عبد الكريم أبو النصر: من حقيبة “النهار” الديبلوماسية – ثمن الاتفاق النووي الإيراني/نديم قطيش: إعلان القاهرة» أو تحالف مكة ـ الأزهر

333

من حقيبة “النهار” الديبلوماسية – ثمن الاتفاق النووي الإيراني
عبد الكريم أبو النصر/النهار/7 آب 2015
لخص مسؤول غربي بارز شارك في المفاوضات النووية حقيقة الإتفاق النووي الإيراني – الأميركي – الدولي الموقع في فيينا إستناداً الى نصه الرسمي المؤلف من أكثر من 150 صفحة وبعيداً من القراءات الخاطئة والأوهام، فقال لنا في جلسة خاصة: “أنهت أميركا والدول الأخرى في مجموعة الست نزاعها النووي مع إيران بعدما فرضت عليها شروطها ومطالبها الأساسية إذ ان الإتفاق انتزع من الإيرانيين كل القدرات والإمكانات التكنولوجية المتطورة التي يمكن أن تسمح لهم بإنتاج السلاح النووي وألزمتهم تقديم تنازلات جوهرية كبيرة في مجالات حيوية عدة والتخلي عن الخطوط الحمر المعلنة والموافقة على تنفيذ إنقلاب حقيقي في تركيبة برنامجهم النووي الذي عملوا على بنائه طوال 12 سنة وبلغت نفقاته نحو 100 مليار دولار وتحملوا في سبيله خسائر تتجاوز 200 مليار دولار أو أكثر بسبب العقوبات القاسية التي فرضتها عليهم الدول الكبرى. ولو لم تكن إيران تسعى الى إنتاج السلاح النووي لكانت أنجزت إتفاقاً مع الدول الست منذ العام 2006 ولما تكبدت الخسائر الهائلة. والواقع ان أميركا والدول الكبرى الأخرى أنجزت مع إيران إتفاقاً على تسوية مشكلة محددة سلمياً هي مشكلة البرنامج النووي الإيراني المثير لقلق دول المنطقة والعالم، لكنها لم تعقد معها صفقة سياسية – استراتيجية شاملة تتناول مستقبل المنطقة ورفضت منحها أي دور خاص مميز فيها. فاتفاق فيينا ينجز سلاماً نووياً مشروطاً بين الدول الكبرى وإيران أساسه إنهاء طموح الجمهورية الإسلامية الى التحول قوة نووية مسلحة ، لكنه لم ينجز سلاماً سياسياً إذ ان الخلافات عميقة وكبيرة بين الغربيين والإيرانيين على النزاعات الإقليمية الرئيسية وستظل قائمة ما لم تبدل طهران سياساتها. وفي مقابل هذه التنازلات ستتمكن إيران من إستعادة جزء من خسائرها تدريجاً شرط أن تنفذ في إشراف دولي كل الالتزامات التي ينص عليها إتفاق فيينا”.
وأوضح المسؤول الغربي ان أبرز التنازلات الإيرانية المقدمة الى الدول الست ثمناً لتوقيع اتفاق فيينا هي الآتية:
أولاً – ألزمت الدول الكبرى إيران التخلي عن كل المكونات والعناصر والمواد التي يمكن أن تسمح لها بامتلاك السلاح النووي وجعلتها توافق على تغيير تركيبة مفاعلي فوردو وآراك من أجل ضمان عدم إنتاج مواد قابلة للإستخدام العسكري.
ثانياً – يلزم الإتفاق إيران التخلي عن برنامج صناعي متطور لتخصيب الأورانيوم والإكتفاء ببرنامج محدود للتخصيب في مفاعل ناتانز يمنعها من إستخدامه للأغراض العسكرية.
