم غريزة التسلّط بكل عصب يتحرك فيها. وعن الغلاظة الذهنية التي جعلت من «الثأر» التاريخي المذهبي مشروعاً سياسياً آنياً! ومن الابتذال عدّة التبليغ، وصولاً بالاداء الى حد جعل العراقيين يتحسرون (حرفياً) على ايام صدام حسين!
تلك التركيبة مالكية العنوان إيرانية المضمون، وبها وصل العراق الى ما دون مستوى الدول الفاشلة، وتحوّل الى واحد من أخطر مسارح العدم والعبث في هذا العالم.. ولأنه صار كذلك تماماً بتاتاً، امكن طهران ان تدّعي فيه ما ليس لغيرها، من دون التوقف عن مفارقة انحطاط رموز نفوذها وادعاءاتها تلك! وبالقرب من العراق، تقدم التركيبة الاسدية مثالاً اكثر انحطاطاً عن ازدواجية العنف والنهب.. تبزّ الصنو المالكي بفساد مؤدلج، وبأداء مافيوي رسمي ومقونن، وبعدّة تبليغية تجمع المعطى المذهبي الاقلوي بخواء حزب هو المثال المجسِّد للتناقض الفج بين الشعار والممارسة والفكرة وحامليها، ولا تخرج محصلة نتاجه عن الكارثة التامة. تلك التركيبة الاسدية العنوان، صارت في العرف الايراني امتداداً لدولة «الولي الفقيه» وعنواناً لـ»قدرة» طهران على مد النفوذ وتصدير البضاعة التي تنتجها مصانع التنوير والحداثة التابعة لها.. ولأنها في حراكها، حوّلت «الاسدية» سوريا الى مقبرة مفتوحة، امكن ايران ويمكنها ان تدعي فيها ما ليس لغيرها، وايضاً، من دون التوقف عند مفارقة انحطاط رموز نفوذها وادعاءاتها تلك. في لبنان تحكّمت التركيبة بالمركّب! ولم تستطع طهران (ولن تستطيع) الذهاب في ادعاءاتها فيه مثلما تفعل في العراق وسوريا.. نقاط الضعف المتأتية من تحويل المعطى الايجابي الخاص بالتنوع والتعدد الى معطى سلبي على صعيد الدولة ومؤسسات الحكم، هي ذاتها نقاط القوة التي تحصّن الكيان الوطني إزاء قدرة الخارج (أي خارج) على احكام السيطرة عليه، او ادعاء قدرات أبعد مدى من حدود التأزيم والتعطيل. في السياق اللبناني هذا، لا يمكن ايران ان تعدّل في صورة كونها عنوان أزمات تحور وتدور حول حالة حرب اهلية باردة، او فتنة «على الناشف»! أي ليست مبلولة تمام البلل بالدم! ولا يمكنها التشاوف كثيراً في ان اتباعها عرفوا كيف يقدّمون اي شيء خارج مدونة السلوكيات المذهبية والازمات والتوتير والورطات والتخريب وإضعاف النظام وضرب مؤسسته وإشاعة العسكرة في إجتماع مديني مدني.. في اليمن، يعجز التوصيف عن التقاط جلّ المشهد! لكن العناوين لا تبتعد عن الخراب والكوارث وحقول الموت المفتوحة، ولا عن وضع الحوثي والمخلوع علي عبد الله صالح في خانة واحدة مع التركيبتين المالكية والاسدية، وعلى بعد خطوة واحدة من التركيبة الممانعة في لبنان التي يقودها «حزب الله»! بماذا تعير ايران العرب والمسلمين؟! بسياساتها وأدائها، أم بمريديها وحلفائها؟! ام بكونها الأكثر صياحاً فوق الركام؟!

الجمهورية في “الكرنتينا“!
