الياس الديري: كلامٌ ظريف إنّما الحَذَر واجب/روزانا بومنصف: بيروت بوابة العبور الديبلوماسي الى دمشق زيارة ظريف أكثر من عصفور بحجر واحد/خليل فليحان: إيران لا تريد التدخل في الاستحقاق وتتجنّب التورّط قبل تفاهمها مع السعودية

356

كلامٌ ظريف… إنّما الحَذَر واجب
الياس الديري/النهار/13 آب 2015
كثيرة هي المؤشرات الايجابيّة، والايحاءات والوعود التي حملتها زيارة الوزير محمد جواد ظريف من طهران الى بيروت. ومن كبار المسؤولين الإيرانيين الى كبار المسؤولين في لبنان. والى جميع اللبنانيين. وانطلاقاً من التشديد على الاستقرار والأمن بلوغاً لقضية القضايا المتمثّلة بالاستحقاق الرئاسي. وبوضوح، وكلام مباشر لا يعني فئة لبنانية واحدة بل الجميع. من هنا قول القائلين إن الزيارة بحدّ ذاتها حدثٌ كبير، يحمل رموزاً يمكن حلّ ألغازها لاحقاً. يكفي أنها تمّت بمعظم دورتها وأبعادها في اليوم الذي بدأت فيه “قوّات” الجنرال ميشال عون الانتشار و”التمركز” في بعض المراكز الاستراتيجيّة. طبعاً، هذا ليس كل الزيارة، وكل ما حملته من بشائر الى الشعب اللبناني الشديد التوق الى مَن يبشّره بأن الحرب العالمية الثالثة المقتصرة على العالم العربي باتت في نهاياتها. والى هذه البشرى “تلويحة” فضفاضة من فم الوزير الظريف، يُفهم منها أن الفراغ الرئاسي في لبنان لم يعد نذراً أبدياً. فالكلام الدقيق جداً الذي صدر عن ظريف في السرايا وعين التينة وعَبْر القريبين من “القريبين” يفيض بالتفاؤل. والوعود. بل يكاد يقول نيابة عن الوزير الإيراني، الذي أدهش كبار أميركا وأوروبا، أن “الحلول اللبنانية” لم تعد حلماً أو حصرماً رأيته في حلب. وتعمُّد الزائر حامل البشائر الاعلان عن دعم الحكومة والاستقرار والأمن والحوار، بفقرة لا لبس فيها ولا غموض: “نحن نثمّن الدور الكبير الذي لعبه شخص دولة رئيس مجلس الوزراء في لبنان تمام سلام لتوفير الأمن، ومكافحة التطرّف والإرهاب، ولخلق وإيجاد التعاون بين مختلف الأفرقاء اللبنانيين”. وليس هذا فحسب، بل إنه كان حريصاً بدقة متناهية على تأكيد تشجيع طهران “الحوارات القائمة بهدف الوصول الى اتفاق على رئاسة الجمهورية. إن أصدقاء لبنان مستعدّون للمساعدة ولن يتأخروا”. هنا بالذات، بالتحديد، بيت القصيد وبيت الداء، وبيت الفراغ الذي يأكل كالهمّ من صحون اللبنانيين في الوقعات الثلاث. واذا كانت التصريحات العلنية لظريف قد تضمَّنت هذا القدر من المصارحات و”المطارحات”، فمن البديهي أن تكون المحادثات خلف الأَبواب المغلقة، وتلك التي جرت ليلاً وخلف “الأسوار”، قد حملت قدراً كبيراً من البشائر والتفاهمات والوعود التي لا ينطبق عليها مَثَل عَ الوعد يا كمّون. أو هذا ما يتمناه اللبنانيون. عندما يتطرَّق وزير خارجية إيران في محادثاته الى الاستقرار، والأمن، والحوار والتطرّف، والاستحقاق الرئاسي، يترتَّب على بعضهم أن يسمع جيّداً، ويتفهّم جيّداً. لكن المَثَل يقول سوء الظن من حسن الفطن، والحذر واجب الى أن يزمِّر بُنَيِّنا…

بيروت بوابة العبور الديبلوماسي الى دمشق زيارة ظريف أكثر من عصفور بحجر واحد
روزانا بومنصف/النهار/13 آب 2015