ثالثاً – يفرض الإتفاق على إيران إخضاع برنامجها النووي كاملاً لنظـام تفتيش دولي صـــارم لمــدة تراوح بين 20 و 25 سنـة هـو الأشـــد صـرامــــة في التـــاريخ يسمـح لمفتشـي الوكالــة الدوليـة للطاقـــة الذريــــة بالعمـل يوميـــاً وزيارة وتفقد كل المنشآت والمواقـع النوويـــــة أو تلك المرتبطـــة بها من أجـــل ضمـان عـــدم وجود نشاطات ذات طابع عسكري.
رابعاً – تخلت إيران عن المطالبة برفع العقوبات فور توقيع الإتفاق ورضخت للشروط الدولية إذ ان هذه العقوبات سترفع تدريجاً وعلى مراحل بعدما تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية رسمياً ان الإيرانيين نفذوا مجموعة كبيرة من الإلتزامات التي تضمن سلمية البرنامج.
خامساً – إضطرت إيران الى تقديم تنازل كبير إذ وافقت على إعادة فرض العقوبات عليها إذا انتهكت الإتفاق. ويتحقق ذلك على أساس صيغة جديدة فريدة إقترحها الفرنسيون ووافقت عليها الدول الأخرى تقضي بتشكيل لجنة تضم الدول الست وإيران وممثلة الإتحاد الأوروبي تنظر في أي إنتهاك للإتفاق وتتخذ قراراتها بالغالبية وليس بالإجماع مما يمنع روسيا والصين من إستخدام حق النقض. وهذه القضية تشكل عقبة أمام عودة المستثمرين الأجانب على نطاق واسع الى إيران.
سادساً – التزمت إيران عوض الإتفاق رسمياً “عدم السعي الى تطويــــر وامتــــــلاك أي سلاح نووي تحت أي ظرف من الظروف” كما انهــا موقعــة معاهــــدة منع انتشار الأسلحة النوويـــة مما يعني ان أي مسعى لامتــلاك هـــذا الســـلاح يشكـل إنتهــاكـاً للاتــفــــــاق تكــــون لــه عواقب عـلى الإيرانيين.
سابعاً – في مقابل هذه التنازلات ستستعيد إيران تدريجاً أموالها المجمدة في الخارج والتي تبلغ أقل بكثير مما يشاع. فقد أكد وزير الخارجية الأميركي جون كيري في جلسة نقاش في الكونغرس ان الأموال التي ستستعيدها إيران في حال تنفيذ الإتفاق تبلغ فقط 55 مليار دولار، أما محافظ المصرف المركزي الإيراني فقال إن قيمة الأموال المجمدة في الخارج تبلغ 30 مليار دولار لا أكثر.
وخلص المسؤول الغربي الى القول: “يستطيع الإيرانيون الإفادة من اتفاق فيينا وإنجاز مكاسب حقيقية ملموسة إذا ركزوا جهودهم على البناء الداخلي وتحسين أوضاعهم ومعالجة مشكلاتهم الهائلة وتوقفوا عن تصدير الثورة الى الخارج والعمل على زعزعة الاستقرار في ساحات إقليمية عدة. وفي أي حال هذا هو فحوى الرسالة الأميركية الغربية الى القيادة الإيرانية”.

النائب ابراهيم كنعان لـ”النهار”: موقع الرئاسة خطّ أحمر والشارع خيار منعاً لتهميشنا
مسعى توفيقيّ يقوم به في انتخابات “التيّار الوطني الحرّ” الداخلية
“النهار”./ألين فرح/7 آب 2015
كثيرة هي الملفات التي يمكن الحديث عنها مع أمين سر “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ابرهيم كنعان. من “تشريع الضرورة” الى آلية عمل الحكومة والمشاركة الفعلية ومحاولة التهميش، والعلاقات المسيحية – المسيحية، وانتهاء بالحدث الأبرز انتخابات “التيار الوطني الحر” الداخلية… لكن التمديد سنة واحدة للقيادات العسكرية فرض نفسه باباً أول على الحوار، اذ قال كنعان “ما حصل اليوم مرفوض لأن القضية مبدئية، ونحن أعلنا مراراً وتكراراً أننا ضد التمديد، بدءاً من مجلس النواب، مروراً برئاسة الجمهورية، وصولاً الى القيادات الأمنية وغير الأمنية، لأنه يشكّل خرقاً للمبادىء الديموقراطية والدستورية والميثاقية التي ننادي بها”. يتكتّم كنعان على شكل التحرّك أو اداء “التيار” في المرحلة المقبلة، “لكن بالتأكيد سيكون لنا موقف، والشارع هو أحد الخيارات”.