نبيل بومنصف/النهار/19 آب 2015
“غامر” وزير الصحة وائل ابو فاعور بتفرده في دق جرس الانذار حيال الكارثة الصحية الزاحفة على لبنان خصوصا ان هذا التفرد لم يراع الأصول الخلافية حول آلية عمل مجلس الوزراء التي تلزمنا كلبنانيين مع نحو مليوني سوري وفلسطيني وسائر الأجانب تحمل آفات الكارثة الى حين بت النزاع الحكومي. لعل بعض من لم يغش ذاكرتهم النسيان يتذكرون انه في ثمانينيّات القرن الماضي اطلق وزير الخارجية الاميركي في عهد الرئيس رونالد ريغان جورج شولتز تسمية “المستنقع” أو “الكرنتينا” على لبنان بما يعني المحجر الصحي وليس المحلة التي تحمل هذا الاسم في بيروت تيمنا بمستشفاها الذي كان مخصصا للحجر الصحي. كان ذلك على خلفية انتشار ظاهرة خطف الأجانب ومن ثم العمليات الانتحارية التدميرية ضد قوات المارينز والمظليين الفرنسيين ضمن القوات المتعددة الجنسية. بمعنى ان لبنان مني آنذاك، من وجهة نظر الغرب، بأولى طلائع الارهاب الامر الذي استتبع “تحجيرا” عليه مارسته ادارات أميركية متعاقبة ولا يزال بعض تداعياته وإجراءاته مستمرا الى اليوم ومنها منع الرحلات الجوية المباشرة بين بيروت والولايات المتحدة. لن نسقط تسمية شولتز بطبيعة الحال على واقع لبنان الراهن الذي لا يكابد فقط أكلاف المواجهة المتدحرجة مع ارهاب هذا الزمن بل ربما الاخطر منه أي ان يغدو بلدا موبوءاً بملء معاني الأوبئة وليس فقط برمزيتها. البلد المبتلي بالأوبئة يرزح منذ اكثر من شهر تحت وطأة أسوأ مصير يمكن ان يتخيله مواطن بدليل ان الاعلام العالمي الذي كاد ينسى لبنان منذ مدة طويلة استفاق عليه وبزخم اخيرا من خلال صور جبال النفايات تجتاح مدنه وقراه فقط. يجري ذلك ويستفحل وينزلق لبنان الى الصورة الاشد قتامة كبلد مهدد بالحجر الصحي الشامل فيما ممنوع على مجلس الوزراء ان يفتح ملفا وان يخرق حصارا وان يحتوي ويلات زاحفة تحت وطأة التهديد والتهويل المباشر أو ألاعيب الازدواجية السياسية المترفة. والحال انه بمجلس وزراء أو من دونه وقعت الواقعة ولن يخفف منها شيء ما دام الامن الصحي للبنانيين كما أمنهم الاجتماعي والاقتصادي يسحقان سحقا منهجيا لا سابق له في سياسات وحشية كتلك التي يعيشونها في هذا الزمن. ولعل ألأسوأ من هذا ان التحجير على لبنان يأتي هذه المرة من داخل وليس من خارج. بدأ ذلك واقعيا مع التحجير على رئاسة شاغرة تمدد شغورها تصاعديا فشل أيضاً مجلس النواب ومن ثم الحكومة وأحدث في ادارات الدولة فوضى غير مسبوقة الا في الحرب وها هي تداعياتها تتفشى في كل الاتجاهات والقطاعات. ما دام مجلس وزراء الجمهورية الانتقالية موضوعا بنفسه في الحجر هل يكون لبنان اقل من بلد موبوء؟

هل تغيّر الموقف من ترشّح عون للرئاسة؟ وماذا قصَدَ نصرالله بـ”الممرّ الإلزامي”؟
سمير منصور/النهار/19 آب 2015
يبدو واضحاً أن مجلس النواب سيفتح أبوابه قريباً تحت عنوان “تشريع الضرورة” أو غيره، وأن رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون سيتجاوب مع دعوة حليفه الأول الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الى وقف تعطيل المجلس ومقاطعته وعقد جلسات تشريعية. ولكن ماذا عن مجلس الوزراء؟ هل يستمر معطلا تحت ضغط تهديدات عون مدعوماً من “حزب الله” بالنزول إلى الشارع؟ يدرك عون كما يدرك الجميع استحالة اسقاط الحكومة في ظل الواقع الدستوري الراهن، وبالتالي لن يكون من شأن استمرار الحملة على الحكومة سوى تعطيل مجلس الوزراء، لا أكثر ولا أقل! واما رئيس مجلس الوزراء تمام سلام الذي يحاول استيعاب الحملة العونية بأقل خسائر ممكنة على البلاد وعلى المؤسسات الدستورية، فلن يستطيع الانتظار إلى ما لا نهاية والاستمرار في التأجيل تلو الآخر والتريث في الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء، في ما يشبه الهروب إلى الأمام. ومع إدراك هذا الواقع تبدو الحملة كأنها معركة عضّ أصابع وانتظار من يقول “آخ” اولاً! وإذا كان عون يعاند الوصول إليها، فإن سلام الذي واجه ظروفاً أصعب بكثير، لن يقولها… وكل ذلك بالإضافة إلى أن الواقع الحالي لا يسمح، لا باستقالة، ولا بتشكيل حكومة جديدة. وأما إذا استمرت حملة تعطيل اجتماعات مجلس الوزراء من الجنرال الذي يخوضها تحت عنوان “حقوق المسيحيين”، فإن حال تصريف الأعمال قد تكون أفضل. وعلى كل حال، فإن الحملة المتواصلة على الحكومة، وضعتها من زمان، في مرحلة تصريف أعمال! ولن يعيد اجتماعات مجلس الوزراء سوى نداء آخر من السيد حسن نصرالله الى العماد عون، شبيه بذاك الذي وجهه الى “الحلفاء” في شأن مجلس النواب، على ما يرى وزير وسطي، مضيفاً أن “لا سبيل إلى وقف تلك الحملة إلا بوساطة من “حزب الله” الذي يدعم عون في تحركاته على اختلافها، وإن يكن هذا الدعم أحياناً “بالقطعة” وأحياناً يغيب كليا كما حصل لدى التمديد لقائد الجيش ورئيس الأركان والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع، وقبل ذلك لدى التصويت على التمديد لمجلس النواب”.