عبر وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف من بيروت التي زارها إلى دمشق من اجل لقاء الرئيس السوري بشار الاسد. كانت دمشق بوابة العبور الى بيروت زمن امساك النظام السوري بالقرار اللبناني وكان النظام ينزعج جدا من زيارة اي ديبلوماسي او سياسي لبيروت قبل توجهه الى دمشق اولا فيما اضحت بيروت المعبر شبه الوحيد الذي يؤدي الى العاصمة السورية. وهذا الانزعاج حاول ترجمته في الامس القريب مع عبور الموفد الدولي للازمة السورية ستيفان دو ميستورا من بيروت الى دمشق ولقائه مسؤولين لبنانيين الى درجة دفعت بالديبلوماسي الدولي الى تقليل فرص لقائه هؤلاء في حلّه وترحاله من بيروت لئلا يؤثر ذلك على طبيعة مهمته وعدم اغضاب النظام السوري. لكن سيكون صعبا على الرئيس السوري الاعتراض على زيارة ظريف بيروت ولقائه المسؤولين اللبنانيين قبل زيارته دمشق لعدم خشيته مما قد تتركه لقاءاته معهم ولان ايران هي من تؤمن استمرار الاسد. وتزامن ذلك فيما كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يبحث في موسكو في الازمة السورية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الذي اقر بوجود نقاط خلافية ومن بينها مصير الاسد، في اعلان نادر من المسؤولين الروس بان مصير الاسد بات على طاولة البحث الجدي علما ان عقدة الاسد نشأت بعد بيان جنيف 1 في حزيران 2012 وبدأ الاختلاف الروسي الاميركي في تفسير ترجمة المرحلة الانتقالية. وكان الرئيس الاميركي باراك اوباما اعلن قبل خمسة ايام من اللقاء الديبلوماسي السعودي الروسي انه يرى “بارقة امل للحل السياسي في سوريا لان حليفي النظام في دمشق روسيا وايران باتا يعتقدان ان ايام النظام باتت معدودة وان الرياح لا تميل لمصلحة الاسد”. لافروف نقض بعد مباحثاته مع نظيره السعودي ما ذهب اليه اوباما من حيث تأكيده تناقض المواقف في شأن مصير الاسد الذي لا ترى المملكة السعودية مكانا له في مستقبل سوريا. والامر يذكر بانه مسؤولين غربيين كثر كانوا يضعون كلاما خلال العامين الماضيين على ألسنة المسؤولين الروس سرعان ما ينقضها هؤلاء من خلال تأكيد ثبات مواقفهم من الازمة السورية ومن دعم الاسد ودعم المنطق الذي يرفعه بمواجهة الارهاب. لكن مصادر ديبلوماسية تنقل عن جهات دولية ان الجميع بات يدرك انه سيكون صعبا جدا ان يستمر الاسد في موقعه اذا كان البحث جديا وحاسما لايجاد حل للازمة السورية، وهذا سيحصل في وقت ما، لكن المحاولات الروسية والايرانية ستستمر من اجل الاحتفاظ له بموقع اذا كان ذلك ممكنا، ولن يكون ذلك متاحا قبل نضوج التسويات في المنطقة.
زيارة ظريف ادرجتها مصادر في بيروت من ضمن جملة عوامل خصوصا انها ليست مقصودة في ذاتها مقدار ما تندرج من ضمن جولات لرئيس الديبلوماسية الايرانية على بعض الدول في المنطقة. لكنها يمكن ان تصيب اكثر من عصفور بحجر: جس نبض وعلاقات عامة تستفيد من الدينامية التي اطلقها الاتفاق النووي لمصلحة المعتدلين في ايران وترويجه المتشدد للاستقرار في لبنان وتثبيت ما هو قائم بالتوافق وتثمين جهود رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام على نحو يمكن ان يفتح له ابوابا لا تزال مغلقة امامه في المنطقة باعتبار ان لبنان هو منبر يمكن ان توجه عبره رسائل الى بعض دول المنطقة كما الى الغرب. لا صلاحية لديه لحلول على غرار ما يمكن ان يفك رهن استحقاق انتخابات الرئاسة اللبنانية وفق ما تبين سابقا اقله في لقائه مع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس اذ احال الكلام في هذا الموضوع الى الرئيس حسن روحاني. اذ ان لبنان قد لا يكون الاولوية قبل ملفات ملحة اخرى يتعين على ايران ان تثبت حسن نواياها ازاء المنطقة كما هي الحال بالنسبة الى اليمن مثلا. ثانياً رصد ردود الفعل على مشروع الحل للازمة السورية التي قالت ايران انها ستقدمه الى الامم المتحدة في موازاة التسويق لما بعد الاتفاق النووي ومواجهة الارهاب في المنطقة خصوصا ان الشق المتعلق بلبنان وعلاقة ايران بـ”حزب الله” وبالنظام السوري اكثر ما يرتبطان بالحرس الثوري والمتشددين الايرانيين منه بالديبلوماسية الايرانية.
في الانتظار تسعى روسيا وايران كل من جهتها الى محاولة النفاذ الى حلول تحفظ لهما مصالحهما وتاليا امكان ابقاء موقع للرئيس السوري بشار الاسد من باب مواجهة الارهاب. فروسيا تدفع في اتجاه تعاون اقليمي في هذا الاطار نفى لافروف ان يكون على غرار التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من اجل محاربة تنظيم الدولة الاسلامية وحدده على انه تعاون وتنسيق اقليميين مع الاسد اي مع كل من الجيش السوري والجيش العراقي والمعارضة المعتدلة كما قال. في الوقت الذي يتعذر عمليا البناء على هذا المنطق وفقا للمصادر المعنية استنادا الى ان الجيش العراقي قد انهار وتفكك الى درجة اضطرت الولايات المتحدة ومجموعة دول الى التدخل فضلا عن انشاء ميليشيات مذهبية من اجل محاربة داعش. ولم يلبث الرئيس السوري ان اضطر أخيراً الى الاعلان عن تضاؤل حجم قواته واضطرارها الى التراجع والتخلي عن مناطق لم تعد تستطيع الاحتفاظ بها والدفاع عنها في الوقت الذي يسانده ميدانيا ميليشيات شيعية لم يكن ليستمر من دونها. وتوقفت جميع المحاولات في العراق نتيجة الفشل في المصالحة السياسية الشعبية التي تؤمن وحدها الغطاء لمواجهة داعش.

