كمال ريشا/وزراء خارجية لبنان من الاستقلال الى الإستلحاق/حازم الأميـن: تحركات العونيين/إيلـي فــواز: استراحة المحاربين في سوريا

502

تحركات العونيين
حـازم الأميـن/لبنان الآن/13 آب/15

كان من المفترض أن يؤمن “تفاهم مار مخايل” حقوق المسيحيين عبر إيصال صهر ميشال عون، الجنرال شامل روكز، إلى قيادة الجيش. لكن لم يشتغل التفاهم هذه المرة أيضاً. حزب الله تخلى عن الجنرال، وقبِل بـ”طبخة” الرئيس نبيه بري والوزير وليد جنبلاط وتيار المستقبل التي قضت بالتمديد لقائد الجيش الحالي الجنرال جان قهوجي. ردة فعل الجنرال جاءت نموذجية لجهة تفسير المضمون الفعلي للتفاهم مع حزب الله، وتفضي، ردة الفعل وقبلها التفاهم نفسه، إلى أن ما جرى في كنيسة مار مخايل لا يزيد عن قرار ميشال عون إلحاق المسيحيين بحزب الله وليس أكثر. ذاك أن الجنرال وبعد قرار التمديد لم يقوَ حتى على عتب على الحزب. قال إن التحالف فوق هذه التفاصيل وأهم منها، وهو في نفس الوقت كان قال إن تعيين قائد للجيش هو حق للمسيحيين. التحالف إذاً هو فوق حقوق المسيحيين، لا ضامناً لها. والحال أن العونية الحائرة بنفسها وبتحالفاتها هذه الأيام لم تجد مخرجاً لتراجيديا “التفاهم” سوى أن تخرج لـ”التظاهر” لوحدها من دون حلفائها. المشهد على ساحة ساسين كان مملاً هذه المرة. العونيون هناك كانوا في لحظة تظاهرهم أقل من المارة، والأعلام التي زادت أعدادها عن أعداد المشاركين ألقيت على الأرصفة، اذ أن قدرة الناشط المتظاهر على حمل الأعلام لا تزيد عن علمين، والسعي لتعويض نقص المشاركة برفع منسوب الأعلام بدا خطوة غير موفقة.

على المرء هنا أن يُشفق على المسيحيين إذا كانت فعلاً هذه وسيلة تحصيل حقوقهم. والعونيون حاولوا تعويض الفضيحة برفع منسوب الغضب. جاءوا بمجسم عليه شعارات تيار المستقبل وأضافوا إليه شعارات “داعش”. إذاً ها هم مباشرة في مواجهة “داعش”. يريدون استعادة حقوق المسيحيين من قلب السبع. لا يقبلون بأقل من “داعش”. سعد الحريري متنكراً بهيئة أبو بكر البغدادي، وجبران باسيل وصل مرتدياً قميصاً أصفر أنيقاً ونظارات برتقالية. وعلى هذا النحو قرر أن يزيل القناع عن وجه الخليفة. في هذا الوقت كان نشطاء مدنيون، غير مسلحين، من آل جعفر يعترضون سيارة مطران بشري في جرود بعلبك، ويحملونه رسالة مودة وحب إلى البطريرك الراعي. وهؤلاء بدورهم ينعمون بما أنزله عليهم التفاهم من سلام ومحبة وشوق لحقوق المسيحيين. أن تُصوّر حقوق المسيحيين حقوقاً لأصهر الجنرال فهذا ليس العنصر الوحيد في المهزلة العونية. فذروة المهزلة أن يُقرر الجنرال أن ضائقته مع حلفائه يمكن أن يجري تحويلها خصومة طائفية موازية. ودرس التمديد لقهوجي يبدو نموذجياً هنا. فحزب الله باع الجنرال في أول فرصة لتسوية قضية مع الطائفة السنية. حزب الله يرى أن الحكومة يجب أن تبقى لما تؤمنه له من حد أدنى من الاستقرار الأمني الذي يحتاجه في الحرب التي يخوضها في سوريا. وإذا كان الثمن “حقوق المسيحيين”، فسيدفعها من دون أن يرف له جفن. للمسيحيين حقوق مهضومة، ودور يجب أن يكون أكبر مما هو دورهم الآن. خصوصاً في ظل الفشل السني والإرتهان الشيعي. ميشال عون يعيق هذا الطموح، ويجعله كاريكاتورياً.