يتحدث كنعان عن “تشريع الضرورة” في ظل الشغور الرئاسي، فيقول انه يفترض أن يكون التشريع محصوراً بالامور الاستثنائية والوطنية الكبرى، كالمشاريع المتصلة بتكوين السلطة وقانون الانتخابات والقوانين التي تجسد مصلحة وطنية، كمشروع الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب واستعادة الجنسية للمتحدرين من اصل لبناني… “ضمن هذا الاطار، نحن مع فتح مجلس النواب للتشريع وفق جدول أعمال يكون عنوانه الأساس المشاريع التي تجسد الضرورات الوطنية، وهذا الأمر تمّ بحثه مع الرئيس نبيه بري ومع جميع الكتل النيابية عند الشغور، وكنا عقدنا جلسة في تشرين الثاني 2014 أقرّت فيها قوانين مالية كاليوروبوند وسواها ولم يتعطّل مجلس النواب. لذا الخلاف اليوم على جدول الأعمال وليس على مبدأ عقد الجلسة”. هل من مبادرة ما في هذا الاطار؟ يجيب كنعان “لا يمكن وصفها بالمبادرة، لكن هناك أفكاراً يتمّ بحثها وترتكز على فتح دورة استثنائية يتم التفاهم على مضمونها”. أما حكومياً، فموقف “التكتل” واضح من آلية عمل الحكومة. “صلاحيات رئاسة الجمهورية وموقع الرئاسة بالنسبة الينا خط أحمر. نحن نمثل جزءاً اساسياً من هذه الرئاسة في ظل الشغور وفقاً للمادة 62 من الدستور التي تقول صراحة بانتقال صلاحيات الرئيس الى مجلس الوزراء وكالة، أي الى المؤسسة الدستورية وليس الى أي فرد منها أكان رئيساً أو وزيراً”. أما في ما يخصّ الخلاف على جدول الأعمال فهو ليس خلافاً على صلاحيات رئاسة الحكومة أو انتقاصاً منها، بل على حق الكتل في الحكومة بأن تطالب بجدولة بنود تعتبر اليوم أكثر من ضرورية. نحن نرفض تهميشنا كما اعتاد البعض سابقاً وأثناء عهد الوصاية، فلا يمكن للبنان أن يستقرّ وتستقيم أحواله الا من خلال احترام حقوق الجميع بشراكة وطنية فعلية”.
