خليل حلو: الفساد والفاسدين والمفسدين

277

الفساد والفاسدين والمفسدين
خليل حلو/10 آب/15/فايسبوك

بالأمس نزل العراقيون إلى الشارع وتظاهروا في بغداد ضد الفساد المستشري في بلدهم وأجبروا رئيس وزرائهم الحالي حيدر العبادي على إتخاذ إجراءات قانونية وإدارية للحد من الفساد والفاسدين. حسناً فعل العراقيون ونحن نهنئهم على هذه النخوة، وإذا لا تخوننا الذاكرة هذه هي المرّة الأولى التي نرى فيها شعباً عربياً يثور على الفساد.

أما عندنا فنزل طلابنا إلى الشارع بين الأعوام 1997 و2005 وبكل فخر واعتزاز وتظاهروا ضد الاحتلال السوري وتعرضوا للقمع والسجن والتهديد، ولكننا لم نتحرك يومأ ضد الفساد، علماً أنه موجود ومستمر في لبنان منذ أيام متصرفية جبل لبنان وولاية بيروت، ولكن بعض العهود قامت بمكافحته بفعالية، ولا سيما عهدي الرئيسين فؤاد شهاب وشارل حلو. ومنذ زوال الاحتلال السوري في العام 2005 تفشت ظاهرة الفساد على جميع الصعد وبشكل سرطاني، والمواطنون يعانون منه ولا يثورون بل يساهمون فيه عن قصد أو غير قصد، إنطلاقاً من اللامبالاة أو للسهولة.

في دوائر الدولة تصاعدت الرشاوى صاروخياً وليس هناك محاسبة. ولكن الحق يقال أن ليس جميع موظفي الدولة فاسدين بل هناك منهم من هو متمسك بنزاهته رغم ضائقة العيش. ليس هناك من يحاسب لأن الفساد ضرب كافة الرعائل في التراتبية الهرمية الإدارية، وصولاً إلى السياسيين والقادة ولا سيما الكثيرين من الوزراء والقضاة، ولا بد من إلقاء نظرة على منازل هؤلاء وسياراتهم ونمط عيشهم وعدد مرافقيهم والتساؤل عن مصادر تمويل كل ذلك. الأمر واضح والنيابة العامة المالية غائبة لأسباب محض سياسية وربما بسبب … الفساد. وفي حال محاولة محاسبة أحدهم تستفيق الطائفية، وتقوم القيامة وكأن الفاسد هو الدرع الحصين لطائفته ومحاسبته تعني محاسبة الطائفة بكاملها.

وهناك أيضاً فساداً بنيوياً في القوانين اللبنانية التي تترك للوزير مجالاً واسعاً للإستنساب والمخالفات، وفي مجالس الوزراء تتم المفاوضات بين المتخاصمين خلف الكواليس لتمرير الصفقات المتبادلة، ولهذا السبب لا تذهب الفضائح حتى النهاية لأنه غالباً ما تتوقف عندما يتم إرضاء الذي أثارها بصفقة لصالحه.

أما الموضة في هذه الأيام فهي إستغلال البيئة والنفايات لغايات سياسية من قبل السياسيين ومن قبل غير السياسيين الطامحين إلى السياسة، ويذرون الرماد في العيون موهمين الناس أنهم يوظفون السياسة من أجل البيئة بينما العكس هو صحيح … .

وأخيراً نقول وبما أننا لم نصل بعد إلى المواطنة اللبنانية الحقيقية بعد 95 سنة من إنشاء دولة لبنان الكبير، وما زلنا غارقين في الطائفية والمذهبية: لماذا لا تحدث داخل كل طائفة ثورة قيـَم ضد الفساد والفاسدين. لماذا أيها اللبنانيون تتمسكون بزعماء مداخيلهم معروفة أو شبه معروفة وهم يعيشون بنمط يتجاوز مداخيلهم بأضعاف؟ بينما تئنـّـون أنتم من البطالة وتركضون خلف لقمة عيشكم وتتوسلون الزعماء لتحظوا بالوظائف ولتتنعموا بما يتركونه لكم من فتات. كيف ما تزالون تصدّقون أنـّهم سيأخذوكم إلى الجنـّة؟ كيف تصدّقون أن الفاسدين الموجودين في الحكم والطامحين إلى المناصب الرئاسية والوزارية سيخلـّصون البلد؟ إن مكافحة الفساد وبناء لبنان يبدآن بثورة قيـَم وهذه الثورة هي داخلية بإمتياز، داخل كل واحد منكم، وحليفكم الوحيد فيها هو الله، وعندها يرتاح لبنان.