ولم يكن في استطاعة عون العتب على حلفائه وفي طليعتهم “حزب الله” في مسألة التمديد للقيادات العسكرية، فقد سبق أن أقدم شخصياً على التمديد الأول لقائد الجيش من خلال وزير ينتمي الى تكتله وكتلة النائب سليمان فرنجيه، هو وزير الدفاع آنذاك فايز غصن، وكانت الحكومة في مرحلة تصريف أعمال، ولم يطالب أحد في “تكتل التغيير والاصلاح” بعد تشكيل حكومة جديدة بتعيين قائد للجيش…
وفي مرحلة ما قبل قرار التمديد كان موقف الحلفاء واضحاً: “نحن مع التعيين إذا كان متيسرا، والا فالتمديد، ممنوع الفراغ في القيادة العسكرية”، وهي معادلة تشبه تلك التي يرددها الحليف الآخر النائب سليمان فرنجيه في شأن انتخابات الرئاسة، إذ يقول: “نحن مع العماد عون ما دام مرشحاً وإما إذا سحب ترشيحه فلدينا حرية الحركة في خياراتنا، ومنها احتمال الترشح”… وسط هذه الأجواء يبقى الاستحقاق الرئاسي بمثابة “أم المعارك” للعماد عون، وهو المحك والمفصل في مواقف الحلفاء، بعدما قيل الكثير عن الموقف الذي أطلقه الأمين العام لـ”حزب الله” حيال هذا الاستحقاق، وأهم ما جاء فيه ان العماد عون هو “الممر الالزامي” في انتخابات الرئاسة. كان الموقف لافتا جداً ومهماً ويستحق التوقف عنده، بعيداً من كل محاولات التذاكي ودق اسفين بين الحليفين، وقد يمرّ وقت طويل قبل تظهير هذا الموقف، ولا سيما انه ينطبق على كل رؤساء الكتل الوازنة في مجلس النواب، فكل كتلة هي “ممر الزامي” في انتخابات الرئاسة، إلا إذا كانت الأكثرية لدى أي طرف بما يتيح له انتخاب الرئيس الذي يريد… وإلى كونه موقفا اخلاقيا للدعم والمجاملة من حليف إلى حليفه، فإن موقف السيد نصرالله، كان الأكثر واقعية. نعم، ممر الزامي كغيره من رؤساء الكتل الوازنة، وليس كما قال ذات يوم نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم وقياديون آخرون في الحزب وخلاصته: “تريدون انتخابات رئاسية؟ ما عليكم سوى انتخاب العماد عون”! هل تغير موقف “حزب الله” من الاقتراع لعون في انتخابات الرئاسة إلى ممر الزامي من الضروري “الوقوف على خاطره”؟ هذا السؤال بات مشروعاً، وافتراض حسن النية يجعل الاجابة عنه ان “حزب الله” لا يمكن أن “يكسر” عون، بمعنى التصويت خلافا لموقفه كما حصل في محطات سابقة، وان الموقف من الاستحقاق الرئاسي سيستمر بالتنسيق التام معه إلى أقصى حد. ويبقى موقف سليمان فرنجيه هو الأدق تعبيراً عن موقف الحلفاء: “نحن معك ما دمت مرشحاً والا يمكن البحث عن خيارات اخرى غالبا ما تنعت بـ”التوافقية”. خلاصة القول ان ما قاله السيد حيال ترشيح عون، ليس فقط يمكن ان ينطبق على الآخرين، بل يمكن ان يقوله الآخرون: نعم عون ممر الزامي، ولكن غيره أيضا كذلك… فما هي حقيقة الموقف؟

بعبدا تمرّ من الضاحية؟
ميشيل تويني/النهار/19 آب 2015