يتحدث كنعان عن تيار “المستقبل” الذي “حاولنا معه بكل الوسائل من خلال الخصومة والمواجهة والحوار ومحاولة التفاهم، لكن كلما اقتربنا من تحقيق خرق ما في ملف أساسي يحصل تراجع تسبقه حملة مفتعلة لتبرير الانسحاب وإبقاء الأمور على حالها. فرغم الكلام الإيجابي عن المسيحيين ودورهم في لبنان وحضورهم لم نرَ ترجمة فعلية لا بقانون الانتخاب ولا برئاسة الجمهورية من خلال احترام ارادة المسيحيين وحقوقهم. اضافة الى ملفات اخرى نختلف فيها مع “المستقبل” وأبرزها الملف المالي واستعادة المالية العامة الى كنف الدستور وقانون المحاسبة العمومية…
“نقزة” غير مبررة
بعد “اعلان النيات” مع “القوات” أخذت العلاقات المسيحية منحى جديداً، “هو التعاطي الايجابي والبناء حيث نتفق والتنافس الايجابي والبناء حيث نختلف، ما جعل الالتقاء على قواسم مشتركة ممكناً مثل تشريع الضرورة ومحاولات التفاهم على مسائل أخرى كقانون الانتخاب واستعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني، ورئاسة الجمهورية. علماً أني أقرّ بوجود صعوبات في بعض هذه الملفات آنية وليست دائمة، منها التزامات سابقة لهذا الاتفاق، ومنها ما لا يتعلق بنا كمسيحيين بل بحلفاء كل طرف منا، أعني بذلك الخلاف السني – الشيعي الذي ينعكس على الملفات الوطنية كرئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب”. وأعرب عن طموحه الى أن تنتقل العدوى الى حزب الكتائب “الذي طالما اعتبر ان الوضع المسيحي يجب أن يعالج بين “التيار” و”القوات”، وبما ان ذلك حصل، فما الذي يمنع من التعاون الأوسع والأشمل معه ومع سواه؟”، معتبراً أن أي “نقزة” من التفاهم مع القوات غير مبررة. وفي موضوع رئاسة الجمهورية، يسأل كنعان لماذا لا يحق للمسيحيين أن يكون لهم رئيس يؤيدونه وينطلق من حيثيتهم وبيئتهم وواقعهم؟. “ميشال عون رشحته الأغلبية المسيحية التي انتخبته العام 2009 وأعطته 27 نائباً، اذاً هو مرشح طبيعي للمسيحيين ويحظى بتأييد مسلمين. ومقولة انه مرفوض خارجياً تعزز قناعتنا بأن يكون الرئيس المقبل، لأننا نريد رئيساً صنع في لبنان وليس تابعاً لمصالح داخلية وخارجية لا علاقة لها بمصلحة الدولة”.
مسعى توفيقي
“التيار الوطني الحر” اليوم أمام امتحان غير مسبوق لإثبات شعاراته ونضالاته السابقة والحالية عبر انتخابات داخلية ستجرى في 20 أيلول لاختيار رئيس. أين ابرهيم كنعان من هذه الانتخابات؟ يجيب ان “التيار الذي عرف بمقاومة الاحتلال السوري ومواجهة كل أشكال الوصاية ورفع شعار “حرية سيادة استقلال” وما يعني من احترام لحرية الانسان وقراره وخياراته، عليه اليوم أن يقدّم نموذجاً لهذه الديموقراطية التي نادى وينادي بها والحرية التي نذر نفسه لأجلها. موقفي ينبع من إيجاد صيغة نظامية وحزبية جامعة تنقل “التيار” الى مرحلة المأسسة الحزبية من دون أضرار، وضرورة اعطاء رسالة واضحة للقواعد العونية بوحدة “التيار” وتماسكه، وخصوصاً على مستوى قيادة جديدة تفرض عدم وجود العماد عون حزبياً على رأسها، علماً أنه لن يغيب عنها لحظة لرعاية شؤونها أو عندما يحتاجه “التيار”.
ثمة مسعى توفيقي أقوم به يرتكز على صيغة معينة في النظام، على التشارك في مواقع قيادية معينة، تكريس للنظام الرئاسي بمعنى صلاحيات الرئيس انما مع ضوابط تجسّدها العودة الى المجلس الوطني واعتماد الشراكة في اتخاذ القرارات في السلطة التنفيذية أي المجلس السياسي. العماد عون يشجع هذا المسعى وأنا على تواصل دائم معه، وإذا لم نصل الى اتفاق كامل حول الموضوع، فالخيار الآخر هو الانتخابات بروح ديموقراطية”.

إعلان القاهرة» أو تحالف مكة ـ الأزهر
نديم قطيش/الشرق الأوسط/07 آب/15
خريف العام 2010، دق جرس الإنذار عميد الدبلوماسية العربية الأمير الراحل سعود الفيصل خلال أعمال القمة العربية في سرت. بكلام لا لبس فيه قال الفيصل إن «غياب الدور العربي الفاعل والمؤثر قد خلق فراغًا استراتيجيًا يتم استغلاله من قبل الكثير من الدول المجاورة».