 إيران لا تريد التدخل في الاستحقاق وتتجنّب التورّط قبل تفاهمها مع السعودية
خليل فليحان/النهار/13 آب 2015

لم يتجاوب وزير خارجية إيران مع رغبة أكثر من مسؤول رفيع في أن تسعى بلاده مع الأفرقاء المعنيين الى انتخاب رئيس جديد للبنان، أولا لأن القيادة الإيرانية لا تريد أن تتورط في المستنقع اللبناني كما سبق لسوريا أن فعلت. ثانيا، تعلم إيران ان فريقا كبيرا يناهض سياستها ما دامت على خلاف مع السعودية التي تطالبها بعدم التدخل في الشأن اللبناني، إضافة إلى الدعم العسكري لحزب الله الذي يقاتل في سوريا الى جانب قوات النظام الذي تطالب الرياض بترحيل رئيسه بشار الأسد في أي حل. وجدد موقف المملكة وزير خارجيتها عادل الجبير من موسكو وفي شكل علني، وهذا ما يجعل ظريف يتمسك برفض اي تدخل في الموضوع الرئاسي قبل عودة العلاقات الطبيعية مع السعودية. وثالثا، إن حزب الله له موقعه ومكانته في طهران التي تعتبره قوة استراتيجية لأنها تمكنت من تحرير أجزاء من الجنوب بعد قتال ضد الجيش الاسرائيلي، وهو القوة العربية الوحيدة التي تمكنت من الانتصار على اسرائيل وتمنع اي عدوان تحاول شنه على لبنان، نظرا الى الترسانة الصاروخية. وبالتالي لن تطلب من نصرالله التخلي عن ترشيح رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون الذي هو ايضا صديق ايران. وهذا تماما ما يفسر جواب ظريف لدى تطرق الرئيس سلام الى موضوع الفراغ الرئاسي، إذ جاراه المسؤول الإيراني الرأي في ضرورة ملئه بالحوار، دون أن يبدي اي استعداد للسعي، مؤكدا ان انتخاب رئيس الجمهورية هو “شأن داخلي بالدرجة الأولى”. وأضاف ظريف أن أصدقاء لبنان مستعدون ولن يتأخروا عن بذل المساعي الحميدة. وعادفلمّح إلى أن الموضوع يستوجب “توافقا داخليا”. ولخّص أكثر من مصدر شارك في اللقاءات التي عقدها ظريف مع المسؤولين لـ”النهار” أهداف الزيارة بأنها “لإطلاع المسؤولين على تلك التفاهمات” حول برنامج الاتفاق النووي لبلاده. وشرح لهم كيف يمكن لبنان ان يستفيد من مفاعيله تجاريا واقتصاديا ومن خلال المشاكل التي يعانيها، كالطاقة الكهربائية والنفايات. وطمأن خلال لقاءاته الى ان العقوبات المفروضة على بلاده ستزول، وكانت الولايات المتحدة الاميركية قد وضعتها بسبب التقدم النووي وتوقع زوالها بعد إقرار الاتفاق، مما سيؤدي إلى عدم بقاء أي عائق أو مانع أمام هذا الانفتاح على لبنان. ولفت مصدر وزاري الى مدى تأثر المسؤولين بما عرضه ظريف عليهم من استعدادات، فأوضح ان اتفاقات كثيرة موقعة بين البلدين مذ كان الرئيس رفيق الحريري رئيسا للحكومة، لكن المشكلة تبقى في التنفيذ وفي انحياز السياسيين والمصالح التي يتبنونها ويدافعون عنها، اضافة الى التدخل الاميركي تجاريا، من أجل تسويق شركاتها، وسياسيا لإبعاد النفوذ الإيراني في لبنان. وما من سياسي يمكنه ان ينسى المساعدات العسكرية التي طرحتها إيران على الجيش، ولاسيما قبل معركة عرسال وبعدها، وقد رفضت بضغط اميركي وتحت عنوان ان لبنان لا يمكنه قبول أي هبة ايرانية، وخصوصا اذا كانت سلاحا، في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليها. أما الهدف الثاني فهو الاستفسار من المسؤولين عن المبادرة الإيرانية لحل الأزمة السورية وموقفهم من الأفكار التي تجري بلورتها. وسمع أن أزمة اللاجئين يمكن إضافتها إلى صلب المبادرة.أما الهدف الثالث للزيارة فهو تأكيد الاستقرار والاستعداد لمساعدة لبنان في التصدي للارهاب وحض الافرقاء اللبنانيين على التوافق والحوار مدخلاً لحل الأزمات في لبنان.