 

 استراحة المحاربين في سوريا
إيلـي فــواز/لبنان الآن/13 آب/15

ما يأمله الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد توقيع الاتفاق النووي مع طهران هو دفع الأطراف الإقليمية، خاصة ايران والمملكة العربية السعودية، للجلوس على طاولة المفاوضات لإيجاد تسويات لخلافاتهم الكثيرة، تطبيقاً لنظريته في اقامة توازن بين القوة السنّية والقوة الشيعية، او تلك الايرانية والسعودية. وفي هذا الإطار نشط الحديث مؤخراً في الإعلام عن الحلول السياسية للحرب السورية، وبرزت مبادرة تنوي ايران عرضها على مجلس الأمن تطالب المتحاربين بوقف لإطلاق النار. باعتقادي أنه لا يوجد مسؤول في المملكة العربية السعودية قد يعترض على تسويات تؤدي الى وقف سلسلة العنف التي تلف المنطقة، او هدر دماء الابرياء. لكن المشكلة في مكان اخر. منذ ان استلم الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في المملكة على اثر وفاة شقيقه الملك عبدالله، جهد من اجل لم شمل العائلة العربية وحثها على وضع خلافاتها جانباً من اجل مواجهة الخطر الايراني، خاصة في اليمن وسوريا. وبالفعل قام تحالف عربي واسع لوقف الانقلاب الحوثي في اليمن (عاصفة الحزم)، كما بدأت المعارضة السورية في التقدم الميداني في جنوب سوريا (عاصفة الجنوب) حيث شهدت أرض المعركة انهيارات لجيش بشاز الاسد وحلفائه حتى دقت ساعة معركة مطار الثعلة. وفجاة توقف كل شيء. وصار الحديث عن ضغط اميركي على كل من تركيا والاردن من اجل وقف الدعم عن الثوار. حتى قيل أن المسؤولين الاتراك والخليجيين سمعوا كلاماً صريحاً من الاميركيين بأن الشام والساحل السوري خط احمر. التأكيد على هذا التوجه في السياسة الاميركية جاء على لسان وزير خارجيتها في الذكرى الرابعة على بدء الثورة السورية حيث قال ان “الجميع يعلم اننا في النهاية لا بد من التفاوض مع الاسد”. وكان سبق، ما حاول الناطق باسم الخارجية الأميركية وصفه بزلة لسان، جواب جون برينين مدير وكالة الاستخبارات الأميركية، بالإيجاب عن مخاوف بلاده من سقوط الاسد، ليؤكد كل ما كانت تخشاه الدول العربية: أوباما لا يسعى لإقامة توازن في المنطقة، انما ترجيح كفة ايران على حلفائه التقليديين. و هو في هذا الاطار انما يسعى للحفاظ على الاسد كجزء من الاتفاق مع نظام الملالي حول مناطق نفوذ لهم تربط طهران بالشام وبيروت مرورا بالعراق طبعاً. مع ان المنطق الديمغرافي، والواقع الجغرافي يقول ان بقاء الاسد ونظامه فيه استحالة. فكل التقديرات العسكرية حتى اكثرها قربا من الاسد باتت تعترف بتقلص نفوذه وسيطرته على سوريا الى اقل من 30 بالمئة.  كل العالم بات يعترف بإجرام نظامه الذي أباد حسب التقديرات أيضا اكثر من ثلاثماية الف سوري، وهجر اكثر من نصفهم يعيشون الذل في البلدان المجاورة. ومع هذا يريد الرئيس اوباما فرض نوع من ستاتيكو على الارض، يجعل ايران والأسد يلتقطان انفاسهما الممزقة في اكثر من مكان كالزبداني مثلاً وليس حصراً. ما يريده الرئيس الاميركي هو ايقاف القتال من اجل فرض امر واقع جديد تقسيميا، يجبر الافرقاء كافة على الرضوخ له. مناطق علوية صرفة، تتحول محمية ايرانية برضى الاميركيين، ويصار الى إلحاق لبنان بها سياسياً وامنياً تقريبا كما هو الحال الان. بكل بساطة يريد الرئيس الأميركي تحييد الاسد و لو وقتياً عن الحرب، محاصرة المملكة العربية السعودية عبر تغذية الخلافات العربية العربية، وجعل المناطق السنية تقاتل بعضها بعض تحت مسمى محاربة الارهاب. اليوم كل الافرقاء يشترون الوقت، بانتظار مرحلة ما بعد أوباما وتوجه السياسة الاميركية الخارجية الجديدة ان كان فيها من جديد في ظل رفض شعبي أميركي عارم للاتفاق النووي الايراني. وكل الحديث عن التسويات الآتية للمنطقة هو مجرد كلام ما لم تتنازل ايران عن سيطرتها على اربع عواصم عربية. 