كان هذا قبل أسابيع من اندلاع «الربيع العربي» من تونس، والبقية تعرفونها. الفراغ الاستراتيجي الذي حذر منه الفيصل هو الفراغ الذي يملأه «داعش» في العراق وسوريا (وسيناء وليبيا)، والميليشيات الشيعية التي تدعمها وتديرها طهران تحت عنوان مكافحة الإرهاب.
هذا السياق الفراغي، الممتد على طول سنوات خمس، أعلنت توقفه النهائي والحاسم زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة، بما هي زيارة إعادة إنتاج التوازن إلى هذه البقعة من العالم. كانت الصحوة السعودية في اليمن هي الشرارة الأولى لصحوة عربية تقودها المملكة، لإقامة توازن أمني في مواجهة تمادي الاختراق الإيراني عبر الميليشيات الحوثية، على حدود المملكة وفي قلب الخليج. زيارة الأمير محمد إلى القاهرة، ممثلاً الخيارات الاستراتيجية لبلاده، ذهبت بهذه الصحوة إلى مستويات جديدة تتجاوز موجبات الضغط الأمني المباشر في اليمن إلى قرار حاسم بإعادة هندسة البنيان الاستراتيجي العربي الذي لا يقوم قيامة حقيقية بغير الالتقاء السعودي المصري. السعودية هي الثقل النفطي والمالي والعسكري والحضور الدولي سياسيًا ودبلوماسيًا، ومصر هي العدد والمدد والعنوان الأصيل للعروبة السياسية، كدولة أمة ناجزة تامة بإمكانات كامنة لا حدود لها. وقبل هذا وذاك، المملكة هي مكة والمدينة، ومصر هي الأزهر، عنوانا الإسلام كمهد وكمؤسسة، وهذا ليس تفصيلاً.
فإعلان القاهرة وإن لم يتضمن في بنوده الستة إشارة محددة إلى مكافحة الإرهاب، إلا أن خلاصة البيان التي نصت على «العمل معًا من أجل تحقيق الأمن القومي العربي والإسلامي» واضحة في مراميها أكان لجهة محاربة الإرهاب أم مواجهة الاختراقات الخارجية للدول والمجتمعات العربية. كما أن البند الخامس في الإعلان الذي ينص على «تكثيف التعاون السياسي والثقافي والإعلامي بين البلدين لتحقيق الأهداف المرجوة في ضوء المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين، ومواجهة التحديات والأخطار التي تفرضها المرحلة الراهنة» ينطوي ضمنًا على تعيين أولوية مكافحة الإرهاب الذي يشكل اليوم تحديًا سياسيًا وثقافيًا وإعلاميًا ورأس حربة التحديات والمخاطر راهنًا. وهنا تبرز أهمية ثنائية «مكة – الأزهر» بوصفها القوة الرافعة لمشروع ثقافي إعلامي وسياسي لتجفيف منابع الإرهاب وتنقية الإسلام من القراءات والنصوص المؤسسة لفقه الجريمة كما لمعالجة أسباب الشقاق المذهبي الذي تستغله إيران في سياسة الاختراق السياسي والمجتمعي والأمني في الدول العربية. وتقع على عاتق هذا التحالف بين «مكة والأزهر» مهمة الإطلاق الجاد لما يسميه وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق «الشجاعة الفقهية» لمواجهة المرتكزات النصية والفقهية للإرهاب والانتصار عليه بتجريده أولاً من أي مشروعية إسلامية لا يزال يحسن التلاعب والتحايل بها على ذوي العقول والقلوب الضعيفة.