الشكر للسيد حسن نصرالله لأنه أكد أن الرئاسة تمر من الرابية. لكن هل أصبح الجنرال والمسيحيون ينتظرون سماحته ليحدّد لهم خطّة الطريق للوصول الى الرئاسة؟ طريق الرئاسة تمر بجميع المسيحيين وبكل المناطق وبأكثرية الرأي العام المسيحي ويجب ألا يحدّد لنا أحد أي طريق نأخذ! ولهذا ننتظر الاستفتاء الذي تم تداوله بين الجنرال والحكيم. ويا ليتهم يدعون الى استفتاء شعبي تطرح فيه أسماء الجنرال والحكيم وغيرهما. كما الورقة البيضاء، هكذا سنعلم لمرة من يريد الرأي العام، وحينها يكون واجب المسيحيين اختياره وواجب المسلمين احترام ما يعتبر مركز التمثيل المسيحي، ولو اننا نعتبر ان هذا المنطق متخلف ويجب على الرئاسات الثلاث ان تمثل جميع اللبنانيين اذا صح التعبير أكثر من الطوائف. ولذلك فإن تعديل الدستور بالمداورة أو المطالبة بالمداورة بين الرئاسات الثلاث هو حلم ربما، لكن اذا ما أريد يوماً للبنان أن يتطور ويخرج من تحكم رؤساء الطوائف، فلا يمكنه إلا أن يسير نحو هذا المنطق، فهذا هو المخرج الوحيد للتخلص من الطائفية والحروب والاحزاب التقليدية والحفاظ ليس فقط على المسيحيين بل على اللبنانيين. لكن حتى ذاك الوقت لا يمكن الاختباء وراء شعارات وأحلام، ويجب الاعتراف بأن الواقع هو التالي: رئاسة الجمهورية هي منصب للمسيحيين. وعلى هذا الاساس مشكور كل من يطمئننا الى انه لن يقبل الا أن يكون هذا المنصب للمسيحيين، ومشكور من يعطي مرشحه دعماً علنياً فيحدد لنا اهدافنا ويحدد البوصلة للمسيحيين كي يعلموا أي اتجاه يجب أن يسلكوا. مشكور لانه لولاهم لكنا تهنا على طرق الرئاسة. أو بالحري أليسوا هم ونحن معهم من ضيّعنا انفسنا كي نصبح من دون صلاحيات ومن ثم من دون رئيس؟ ماذا يمكنهم أيضاً ان ينتقصوا منا أو أن يسلبوا؟ هل بقي الكثير؟ لا نعلم، لكن ما نعلمه، والأكيد، انه بمجرد ان يعتبر البعض انه يدعم الجنرال والرئاسة بإعطاء اللبنانيين إرشادات حول طريقة انتخاب رئيسهم، فإنه فقط بهذه المقولة يقصد ان طريق الرئاسة لا تمر إلا عبرهم وبمباركة وبقرار منهم! وبمجرد أن حدد البعض خيارهم، أفلا يعني ذلك بالمختصر المفيد ان “الطريق تمر من عندنا ونحن نحول الطرق الى الرابية أو غيرها؟” مشكورون على حرصهم علينا كما يشكر المسيحيون الحرصاء على حقوقنا كل هذه السنين والذين جلبوا شعار حقوقنا، فحوّلوا طريق الرئاسة من دمشق الى قريطم والضاحية… وحولوا المنصب الاول الى منصب فراغ بسياساتهم وتحالفاتهم، وأصبحنا عبيد الغرب والشرق القريب والبعيد. وأكثر من ذلك أصبحنا نتذكر بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب والياس سركيس وبشير الجميّل وسليمان فرنجيه وشارل حلو وغيرهم، ونقول صحيح إن الشعب يفضّل رئيساً على رئيس أو أداء على أداء، لكن على الأقل كان هنالك انتخابات ورئيس…