 

وزراء خارجية لبنان من الاستقلال الى الإستلحاق
كمال ريشا/13 آب/15

بعد رحيل الفنانين المبدعين، يلفت الانتباه الى ان زمن القحط الذي نعيش فيه، لم يشمل فقط المجال الفني والثقافي اللبناني الذي ابدع فيه الموارنة على وجه التحديد، إنطلاقا ايضا من رؤيتهم للبنان، بوصفه كيانا قائما في ذاته، وهم من يعمل على تظهير صورة هذا الكيان في المجالات المختلفة. وكما في الثقافة والفن، في السياسة، كان دور لبنان في عهد ما يصطلح على تسميته عهد وصاية “المارونية السياسية”، اجتهد وزراء خارجية لبنان، على تحديد معالم سياسة خارجية لبنانية، بدأت إستقلالية، ثم تدرجت الى سياسة التحاق بالاحلاف الاقليمية وصولا الى تبعية كاملة للمحاور السورية ومن بعدها الايرانية. حتى العام 1990، تاريخ الانتقال رسميا، من عهد “المارونية السياسية” الى عهد الطيعة السورية لاتفاق الطائف، تعاقب على تولي منصب وزارة الخارجية اللبنانية كل من الوزراء، سليم تقلا، هنري فرعون، حميد فرنجيه، حسين العويني،شارل حلو، ناظم عكاري، صائب سلام، خالد شهاب، موسى مبارك، جورج حكيم، الفرد نقاش سليم لحود، شار ل مالك، فيليب تقلا، فؤاد عمون، فؤاد بطرس، علي عرب، يوسف سالم، رشيد كرامي، نسيم مجلاني، خليل ابو حمد، خاتشيك بابكيان، فؤاد نفاع، لوسيان دحداح، كميل شمعون، ايلي سالم، نبيل محمد قريطم، ميشال عون، سليم الحص من بين هؤلاء الوزراء انتقل كل من شارل حلو، كميل شمعون، الى قصر بعبدا، وكل من صائب سلام ورشيد كرامي وحسين العويني وسليم الحص الى رئاسة الحكومة.

مثلت هذه المرحلة منذ فجر الاستقلال وحتى اتفاق الطائف، مرحلة ما يعرف بالصلاحيات الموسعة لرئيس الجمهورية، حيث كان الوزراء منفردين او مجتمعين داخل المجلس الوزاري يتناغمون مع سياسة الرئيس المحلية والخارجية، وكان الرئيس قادرا على إقالة اي وزير يخرج على السياسة العامة للدولة التي يرسمها رئيس الجمهورية، حتى تلك التي سعت الى ربط لبنان بحلف بغداد ايام الرئيس كميل شمعون، وانهت عهده بثورة 1958. ومن هؤلاء الوزراء من سطر ورفع اسم لبنان عاليا في المحافل العربية والدولية، ومن بينهم حميد فرنجيه وشارل مالك وفؤاد بطرس وايلي سالم و …… بعد زوال ما سمي بعهد “المارونية السياسة”، وسيطرة زمن الوصاية السورية ومن يعده الوصاية الايرانية على لبنان، تراجع حضور لبنان السياسي الخارجي، الى مندركات لم تخطر يوما في بال الآباء المؤسسين للجمهورية اللبنانية، فاصبح، بعد العام 1990، على وزير الخارجية اللبناني ان يأخذ إذنا من وزير خارجية سوريا قبل ان يلقي خطابا في اي محفل عربي او دولي، وذلك في إطار ما سمي ب “بمعاهدة الاخوة والتنسيق”، بين لبنان وسوريا، ومقولات سادت خلال زمن الوصاية، من نوع “شعب واحد في دولتين”. وكان على وزير الخارجية اللبناني ان ينتظر كلمة نظيره السوري في اي محفل دولي، ليبني عليها مقتضى كلمته، او ليبني رئيس جمهورية لبنان مقتضى خطابه. مثل لبنان خارجيا في تلك الحقبة، كل من الوزراء، فارس بويز، سليم الحص، طلال ارسلان علي الخليل، جان عبيد. ومثل الوزير محمود حمود بداية وقوع سيطرة وزارة الخارجية اللبنانية تحت تأثير الوصاية الايرانية ومع زوال عهد الوصاية السورية، ووقوع لبنان تحت الوصاية الايرانية، تبدلت هوية وزراء الخارجية وأصبحوا من لون سياسي يمثل مصالح حزب الله بالدرجة الاولى، في معزل عن مصلحة الدولة اللبنانية، وكان الوزراء محمود حمود فوزي صلوخ، علي الشامي عدنان منصور وجبران باسيل خير من مثل ويمثل هذه الحقبة. مرة جديدة، يغيب الاهتمام المسيحي بصورة لبنان وكيانيته، فتتحول سياسة لبنان الخارجية من التعبير عن المصلحة اللبنانية لاكثر من خمسة عقود، لتتحول سياسة لبنان الخارجية الى ملحقة بسوريا ومن ثم بايران.