ليس خافيًا أن إيران ما بعد النووي، تستشعر النزيف الحاصل في قدرتها التعبوية حول عنواني مقارعة الاستكبار العالمي والصهيونية. وهي تجد أن مكافحة الإرهاب باتت مرتكز الوظيفة الإيرانية الجديدة في الإقليم، لتبرير تدخلاتها العسكرية واختراقاتها الأمنية والسياسية كما هو حاصل في سوريا والعراق ولبنان. وبالتالي هي صاحبة مصلحة في دوام الأسباب المنتجة للإرهاب ولوظيفتها في مكافحته تاليًا. وعليه فإن مكافحة الإرهاب، بالشكل الثقافي، إلى جانب مكافحته أمنيًا وعسكريًا وتنمويًا، يتجاوز كونه حاجة لسلامة مجتمعات دول المنطقة وحصانة هوياتها الوطنية، بل هو أيضًا مرتكز أساسي في المواجهة مع إيران التي تقود مشروعًا مذهبيًا تفكيكيًا للمنطقة ودولها ومجتمعاتها. ما يعني أن إعلان القاهرة، وكي يكون إعلان استعادة التوازن في مواجهة إيران، عليه أن يكون إعلان استعادة التوازن إلى الهوية الوطنية العربية. وهذا يفتح مزدوجين لملاحظة لا بد منها مصريًا. لاحظت في كثير من الإعلام المصري، ولأسباب قد تكون مفهومة، شهية لتوظيف إعلان القاهرة وزيارة الأمير محمد بن سلمان في سياقات مختلفة وبعيدة عن سياقها الحقيقي وكأنها تغليب لفريق على فريق أو تصحيح لموقف سعودي ما لا سيما استقبال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، كما ورد في عشرات المقالات. إنه من الظلم لمصر قبل السعودية تبديد زيارة استراتيجية بهذا الحجم على مستوى النهوض بمشروع عربي جديد، عبر تضييق الحسابات إلى هذا الحد من قبل نخبة صناعة الرأي العام في مصر. فالواقع الاستراتيجي العربي يتحرك في حقول من التجاذبات التي لا تترك مجالاً لترف الخيارات بالأبيض أو الأسود. وهو ما يلقي الضوء عليه الحركة السياسية للرياض وخوضها تجربة معقدة في إدارة التناقضات، كنمو العلاقة التركية السعودية رغم التوتر بين القاهرة وأنقرة ومحاولات الرياض إصلاح البين بينهما من دون توفيق حتى الآن، وتنمية العلاقات الروسية السعودية في لحظة الحوار الاستراتيجي مع واشنطن منذ كامب ديفيد وحتى لقاءات الدوحة وبعدها.
إعلان القاهرة، خطوة استراتيجية عربية في الاتجاه الصحيح لإعادة إنتاج التوازن إلى العالم العربي، وهو ما لا يمكن حصوله بغير إعادة الاعتبار لتحصين الهويات الوطنية العربية بما يتطلبه ذلك من مصالحات ضرورية، تحمي الدول القائمة وتسرع إعادة تكوين السلطة والدول في البلاد المنكوبة كاليمن وسوريا وليبيا، بعيدًا عن عقلية الإقصاء والثأر. تجاوزت العلاقات السعودية المصرية ما هو أعقد من ملف الإخوان. حين اندلعت في اليمن حرب بالوكالة بين جمال عبد الناصر والرياض لم يتصور أحد أن تكون المملكة أكبر داعم للقاهرة في مؤتمر الخرطوم بعد هزيمة 1967، وأن تكون لاحقًا الرافعة السياسية والعسكرية لـ«حرب أكتوبر 73». وحين وقع الشقاق المصري العربي مع أنور السادات عام 1979 بعد اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل، تصدرت السعودية الجهود لإعادة العلاقات العربية مع مصر بعد رحيل السادات، وهذا ما كان. إنها حقائق الجغرافيا ومعطيات المصير المشترك. هذا معنى ما ينبغي البناء عليه في زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى أرض الكنانة.